لحود أراد ردم الحفرة في اليوم الأول فنصحته بتولي التحقيق اذا لم يكن هو الفاعل

مقابلات مكتوبة 13 مايو 2005 0

بيروت – حازم الأمين، الحياة

يجيب نهاد المشنوق في الحلقة الثانية والاخيرة من الحديث معه عن أسئلة تتعلق بمسألة إبعاده عن مكتب الحريري ثم يعطي رأياً او توقعاً في مستقبل زعامة آل الحريري، ويختتم بحكاية الانفجار الذي أودى بالحريري وبزيارة قام بها للرئيس لحود، بعدما هاله الاهمال المتعمد في عملية التحقيق.
– كنتَ من أكثر المقربين من الرئيس الحريري الى ان طلب السوريون منه ابعادك عن مكتبه في العام 1998. ما الذي حصل ولماذا ضغط السوريون على الحريري لابعادك؟
في اللحظة الاولى التي اختارني فيها الشيخ رفيق الحريري لأكون احد معاونيه في لبنان سنة 1989، كان واضحاً ان الموقف السوري مني هو موقف سلبي، وعبَّر عن ذلك نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام بالقول له: “شو بدك فيه لنهاد المشنوق، هذا صوفته حمراء”، فرد الحريري مازحاً: “بسيطة منغسلها بتصير زهر”. ولم يأخذ بهذه النصيحة من بدايات العمل معه. ما أريد ان أصححه بهذا المعنى ان الرئيس الحريري لا تعمل معه، بل تعيش معه. تعيش على صوت فتحة الباب عندما يصحو وتذهب على صوت اقفال الباب عندما يذهب الى النوم. هذه طبيعة العمل مع الرئيس الحريري بالنسبة الى المقربين اليه. استمر هذا الجو، وحاولت قدر الامكان ان اثبت انني غير ما يعتقدون. ليست لدي عواطف مسبقة سلبية من النظام السوري. طوال سنوات لم اعمل على اقامة علاقة مباشرة معهم او مع المسؤولين منهم. كنت اذهب دائماً مع الرئيس الحريري الى الشام لمدة عشر سنوات ولكن لم اذهب مرة معه لمقابلة أي مسؤول سوري. حتى مسؤولو الامن في لبنان كنت أعرفهم وألتقيهم انما نادراً، ولم تكن لي صلة مباشرة معهم او علاقة تسمح بتبادل الرأي في مسائل عدة.
مرت فترة طويلة حصلت فيها اشكالات سياسية كبيرة في البلد او بين الحريري والهراوي او مع مجموعة سياسيين محسوبين على الخط السوري، كانت تنتشر اشاعات ان نهاد المشنوق قال كذا أو فعل كذا او انه منتمٍ للجمعية الفلانية، ولكن كانت تلك باستمرار ظواهر عابرة اكثر من انها تؤسس لموقف مني.
سنة 1997 لاحظت تغيراً في العلاقة بيني وبين الرئيس الحريري. وكنت تعودت على مسألة انه عندما كان يسمع موقفاً سورياً مني تتغير ملامح وجهه، ويصير يلزمه وقت للتخفف من الحوار المباشر معه. لاحظت حينها هذا الامر، فألححت عليه لمعرفة المشكلة. قال ان العماد حكمت الشهابي ايضاً تفضل علي باتهامات، وقال له انه لا يجوز ان يبقى نهادالمشنوق في موقعه الى جانب الرئيس الحريري، وانني من السنّة المتطرفين “سنّة سكر زيادة”. وان هذا يسيء للرئيس الحريري ولسياسته. انا متأكد من ان الرئيس الحريري دافع في هذا الموضوع واعتبر انني أنفذ سياسته اياً تكن هذه السياسة. استأذنته للذهاب لمقابلة اللواء غازي كنعان، فقبل على مضض لأنه لم يكن يرغب ابداً ان يكون لمعاونيه القريبين أي علاقة او صلة مباشرة بالمسؤولين السوريين، وكان يعتبر ان هذا ملف استراتيجي وهو من يتسلمه مباشرة من ألفه الى يائه. طلبت موعداً من اللواء كنعان وذهبت اليه، وأخبرته ما سمعته، فرد مستغرباً وقال ان العماد الشهابي من المتعارف عليه انه لا يدخل في هذه التفاصيل وهو غير متابع الى هذا الحد. ولكن كنعان طلب مني ان ازور الوزير دلول في منزله وأكلمه في هذا الامر. استغربت الربط، وأوحيت بأنني متمنع، ولكن بعد إلحاح منه نزلت وطلبت موعداً من دلول الذي كان في حينها يخوض حملة شعواء على كبار الموظفين المقربين من الحريري في الدولة بسبب عدم توظيف مناصرين له، وإهمال بعض مطالبه.
