“لعبة الأمم” مع سامي كليب – حصاد الربيع.. بعد عامين

مقابلات تلفزيونية 26 ديسمبر 2012 0


س- هل من الطبيعي أن يرشق الرئيس التونسي بالحجارة الآن في معقل الثورة وأن ينتفض جزء من الشعب المصري ضد الرئيس محمد مرسي؟
ج- أكيد طبيعي، لأنه عملياً استردت الشعوب حريتها بالتعبير، وبالتالي إذا كان عندها أي موقف من أي مسؤول تستطيع التعبير عنه، يعني ليس غريباً ما يحصل، لا يستطيع أحد أن يُنهي تركة عمرها خمسين سنةخلال سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات، أي رئيس أو أي مسؤول موجود الآن في سُدّة السلطة في كل الدول التي حدثت فيها عاصفة الربيع العربي هو رئيس مُنتخب، وبالتالي انتخب وفق قواعد سياسية او إنتماء سياسي أتى به الى السلطة، لكن هذا الإنتماء غير كافٍ لحمايته، كان الإنتماء السابق كافٍ للحماية لأنه نظام ديكتاتوري، وأما الأن فالحماية مشروطة بقدرتك على الإنجاز وإذا لم تستطع أن تُنجز، أي شعب يستطيع أن يُحاسب أي مسؤول، هذا هو العنصر الأكثر فعالية وجدّية الآن، نحن نعيش الآن في مرحلة إنتقالية بين عهود سابقة عاشت لعشرات السنوات وبين عهود مُقبلة لم تاتِ بعد تُحدّد تماماً الخرائط السياسية التي تستند الى قدرة أي حُكم على الإنجاز وليس الى قدرة أي حُكم على إعلان انتمائه الى المعارضة السابقة. باعتبارها نسب يؤهل للحكم.
س- إذا لاحظنا هناك مثلاُ خيبة أمل ولو جزئية ضد حركة النهضة في تونس، خيبة أمل ولو جزئية وكبُرت في لحظة مُعيّنة ضد الرئيس مرسي، وفهمت من جوابك الأول انه يجب الإنتظار قليلاً، هل تعتقد ان هذه الأنظمة قابلة على الإستقرار أو هناك عوامل قد تُفجرها كما ذكرت حضرتك حتى بالنسبة لمصر في الآونة الأخيرة؟
ج- أعتقد ان الإنقسام السياسي سيكون حاداً في كل دولة من الدول التي حصل فيها هذا التغيير الكبير بوقت نسبياً سريع جداً، يعني خلال ثلاث سنوات شهدنا سقوط عدد كبير من الأنظمة ومجيء رؤساء جدد مُنتخبين في دول لم تتعوّد الإنتخابات الحرة، ولم تتعوّد على حرية التعبير، وبالتالي العنصر الجديد ليس وصول الإنتماء السياسي السابق، بمعنى ان المعارضة هي التي وصلت الى الحكم، هذا ليس العنصر الرئيسي بالتغيير، بل العنصر الرئيسي بالتغيير ان هناك آليات شعبية لها علاقة بحرية التعبير وحرية التدخل في أي قرار، لم تعد هناك قرارات مقدّسة، كل القرارات خاضعة للنقاش وخاضعة للإعتراض في الشارع أو عبر وسائل الإعلام المفتوحة للجميع، هذا هو العنصر الجديد.
س- الدليل ان الرئيس مرسي حين قرر أو حاول اتخاذ قرار بمجموعة من المستشارين، حتى المستشارون استقالوا؟
ج- لأنهم أكثر قدرة أو أكثر تأثراً بمشاعر الناس وبآرائها وبقدرتها على التعبير وعلى الإعتراض، ولم يعد من الممكن بسهولة أن تضع مئة مُعارض في السجن باعتبارهم انهم عبّروا عن رأيهم، هذا الأمر لم يعد من الممكن أن يحدُث.
في التقرير الذي عرضتموه على التلفزيون هناك خبر يعبّر عن النتيجة الطبيعية للتغيير الذي حدث، لم يكن يخطر ببال أحد انه ممكن لرئيس مجلس انتقالي كان وزيراً للعدل وهو شخص معروف برصانته وجدّيته ونزاهته، يتعرض للمحاكمة بجريمة قتل ليست مؤكدة مسؤوليته عنها ولكنه الآن يخضع للمحاكمة، هذا الشعب الليبي تحديداً لم يعرف في تاريخه ماذا تعني الإنتخابات، ومع ذلك اجرى انتخابات سلمية طبيعية، وثبت ان كل الفوضى وكل الضجة الكبيرة التي كانت تُحدثها الحركات الإسلامية في ليبيا، همدت عندما جاء القرار الى صناديق الإقتراع وتبيّن انها قوة عادية لا تستطيع أن تُحقق أي تقدّم في تمثيل الناس، كل هذه عناصر جديدة.
س- لو راجعنا قليلاً تاريخ الثورات العالمية نجد ان الثورة الفرنسية عام 1889 بقيت عشر سنوات قبل أن تستقر، دستورها كُتب بعد أربع سنوات على اندلاعها، تم إعدام ما بين 20 و40 ألف شخص ممن اعتبروا انهم مناهضين للثورة.
أما الثورة البلشافية في روسيا عام 1917 فقد واجهت معارضة استمرت ايضا لأكثر من أربع سنوات واضطر لينين لتأسيس لجان استثنائية لمواجهة الثورة المضادة.
الثورة في إسبانيا في اوروبا عام 1936 تم القضاء عليها من قبل قوات فرانكو المدعومة من ألمانيا وإيطاليا وأُخمدت بعد ثلاث سنوات.
ثورة مصدّق في إيران عام 1951 واجهت انقلاباً بدعم اميركي وأُجهضت.
ثورة تشيلي أُجهضت وقام بينوشيه بانقلابه الدموي حيث قُتل أكثر من 30 ألف شخص من الثوريين والإشتراكيين والمناضلين النقابيين.
أيضا في كوبا الثورة واجهت ثورة مضادة، لكن فيدل كاسترو استطاع إخمادها، بما يعني ان الثورات المضادة تقوم في هكذا أحوال أليس كذلك؟
ج- أنا لا أعتقد ان المقاربة سليمة، نحن عشنا عقود وقرون تحت عنوان ديني سياسي وهو ولاية المُتغلب، أي الذي يستطيع أن يتغلب هو الذي يحكم، وهذا الأمر عاشه العالم العربي الإسلامي لمئات السنين، ما نراه الآن يختلف كلياً عن كل التاريخ في مصر وفي ليبيا وفي تونس وفي اليمن وفي سوريا بطبيعة الحال وفي دول أخرى مُقبلة على تغيير سواء بالرضا أو بغير الرضا، بمعنى ان كل الثورات التي تحدثت عنها ربما ما عدا الثورة الفرنسية هي ثورات تستبدل المُتغلّب بمُتغلّب آخر ولا تستبدل المُتغلّب بحرية الشعب ما عدا الثورة الفرنسية.

