لمن حق “الفيتو” في مجلس الأمن السياسي اللبناني؟

مقالات 12 ديسمبر 2005 0

يقول الرواة الثقاة، وهم قلّة نادرة هذه الأيام في لبنان بالذات. يقولون إن ما يطفو على سطح المدينة من معلومات وحكايات وروايات ليس فيه من الدقة بشيء. هو فقط لتسلية الجمهور وإضافة عنصر الى أحاديثه المسائية أمام شاشة التلفزيون متسمراً أمام نشرات الاخبار المتغيرة. من موقف يجري دفعه الى حافة السماء لغاية ما مؤقتة وغير محسوبة النتائج. الى الموقف نفسه بحجمه الطبيعي والمهني لغاية اخرى على شاشة اخرى.
كلهم دعاة امتلاك “الحقيقة”. منهم بالسعي الدؤوب يمتلئ أخطاء تبررها الحماسة والعاطفة دون احتراف. آخرون ينتظرون على كوع “الحقيقة” نفسها، يمسكون بأخطائها ويحولونها الى جرائم لا تغتفر، فتنتقل الحقيقة من مالك الى آخر في اليوم نفسه. بالمضمون ذاته. بشعارات متطابقة. بأغلفة مختلفة. تتساوى في ذلك الاكثرية الوهمية والأقلية المتوثبة هجوما. المدينون لآخرين بمقاعد نيابية مستعارة. المتفرجون المطمئنون الى رصيدهم. المنتظرون من يستطيع دفع ثمنه سياسة أو رئاسة في أحسن الأحوال. هذا إذا كان هناك من يدّعي القدرة على دفع الثمن غير سفراء الدول العظمى.
لم يدرك اللبنانيون بعد بانتقال الدنيا من حال الى حال بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ما زالوا في صغائرهم وكبائرهم يرون في الغد يوماً يشبه اليوم المماثل له من السنة الماضية، وأن بعد غد هو شقيق الغد. فلماذا الإكثار من التفسير والتأويل والاعتراف بالتغيير؟
هذا حقهم فهم يسمعون من سياسييهم ما يؤكد لهم عدم التغيير. الرموز نفسها. الخصومات ذاتها. العناوين تتشابك في أذهانهم فلا يعرفون الفرق بين ما هو حالهم اليوم وبين ما هو مقبل عليهم من عناوين دهرهم السياسي.
نبدأ في دمشق، حيث قياداتها الأمنية حتى الآن متهمة بالتدبير والتخطيط والتنفيذ لعملية اغتيال الرئيس الحريري.
في الشكل تعيش العاصمة السورية أجواء خطاب الرئيس بشار الأسد من على مدرج جامعة دمشق مهدداً بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا اقترب أحد من البيت السوري، متوعداً لجنة التحقيق الدولية بالتعاون معها تجنباً ل”اعتداءات” متوقعة من مجلس الأمن الدولي على سوريا في حال عدم التعاون.
استقبل الرئيس المصري حسني مبارك الرئيس الأسد في القاهرة قبل ذلك فاتحاً له صدر الوساطة بينه وبين العالم بأسره، قال الرئيس المصري كلاماً أكّد فيه الحرص على استقرار سوريا والمنطقة، متسائلاً لدعم منطقه: ألا يكفينا ما يحدث في العراق؟
أكمل وزير خارجيته الكلام بأن مصر لا تقبل بالعقوبات العشوائية على سوريا، وأنها لن تعطي رأيها قبل دراسة دقيقة ومتأنية لتقرير لجنة التحقيق الدولية. استمر بسيل من التصريحات على المنوال نفسه الى درجة بدا فيها أن مصر تتبنى بالكامل الموقف السوري غير المعلن والذي لا يقول ببراءة سوريا من اغتيال الحريري فقط بل يمكن بسوء النية وسوء التفسير أن يكون قرار الاغتيال اتخذ على مستوى ضابط برتبة نقيب في المخابرات وما دون. أكمل الرئيس مبارك مهمته الى نهايتها. ذهب الى السعودية للتباحث مع مليكها الجديد عبد الله شارحاً ضرورة احتواء الأزمة السورية والتخفيف من الضغوط عليها، لأن في هذا مصلحة عربية مشتركة لا سورية فقط.
الخطوة الثانية الاتصال بالرئيس الفرنسي جاك شيراك ومناقشته في الاتجاهات نفسها. التهدئة. تجنب العقوبات. الافساح في المجال أمام الاتصالات السياسية لخلق إطار للعمل بين مجلس الأمن الدولي وسوريا.