لم افهم كثيراً الصلة بين ما قاله الشهابي وبين دلول، وحملته على المقربين من الحريري. عند دلول حصل حوار حول شكواه من المقربين من الحريري وتصرفهم تجاهه في الادارة. حاولت اقناعه انني لست معنياً بمسألة الادارة وهو لم يسبق ان حدثني عن هذا الموضوع، وان ليست لي علاقة بهذا الأمر. ولاحقاً استوضحت وتبين ان اللواء كنعان رغب في الاستعانة بالوزير دلول الذي تربطه صداقة قديمة مع العماد الشهابي لحل هذه المشكلة. وانتهى الموضوع عند هذا الحد. ولكن كان واضحاً ان هناك قراراً كبيراً وليس ظرفياً وطارئاً.
سارت الايام حتى صيف العام 1998 وانتقال الرئيس الحريري الى السراي الكبيرة. فتأجل انتقال مكتبه الاعلامي الى السراي الكبيرة في ذلك الحين، بحجة ان هناك حديثاً في البلد عن استخدام الحريري موظفين ومساعدين في ادارة مؤسسات الدولة بدلاً من الإتيان بموظفين من داخل الادارة. وطبعاً لم يكن هذا الكلام مقنعاً، وكان واضحاً ان هناك كلاماً من نوع آخر. تركته في حينها اسبوعاً الى عشرة ايام، ولا بد من ظرف مناسب للكلام ببساطة. لم يأت الكلام لوحده، فبعدها ذهبت الى الرئيس الحريري في فقرا وجلست معه نحو ثلاث ساعات، تحدثنا عن كل شيء. في العمل والسياسة والامور الشخصية والعائلية. كانت جلسة مهمة. وألححت عليه في مسألة الموقف السوري مجدداً، فأصر ان ليس هناك أي جديد. واستمر الجو نفسه. وشعرت انه لا يمكن الاستمرار بهذه الطريقة اذ شعرت بأنها مسألة محرجة لي. صرت اعمل عبر الفاكس. كتبت استقالتي في آب (اغسطس) 1998، وصدفة زارني صديقان فعرضت عليهما ما أنويه. فأقنعوني بضرورة الانتظار قليلاً. استمررت بعدها بالعمل قدر الامكان الى ان جاء وقت كان الرئيس الحريري ينوي الذهاب الى نيويورك للقاء الأمين العام للأمم المتحدة. فرتبت الرحلة، وذهبت برفقته في الطائرة، لكنني كنت في حينها مقلاً بالكلام. في نيويورك شعرت بأن الغيمة بدأت تزول. كان يوم ثلاثاء على ما اذكر، اتصلت بصديق لي هنا وهو من المطلعين على الموقف الامني والسياسي السوري. وبعد التحية قال لي: “ألم يخبرك صاحبك؟”، قلت له: بماذا؟ قال كان يوم الاحد الماضي عند اللواء غازي كنعان الذي ابلغه ان لديهم معلومات تقول اننيازود الاسرائيليين بمعلومات عن الوضع في لبنان بسبب موقعي في الادارة السياسية، عبر صحافي فرنسي، وأن هذا الصحافي الفرنسي يجري اتصالاً بجبريل الرجوب الذي يوصل المعلومات الى الاسرائيليين. طبعاً الرواية مختلقة وليس فيها أي جملة صحيحة. شعرت في حينها بعبء كبير، وفوجئت ورحت أسأل عن الاسباب. في حينها كان الرئيس اميل لحود قد انتخب. فهمت القصة واستنتجت سياسياً ماذا يعني هذا الكلام.