س- والثورة البلشافية أيضاً؟
ج- البلشافية لا أعرف كم كان الفرق كبيراً بين القيصرية والبلشافية بمعنى حرية الشعب.
س- هذا كان بعد ان جاء ستالين تغيّر الوضع في ما بعد، ولكن عندما قامت الثورة بالعكس كان للتحالف بين القوى البروليتارية والبورجوازية؟
ج- لكن الى ماذا أدّت؟ لم تؤدِ الى الحرية، بل الى مزيد من الديكتاتورية بلباس آخر، الثورة الفرنسية هي الأم بهذا المعنى، أي الإنتقال من ولاية المُتغلّب الفرنسي الذي يستند الى المشروعية التاريخية والى الملكية بطبيعة الحال الى حرية الشعب.
س- ماذا عن الخليج والسعودية؟
ج- بطبيعة الحال، ولكن السعودية ودول الخليج لها طبيعة آخرى، بمعنى ليس ان الشعوب لا تريد الحرية ولكنها تتدرج في الحرية، تتدرج بمعنى ان ما تحتاجه الى التغيير في مصر سنتين أو ثلاث سنوات أو خمس سنوات بينما في دول الخليج وعلى رأسها السعودية تحتاج للتغيير ربما الى عشر سنوات أو 15 سنة، ويأخذ شكلاً تدريجياً وبشكل طبيعي لأن هناك بشكل أو بآخر عدّة عناصر تفاهم، أولاً البحبوحة المالية، وهذا أمر جدّي ولو أنه لا يعيش طويلاً، الثاني اعتراف الشعب بمشروعية النظام ولكن المطلوب هو حرية من داخل النظام وليس بالإنقلاب عليه.
س- وجهة نظرك هذه نرى انعكاسها اليوم في مقال لخالد الدخيل من السعودية يقول تحت عنوان “ماذا ينتظر المملكة السعودية بعد الربيع، استطاعت المملكة تجاوز كل العواصف السياسية التي هبّت على المنطقة منذ بداية القرن الماضي وحتى الآن، لكن عاصفة الربيع تختلف بطبيعتها وحجمها عن كل العواصف السابقة، ما يتطلب مقاربة مختلفة فالعواصف السابقة كانت جميعها تتعلق بالصراعات الإقليمية وامتداداتها الدولية، أما عاصفة الربيع فمنشأها محلي وهدفها محلي يطالب بمعالجة النمو البيروقراطي الكبير تفعيل نظام تدوير النُخب مثل التخلص من ظاهرة بقاء أصحاب المناصب العليا، البعض منهم في مناصبهم لعقود من الزمن وتفعيل نظام هيئة البيعة وتوسيع سلطات مجلس الشورى وتحوّله الى سلطة تشريعية مُنتخبة وبشكل تدريجي. وكل ذلك يقول الدخيل يتطلب تعديلات دستورية تفتح الباب أمام فصل السلطات في الدولة”. وهذا أعتقد كلام كبير في المملكة ودخول المملكة الى مرحلة دستورية جديدة تتكامل مع ما سبق وتنتقل بها الى متطلبات المرحلة الجديدة، لكن لنبقى في مصر نستمع الى رأي الشارع المصري كيف ينظر الى ما حصل، أو بالأحرى الى رأي الشارع العربي بالربيع العربي والثورة .

(ريبورتاج) …… (بعد الريبورتاج)
فيما الآراء مختلفة البعض يؤيد والبعض يقول ان الربيع جاء بالإسلاميين والبعض الآخر يعترض طبعاً، نعود الى مصر ماذا حصل في مصر في العام الماضي والعام الذي سبق منذ بداية الثورة ضد الرئيس محمد حسني مبارك .
(ريبورتاج)

س- في آخر محاضرة قدّمتها تتحدث عن عدّة سيناريوهات في مصر، الذي لفتني هو السيناريو الثالث تقول انا أُرجّح السيناريو الثالث الذي ستُطحن فيه قدرة النظام الإخواني على تلبية حاجات الشعب المصري المُلحة وستُستنزف في حيوية المعارضة على القيام بحركة دائمة وفعالة دون التسبُّب بفوضى كلاهما لم ينجح لا الحكم الإخواني في الإنجاز ولا المعارضة بالإستمرار سلمياً دون الوقوع في فخ الفوضى، لكني رغم ذلك كثير التفاؤل بأن الحيوية السياسية المصرية الداعمة للحرية شعباً ونُخباً ستننصر إنما بعد مخاض عسير وطويل، كم سيطول هذا المخاض برأيك؟
ج- أعتقد انه ولاية رئاسية عملياً، دعنا نرجع لبعض ما ورد في الريبورتاج عن مصر.
الإعلان الدستوري هوالخطأ الأستراتيجي الرئيسي الذي ارتكبه الرئيس المصري، لماذا؟ لأن الإعلان الدستوري يستند الى عدّة عوامل غير متوفرة بالرئيس، أولاً: هو ليس رئيساُ انتقالياً، أي انه ليس المجلس العسكري لكي يُصدر إعلان دستوري مُكمّل. ثانياً : هو ليس رئيساً للدستور السابق، دستور الـ1971 الذي كان يحكم بواسطته الرئيس مبارك لفترة طويلة. ثالثاً: هو رئيس مُنتخب فكيف يمكن لسلطة ليست انتقالية وليست عسكرية ومُنتخبة أن تُصدر إعلان دستوري مُكمّل؟ هنا الفجوة الأساسية أو الخطأ الإستراتيجي الذي ارتكبه الرئيس مرسي، طبعاً لحقته أخطأ أخرى.

