لمن القيادة في قوى 14 آذار؟

مقالات 26 مارس 2007 0

قررت الإدارة السياسية السعودية للأزمات العربية الانتساب الى نادي المفاجآت في المواقف السياسية من الأوضاع اللبنانية.
حدث ذلك بداية في حرب تموز من السنة الماضية. تدرّج الموقف السعودي من وصف الحرب بين حزب الله والجيش الإسرائيلي بأنها مغامرة غير محسوبة، الى مواقف سياسية حادة عن الحرب نفسها تظهر في بيانات مجلس الوزراء الذي ينعقد يوم الاثنين من كل أسبوع وفي التعليقات الإعلامية التي تصدر كل يوم.
بعد ذلك، حاولت الدبلوماسية السعودية منذ أسابيع حتى اليوم أن لا ترمي بعباءة دولتها على أكتاف المساعي التي تتقدم يوما وتتراجع أياما نحو تفاهم لبناني يُنتج تسوية موقتة تضع الإطار العملي لعنوانين فقط، هما الحكومة والمحكمة من أصل عناوين كثيرة للأزمة اللبنانية.
لم تنجح حتى الآن، ولا استطاعت الدبلوماسية السعودية إنكار ملكيتها للعباءة الحاضنة للحوار في مقر رئاسة المجلس النيابي بين الرئيس نبيه بري والنائب سعد الحريري، رئيس كتلة نواب تيار المستقبل.
بدأت القصة قبل أكثر من سنة. كانت العلاقات السعودية السورية ودية، وإن لم تكن حميمة. جاء الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الى بيروت وسعى بين الأطراف المتنازعة تدعمه حركة الثنائي الدبلوماسي في ذلك الحين، السفيرين المصري حسين ضرار والسعودي عبد العزيز خوجة. انتهت الوساطة العربية في منزل النائب غسان تويني في بيت مري حيث ذهب موسى لتقديم التعازي بنجله جبران، فإذا بالوزير مروان حمادة يتهمه بالانحياز في مسعاه ويخبره عن التحذيرات التي يحملها وليد جنبلاط ومعه حمادة من شخصية عربية كبرى بخصوص مسعى الأمين العام، فضلا عن تخوفات من التوجه السياسي الشخصي لموسى.
رد موسى بما يليق بالكلام، وهو لا تنقصه المعرفة ولا الأسلوب، وغادر لبنان. بدا بعد أيام أن التحالف الفرنسي الأميركي قطع الطريق على المسعى العربي، حين دخل الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الى مكتب الرئيس الفرنسي جاك شيراك فوجد على طاولته ورقة العمل العربية ملونة بالأحمر للمرفوض من البنود وهو كثير، وبالأخضر للمقبول وهو قليل.
أكد ذلك الدكتور سمير جعجع قائد القوات اللبنانية حين قال ل السفير آنذاك إن السفير الأميركي طلب منه تزحيط المبادرة العربية. وقد فعل مع حلفائه.
***
تعلمت الإدارة الدبلوماسية السعودية درسا أساسيا مما حدث، وهو أنه لا قدرة على الحركة في الملعب اللبناني من دون الحصول على موافقة دولية عنوانها واشنطن. صبرت أشهرا حتى اعتذر الحلفاء سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع من عاهلها الملك عبد الله بن عبد العزيز علنا، على سوء تقديرهم السياسي للمبادرة العربية.
لم تكن عودة المسعى السعودي بعد حرب تموز الى الملعب اللبناني تجاوزا لخطأ أو قبولا لاعتذار، بل ضرورة سياسية باعتبار أن الاستراتيجية السعودية لا تنوي تجاهل الأزمة اللبنانية بفروعها المتعددة وأهمها القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي والخاص بنشر قوات دولية على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، تجميدا للنزاع العسكري بين الدولتين، وما يستوجب ذلك من اللحاق به، أي الحركة نحو الداخل، حيث ينتشر حزب الله بسلاحه، ولو نتج عن ذلك انتشار فتنة سنية شيعية عملت السعودية وإيران على إطفاء نارها.
ظهرت الفتنة كأنها مواجهة للخارج الراغب في التهدئة. لكن الحقيقة أن الفتنة استبقت المساعي العربية الدولية التي تريد التهدئة بانتظار أن يحين وقت العمل على الملعب اللبناني، فإذا بصور الاشتباكات على الشاشات الفضائية يوم الإضراب العام وبعده في منطقة الجامعة العربية تجعل التأجيل مستحيلا، على حد قول أحد كبار الدبلوماسيين في الأمم المتحدة.