اول رد فعل كان قرار العودة الى بيروت. صعدت الى الطائرة مع الرئيس الحريري وكنا عائدين من نيويورك الى باريس. لم افاتحه بما اعلم، وكنت انتظر هو ان يبلغني، وبعد قليل طلبني الرئيس الحريري الى غرفته في الطائرة. اخبرني بالموقف السوري حيالي. في ذلك الوقت انفعلت قليلاً، لأنني كنت اعتبر انه لو كانت هناك علاقة طبيعية بيننا وبينهم (نحن المعاونين) لم تكن الامور لتصل الى ما وصلت اليه. الامتناع كلياً عن الاتصال بهم ومقابلتهم لا يأتي الا بهذه النتيجة. قلت له ان هذا الامر سببه هذه السياسة، قال لي ان الامر قابل للحل، فقلت إن المسألة لن تحل. سألني رأيي، فقلت انني اعتقد بأن هذا الامر قرار نهائي. وعندما وصلنا الى باريس، ذهب هو الى منزله، وأنا اكملت الى بيروت. وبدأ الصراع المعنوي. انتشر الخبر. ورحت أتوجه الى مكتبي كل يوم وأمارس عملي، وتركت للرئيس الحريري حرية تكليفي بمهمات او عدم تكليفي. هو كان محرجاً جداً في هذه المسألة فكان يعتبر ان هذا الامر يعطي صورة عنه انه لا يستطيع ان يحمي جماعته. وبعد فترة قلت له انه لا يجوز الاستمرارفي هذه اللعبة فهم بكل بساطة يطلبون ان أكون خارج محيطك وعلي ان أخرج. وأنا مستعد لكن بشرط واحد هو ان يتراجعوا عما قالوه علناً وصراحة.
كانت قد مرت ثلاثة اشهر على هذه الاخبار وأنا اداوم في المكتب، ويأتي الي ضباط ويوصلون رسائل وموفدين بعضهم يحمل تحذيرات وتنبيهات، وأنا اسمع وأقول لهم انني اعمل مع الرئيس الحريري وهو الذي عليه أن يأخذ القرار.
وصودف ان وزير الداخلية في ذلك الحين ميشال المر الشجاع فعلاً، كُلّف بسؤالي عن مضمون هذا الكلام، من قبل اللواء كنعان والرئيس الحريري. جاء الي الى المكتب وكان يضحك وقال لي هناك رواية تقول كذا كذا، فقلت له جيد، وفندت له الرواية، من ان ليس لدي صديق فرنسي على الاطلاق، فضلاً عن انني لا اجيد اللغة الفرنسية اصلاً، وصولاً الى أنني لا اعرف جبريل الرجوب. في الوقت نفسه يحاولون نشر خبر في كل الصحف اللبنانية عني بما يتضمن اتصالي بهذه الجماعات. لكن الصحف امتنعت عن نشر الخبر. الى ان وجدوا صحيفة نشرته تحت عنوان ان هذا المستشار المتهم من دون ان تسميه لن يعود الى بيروت بسبب هذه التهمة.
كان ميشال المر صادقاً وجدياً بالدفاع عني. وذات مرة ذهب الى اللواء كنعان برفقة ابنه وزير الدفاع الحالي الياس المر، وتحدث معه عن قضيتي وكان واضحاً ان الامور صعبة. فجاء الى الرئيس الحريري وأبلغه، وذهبت انا اليه في الداخلية وأخبرني قلت للرئيس الحريري انهم يريدونني ان اترك العمل والبلد وأنا لا امانع لكن شرط ان يتراجعوا عن هذا الكلام. فأنا لا استطيع ان اخرج من البلد وعلى أكتافي تهمة من هذا النوع الى أي مكان في العالم. لا أحمل ان اذهب الى المنزل وأقابل اولادي.
الأسوأ ان الامور كانت حادة، سوريا في مرحلة انتقالية، الرئيس حافظ الاسد يسلم ابنه مع تراجع في صحته. وكانت ازمة حكمت الشهابي عمرها اشهراً ولا تزال على حدتها، والحليف الآخر للشهابي وهو عبدالحليم خدام يشعر بأن عليه ان يزيد من القتال في مسألة الخلافة والوراثة ويستعمل أهم أسلحته وهي رفيق الحريري. واميل لحود يتسلم رئاسة الجمهورية. ووسط كل هذه الظروف المطلوب تسوية لنهاد المشنوق.