س- ستة قرارات رئاسية تم التراجع عنها، كل شهر قرار؟
ج- الإعلان الدستوري المُكمّل هو تعبير عن صياغة عقلية وسياسية فيها جمع بين الرئيس المنتخب وبين الإنتقالي وهذا مستحيل. مستحيل أن يستطيع أن يكون متآلف ومتجانس مع وجوده كرئيس مُنتخب لكل الشعب المصري، وليس لشعب الإخوان المنفصلين عن الشعب المصري، هذه عملية أسست لنزاع طويل، لأنها تعبير عن عقليتين مختلفتين، قيم مختلفة، ايديولوجيا مختلفة وهو الذي سيشهد ترجعاً وإقبالاً دائماً بكل القرارات التي سيتخذها من الآن وحتى نهاية ولايته.
س- بسبب ماذا؟
ج – بسبب عدّة عناصر:
العنصر الأول: ان المعارضة لن تستكين ولن تستريح وهي تملك من القوى الذاتية الإقتصادية والمالية والدعم السياسي والدعم الشعبي الكثير الكثير، لا يستطيع هذا الحكم أن ينجز.
العنصر الثاني: هو الإقتصاد، مصر على أبواب الـ91 مليون مواطن ماذا تستطيع أن تفعل لهذا الشعب بالدعاء والصلاة لا شيء، نحن منذ ثلاثة أيام نسمع أخباراً عن أزمة كبرى سببها احتمال استقالة الأسطورة النقدية الذي هو حاكم البنك المركزي فاروق العقدة، وهو شخص هناك إجماع على كفاءته وعلى نزاهته ووطنيته، وهو ضابط سابق حارب في حرب 73 فإذا أنت غير قادر على كسب فاروق العقدة فمن تكسب من الشعب المصري، لا تستطيع ان تحكم مصر من المساجد، مصر تُحكم من نُخبها لأن نُخبها عميقة العلم وعميقة المعرفة وعميقة التأثير.
العنصر الثالث: هو انه هل هناك رئيس خلال أربعة أشهر يفقد 70 بالمئة من فريقه الرئاسي باستقالات آخرهم نائب الرئيس أول أمس وهو قاضي، يعني هناك شيء غير طبيعي بالعقل الذي يريد الإمساك بالسلطة خلال ثلاثة أشهر بعد 84 سنة لأنه قائم على فكرة خاطئة.
البعض وأنا أعتقد انه مُحق في وجهة نظره، مثلاً الزميل جمال خاشقجي في جريدة “الحياة” يقول “ان المتربص بالإخوان والمتوجس منهم سيُسمي ما يجري الآن في مصر وتونس من أحداث بخريف الإخوان، لقد فشلوا أخيرا ورفضهم الشارع، نجحت الخطة في محاصرتهم”.
أما المُحلل الموضوعي الذي يرى الربيع العربي في صورته الكلية كحركة تحوّل تاريجي فيرى ما جرى انه مُجرّد فصل من فصول الولادة الصعبة لعالم عربي جديد.
الآن نستمع الى رأيين من مصر ونتابع النقاش حول ما يجري وما قد يجري في الربيع المصري إذا صح التعبير.
(ريبورتاج)
س- ما هو تعليقك؟
ج- اللقب القديم لحاكم مصر هو عزيز مصر وهو تعبير عن مدى التفاف الشعب المصري حول هذا المعنى، أي انه ليس رئيساً ولا حاكماً هو عزيز على الشعب. حُكم حزب الإخوان المسلمين سيمر بعقبات كثيرة ومخاض طويل، كما عبّر الأستاذ جمال خاشقجي، ولكن هذا التعبير سيُغيّب مصر عن أمرين:
الأمر الأول: عن الدور الخارجي وهو ما حاول الرئيس أن يقوم به أثناء قمة دول عدم الإنحياز في طهران من خلال تعبيره عن الموقف من أحداث سوريا.
س- وفي موضوع غزة؟
ج- في موضوع غزة لعب دوراً محدوداً نسبة لحجم مصر، هناك مُبالغة باستعمال هذا الموضوع، لأن الأميركيين أعطوه حجماً كبيراً من خلال الإتصال اليومي أو شبه اليومي بين الرئيس الأميركي والرئيس المصري.
الأمر الثاني: الموضوع الإقتصادي أعود الى القول الموضوع الإقتصادي هناك استحالة لترجمة الإستقرار في مصردون إنجاز إقتصادي جدّي وفاعل، وهذا الأمر لا يستطيع هذا العقل الموجود أن يصل اليه، فإذا كنت لا تستطيع الوصول الى مصالحة سياسية ولا إلى إنجاز اقتصادي، كل ما تستطيع أن تُحققه المزيد من الإنكفاء والإنشغال بالأزمات الداخلية لسنوات تنتهي إما أن يتحوّل حزب الإخوان الى عقل الدولة المدنية كاملاً ويُبقي على الدين لجميع المسلمين، لأن الإسلام ليس لحزب دون آخر هو لكل الناس، وبالتالي إخضاعه لمنطق الأكثرية والأقلية يخرّب الدين ويُفسد الدولة.
س- زين العابدين الركابي في جريدة “الشرق الأوسط” يقول التالي عن الربيع العربي “في الشهور الفاصلة بين غزو الكويت وتحريرها قال جورج شولتز وزير الخارجية الأميركي الأسبق “أعتقد ان كلامه خطير جداً” جورج شولتز قال ان منطقة الشرق الأوسط ستشهد زلزالاً وتحولات مثل التي شهدتها أوروبا الشرقية وهي تحولات ستكون بديلاً للأفكار البالية المُستهلكة التي حكمت المنطقة عقوداً أو قروناً، والمغزى السياسي والإستراتيجي لهذا الكلام ان فكرة الفوضى الخلاقة كانت مُتخمرة في الذهنية الأميركية السياسية منذ وقت طويل”، يقول: ان الربيع العربي لم يكن مفاجئاً للذين تمدّدت فكرة الفوضى الخلاقة في أذهانهم منذ وقت بعيد، مثلاُ عام 2006 أي قبل بدايات ما سُمّي الربيع العربي بسنوات خمس أرسل السفير الأميركي في القاهرة برقية الى وزارة الخارجية في واشنطن بتاريخ 16 آذار من العام نفسه تحت عنوان سري، تقول البرقية ان النظام المصري يتأهب للموت وينبغي التعجيل بوفاته أو إنهاكه عبر إصابته بألف جرح لن يكون من الممكمن إحراز تقدّم ديموقراطي كبير طالما بقي الرئيس مبارك في منصبه، ومع هذا فإن حكمه القاسي يوفّر مساحة ويُعطي وقتاً لإعداد المجتمع المدني وبعض مؤسسات الحكومة المصرية كمرحلة تسبق رحيله”.
يقول أيضاً يمكننا الضغط على مبارك من خلال أصدقاء أميركا وحلفائها في مصر الذين ينبغي تكليفهم بترويج منظومة أفكار أميركية بشرط أن يتم قبول هذه الأفكار وكأنها أفكار مصرية خالصة ويتوجب أن يتم ذلك عن طريق اللقاءات والحديث مع الجماهير”.

