لبنان أولاً – حلقة خاصة بالذكرى السنوية الاولى لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري

مقابلات تلفزيونية 14 فبراير 2006 0

س- برأيك، هل آن الأوان لطرح ملف رئاسة الجمهورية؟
ج- أولا: رئيس الجمهورية سقط من ضمير كل اللبنانيين ولم يعد مهما، إذا كان موجودا في بعبدا أو غير موجود، ثانيا: العملية السياسية التي تستوجب خروجه من بعبدا تحتاج الى مشاورات وتسويات وتحالفات لم تحدث حتى الآن، ولكن لا أرى أن وقتا طويلا يفصلنا عن خروجه فعليا أو جسديا من قصر بعبدا.

س- لقد كتبت في السفير ، “على مسؤوليتي الأمر يحتاج الى شهرين” آنذاك؟
ج- أنا قلت في نهاية السنة، وممكن إنه مدّد مرة ثانية سنة 2005 لشهرين أو ثلاثة ، ولا أعتقد إنه يجب إعطاء أهمية كبرى لهذه المسألة، لأنه سقط من ضمير كل اللبنانيين، لم يعد موجودا وبإستطاعته الآن أن يتسلى بالمراسيم الوزارية.

س- لكنه قادر على التعطيل؟
ج- لا أعتقد أنه ما زال قادرا على التعطيل، بل هو قادر على الإزعاج.

س- كيف قرأت كلمة الشيخ سعد الحريري في الذكرى السنوية الأولى لإستشهاد الرئيس رفيق الحريري؟
ج- الشيخ سعد في كلمته هذه حدّد بشكل واضح ونهائي ، تحالفاته السياسية التي لن يحيد عنها ، سواء بما يتعلق بالأستاذ وليد جنبلاط أو بالقوات اللبنانية أو بالأحرار أو بلقاء قرنة شهوان.

س- كنا نتوقع أن يذكر التيار الوطني الحر والعماد عون؟
ج- هؤلاء لم يحضروا ، وبالتالي لا يمكن أن يذكرهم في غيابهم.

س- ماذا عن الكلام السياسي في كلمة الشيخ سعد ، حول إسقاط وديعة النظام السوري في لبنان ، وقوله لبنان أولا، برأيك هذا الشعار لمن تم توجيهه، هل الى “حزب الله” و”أمل”؟
ج- هذا شعار موجّه الى كل اللبنانيين، هو شعار ليس عدوانيا، وبالتالي يوجّه الى أناس أنت على خصومة سياسية معهم ، هذا شعار شامل ، يشمل كل اللبنانيين. وأقول لك أنه بالإمكان أن تنظم تظاهرة أكبر من العديد الموجود اليوم في هذه الذكرى، ولكن لا أحد في لبنان يستطيع تنظيم تظاهرة تضم كل هذا التنوّع السياسي والروحي والفكري في نفس المكان. وأن شخصا مثل رفيق الحريري ، بمعنى رمزيته وليس بمعنى وجوده، هو إستطاع أن يعيد إحياء الروح اللبنانية في أكبر عدد ممكن من اللبنانيين. وأعتقد ان الشيخ سعد عبّر اليوم بطريقة ممتازة عن هذه الفكرة، ليس بالشعار فقط، بل بكلامه السياسي بشكل عام.

أما في مسألة وجود اميل لحود في قصر بعبدا، فلا أريد أن أتحدث عنها مجددا، ولكن يكفي أن نرى مئات آلاف اللبنانيين الموجودين اليوم في هذه الذكرى، يندّدون بلحود بهذه الطريقة ، لو كان عنده بقية من الأحاسيس الإنسانية الشخصية، ولن أقول من كرامة سياسية، أن يستقيل ويوجه رسالة الى اللبنانيين يعتذر فيها منهم.