اصررت على انني لا اترك مكتبي وتهمتي معي. وبعد جهد جهيد وبإلحاح وإصرار من الرئيس الحريري على نائب الرئيس خدام، قال لهم ان نهاد يريد ان يغادر الى مصر، فهل تريدون شيئاً منه، فرد احدهم: “يريد ان يذهب ليلاقي اصحابه هناك”. فرد الرئيس الحريري “فليذهب اينما يريد ولكن قبل ذهابه يجب ان نجد طريقة لازالة ما علق به من آثار هذه التهمة”. وكان المخرج أن ازور معه كلاً من اللواء كنعان ونائب الرئيس خدام، وعندما يستقبلانني ويذاع الخبر، ينتهي الموضوع عند هذا الحد لأنهم (أي السوريون) طبعاً لا يستقبلون عملاء لاسرائيل.
في أول تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1998 قصدنا عنجر، وسألني الرئيس: “تريد ان تراه قبلي او بعدي؟”، فقلت طبعاً بعد ان تراه أنت، فانتظرت في فندق بارك اوتيل في شتورة وبعد نحو ساعة طلبني الرئيس وتوجهت الى عنجر. دخلت على الرئيس وعلى كنعان. تحدثت عن قضيتي، فرد كنعان انه يجب ان أنسى هذه القصة، فرددت بحدة انني لا استطيع ان انسى خصوصاً انني اتهمت بأنني عميل اسرائيلي فهل تعتقد بأن لدي غير سمعتي أورثها لأولادي؟ فتدخل الرئيس الحريري وهدأ الاجواء، ثم ذهبنا الى أبو جمال.
وأذيع خبر استقبالي من جانب المسؤولين السوريين ونشرته الصحف، وانهالت علي الاتصالات مستفسرة. ونهار الخميس كان يجب ان أغادر الى باريس تاركاً عملي ومكتبي. وأثناء توجهي الى المطار اتصل بي النائب نادر سكر، وقال لي ان اللواء كنعان طلب منه ان يبلغني انه يجب ان اصدر بياناً اقول فيه انني التقيت على وجه السرعة وبعد انتظار نحو ساعة في الخارج مع اللواء كنعان، وان ليس للأخير أي علاقة بمحو ما وجه الي من تهم التعامل مع اسرائيل، وان هذا الموضوع يبته القضاء اللبناني، وان علي أن أوقع البيان باسم المستشار السابق لرئيس الحكومة. فقلت له ان يصدر البيان هو، وانني مسافر الآن، وانني لم اصبح حتى الآن مستشاراً سابقاً، وان هذا الامر يقرره الرئيس الحريري.
على الطائرة تلقيت اكثر من 20 اتصالاً في محاولة لدفعي لكتابة البيان ورفضت، وتولى الرئيس الحريري تبريد الاجواء.
بقيت في باريس لأكثر من سنة، الى ان التقيت وبالصدفة يوماً الرجل النبيل طه ميقاتي شقيق رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي. سلمت عليه ودعاني الى مقهى قريب وسألني عن مشكلتي فرويتها له، فرد انه عائد الى بيروت بعد نحو 15 يوماً، ومن المعروف ان هناك علاقة مودة تربطه بالرئيس بشار الاسد. وعد بحل المشكلة وفعلاً بعد ان عاد الى بيروت وزار الشام اتصل بي وقال لي ان مشكلتي حلت وصار في امكاني العودة الى بيروت.
عدت الى بيروت وذهبت في اليوم الثاني الى منزل الرئيس الحريري حيث كان يتقبل التعازي بوفاة والده، فاستقبلني بشكل دافئ جداً، وكذلك استقبلني جميع من حوله بالحرارة نفسها. ولاحظ الجميع مجيئي، وانهالت علي الاتصالات، وبعد نحو ثلاثة ايام اتصل بي طه ميقاتي مجدداً وقال ضاحكاً ان الشباب لا يريدونك في بيروت في شكل دائم وان علي ان اقيم فترة في بيروت وأخرى في الخارج حتى لا تفسر عودتي بأنها عودة الى العمل. واستمر هذا الوضع بين الاقامة في باريس ثم الاقامة المتقطعة في بيروت نحو ثلاث سنوات.
الى ان عدت يوماً فاستقبلني الرئيس الحريري وأذيع الخبر فاتصل بي اللواء كنعان ودعاني اليه فزرته وكانت جلسة بمثابة اعتذار مني.