أعتقد ان الكاتب كأنه يقول ان جزءً من طبخة الربيع العربي طُبخت في المطابخ الغربية؟
ج- أنا أولاُ لست من عقل المؤامرة ولا من حزب المؤامرة، هناك حاجات طبيعية لكل الشعوب التي ثارت والتي ستثور للتعبير عن رأيها والمطالبة بالحرية ، نحن نتحدث هنا عن نوعين من الأنظمة، هناك أنظمة دموية، أي ان علاقتها مع الشعب قائمة على السجن والإعتقال والتعذيب والقتل والإغتيال، وهناك نظامان بشكل أو بآخر علاقتهما سلمية ولكنها لا تملك مشروعية الحرية وهما اليمني والمصري، في الأول هناك الليبي والتونسي الى حدٍ ما، وفي الثاني هناك المصري واليمني باعتبار ان الأمور في سوريا الآن ممكن ضمّها الى المحور الأول.
دعنا نُفكر بطريقة أخرى هناك نظامان عربيان وحيدان استطاعا أن يستبقا عاصفة الربيع العربي بإجراء انتخابات وتعديلات دستورية وهما مملكتان: المملكة المغربية والمملكة العُمانية، أليس هذا غريباً، بمعنى ان الملك المغربي يمتلك المشروعية التاريخية لحكمه والذي يعود الى سُلالة تعود الى مئات السنين، وكذلك من يعتقد انه يمتلك المشروعية التاريخية في عُمان من سُلالة أيضاُ تعود الى مئتي سنة، استطاعا بكل بساطة أن يستبقا بعد أول مظاهرة ذهبوا الى الإنتخابات والى تعديل دستوري ولو تدريجي وإعطاء الشعب حريته في الإنتخاب التي هي اداة جدّية للتعبير، الآخرين لم يفعلوا ذلك ولن يفعلوا ذلك.
س- هل كان للأميركي كما يُقال دور في ما حصل في مصر؟
ج- أنا ذهبت الى مصر وكنت أكتب في جريدة “السفير” وأذكر مقال بعنوان أول فرعون منتخب في تاريخ مصر “الإبن والأب والست هانم” عنوان على الطريقة المصرية وهو يتحدث عن استحالة مشروعية التوريث، وبالتالي ما أوصل مصر الى هذه الحالة أو الى هذا التسريع في الإنقلاب والمطالبة بالثورة والمطالبة بالحرية هو عقل التوريث، الرئيس مبارك لم يكن دموياً ولم يكن قاتلاً ولم يستعمل الجيش.
س- أنت تعرّفت عليه؟
ج- طبعاً عدّة مرات قابلته ، مرات بصفتي الصحافية ومرات بصفتي النيابية مع الرئيس سعد الحريري.
س- حتى الرئيس فؤاد السنيورة رئيس “تيار المستقبل” كان من أواخر من التقوه؟
ج- الرئيس السنيورة رئيس “كتلة المستقبل” وليس رئيس لـ”تيار المستقبل” ولكن بكل الأحوال ما أود قوله ان ما نقله الأستاذ ركابي عن الوزير الأميركي هو ربما استنتاجات من سفراء مراقبين جديين في الدول التي حدث فيها التغيير، والتي رأت بأن التغيير قادم قادم، هناك نار تحت الرماد وستشتعل، استباق ذلك بالإتصال بمنظمات مدنية أو شعبية أو شرح موضوع الحرية، لا أعتقد ان أحداً من الشعوب التي ثارت بحاجة لمن يشرح له ماذا تعني الحرية وما هي مزاياها وما هي الكرامة وما هي العدالة.
س- لكن ربما ساعدوهم قليلاً؟
ج- أنا لا أنكر، ولكن هذا يعود الى عين السفير الذي يقول، ولكن الشعوب التي قامت ليست نتيجة رأي سفير ولا جهد دولة من الدول.
أنا قرأت إحصاءً منذ أيام عن الإعلام المصري جاء فيه “ان تأثير الرئيس المصري وحزبه على الإعلام الخاص لا يتجاوز خمسة الى سبعة بالمئة، وتأثيره على الإعلام الرسمي لا يتجاوز 30 بالمئة”، فإذا كان لا يستطيع التأثير بفكره ليس بالسلطة والقهر والتعليمات على أكثر من 30 بالمئة من الإعلام الرسمي الذي يقبض مرتباته من الدولة المصرية، فكيف يمكن أن يكون متصالحاً مع الشعب؟.
س- على كل حال الإعلام الخاص في مصر فيه أموالً كثيرة من الخارج، وهناك فعلاً مناخ ديموقراطي ومناخ بالنقاش يطال كل شيء الآن في مصر؟
ج- لن يحكم الإخوان المسلمين مصر، سيواجهون أزمة دائمة حتى نهاية هذه الولاية لا اوافقك على المال الخارجي للاعلام وان كنت لست خبيراً في هذا الأمر.