عاد المسعى السعودي منفردا هذه المرة، تدعمه تسهيلات إيرانية وموافقة أميركية عبّر عنها السفير الأميركي في بيروت جيفري فيلتمان في لقاءاته مع السياسيين اللبنانيين، فضلاً عن انفتاح سعودي على القوى السياسية اللبنانية بمختلف اتجاهاتها، أولها قوى 14 آذار التي رعاها العاهل السعودي ودعمها وعمل على صمودها.
جاءت الانتكاسة مرة أخرى من القوى نفسها التي منعت المبادرة العربية الأولى من تحقيق بنودها.
***
هناك الكثير من الروايات حول ما حدث في الأسبوع الماضي، إنما أطرفها يقول إن السفير السعودي نسي أن يصطحب معه في جولاته على السياسيين السفير المصري حسين ضرار كما كان يحدث لمدة سنة.
فالرئيس المصري حسني مبارك وجد نفسه وسياسته يختفيان تدريجيا في الخارج: أولاً في فلسطين، السلطة الجارة حدوديا لمصر والمعتبرة تجمعاتها السكانية في قطاع غزة جزءاً من الأمن القومي المصري. فإذا بالسعودية تنجح في عقد اتفاق مكة الذي أثمر حكومة فلسطينية موحدة بين حركتي حماس و فتح ، وإن كانت لم توقف الاشتباك بين مقاتلي الحركتين.
وإذا كانت للعراق ميّزة التجاور مع السعودية، ما يعطيها أفضلية وضرورة الحركة في الأزمة العراقية الدامية، المذهبية الأمنية، فماذا عن لبنان؟
كل الذين قابلوا الرئيس مبارك واللواء عمر سليمان، وزير المخابرات المصرية، يؤكدون أن الموقف المصري يدعم قوى الرابع عشر من آذار القائل برفض أي تعديل جوهري على قانون إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي. ولا توافق مصر أيضا على نظرية الثلث الضامن في الحكومة المنوي توسيعها.
لم تستطع مصر برغم انهيار هيكل سياستها الخارجية، أن تتفرج على الدور السعودي يتقدم، وإلى جانبه الاستعداد التركي للحركة، بينما تتصرف الإدارة الأميركية على قاعدة أن الحضور المصري كاف في المؤتمرات، وبالتالي لا فائدة من تحركه.
لذلك، تصرفت الإدارة المصرية على أن الورقة السورية هي الأخيرة التي تستطيع استعمالها في الحوار مع واشنطن، فجاءت النتيجة معاكسة لما أراده الرئيس مبارك.
هل أتى هذا الموقف المصري رداً على رفض سوريا الورقة المصرية الأميركية التي كتبها اللواء عمر سليمان بخط يده بالإنكليزية؟
تقول معلومات بحاجة الى تدقيق من واشنطن، إن ورقة العمل المعروضة على الرئيس بشار الأسد تنص على وضع خط أحمر لنتائج المحكمة ذات الطابع الدولي، لا على مسار عملها، بحيث لا تتجاوز المسؤولية رئيس المخابرات العسكرية السابق وعددا من معاونيه مقابل الانسحاب السوري من الملفين الفلسطيني والعراقي، على أن يقوم الاتحاد الأوروبي والدول العربية النفطية بتأمين مساعدات مالية ضخمة لسوريا في فترة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنة من الاتفاق على مضمون ورقة العمل المصرية الأميركية.
الرئيس الأسد رفض ورقة العمل هذه استنادا الى معلومات توفرت لديه بأن القمة العربية التي ستعقد بعد يومين في الرياض ستتخذ قرارا بعقد مؤتمر دولي بعد ثلاثة أشهر من الآن يخصص للموضوع الفلسطيني. تقرّر ذلك خلال الزيارة التي قام بها العاهل الأردني الى واشنطن حيث هدد في حديثه مع وزيرة الخارجية الأميركية بأنه إذا لم تفرض الإدارة الأميركية عقد هذا المؤتمر وتبنّي ما سيصدر عن القمة من مبادرة عربية، فإن الاعتدال العربي سيتعرض لمخاطر كبيرة.
المهم أن المؤتمر الدولي لن يبحث الانسحاب الإسرائيلي من الجولان، ما جعل الرئيس الأسد يرفض الورقة المصرية الأميركية، إذ إنه يعلم بأن شرعيته التي سيطلب من الشعب السوري أن يجددها له بعد أشهر قليلة، تحتاج الى تقدم سياسي رئيسي لم يحققه نظامه حتى الآن.