– ما هي اسباب الموقف السوري منك؟
هم يعتبرون انني ذراع الرئيس الحريري العسكرية، أي المقاتل في كل الظروف، وانه اذا كان هناك من امل في التعاون بين الرئيس لحود وبين الرئيس الحريري، فهذا الامل لا يمكن ان يتم بسهولة طالما انني موجود في موقعي. كما يعتبرون انني مارست دوراً حاداً في مسألة النظام العسكري والنظام الامني، وقمت بحملة اعلامية حادة وقوية في مقابل الحملة الاعلامية التي قام بها في ذلك الحين نائب مدير المخابرات جميل السيد لضرب أساس النظام المدني وتخوين الجميع، واعتبار الجميع فاسدين وقتلة ومجرمين، والحل هو قائد الجيش.
والمشكلة الثانية انهم يعتبرونني سنياً “سكّر زيادة”، وانني لست من اهل الاعتدال في السنة. وطبعاً كل هذا الكلام غير صحيح. كانوا يعتبرونني الاول بين معاونيه ولدي قدرة على القتال والشراسة السياسية، ولهذا يجب ألا أكون موجوداً، ويقولون انهم صبروا علي ما يكفي، ولم يتم تجنيدي كل هذه المدة، ولم يتم التفاهم والتنسيق معي.
– ماذا جرى منذ اغتيال الحريري وحتى اليوم؟
عندما سمعت السفير جوني عبده يتحدث انه كانت هناك ضمانات فرنسية ودولية بأن احداً لن يتعرض لحياة الرئيس الحريري، دققت انا في هذا الامر وسألت، فاكتشفت انه في رحلته الاخيرة الى فرنسا طرح عليه الرئيس جاك شيراك ان يبقى في باريس لفترة حتى تهدأ الامور، لأنه كانت لدى الفرنسيين معلومات جدية عن مخاطر قد يتعرض لها فكان جوابه “لا أحد يجرؤ”. وحول موضوع السفير عبده ايضاً لدي تعليق. سمعته يتحدث عن مصطفى حمدان (قائد لواء الحرس الجمهوري) ومسؤوليته عما جرى. اعتقد بأن لا مسؤول امنياً في لبنان اسمه مصطفى حمدان. حمدان ضابط في الجيش، مسؤول عن أمن رئيس الجمهورية فأي قرار في القصر الجمهوري المسؤول عنه هو رئيس الجمهورية شخصياً. وبالتالي لماذا الالتفاف على المسؤولية.
في الحقيقة سمعت روايات كثيرة عن مسألة التحقيق الذي حصل بعد اغتيال الرئيس الحريري، وجزء منه يدين بشكل مباشر رئيس الجمهورية. ومن خلال قراءتي للأمر، سواء عبر اصدقاء او متابعةالتصريحات، اكتشفت ان هناك جريمة ثانية ترتكب اسمها جريمة التحقيق، لأن وزير العدل (السابق عدنان عضوم) يصحو على سيادة وينام على لجنة تحقيق دولية. ووزير الداخلية (السابق سليمان فرنجية) يقول ان هذه الطريقة هي التي نحقق بها في لبنان منذ الاستقلال. لم يجد أحد كلمة سوية وطبيعية ليخفف من ارتباك الناس.
كنت في عشاء والتقيت وزيراً قال لي انه سمع في مجلس الوزراء حديثاً جانبياً بين وزير الاشغال وبين رئيس الجمهورية حول سحب السيارات وتعبيد الطريق في النهار نفسه الذي تم فيه الانفجار. لم أصدق ذلك، واعتبرت ان هناك شيئاً ما يجري في مكان ما. افهم ان تكون الاجهزة الامنية والوزراء المعنيون مرتبكين حيال جريمة في هذا الحجم، ولكنني لا افهم ان يكونوا أميين الى هذا الحد. دفعني ذلك لمتابعة الموضوع والسؤال، واذ يحصل اجتماع في البلدية بحضور المحافظ ومدير عام الطرق والمباني وشخص ثالث للبحث في مسألة فتح الطريق، وعلمت ان فادي النمار (مدير عام الطرق والمباني) يقول انه يريد اذناً من النائب العام، لنفاجأ لاحقاً ان هناك اذناً من قاضي التحقيق رشيد مزهر بسحب السيارات، وفتح