س- هناك كلام ربما يكون موجّه لكم في “تيار المستقبل” ان هناك حملة ضد الإخوان المسلمين في دول الخليج، وانتم طبعا قريبون من دول الخليج فكرياً وسياسياً؟
ج- أنا أُقدّم طلب، للحقيقة إذا سعيت لي لدى دول الخليج لكي يقبلوني لديهم.
س- السؤال انه الآن حتى دول الخليج هناك حملة واضحة ضد الإخوان المسلمين، وهناك كلام من الإخوان يؤكد المعلومات، مثلاً الآن نقرأ الصحف الخليجية كلها تقريباً ضد الإخوان. وزير خارجية الإمارات يقول “يجب منع جماعة الإخوان من التآمر لتقويض حكومات المنطقة، لأن فكر الإخوان لا يؤمن بالدولة الوطنية ولا يؤمن بسيادة الدول، ولهذا السبب ليس غريباً أن يقوم التنظيم العالمي للإخوان المسلمين بالتواطؤ والعمل على اختراق هيبة الدول وسيادتها وقوانينها”.
عبد الرحمن الراشد في صحيفة “الشرق الأوسط” يقول ” ان جماعة الإخوان أفسدت كل ما جمعته من تعاطف نخبوي وشعبوي في أربعين عاماً وشوّهت المعارضة”.
السؤال الآن هو التالي: إذا كان هناك تنسيق بين الولايات المتحدة الأميركية والإخوان كما تفضّلت وذكرت عن الإتصالات بين الرئيسين الأميركي والمصري الشبه يومية أثناء أحداث عغزة، هل دول الخليج تستطيع أن تُناهض الإخوان دون التنسيق مع أميركا؟ وثانياً لماذا تُناهض الإخوان ومما تخاف دول الخليج السعودية أو الكويت أو الإمارات؟
ج- أولاً أعتقد ان السياسة الأميركية في المنطقة الآن ومنذ سنوات تعيش ما يمكن تسميته بعقل الإنسحاب وليس بعقل التدخل، لذلك رأينا ان درع الجزيرة دخل الى البحرين ووزير الدفاع الأميركي كان موجوداً في السعودية قبل 24 ساعة ولم يعلم بذلك إلا من وسائل الإعلام، هناك مصالح استراتيجية لهذه الأنظمة ولهذه الدول لا يمكن تأمينها إلا من خلال تجاهل السياسة الأميركية والإعتراف بها أو التعامل معها بشكل إيجابي فقط في المسائل الإستراتيجية التي تتعلق بأمنها، هناك أمران استراتيجيان يتعلقان بالسياسة الأميركية في المنطقة والباقي تفاصيل:
الأمر الأول هو النفط والأمر الثاني هو أمن إسرائيل، وكل الأمور الباقية هي خاضعة لاجتهاد القوى الإقليمية والمحلية.
س- يعني إيران تدخلها في أمن إسرائيل بالنسبة للدول؟
ج- طبعاً، ولكن دعني أعود موضوع الإخوان المسلمين المُسبّب لهذا الخوف الكبير في هذه الدول، لن تنجح لا في مصر ولا في غيرها من الدول حتى يضطر الشيخ يوسف القرضاوي العالم الجليل الكبير أن يُهدّد المصريين بالأرباح التي لن تتحقق وهي 20 مليار دولار، إذا قلتم نعم فهناك 20 مليار دولار مساعدات وإذا قلتم لا ستتوقف المساعدات.
هناك عقل لا يأخذ بعين الأعتبار مسألة رئيسية، الحرية أصبحت ملك الجميع وليست ملك الحاكم أو الحزب الحاكم، وهذه الحرية والقدرة على التعبير لا يمكن إلا أن تقف في طريق أي تنظيم يريد تحويل الإسلام الى منطق الأكثرية والأقلية، الإسلام دين للجميع وليس دين الحزب الحاكم.
س- هل نحن ذاهبون الى صدام مصري رسمي مع بعض الدول الخليجية إذا صحّ التعبير؟
ج- لا أبداً النظام المصري غير قادر والدليل التجربة مع الأردن التي تراجع عنها بعد شهر بمسألة الغاز والعمالة المصرية، عندما هدّد الأردنيون بالعمالة المصرية اضطر رئيس الوزراء المصري للذهاب الى الأردن ويبرم اتفاق على العمالة ويعيد تزويد الأردن بالغاز ويسكت عن كل ما تعرّض له النظام المصري من كلام صدر عن الأردن خلال الشهرين الفائتين.
(ريبورتاج عن أبرز محطات الثورة التونسية)
س- تونس الى أين؟
ج- أنا أعرف تونس منذ 30 سنة وهي دولة لطيفة بحجمها وشعبها وحياتها الإجتماعية وحتى فسادها فهو محدود وظلمها محدود.
أنا أعتقد ان تونس ستذهب الى الإستقرار لعدّة أسباب، السبب الأول ان قيادات حزب النهضة أكثر تعقلاً وحكمة وتفهماً لحاجات الناس، يعني انا أذكر امين عام حزب النهضة راشد الغنوشي جاء الى لبنان في بداية التسعينات ودخلنا في نقاشات طويلة معه، كان أول الإسلاميين المتنورّين بنظرته الى الدولة المدنية.
س- هل صحيح كاد يُمنع على المطار؟
ج- لا أبداً هو أتى وألقى محاضرات في دار الندوة مع الأستاذ منح الضلح وبرعايته واستمعت الى نائبه عبد الفتاح مورو مع الاستاذ عماد الدين اديب، وقرأت له عدّة نصوص من النصوص الحديثة المُتفهمة المُتمكنة من النظرة لقدرات الدولة المدنية على الحياة مع المسلمين خاصة، وان تونس فيها دين واحد ومذهب واحد، عملياً الجهات الليبرالية أيضاً تملك الكثير من الحيوية وهي الحيوية التي استطاعت فعلاً أن تكون العنصر الرئيسي لإسقاط نظام الرئيس زين العابدين بن علي، لذلك قدرة الليبراليين وحزب النهضة المنفتح والمُتفهم والحديث التفكير عندما تجمعهما مع بعض هما قادران على فرض رأيهما وإبعاد السلفيين الذين يمثلون أقلية ضئيلة جداً في الريف، بتدبير أمورهم دون التعامل معهم بشكل أمني، التعامل معهم بشكل سياسي وبالإقناع وبالتظاهر وباستعمال حرية التعبير، لذلك في تونس الأمر يمكن أن نرى انه يتجه الى الإستقرار والإنضباط مع بعض الحوادث التي لا يعرف السلفيون غيرها وهي التعبير بقسوة وحدّة عن رأيهم.
س- السلفيون يقولون ان هناك حملة تحريض شديدة ضدنا الناس لا تفهمنا، لا نظهر على وسائل الإعلام، لو استمتعتم الى ما نريد ونقول لربما غيّرتم رأيكم، أنا أعتقد ان هناك سلفيين وسلفيين؟
ج- المهم رأي الشعب التونسي فلو الشعب التونسي يريد لهؤلاء أن يكونوا ممثلين له لكان اختارهم لأغلبية مجلس النواب.