س- لقد كتبت مقالا قلت فيه أن السُنة يديرون البلد حاليا، لماذا؟
ج- أنا لم أقل أن السُنة يديرون البلد، بل قلت ان السُنة كُلّفوا بإدارة البلد، فهناك فرق بين أن يديروا أو يكلّفوا بالإدارة.
أنا لا أعتقد أننا نستعمل التعبير المناسب عندما نقول أننا أمام ميثاقية جديدة، وبالتالي لا أعتقد أن الوطن اللبناني، في وضع متأزم، بل الدولة اللبنانية في وضع متأزم. ولكن الوطن اللبناني بصحته السياسية والمعنوية والإجتماعية ، وصحته بمعنى التعايش والإنفتاح، لأن أهل السُنة لا يمكن أن يكونوا لبنانيين إلا أن يكونوا في نفس الوقت مع الإنفتاح العربي، ومع الإنفتاح الدولي، ومع التعاطي مع الشرعية الدولية، ومع التعاطي مع المد العربي وهم مرتاحون لذلك.

الرئيس الحريري رحمه الله، عبّر عن عروبة حديثة لم يعتادها اللبنانيون ، ولا يعرفوها لأنهم تعوّدوا على العروبة بمظهرها غير الديموقراطي والدكتاتوري ، وبمظهرها السوري والعراقي صدام حسين. هذه المظاهر لا تشجع أصلا أي أحد على العروبة، ولكن العروبة الحديثة التي يعبّر عنها الرئيس الحريري ، هي عروبة منفتحة وقادرة على الإتصال بنجاح منقطع النظير مع الغرب، ومع الحداثة ومع العصرنة، وهي في نفس الوقت إنفتاح وقدرة على الإحتواء.

س- ما رأيك بالصورة التي نشاهدها الآن والتي تمثل تشابك أيدي هذه القيادات سعد الحريري، وليد جنبلاط، سمير جعجع، نايلة معوض، غسان تويني والآخرين؟
ج- هذه الصورة التي ننتظرها للتحالفات السياسية، هذه الصورة سعيدة، وكأننا لا ننظر الى ذكرى سنوية لإغتيال الرئيس الحريري، هذه الصورة توحي وكأن هناك دفع لبناني جديد نحو التأكيد على الإستقلال والسيادة والحرية، خاصة الحرية، ورفض أي منطق آخر، ليس بالضرورة بالصدام معه، ولكن بالتعبير الرحب الصدر، وبالتعبير المستوعب، أنه لا يقبل بأي منطق آخر يعارض منطق الحرية والسيادة والإستقلال، وخاصة أكرر، الحرية.

س- هل ما زال الباب مفتوحا أمام الحوار بعد الكلمات التي سمعناها؟
ج- بإعتقادي أن الباب مازال مفتوحا، ولكن الحوار تحت أي عنوان، فـ”حزب الله” في أدبياته السياسية وحتى باتفاقه الأخير مع العماد عون، يطالب بشيك على بياض لقرار الحرب والسلم بما يتعلق بلبنان، وهذه المسألة لا يلزمها الكثير من الشطارة اللفظية لكي تصل إليها، فلن يجدوا لبنانيا واحدا يوقّع على هذا الشيك أو هذا الإتفاق السياسي.

وأنا برأيي، أن وليد جنبلاط من خلال الكلام الذي قاله، عبّر عن رأي كل الموجودين في ساحة الحرية، وعلى رأسهم سعد الحريري، وربما عبّر عن جمهور أوسع بكثير ليس موجودا في ساحة الحرية اليوم.

أما مسألة الحوار السياسي التي تأتي لاحقا تحت عناوين مختلفة، منها رئاسة الجمهورية، ومنها العلاقات اللبنانية-السورية، وسلاح المقاومة، فهذه مسألة تحتاج الى كثير من الشرح والدخول في تفاصيل لا أعتقد أن الوقت الآن مناسب لذلك. ولكن أنا لا أعتبر ما قاله الوزير جنبلاط هو إغلاق لباب الحوار الداخلي، وأؤكد أنه رغم ما قاله وليد بك، ورغم حدّة ما قاله تجاه سوريا وتجاه اللبنانيين، ولا أعتقد أنه أخطأ في كثير مما قاله، ولكن هذا لا يعني أبدا أن باب الحوار غير مفتوح. لذلك إذا أخذت هذا العنوان أن الحوار مفتوح، ممكن إستعمال الكثير من العناوين التي وضعها أستاذ وليد جنبلاط لمناقشتها، وبالتالي إفتراض هذا الأمر ان كان صحيحا أم لا، أم ماذا؟. ولكن كيف تتم المناقشة، إذا كانت آخر ورقة تفاهم سياسي موضوعة بين التيار الوطني الحر و”حزب الله”، لم تأتِ على ذكر الطائف وهو أساس الدستور اللبناني.