الطريق وتعبيدها. في وقتها نزل سعد الدين الحريري الى موقع الجريمة وارتبك الجميع ولم يعد هناك مجال لاستمرار هذه الاعمال. ومن خلال التدقيق تبين ان وزير الاشغال طُلب منه بأن يقوم بمهمة طمر الحفرة، فاعتذر الوزير لأن الأمر ليس من اختصاصه. وسألت اصدقاء في الامم المتحدة، فاكتشفت ان لقاءات (رئيس بعثة التحقيق الدولية) فيتزجيرالد مع المسؤولين الامنيين كانت مضحكة، وأجوبتهم كانت هشة استمررت بمتابعة الموضوع وكنت كلما سمعت اكثر يزداد شعوري بفداحة ما يجري. طلبت موعداً من رئيس الجمهورية على رغم معرفتي بأن هذا الامر لا يرضي كثيرين من الناس. ذهبت الى الرئيس وقلت له ان لجنة تقصي الحقائق ستكشف كل التقصير والإهمال والفشل. وقلت له انه اذا لم يرفع دم الرئيس الحريري عن الارض فلن يكون هناك مجال لتفادي الكارثة. وقلت له في المرحلة المقبلة ستقوم جبهة عريضة للمطالبة بتنحيتك، وخروج الجيش السوري لم يكن مفاجئاً وهو نتيجة سياسة أوصلتنا الى هنا. وقلت له: “ان فخامتك وصلت على رأس مثلث اسمه “حزب الله” والاجهزة العسكرية والامنية وسورية، وأنت قائم على هذا المثلث. وصلت لهذه الغاية، وهذه الغاية انتهت، والحل الوحيد امامك ان تشارك شخصياً بمسألة التحقيق وان توصله الى نتيجة فعلية، الا اذا كنت انت من فعلها»، وأضفت: “في المرة الاولى تمت حمايتك من قبل سوريا وفي المرة الثانية حماك البطريرك. في المرة الثالثة لن يحميك احد”… لكنني لا اعتقد بأنني تمكنت من تغيير شيء في هذا الكلام.
– كيف تصف علاقة الرئيس الحريري بـ”حزب الله”؟
بالتأكيد كان لديه هم حماية “حزب الله”، والبحث كان بالوسائل وليس بالمبدأ. «حزب الله» حرر جنوب لبنان، وهذه مسألة بالنسبة الى شخص من اصول قومية عربية مثل رفيق الحريري ليست تفصيلاً. انها مسألة تأسيسية ولا بد من اخذها في الاعتبار.
ما يطرح الآن حول سلاح “حزب الله” ليس امتداداً لقناعات الحريري. انه سلاح شريف ولا يجوز التعاطي معه او قراءته او مناقشته على انه سلاح. انه قضية، وقضية محقة. أي افتعال الآن لسلاح “حزب الله”، يوحي وكأنه ثمة من يريد ان يعاقب هذه المقاومة. اضافة الى ذلك “حزب الله” تنظيم جدي وله جذوره وله جهاز امني جدي وعسكري، وهو يحتاج وقتاً طويلاً ومفاهيم ووجهات عربية واسلامية لاقناع “حزب الله” بالانتقال الى الوضع الجديد.
أذكر ان في اللقاء الاول بين الرئيس الحريري والسيد حسن نصر الله سنة 1992، حضرته انا، وكان السيد في حينها الأمين العام الجديد للحزب وشاباً صغيراً منتخباً حديثاً، ذهبنا برفقة الزميل مصطفى ناصر، وحصل حوار بين الاثنين حول مسائل قتال اسرائيل وغيرها. وقال الرئيس الحريري للسيد نصر الله ممازحاً: “أنا مستعد لتقديم أي شيء لدعم أي حركة لتحرير الارض اللبنانية او العربية ما عدا أن أموت”. لم يكن الرئيس الحريري يشعر اطلاقاً بأي نوع من الصراع مع “حزب الله”. قد تمر فترات يكون فيها على خلاف سياسي مع الحزب وكان يحيل هذا الخلاف دائماً الى علاقة الحزب مع سورية، ولكن لم يكن هناك دائماً أي نوع من الصراع.
– كيف يمكن ان تصور نوع الفراغ الذي تركه الحريري؟
الحريري ترك فراغاً كبيراً وهائلاً، وليكن الله في عون من سيحاول ملء هذا الفراغ.