س- الباجي قائد سبسي وهو رئيس تيار جديد ومهم في تونس يقول “كنت مخطئاً عندما اعتقدت ان النهضة مثال للإسلام المُتحضّر”، وهناك كلام أيضاً ان هذا التيار هناك دعم له لكي يُخفف من وطأة حركة النهضة، الوضع الإقتصادي في تونس أيضاًمهم جداً، مثلاً في “سيدي ابوزيد” وهي التي انطلقت منها الشرارة الأولى للثورة تزيد نسبة البطالة عن 30 بالمئة و20 بالمئة في ماجاورها من تونس الساحلية، أما بطالة حاملي الشهادات العليا فهي الأقسى في المدينة. صحيفة “الغارديان” تقول ان الضغط الإقتصادي الذي لعب دوراً هاماً في تحديد الإنتفاضات العربية لا يزال قائماً، معدل البطالة في تونس ارتفع الى 19 بالمئة في العام الماضي ووصل معدّل البطالة بين الشباب الى أعلى معدلاته أي الى 42 بالمئة، ما يشير الى ان هذه الدولة فعلاً بحاجة الى دعم عربي خصوصا في الدرجة الأولى، هذه مصر الآن بحاجة الى 4.8 مليار من صندوق النقد الدولي؟
ج- لا بد من مصر وان طال الحديث، تونس وضعها مختلف، تونس دولة الإهتمام الأول فيها أوروبي وليس أميركي ولا عربي، لم تكن تونس ولا مرة جزءً جقيقياً من المنظومة الإقتصادية العربية، ولكن الأوروبيين يهتمون جداً بتونس لعدّة أسباب، والسبب الرئيسي في انها مصدر كبير لتنظيم الهجرة وليس لهجرة التونسيين فقط، لذلك ضوابط منع تدفّق الهجرة عبر تونس أو من خلال تونس ستجعل أوروبا تهتم فعلياً بإصلاح الوضع الإقتصادي التونسي خاصة وان كلفته بتقديري أنا دون أن أكون خبيراً، كلفته محدودة نسبة للدول العربية الأخرى.
س- يُحكى عن 25 مليار دولار بحاجة لها تونس في أقرب فرصة؟
ج- أنا لا أعرف عن هذه الأرقام، ولكن إذا كانت تونس تحتاج الى 25 مليار دولار هذا يعني ان الفترةالسابقة للحكم أي الرئيس زين العابدين بن علي لا يستحق فقط الإنقلاب عليه، يستحق عليه الإنقلاب وأكثر، دولة مثل تونس لماذا تحتاج الى 25 مليار دولار.

نتابع بعض رسوم الكاريكاتور حول الربيع العربي (ريبورتاج)

س- كأن من أعدّ لنا كل هذا الكاريكاتور أراد أن يقول كأننا لسنا مؤيدين للربيع العربي، بالعكس تماماً نحن مع حرية الشعوب، نريد أن تصبح الشعوب أكثر حرية وديموقراطية، وأن تحصل على كل حقوقها وأن تنتهي هذه الأنظمة التي كانت تقمع الشعوب؟
ج- أجمل الثورات هي الثورة اليمنية لأن هناك شارعان بقي الجمهورفي الشارع لمدة سنتين بحد أدنى من الدم أو القتل، حيث استطاع أن يحصل التغيير السلمي والديموقراطي، والأن يجري التغيير بشكل أسرع، اليمن لها حمايات مختلفة، اليمن فيها القاعدة، فيها حدود مع السعودية ومع دول الخليج، فيها الهجرة اليمنية الكبيرة في الخارج.

هل تنتظر نهاية الحلقة للحديث عن اليمنن بعد قليل سنتحدث عن اليمن بالتفصيل فقط لنتحدث عن ليبيا الآن لو سمحت.
(ريبورتاج عن الثورة الليبية)

س- هذه أبرز محطات الثورة الليبية في تشرين أول من العام الحالي نشر معهد “كارنيغي” الدولي للسلام دراسة أعدّها الباحث بيتر كول يقول تحت عنوان :كيف يمكن تأمين حدود ليبيا” يقول “ان دور القبائل هو الأبرز والأخطر ربما الآن وانه من أجل أن تتمكن ليبيا من وضع استراتيجية فاعلة لأمن الحدود خصوصا عليها القيام بما لا تقم به أي حكومة ليبية من قبل هو تفكيك شبكة المصالح الإقتصادية المحلية التي تُغذي انعدام الحدود” ولخص الوضع في ليبيا بثلاث نقاط: يقول “تواجه الحكومة الليبية قضيتين تتعلقان بتركة النظام السابق، منطقة جنوبية مهملة اقتصادياً واجتماعياً يعتمد سكانها وقطاع أمني مُتهالك على مصادرها تعرّضت المجتمعات المحلية على فترة طويلة للتهميش ما دفعها الى إنشاء شبكات من التبعية مع امتداداتها في الدول المجاورة التي تسهّل عملية الإتجار غير المشروع والثالثة العلاقات القبلية أقوى من الولاء للحكومة الجديدة “، ما هو المتوقع لمستقبل ليبيا؟
ج- لم يكن هناك دولة في ليبيا أي ان ما يجري الآن هو إعادة تشكيل الدولة وليس تشكيل الحكومة، كانت كل الدولة مقيمة في خيمة القذافي وتُقيم وتنام وتأكل وتشرب في خيمة القذافي، لم تكن هناك من دولة في ليبيا ولكن أيضاً هناك حيوية شعبية لها علاقة بالحرية لشعب ينتخب لأول مرة في تاريخه بعد الملكية ومن ثم الإنقسام ومن ثم التوحّد تحت الملكية ومن ثم الإنقلاب من سنة 1970 حتى اليوم، لذلك الوضع الليبي أولاً ليس هناك من دولة، لا بد من انتظار فترة طويلة حتى إنشاء دولة، ولكن عملياً الغرب دفع كثيراً وقاتل كثيراً من أجل الثورة في ليبيا من خلال تدخله العسكري، هي الدولة الوحيدة التي تدخل فيها بشكل عسكري لذلك سيكون حريصاً لسببين:
السبب الأول: كي لا يكون نادماً على ما فعله من خلال تدخلاته العسكرية.
السبب الثاني: بسبب وجود النفط الخفيف المميّز الذي يُستخرج من الأراضي الليبية.
هناك مشاكل لا حدود لها طبعاً عنوانها الرئيسي ان هناك مناطق تشعر بالحرمان السياسي والإقتصادي وبنفس الوقت هناك العقلية القبلية التي لا تزال مُسيطرة.
س- ما المتوقع برأيك؟
ج- المتوقع ان ليبيا تأخذ وقتا أطول من تونس بكثير لكي تستطيع أن تبدأ بإنشاء الدولة الليبية إنشاء الجيش أولاً ثم ضم الميليشيات الى الجيش وتدريبهم ، المهم انه عندهم إمكانيات مالية كبيرة ولكنهم بحاجة الى إنماء لا حدود له في كل المناطق.