س- لماذا؟
ج- لسببين: السبب الأول: يُقال أن الحساسية التي لها علاقة بخروج العماد عون والتي كانت في حرب الإلغاء على قاعدة إتفاق الطائف.
والسبب الثاني: أن الطائف يقول بإنتشار الجيش جنوبا، وإستعادة الدولة سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، وإتفاقية الهدنة.

لذلك نرى ان لدى “حزب الله” غاية من عدم ذكره في هذه المسألة الجنوبية، وإتفاقية الهدنة والسيادة على كامل الأراضي، والعماد عون له غاية شخصية . وقال ، وأنا لست متأكدا من هذا ، بحساسية تجاه حرب الإلغاء التي جرت تحت عنوان الطائف.
فإذا كان هناك جهتان رئيسيتان غير موجودتين في ساحة الحرية، هنا اليوم، والأساس في إتفاقهم هو إلغاء روح الدستور اللبناني، فعلى أي أساس ستتم محاورتهم؟.

س- لماذا يرفع وليد جنبلاط السقف اليوم؟
ج- ليس أمام وليد جنبلاط خيارات أخرى بالعمل السياسي. وليد جنبلاط أمامه كل الأبواب التي تقول بأنه ليس لك مستقبل سياسي.

ونحن نرى ان الصحافة السورية والمسؤولين السوريين ، تعرّضوا لوليد جنبلاط شخصيا بطريقة طبعت فيه ، وأكدت له ربما معلومات أخرى بأنه ليس أمام تثبيت دوره الشخصي أو إعلاء شأنه السياسي ، إنما المعروض عليه هو إتخاذ كل التدابير لمنع إلغائه شخصيا.

على كل حال ، وبصرف النظر عن التعابير التي إستعملها في المسألة السورية، ولكن لا القيادة السورية بكل المراحل التي يمكن تسميتها بالمفاوضات العلنية أو السرية، لم تثبت أنه لديها رغبة أو قدرة على إستيعاب أنها خرجت من لبنان. وأعتقد أن السوريين مازالوا يتصرفون وكأنهم لم يخرجوا من لبنان، وهذه مسألة ربما يلزمها بعض الوقت، لكي يعتادوا على ذلك.

وأنا لا أجد في تاريخ لبنان وسوريا هذه المصطلحات والمفردات التي إستعملت في الفترة الأخيرة، والخارجة عن اللياقة وعن الطبيعة السياسية، وعن منطق الحوار بين بلدين متجاورين، أو حتى متباعدين.

إن ما يحصل اليوم أمر غير طبيعي، وغير سوي، وبالتالي القيادة السورية تحديدا لم تساعد نفسها، ولم تساعدنا على التحاور بشكل طبيعي للوصول الى نتائج طبيعية لهذا الحوار. ولا أعتقد انها ستفعل، لأن تجربتنا لم توحِ بيوم من الأيام إنها ستفعل ذلك بشكل سوي أو سليم على الأقل.

ربما بشكل أمني أو بشكل تعريض حياة الناس للخطر، فهذه أمور يبرعون فيها، ولكن للوصول بحوار سياسي بناء الى نتيجة معينة ومحدّدة قائمة على قاعدة أن هناك دولتين متجاورتين، وعلى قاعدة الندّية بين الدولتين، لا أعتقد أن هذه مسألة تسمح فيها طبيعة النظام السياسي السوري، ولا تسمح بالوصول بالحوار الى نتيجة محدّدة.

=======