فلا حضور الوفد السوري لمؤتمر بغداد الدولي منذ أسبوعين أعاد الحياة الى الحوار الأميركي السوري، ولا استطاع إعطاء زيارة مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية المعنية بملف اللاجئين الى دمشق، طابعا سياسيا. فلماذا يقبل بما يُعرض عليه؟ خاصة أن الحركة الأميركية الإسلامية العربية تتحرك في المنطقة على قاعدة إعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة.
الأساطيل الأميركية البريطانية في الخليج في مواجهة إيران. وروسيا لا تكتفي بوقف إمداد مفاعل بوشهر الإيراني بالوقود، بل تصوّت على قرار مجلس الأمن الدولي المشدد للعقوبات على إيران.
لم يجد الرئيس السوري مجالاً مفتوحاً أمامه، فقرّر المزيد من الرفض. يستند في ذلك إلى حاجة المجتمع الدولي الى نظامه خوفا من نظام بديل إسلامي.
الأهم لبنانياً، أن المحكمة ذات الطابع الدولي ليست على جدول أعمال القبول السوري. فهل هذا ما جعل وليد جنبلاط والرئيس السنيورة يرفضان ما لم يقبل به سعد الحريري في حوار عين التينة؟
***
الطرفة الثانية من روايات الحوار، أن سعد الحريري نسي أن يأخذ معه زعامته الى الحوار من جهة، والى اجتماعات قوى الرابع عشر من آذار من جهة ثانية. فكان الجواب السعودي ما صدر عن سفير المملكة في بيروت من وصف سياسي وشخصي يتبنّي كامل رواية الرئيس بري لوقائع الحوار مع سعد الحريري، ويعطي للرئيس بري ما تراه السعودية من صفات رجل الدولة المسؤول.
لم يكن هذا مفاجئاً من حيث المضمون، بل من حيث الشكل، إذ بدا كأن الرئيس بري أكثر التصاقا مع المسعى السعودي من حلفاء المملكة.
هذا لا يعني أن السعودية أرادت من الحريري الموافقة على ما يرفضه حلفاؤه، في موضوع الثلث الضامن للحكومة وما يشكّون فيه من تعديلات مخبأة لقانون إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي. لكنْ بالتأكيد، هناك تصور سعودي يقول بأولوية إنشاء المحكمة على أي أمر آخر، وأنه لا بد من ثمن سياسي للمحكمة.
هذا الأمر الآخر جعل وليد جنبلاط وبعضا من نوابه والوزير مروان حمادة، يعلنون رفضا يوميا لإعطاء الثلث الضامن في الحكومة، للمعارضة، مع العلم بأن الحريري لم يكن في هذا الوارد بل طرح صيغا حكومية متعددة رفضها الرئيس بري.
كذلك الرئيس السنيورة الذي أعطى انطباعاً بأنه لا يدعم ما يُبحث في الحوار، فضلاً عن القوات اللبنانية التي أعلنت مرة على لسان رئيسها دعمها للحريري محاورا، ومرات على لسان نائب رئيسها بأنه لا يهم من يحاور، المهم من يقرر، متجاوزاً بذلك تعابير الحديث عن الحلفاء، فكيف بالحديث عن سعد الحريري.
نزل جنبلاط مع 40 نائبا، بينهم 21 من كتلة تيار المستقبل، الى مجلس النواب يوم بدء الدورة العادية. تجاوز جنبلاط وجورج عدوان في كلامهما ما اتُّفق عليه بين بري والحريري، بالاكتفاء بالمطالبة بعقد جلسة عامة. بدا النواب المتمركزون على الدرج الداخلي للمجلس، كأنهم غير معنيين بالحوار ولا بالمحاور الحريري، صاحب الفضل في مجيء عدد كبير منهم الى مقاعدهم النيابية.
***
لم يلاحظ المحتجون في كلامهم وفي حركتهم على تعطيل دور المجلس النيابي، أنهم يأخذون بطريقهم المسعى السعودي، أو أن بعضهم لاحظ وتعمّد وتقصّد ووضع الآخرين أمام الأمر الواقع؟
الرئيس بري في قاعة مشيه اليومي بعد أن تخلى منذ ثلاثة أشهر عن السير في الهواء الطلق لأسباب أمنية، لا يزال على ابتسامته وتأهبه للحوار، فلم يسبق للبناني أن حصل على نص سعودي مماثل للذي حصل عليه، فلماذا لا يتغاضى عن الحريري ويكمل اختصاصه في السنيورة؟
يؤكد الرئيس بري أنه لم يتطرق الى ما دار بينه وبين الحريري في مؤتمره الصحافي المرافق لنزول جنبلاط الى المجلس. ويقول بأن ما جاء على لسانه بشأن المحكمة والحكومة هو تصوره الذي وضعه على ورق، وسلمه الى السفير السعودي.