س- وتصبح الدولة هي الأساس؟
ج- تصبح الدولة هي الأساس وتحتاج الى وقت لكي تكسب مشروعيتها الآتية من الثورة هم تعوّدوا على مشروعيتين:
مشروعية الملكية ومن ثم مشروعية الظلم والإنقلاب العسكري، والآن مشروعية الثورة والحرية، هذه المشروعية بتقديري لن تستطيع قبل عشر سنوات ان تُنشيء دولة معقولة مقبولة مع نسبة جدية من الفوضى، لذلك أكرر ما قلته بداية الحلقة أني ارى في محاكمة مصطفى عبدالجليل عنصر من عناصر التقدم.

(تقرير عن الوضع في ليبيا)
س- هناك كلام لعبدالعزيز الركابي أيضاً في المقال نفسه يتحدث عن الدول العربية والربيع، ولكنه عن ليبيا يقول “سقطت الدولة الكرتونية ولم تقم بعد لا دولة فولاذية ولا كرتونية، تفشت الفوضى في ليبيا فوضى حمل السلاح وتصديره الىدول الشمال الأفريقي، لا نريد أن نختم هذا العام بتشاؤم، أنا أعتمد على معلوماتك المتفائلة حتى ولو طال الزمن استاذ نهاد، ولكن الغريب ان هناك بعض المعلومات التي يبدو انها صدرت في وقت حساس مثلاً في أوروبا في صحيفة “الكنار اونشينيه” الفرنسية معلومات تؤكد ان ليس الثوار من وصل الى القذافي وقتله وإنما دول أخرى وانه كانت هناك قوات فرنسية قريبة جداً وان القرار اتخذ في الولايات المتحدة الأميركية”.
الباحث في مركز بحث العولمة الكندي مهدي داريوش ناظم يقول انه “طبقاً لمصادر اسرائيلية كانت منظمة مراقبة الأمم المتحدة “يو ان واتش” هي الجهة التي عملت في جنيف على إخراج ليبيا من مجلس حقوق الإنسان”، ويقول “ان تل أبيب كانت في تواصل مستمر مع كل من المجلس الإنتقالي والحكومة الليبية في طرابلس وكان عناصر الموساد في طرابلس أيضاً أحدهم كان مدير محطة سابق يُراد في هذه المقالات أن يقولوا ان الغرب تدخل بشكل قوي، الغرب الأوروبي، الغرب الأميركي للإطاحة بالقذافي؟
ج- ما جاء في المقال لا يحتاج الى دراسة، هذا أمر مُعلن ولكن هناك أمر نحن نسيناه، هناك يهود ليبيين تاريخياً وبالتأكيد موجودين في إسرائيل ولهم اتصالات بأهلهم بمعارفهم أو بأصدقائهم في ليبيا، ولكن لا نعطي الأمر دائماً طابع المؤامرة، ليبيا عندها بالحد الادنى عشر سنوات لكي تُلملم نفسها.
س- تقول عشر سنوات؟
ج- نعم وليس أقل من ذلك، لأن القبلية عميقة التأثير جداً والقدرة على الإستيعاب لازالت محدودة، والتجربة في بداياتها ليس هناك من دولة عميقة مثل مصر أو مثل المغرب، ليبيا دولة تسكن على سطح الرمال وليس تحت الرمال، تاريخياً بعد اربعين سنة من حكم القذافي الأمر طبيعي أن تحتاج الى عشر سنوات، ولكن هناك نخبة حيوية جدية وجيدة بدأت تظهر من خلال الأشخاص الذين تسلموا مسؤوليات سواء برئاسة الحكومة او برئاسة الدولة، ولا بد من أنه مع الوقت يمكن أن يكونوا أكثر تأثيراً وأكثر قدرة على حل المشاكل، ولكن هذا الأمر يحتاج الى عشر سنوات مع كل الرعاية والحماية الدولية للوضع في ليبيا.
س- على كل حال، كنا التقينا في تونس بمجموعة من النُخب الليبية الجديدة من اساتذة الجامعات والدكاترة، في الواقع هم يعدون بالكثير ويقولون ربما أيضاً ان السمعة التي خرجت عن ليبيا بأنها فقط قبائل مُتناحرة ليس صحيحاً بل هناك مجتمع جديد، هناك مثقفون كانوا مقموعين؟
ج- هم أجروا انتخابات ، نزلوا الى صناديق الإقتراع واختاروا ممثليهم.
س- الصحافي توماس ماوتن الذي كان عضواً في أول بعثة أميركية للسلام في ليبيا عام 1987 يقول “ان ما رجّح الدفة الى صالح ضرب ليبيا كان طلباً يعتزم القذافي إصداره لمطالبة شركات النفط الأميركية بدفع تعويضات بعشرات المليارات من الدولارات عن الأضرار التي تسبّبت بها الولايات المتحدة” السؤال ان القذافي في أواخر سنواته كان على علاقة ممتازة مع الدول الغربية وكان يُستقبل كالزعيم في كل دولة غربية، لماذا برأيك أُسقط القذافي؟ هل فعلاً بسبب ثورة شعبه فقط أم كان هناك مصالح تريد إلغاءه؟
ج- ليس هناك من مصالح تريد إلغاءه، هناك فعلاً شعب ليبي مظلوم ومقهور وانتهت فعالية القذافي حتى للذين يريدون دعمه، هناك مسألة الصلاحية مثل الدواء الذي يصل الى وقت لا يعود له صلاحية الإستعمال.
س- مثل مبارك وبن علي؟
ج- بشكل أقسى لأنه فقد كل مشروعيته ولم يعد بامكان من قتل آلاف الناس وأن يبقى في الحكم والعالم يتفرج عليه، هذه أصبحت مسألة داخلية في الولايات المتحدة، في أوروبا وفي الغرب ان هناك حاكما يقتل عشرات الآلاف من الناس وهو قابع في قصره، لم تعد هذه مسالة متعلقة فقط بالدولة المعنية، بل أصبحت هذه سياسة دولية، وهي منع القتل ووقف الدم والسماح بالحرية، هذا أمر جدّي وليس تآمراً.
س- ولكن ليس ضرورياً أن نجعل من الدول الغربية حمامات سلام؟
ج- أبداُ هي تحمي مصالحها تستطيع أن تحمي مصالحها بحرية.
س- تحميها بأنظمة جديدة؟
ج- طبعاً تحمي مصالحها ولا يعني انها جمعيات خيرية.
س- البعض يُحلل لماذا تُضرب الدول التي كانت تاريخياً داعمة بشكل مباشر للثورات الفلسطينية وغيرها مثل الجزائر، مثل ليبيا، مثل السودان، مثل العراق، مثل سوريا، مثل لبنان طبعاً هذا تحليل؟
ج- أين ضُربت الجزائر؟ الجزائر ضربها نظامها.