الخطوة الثالثة المصرية استقبال الرئيس مبارك لسعد الحريري الوريث السياسي لوالده وتهدئة خواطره الشخصية والسياسية. ودفعه للتصرف السياسي من موقع رجل الدولة المسؤول بدلا من أن يكون زعيماً لعنوان “الثأر من سوريا بحثاً عن الحقيقة”. نجح الرئيس المصري في مسعاه في الاتجاهات الثلاثة. حتى ان وزيرة الخارجية الاميركية قالت وكررت مراراً ان إدارتها تسعى لتغيير السلوك السوري لا لتغيير النظام في سوريا.
فشل الرئيس مبارك في مكان لم يحسب له حساباً وهو دمشق التي طلب رئيسها الوساطة منه ملحاً. جاء ذلك في خطاب الرئيس الاسد على مدرج جامعة دمشق الذي اعتبره الرئيس مبارك مخالفاً بمضمونه لما تم الاتفاق عليه ولما عمل عليه مع العاهل السعودي والرئيس الفرنسي.
علم الرئيس المصري عندها أن الرئيس الأسد الابن أخذ عن والده عادة أن طلب الوساطة من مصر هو أمر غير ملزم وغير مكلف. إذ ان الرئيس حافظ الأسد كان يوسّط المصريين في مسائل تتعلق بالحوار مع الاسرائيليين في الازمات. يوفد الرئيس مبارك الى اسرائيل من يثق به لهذا الدور فيجد أن لدى الاسرائيليين جواباً سورياً متقدماً عما يحمله في حقيبته.
عندها أخذ الرئيس المصري “راحته” باستعمال اللهجة المصرية المليئة بالمفردات الخاصة لوصف ما حدث مع الرئيس الأسد الابن.
جاء دور السعودية. أدخل الملك عبد الله مفردات جديدة في اللغة السياسية السعودية، حين قال في حديث لصحيفة “الحياة” ان نصائح التروي والهدوء للرئيس الأسد والمتكررة قوبلت بالسلبية لذلك نأت السعودية بنفسها عن التدخل المباشر في الصراع بين سوريا ومجلس الأمن الدولي. ثم تسلّم الملك ثلاث رسائل من الرئيس الأسد تطلب منه التدخل. فلم يستجب إلا بعد وقفة مع النفس على حد قوله.
نجحت الوقفة مع النفس في انتداب الأمير بندر بن سلطان للذهاب الى دمشق وحمل النصيحة نفسها: التعاون مع المجتمع الدولي. ذهب الأمير بندر الذي يحمل الخبرة الاميركية العميقة في عقله السياسي الى العاصمة السورية. اجتمع الى الرئيس الأسد. اعتقد أنهما تفاهما. أكمل طريقه الى باريس. اجتمع بالرئيس شيراك. أبلغه بالاتفاق المبدئي.
فجأة يبعث وزير الخارجية السوري فاروق الشرع برسالة الى مجلس الأمن الدولي مخالفة لاتفاق التعاون الذي اعتقد الأمير بندر أنه عقده مع الرئيس الأسد.
يعود الأمير السعودي إلى دمشق. يذهب الى السعودية. يعود الى دمشق. يخرج بعد الاجتماع الثالث مع الرئيس الأسد فرحاً بأنه حقق انتصاراً في المهمة الأولى التي يكلف بها بعد تعيينه مسؤولاً لمجلس الأمن القومي السعودي.
قيل في ذلك الحين: تمت التسوية. كل الامور على ما يرام. لن تصل “نار” التحقيق الى بيت الرئيس الأسد. وصل الدور الى روسيا العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي والقادرة على استعمال حق النقض “الفيتو” على أي قرار يستهدف “البراءة السورية” من عملية اغتيال الرئيس الحريري.
اتصل الرئيس الروسي بالرئيس السوري مرتين هاتفياً. أرسل مسؤول مجلس الأمن القومي الروسي إيغور إيفانوف الى دمشق بدلاً من وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي يقال بأنه متحيز للموقف الدولي القائل بفرض عقوبات ولو محدودة على سوريا.
نجح الموفد الروسي في مهمته. بدأ الحديث عن دور روسي يعطي ضمانات متعددة أولها في مجلس الأمن الدولي بعدم فرض عقوبات. ثانيها بعدم توقيف الضباط السوريين الذي سيمثلون أمام محققي اللجنة الدولية في فيينا.