– في رأيك نجله وخليفته سعد الدين سيتمكن من ذلك؟
لسعد ميزة، وهي انه تربى في الارض نفسها التي تربى فيها والده وهي المملكة العربية السعودية، ولسعد رغبة في العمل السياسي منذ زمن، وهو صبور ايضاً وهي مقدرة مشابهة لمقدرة والده على رغم صغر سنه. فالتجربة السعودية علمته أموراً كثيرة. لديه قدرة على الاحاطة بالناس سواء داخل العائلة او في العمل وهو في طبيعته محب وكريم، وعقله مسيس ولكن في الوقت نفسه ورث تجربة كبيرة ومفاهيم وصلات، وهذه بمقدار ما تساعده وتفتح له الطرق، بمقدار ما تُتعبه. ومن جهة اخرى، صحيح ان والده رجل كبير، ولكن هناك خلافات بين اللبنانيين على مفاهيم والده، وهناك امور كثيرة تحتاج الى نقاش. الاكيد ان لديه الرغبة والقدرة والصبر. وهذه عناصر أساسية. في البداية، وهذا امر ايجابي اكيد، ان عمته السيدة بهية اخذت عنه حملاً كبيراً، وهو وجه المقارنة بينه وبين والده، وذلك عبر الدور السياسي الكبير الذي لعبته منذ لحظة اغتيال الرئيس الحريري، خصوصاً خطابها في ساحة الشهداء، اذ استطاعت ان تضبط الشأن السياسي بطريقة علنية، وخففت عن سعد الدين مسألة المقارنة مع والده. خطابها أعاد مضمون خطاب الرئيس الحريري، ولولا خطابها في ذلك اليوم لكانوا سرقوا الضريح سياسياً.
– من هو المؤهل من بين المحيطين بالعائلة ان يلعب دوراً في مساعدة سعد الدين؟
المحيطون بالعائلة كثر. الدائرة الاضيق على ايامي كانوا خمسة اشخاص، وهم فؤاد السنيورة وبهيج طبارة وباسم السبع وعبداللطيف الشماع وأنا. اضيف اليهم لاحقاً آخرون، من بينهم وسام الحسن وهو عاقل وموزون، وسليم دياب المتطوع لمساوئ النيابة والمتعفف عنها، والفضل شلق الموثوق في كل المجالات العمرانية. وخرج آخرون. هذه المجموعة استمرت ولكل واحد من هؤلاء صفة. وللرئيس الحريري ميزة هي قدرته على تشغيل كل الناس. لا ادري اذا كان سعد الدين يتمتع بهذه المقدرة، مع اعتقادي انه يتمتع بها.
– وماذا عن العائلة؟
السيدة نازك سيدة قديرة ومسؤولة، واختيارها للأعمال الخيرية هو في مكانه. وأهمية السيدة نازك لا تكمن فقط في صبرها في هذه الفترة وادارة دفة العائلة، وانما ايضاً بسبب صبرها في ايام حياة الرئيس الحريري. ففي ظل انشغالاته المتواصلة، كانت هي الى جانبه والى جانب اولادها ايضاً الذين نجحت في تنشئتهم، من أيمن الهادئ الى فهد الفنان الى هند المؤمنة والصابرة التي استطاعت بإيمانها وتماسكها من اثارة الاعجاب في الفترة الاخيرة، الى عدي المبتسم دائماً وجومانا الحاملة مع والدتها همّ الدنيا.
اعتقد بأن السيدة نازك بغطائها الابيض لا تزال تستيقظ صباحاً وتسأل درويش، “صديق الجميع”، عن دولته وتنتظر مكالمته قبل أن تنام.
أما عن بهاء الدين، فهو شخصية مختلفة، فهو كان يعيش في اوروبا وملامحه قاسية قليلاً، ولكن عندما تقترب منه تكتشف انه طيب القلب. ومتابع بدقة لكل تطورات الوضع الدولي. فهو باشر عملاً مستقلاً في البورصة والسوق المالية ومتابع دقيق ونشيط، وأتذكر ان والده قال لي يوماً ان بهاء كون ثروة اكبر من ثروة والده عندما كان في عمره.
هناك شخص آخر أكاد اقول انه من العائلة وهو عبداللطيف الشماع وهورفيق السنوات العشر التي قضيتها مع الرئيس الحريري. احد اصدقائنا كان يسميه “ابو الهول” لأنه قليل الكلام ولكنه يفاجئك بإلمامه بكل شيء. وهو الذي أسس تلفزيون “المستقبل”، وهذه المسألة لم تكن سهلة. ولا أنسى طبعاً مولانا رضوان السيد شيخ الطريقة الحريرية، وسيدنا داوود الصايغ مستشار الرئيس وقناته الى البطريركية ومحمد السماك شيخ الحوار الاسلامي – المسيحي.