س- يتابع التحليل عندما أراد الغرب أن يكون الإسلام السياسي في الواجهة أراده وحين منعه ان كان حماس في غزة أو الجبهة الإسلامية في الجزائر؟
ج- أنا لاأوافق، هناك عناصر عديدة تلعب في صناعة الحدث بالتأكيد.
س- داخلية وخارجية؟
ج- طبعاً عناصر عديدة في الداخل والخارج ولكن هناك شعوب قررت أن تحصل على حريتها فحرام أن نحرمهم هذا التعبير أو هذا الحق. الجزائر شيء وإيران وسوريا شيء ولبنان شيء وكذلك السودان.
السودان ماذا قدّم لشعبه أولاُ ماذا قدّم للعرب وماذا قدّم للمجتمع الدولي السودان؟ ارتكب هذا النظام ما لم يستطع أحد أن يُحققه من بعد سايكس بيكو، وهو تقسيم السودان تحت شعار أما العجز وأما الضعف وأما الحرب واما عدم القدرة المالية.
س- أنا لي رأي آخر ففي السودان يوجد كتاب لبيار فيان أنا أنصح كل شخص ان يقرأه، هذا المحقق الفرنسي الأشهر والذي يروي كيف تم تقسيم السودان من هي اللوبيات التي عملت به هناك أخطاء داخلية للنظام؟
ج- اللوبيات كانت موجودة منذ سنة 1948 هذه ليست جديدة وليس اختراعا ان هناك لوبي إسرائيلي في الولايات المتحدة أو في روسيا أو في اوروبا يريد تقسيم في دولة ما.
س- لكن هناك ثروات هائلة في الدول العربية؟
ج- كل هذا يحدث منذ عشرات السنين ولكن هناك حكام استطاعوا مواكبة المرحلة والتصرّف تجاه شعبهم بطريقة تجمعهم وتلّمهم وتُنصفهم وتتفهم حاجات لنقل شعب الجنوب السوداني بشكل أو بآخر، بحيث انك تستطيع احتضانه وليس تنفيره ولا ترسله على الحرب، هذا اللوبي موجود، المؤامرة موجودة، المخطط موجود، ولكن هناك أنظمة تساعد عن وعي أو غير وعي وأنظمة تستطيع الإستيعاب والمواجهة الإيجابية لأي احتمالات تقسيم.
على كل حال، أنا أعتقد انه لن يكون هناك تقسيم بعد السودان على الأقل في العقد المقبل لأي من الدول العربية، أنا هذا تقديري السياسي لأسباب كثيرة.
س- حتى اليمن؟
ج- بالتأكيد وليس اليمن.
س- أنا متفق معك على ان الثورات قامت بمعظمها ربما بانتفاضات داخلية؟
ج- كلها.

س- سأبقى معك لنقل كلها إذا شئت ولكن ايضاً هناك قلق وخوف من أن يتلقفها البعض الآخر وربما في مرحلة مُعيّنة؟
ج- أجمل الثورات هي الثورة اليمنية لانه استطاع جمهوران في شارعين مُختلفين أن يبقيا على الطريق لمدة سنتين بالحد الأدنى من الدم والقتل أو حصول أي شيء أمني يُعرضها للحقيقة بالنسبة للمشرقيين على الأقل اكتشاف اليمن، اكتشاف الشعب اليمني، اكتشاف الحضارة اليمنية، اكتشاف الحداثة اليمنية التي بالتأكيد ستلعب دوراً كبيراً في مستقبل اليمن، وتبيّن ان العقل الذي يعالج المواضيع عقل تصالحي وحتى الرئيس السابق اليوم قرأت بأنه يؤيد كل الإجراءات التي اتخذها الرئيس الحالي.
س- أنت تقول اجمل الثورات وربما كان أقل الرؤساء معارضة من قبل شعبه الرئيس اليمني في السنوات الماضية؟
ج- بطبيعة الحال ولكن التغيير الذي “بدو يحدث سيحدث: لذلك واضح ان التغيير هو لصالح مزيد من الوحدة في اليمن، لأن هناك تفهم أكثر وأكثر.
س- لماذا تقول لن يُقسّم اليمن؟
ج- لأن العقل التصالحي لا يؤدي الى التقسيم وعندما تستطيع إبعاد كل الموتورين في الجيش اليمني من عائلة الرئيس السابق تجد بأن الرئيس السابق مؤيداً لهذه القرارات، فبالنتيجة من سيقرر الإتجاه العام هو الإنتخابات المقبلة، لا يمكن أن ينزل الشعب ويصوّت للتقسيم، يعني هو ليس مثل وضع السودان تعدّد الأديان وتعدّد الحضارات هناك خلاف سياسي محدود أو كبير، هناك حساسية الشمال والجنوب، ولكن هذه أمور لها علاج، اليمن لا تشبه السودان بالتعقل وبالتصرّف الرصين، وهناك قوى خاصة، دول الخليج فضلاً عن الغرب معنيين كثيراً بوضع اليمن باعتبارها انها المقر الرئيسي المستقبلي أو الحالي للقاعدة، وهذا يجعلها موضع اهتمام وموضع تمويل وموضع نصيحة وموضع تهدئة وموضع مصالحة، وانتهى العصر الذي تستطيع فيه قوى إقليمية أو دولية أن تأخذ نظام الى عقل المواجهة مع شعبه. انتهت هذه المرحلة، ليس هناك الآن من أي نظام عربي يذهب الى المواجهة مع شعبه عدا ما يحدث في سوريا.
س- نختم بالنبرة التفاؤلية الواردة على لسان الأخت صابرين التي تقول “ما يحصل الآن مقبول وإن شاء الله الى الأفضل” نختم بهذه النبرة التفاؤلية؟
ج- حظنا كبير نحن إننا من جيل يعيش هذا التغيير.

أختم بنداء شخصي الى كل اللبنانيين الذين الآن يستقبلون النازحين السوريين أو الفلسطينيين أن يُحسنوا معاملتهم وأن لا يرفعوا إيجار الشقق بشكل جنوني وان لا يحتالوا عليهم لأنهم حرام ياتون في ظرف سياسي ولكن أيضاً في ظروف طبيعية قاسية، البرد القارس، الآن نداء فعلاُ آمل الإستجابة له.
=========