قيل أيضاً ان العلاقات الايرانية الروسية ساهمت إلى حد كبير في هذه الضمانات. ساد الفرح أجواء لبنان وسوريا والسعودية وربما مصر أيضاً رغم استمرار المفردات السلبية على سوريا.
سافر الضباط السوريون الخمسة دفعة واحدة الى فيينا عاصمة نهر الدانوب وعباقرة موسيقى الاوبرا على حد تعبير وليد جنبلاط. تم التحقيق معهم بصفتهم مشتبهاً فيهم. عادوا على دفعتين الى بلادهم.
بدا الامر كأنه تنفيذ للشروط السورية بعد وساطات عربية ودولية. أعلن ديتليف ميليس رئيس لجنة التحقيق الدولية انتهاء مهمته في موعدها المحدد بالعقد الموقع بينه وبين الامم المتحدة وأنه سيواكب بديله في عمله في الاشهر الاولى.
قال ميليس في تبرير قراره انه يريد العودة الى زوجته بعد سبعة أشهر من الغياب عنها.
الانطباعات التي يخرج بها المتابع لكل هذه التطورات والوساطات والتحقيقات،
أولاً: ان العمل جار على قدم وساق لإيجاد صيغة تخرج النظام السوري كلياً من مسؤولية اغتيال الرئيس الحريري.
ثانياً: إن النظام السوري في حالة ارتباك شديد سياسياً ودبلوماسياً وشعبياً وانه يسعى في كل الاتجاهات للخروج من العزلة التي يعيشها.
ثالثاً: أن رئيس لجنة التحقيق الدولية فضل العودة الى بلده للتخلص من شبح تسوية سياسية تجري على حساب مهنيته.
رابعاً: ان النظام السوري يدرس خيارات متعددة من التسويات موضوعة على طاولته.
يقول الرواة الثقاة ان كل هذه الانطباعات غير دقيقة على الاطلاق. يضيفون ان البند الوحيد الذي حملته الوساطات الثلاث المصرية والسعودية والروسية ينص على جملة واحدة فقط لا غير وهي التعاون مع لجنة التحقيق الدولية دون أي تسوية في مضمون هذا التعاون.
مثل على ذلك أن فيينا هي اقتراح من القاضي ميليس بعد تفهمه شخصياً الحساسية اللبنانية السورية.
المثل الثاني الحديث عن ضمانات روسية بعدم توقيف الضباط السوريين المشتبه فيهم، وعدم التحقيق مع اللواء آصف شوكت رئيس المخابرات العسكرية السورية وصهر الرئيس الأسد.
يشرح الرواة الثقاة ان القاضي ميليس يعلم انه لا يستطيع توقيفهم إلا بواسطة القضاء اللبناني. وعلى الارجح لن يتجاوب القضاة مع طلب من هذا النوع. فما هي الحاجة الى ضمانات روسية بعدم التوقيف؟
أما بشأن اللواء شوكت فقد كانت مصادر لجنة التحقيق واضحة في القول انه اذا وجدت في تحقيقاتها في فيينا ما يستوجب استدعاءه فستفعل ذلك دون تردد. وهذا يوضح انه اذا كان هناك من تسوية فهي لم تصل الى باب “مونتفردي” حتى الآن.
يؤكد الرواة الثقاة ان روسيا لن تستعمل “الفيتو” في مجلس الأمن تجاه أي مشروع تتقدم به فرنسا أو الولايات المتحدة. بل ان كل ما ستقوم به تعديل المضمون لصالح نص أقل حدة.
القاضي ميليس يقول في مجلس خاص ان حالته فريدة اذ كيف له ان يناقش مع مندوبي الدول الاعضاء في مجلس الأمن مضمون التحقيقات دون أن يعرّض سريتها للعلنية. الحل من وجهة نظره عن غير اقتناع هو أن يحدد اتجاهات التحقيق دون أن يكشف عن مضمونه.
أما استقالته فلها رواية متشعبة.
اولاً: لا يقبل ميليس على نفسه وعلى طبيعة عمله كقاضٍ، ملاحظات أو تعليمات علنية من الامين العام للامم المتحدة ومساعده للشؤون السياسية ابراهيم غمبري.
لقد ذهب الامين العام المساعد بعيداً في الحديث عن التحقيق ورئيس لجنته وكأنهم موظفون إداريون تابعون له، دون الاخذ في الاعتبار خصوصية عمل القاضي في مسألة جنائية معقدة من هذا النوع.