من المبكر الإجابة عن سؤال علاقات قوى 14 آذار مع السعودية، مع العلم بأن النائب علي حسن الخليل وصف ما حدث بأنه انتصار للصقور، فمن هم الحمائم؟
لا يمكن القول إن سعد الحريري من الحمائم، فهو حاور من دون أن يلتزم. قرأ من دون أن يوقع. تحفظ حيث يجب، ووافق على ما يعرف أن حلفاءه لن يرفضوه. لكنه تجنب العلنية التي تشوش على الحوار أكثر من أن تغنيه، وتحفظ حتى مع أقرب الناس إليه في الكشف عن مضمون ما يفعله. إنما أصيبت صورة الزعامة فيه، ولا شك في أن الثقة السعودية بحلفائها من قادة 14 آذار ضعفت، وإن كان ذلك لم يظهر بعد.
سعد الحريري وحده من بينهم الذي يستطيع أن يقول إن زعامته تمتد من النهر الكبير الى الجنوب، وإنه الوارث لزعامة الطائفة الأكبر في لبنان، وإنه الغطاء لجمهور أوسع من طائفته. لكن الحرص على التحالف الذي يفرض قواعد مختلفة للتعامل بين القوى جعله يخفض جناح القوة التي فيه لصالح استمرار التماسك الذي ظهر في اجتماع الترميم الذي عقدته نخبة من قيادات الرابع عشر من آذار، وكررت فيه تفويض الحريري على قاعدة رفض الثلث الضامن في الحكومة وعدم إجراء تعديلات جوهرية في نظام المحكمة.
لكن، من أين يأتي بالثمن السياسي للمحكمة في ظل تفويض الرافضين ؟
وليد بك لم يتردد في إعلان استعداده لتحمّل المسؤولية منفرداً لما حدث. إذ إن قراءته السياسية تقول بأن التعديلات المطلوبة على قانون إنشاء المحكمة ستمنع الاتفاق لأنها بنيوية، وقد ظهر بعضها في الصحافة الكويتية التي نشرت أن المعارضة تريد تغليب القضاة اللبنانيين على الدوليين مع ما يعني ذلك من تعرض اللبنانيين لضغوط. مصدر الخبر عضو في اللقاء الديموقراطي.
لم يحدد جنبلاط آلية التأكد من هذا الأمر والخروج من دائرة الاتهامات المتبادلة.
تكمل القراءة السياسية أن إعلان النوايا المفترض، سيجعل من حضور الرئيس الأسد القمة العربية مريحا، بينما الأدق أن عدم الاتفاق الذي يرعاه تفاهم سعودي إيراني محدود، سيجعل المؤتمرين، وعلى رأسهم الدولة المضيفة، يباحثون الرئيس السوري في ورقة ضغط يحملها في جيبه.
هذا في الشأن السياسي. أما في الشأن الشخصي ف وليد بك يعلم أن دوره في الرابع عشر من شباط في العام 2005 ،في إنقاذ جمهور رفيق الحريري، محفوظ في ذاكرة سيد الدار. لذلك فهو يرد على الشائع من زعامته لقوى الرابع عشر من آذار بتهذيب شكلي تجاه الزعامة الشرعية المتمثلة في سعد الحريري.
هذا لا يمنع قوله تكرارا إن المسلمين هم عروبة لبنان وهم امتداده الى الداخل العربي، فضلا عن انتشارهم على الأراضي اللبنانية، إنما هذا التحالف لم يعطه حتى الآن الضمانة الأمنية الشخصية المطلوبة ولا الإطار الحافظ لحجمه السياسي حتى بعد دخوله على الخط السعودي في الحوار.
للدكتور سمير جعجع، الثالث في التحالف، قراءة أخرى. فهو يريد الرد على مقولة الالتحاق المسيحي بإظهار دوره في القرار، مع العلم بأن سعد الحريري يؤكد على فعالية الدور الذي تلعبه القوات اللبنانية في الوسط المسيحي.
هذه أوصاف الثلاثة المعنيين بالقرار والمحاطين بشخصيات مستقلة أو حزبية في قوى الرابع عشر من آذار.
الأول لشرعيته، والثاني لحركته، والثالث في بحثه عن حصة في القرار. إنما تبقى الأوصاف ما دون الجواب، ما دامت الأولويات ستتغير بعد القمة العربية، ويبقى الحوار من دون نتيجة حتى الشهر التاسع من السنة الحالية.
التاريخ الذي يصل الى موعد انتخابات رئاسة الجمهورية منسوبا للدبلوماسي الكبير في واشنطن…