الغمبري الذي عمل منذ العام 9990 مندوباً لبلاده نيجيريا في الامم المتحدة ووزيراً للخارجية قبل ذلك والاستاذ الدائم للعلوم السياسية في جامعات متعددة تصرف خلال جولته في المنطقة على أنه جزء من حوار سياسي حول مهمة يقوم بها قاض ألماني، وهذا مهنياً غير مقبول.
ثانياً: حرص ميليس على التصرف على أنه خارج أي تسوية يمكن أن تحدث. ولقد كسب بهذا الموقف إعجاباً كبيراً في كل الاوساط اللبنانية والدولية. لذلك لم يوفر غمبري بالقول للصحافيين بعد غداء أقامه له شارل رزق وزير العدل: الامم المتحدة تدفع لي مرتبي، وعليّ الالتزام بتعليماتها.
ثالثاً: سببت استقالة ميليس توتراً حاداً في أجواء المحققين في لجنة التحقيق الدولية، مما سيجعل من الصعب إزاحتهم عن مجرى التحقيق المقرر.
مصدر سياسي آخر يقول ان حدثاً طرأ جعل التسوية ممكنة أكثر من قبل. وهي نتيجة الانتخابات المصرية، فقد فوجئت الادارة الاميركية بحجم التأييد الذي حظي به مرشحو الاخوان المسلمين في مصر وكذلك بمدى ضعف الحزب الحاكم الذي استعمل ما لا يجوز استعماله من عوائق للحؤول دون وصول أكثر من عشرين في المئة من أعضاء مجلس الشعب المصري من الاخوان. لذلك لا تريد الادارة الاميركية على حد قول المصدر السياسي الاخوان متربعين على مقاعد الحكم السوري أيضاً.
إذاً لماذا كل هذه الوساطات العربية والدولية اذا كان المطلوب التعاون السوري مع لجنة التحقيق فقط؟
الرواة الثقاة يقولون ان سوريا لم تغير موقفها ولن تغير قناعتها بأن هناك هجوماً دولياً عليها يجردها من كل أوراقها. لذلك لم تتورع بعد انتهاء التحقيقات في فيينا من السماح لخالد مشعل أحد قادة »حماس« الاعلان من دمشق عن الموقف السياسي لحركته من التطورات في الأراضي المحتلة، رغم معرفة القيادة السورية بأن هذا الامر من المحظورات الدولية.
ان السياسة السورية الآن قائمة على قاعدة كسب الوقت على الطريقة الايرانية. وان الكلام عن الارتباك في الاداء السياسي السوري هو من مظاهر هذه السياسة. بانتظار ماذا؟
تعتقد القيادة السورية أن نتائج الانتخابات العراقية التي تجري بعد أيام ستحسم عنصراً جدياً في ميزان القوى القائم في المنطقة.
هناك لائحتان متنافستان الاولى شيعية ايرانية الهوى، أفتى آية الله السيستاني بالتصويت لها ثم نفى دعمها والأرجح أن الفتوى والنفي من ضرورات اللعبة الانتخابية، وهي تحالف مقتدى الصدر وحزب الدعوة والمجلس الأعلى الذي يتزعمه عبد العزيز الحكيم.
اللائحة الثانية يترأسها اياد علاوي رئيس الوزراء السابق ومعه مجموعات سنية متفرقة. اللائحة مدعومة من واشنطن والسعودية والاردن ومصر.
المتوقع أن يتكرر ما حدث في مصر أي فوز اللائحة الدينية الاولى. وهذا كسب كبير للسياسة الايرانية يصب في دمشق وتأتي روافده الى بيروت حيث حزب الله.
هكذا تكون سياسة كسب الوقت السورية قد حددت ثلاثة أهداف في الوقت نفسه. الهدف الاول تحقيق فيينا دون نتائج حتى صدور تقرير ميليس اليوم. الثاني الظهور بمظهر المتعاون مع المجتمع الدولي. الثالث انتظار نتائج الانتخابات العراقية لضمها الى رصيد الحليف الاول والوحيد أي ايران.
كل هذه الخلاصات تختصر تحت عنوان واحد في لبنان: المحكمة الدولية.
ارتكب رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة “خطيئة كبرى” الاسبوع الماضي بالمطالبة ان يضع على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء بنداً يدعو الى إرفاق طلب لبنان بالتمديد للجنة التحقيق الدولية لمدة ستة أشهر بطلب إقرار مجلس الأمن الدولي إنشاء محكمة دولية خاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
قامت قيامة “حزب الله” عليه ولم تقعد بعد. وصاية أجنبية. تدخل أميركي سافر. التخلي عن الاستقلال. مصلحة خاصة. اتهامات وتساؤلات لا تنتهي.
جلس وزير الاعلام غازي العريضي الى طاولة مجلس الوزراء في الجلسة الاخيرة يكتب البيان الختامي.
كان العريضي وهو البارع في إيجاد المخارج السياسية اقترح صيغة تقول بأن رئيس الوزراء تحدث في الجلسة عن إنشاء محكمة دولية بعد التشاور مع كل الفرقاء السياسيين والعودة الى المجلس لطلب إقرار المبدأ. اقترب منه وزير الصحة الدكتور محمد خليفة قائلا ان تعليماتهم تقول بالاستقالة في حال ورد هذا الكلام على لسان وزير الاعلام.
لم يكن الوزير العريضي يعلم بأن لجنة التحقيق الدولية اتصلت بمكتب الرئيس بري طالبة موعداً منه للاستماع الى شهادته في قضية اغتيال الرئيس الحريري، خاصة أن المتداول بأنه “المستر إكس” الذي ورد ذكره في التقرير الأول لميليس.
انتقل الوزير العريضي برفقة وزراء “حزب الله” وحركة “أمل” الى قاعة مجاورة وتحدث على مسمعهم مع الرئيس بري. لم يكن في المكالمة ما يسر السامعين. إذ ان الوزير العريضي اعتبر المطلوب خارجاً عن أي نص أو تقليد أو عرف. ألا يحق لرئيس الوزراء أن يناقش الوزراء في شأن ما، حتى لو كان المحكمة الدولية. ما لم يقله الوزير العريضي ان هذا الامر خارج اللياقة ايضا.
استوعب الرئيس السنيورة برحابة صدره وصبره الأمر وطلب حذف النص من البيان التقليدي الذي يذيعه وزير الاعلام بعد كل جلسة لمجلس الوزراء.
خرجت السيوف من غمدها، الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله اعتبر اقتراح المحكمة الدولية وصاية أجنبية جديدة. ونصح أصحاب الأكثرية بسحب المصطلح من التداول “لأن سيف الأكثرية اذا كان سيستخدم في مواقع معينة فهذا يعني أن يتوقع الناس سيوفاً لأكثريات اخرى”.
رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد خشي من أن يكون لاستعجال المحكمة أهداف اخرى سياسية غير كشف الحقيقة.
الرئيس نبيه بري لبس القبعة الايديولوجية موزعاً الانتماءات متسائلاً لماذا تصوير الشيعة بأنهم متهمون بعدم وطنيتهم وتصوير الآخرين بأنهم متهمون بعدم عروبتهم. ثم وضع على كتفيه رداء المحاماة قائلا ان المحاكمات الدولية تأخذ وقتا طائلا وتكلف الكثير، وتجري فيها المحاكمة على درجتين بينما في لبنان المجلس العدلي حكمه مبرم على درجة واحدة، والرأي العام اللبناني كفيل بالضغط بعد معرفة الحقيقة.
ماذا وراء توتر “حزب الله” وسخرية الرئيس بري بعقول اللبنانيين؟
إذا كان لبنان لا يستطيع ومعه لجنة التحقيق الدولية أن يستدعي جندياً سورياً للتحقيق فكيف لمحكمة لبنانية أن تحاكم مسؤولين سوريين في حال ثبوت التهمة عليهم؟
أما الحديث عن اتهام الآخرين بأنهم متهمون بعروبتهم فإن الرد عليه لا يكون إلا بالقول ان الزعامة الشيعية تجرّ مواطنيها بعيداً عن وطنهم.
المراجع المهتمة بالحوار بين “حزب الله” وتيار المستقبل تقول ان الخلاف تقني لا مبدئي. إذ ان إبلاغ وزراء “حزب الله”برغبة الرئيس السنيورة تم قبل وقت قصير من بدء الجلسة. وان لهم مراجع حزبية لا بد من العودة اليها قبل البحث في هذا الموضوع. هذا في الشكل، أما في المضمون فقد اجتمع وزير العدل السابق الهادئ الصبور الدكتور بهيج طبارة الى المسؤول في “حزب الله” الحاج حسين الخليل شارحاً له المسائل الاجرائية لإنشاء محكمة دولية، اولا يتقدم لبنان بواسطة حكومته بطلب الى مجلس الأمن الدولي، يتم درسه وبحثه وتمحيص طبيعته وإمكانية تنفيذه ووسائل تنفيذه خاصة انها المرة الأولى التي يتم فيها إنشاء محكمة دولية بسبب مقتل شخص سياسي على أهميته ورغم ربط القرار 1595 بالإرهاب.
تأخذ هذه المسألة الاجرائية بين ستة أشهر وسنة في حدها الأدنى. تكون الحكومة اللبنانية خلالها تتابع بالتفصيل اختصاص المحكمة. مقرّها. الاجراءات المتبعة خلال عملها. القانون المعتمد لديها.
ثانيا: تأتي موافقة مجلس الأمن التفصيلية الى مجلس الوزراء للدرس والاقرار. ثم يحوّل الموضوع بكامله الى مجلس النواب لمناقشته وإقراره أو تعديله حسب الظروف. سلّم الدكتور طبارة دراسة مفصلة الى قيادة “حزب الله” توضح وجهة نظره في الموضوع. تقول المراجع المهتمة بالاتصالات بين الطرفين ان الحزب مرتاح مبدئياً لما سمعه واستمهل للجواب.
الرئيس السنيورة بدأ مشاوراته بالعماد ميشال عون الذي حدد مهمة المحكمة الدولية بشكل دقيق قائلا انه موافق على محكمة للنظر في قضية اغتيال الرئيس الحريري وما تلاها من أحداث. مما يوضح أن صلاحياتها لا تعود الى الوراء حيث الكثير من المتهمين.
وليد بك أكثر المتحمسين للمحكمة الدولية. ويقول ان على “حزب الله” أن يضع خطاً لا يتجاوز فيه تحرير مزارع شبعا وتحرير المعتقلين. هذا قبل إيجاد الصواريخ المعطلة على طريق المختارة يوم السبت الماضي. بعدها لمن يعرف البك سيكون الكلام أكبر بكثير.
سعد الحريري قدم “حزب الله” في دبي أحسن تقديم داعياً قيادة “حزب الله” الى مد اليد لتحقيق أفضل مستقبل للبنان.
كل هذه شكليات لا تعبر عن الحقيقة المجردة. وليد بك وسعد الحريري ودراسة الدكتور طبارة لا تريد انتظار التغير في التطورات الدولية لكي تحسم مستقبل التحقيق في اغتيال الرئيس الحريري. وبالتالي لا بد من الاستفادة الآن من اندفاعة مجلس الأمن الدولي والدعم العربي للحصول على هذا الحسم. وهذا عمل مشروع طالما انه لا يطال أحداً من اللبنانيين بسوء لا من الماضي ولا في الحاضر. على الجانب الآخر الروزنامة مختلفة. فإذا كان القلق عند “حزب الله” مبرراً من صلاحيات المحكمة الدولية الزمنية، وهذا سهل الاجابة عليه في طلب الحكومة اللبنانية، فما هي الاسباب التي جعلت نفس الوزراء ينسحبون من الجلسة حين طرح مبدأ الرد على ما وصف به الرئيس الأسد الرئيس السنيورة من أنه عبد تابع لعبد آخر.
الكتلة الشيعية في الحكومة تؤكد القدرة على الرد على الاكثرية النيابية بمنطق “الفيتو” السوري داخل مجلس الوزراء.
هذه النظرية نجحت جزئياً في المرة الأولى. ونجحت في المرة الثانية. ماذا سيحدث في المرة الثالثة لو تم التصويت على مشروع بعد انسحاب الوزراء الأربعة؟
هل سيحتمون برئيس الجمهورية الرافض لوضع هذا البند أو ذاك على جدول الاعمال أم ان الاستقالة هي الجواب؟
رئيس الجمهورية أضعف من القدرة على حماية جدول أعماله. التحقيق الدولي طال ولديه الاثنين اميل ورالف. الثاني قد يتحول الى مشتبه فيه إذا ثبتت مسؤوليته عن استيراد معدات للتشويش تفوق ما لدى سيارات الرئيس الحريري بواسطة شركة أمنية يمتلكها مع ماجد حمدان.
حتى الآن التحقيق الدولي لم ينجز دراسة قدرة الآلات المستوردة. بانتظار الجواب هل سيحارب رئيس الجمهورية المحكمة الدولية بسيف “حزب الله”؟
الجواب الثاني هو استقالة الوزراء الشيعة. حسنا. هذا مسدس بطلقة واحدة تستعملها. ثم ماذا؟ تأخذ حصتك من الانتخابات العراقية الى مجلس الوزراء؟ الشارع للجميع.. من ينزل اليه وحده دون الآخرين يكون قد عزل نفسه عن أهله. هذا لن يحصل.