لا يمكن أن نكون جزءاً من السياسة الإيرانية في المنطقة

مقابلات مكتوبة 12 يونيو 2010 0

س- أثارت زيارة الرئيس سعد الحريري لإيران الكثير من اللغط، فاعتبر نصرالله ان هذه الزيارات تضييع للوقت، والبعض قال أنها زيارات مجانية كذهابه الى سوريا، وكانت لقاءاته مجانية إذا انطلقنا من سوريا، ثم انتقلنا الى إيران ماذا تقول عن هاتين الزيارتين، هل حقق في ذهابه الى سوريا ما كان يصبو إليه، وبالتالي هل ذهابه الى إيران سيحقق ما يصبو اليه؟
ج- ليس هناك من مقارنة بين الزيارتين ولا تجوز المقارنة ، فالزيارة الى سوريا التزام وواجب وجزء من عروبة لبنان، والزيارة الى سوريا لا تخضع للإجتهاد وللتفسير، وهذا قرار استراتيجي اتخذه الرئيس الحريري واتخذناه جميعاً بدون تردد، لأنه بالنتيجة وبعد خمس سنوات من الصراع العنيف السياسي وغير السياسي، بين سوريا ولبنان، كان لا بد من أن تتم هذه الزيارات، وكان يجب أن يقوم بها الرئيس الحريري، ولكن هذا لا يعني ان التجربة التي أصبح عمرها سنة حتى الآن ، تجربة ناجحة بل هي فاشلة لا بد من إعادة النظر فيها وهو أمر يحتاج الى تفكير عميق من قبل الطرفين، أولاً من جهة سوريا . يجب أن تعترف القيادة السورية ان تغييراً حصل في لبنان في عقول الناس، وفي رغبتهم بعلاقة سياسية طبيعية وأفضل مع سوريا لأن ذاكرة العلاقات اللبنانية-السورية في السنوات الماضية، ذاكرة صعبة وسلبية وحادة، ولكن هذا لا يمنع أن رئيس الحكومة اللبناني يقوم بواجباته تجاه شعبه وتجاه استقرار البلد وتجاه مصلحة اللبنانيين، حين يزور سوريا ويؤكد على ضرورة استعادة العلاقات بين لبنان وسوريا الى طبيعتها.
حتى الآن التجربة لم تنجح، ولا بد من إعادة النظر فيها. من جانب اللبنانيين المطلوب قليل من إعادة النظر، ومن جانب السوريين المطلوب كثير من إعادة النظر، لأن سوريا دولة مركزية، هرمية السلطة فيها واحدة وغير متعدّدة، وبالتالي مسؤوليتها اكبر، بينما في لبنان توجد مجموعات سياسية ولكل مجموعة رأيها وتعبّر بطريقة مختلفة عن تعبير المجموعة الأخرى. ما يريده لبنان من سوريا حقوق طبيعية في مساره السياسي بعيدا” عن حساسية الأحجام التي جعلت سوريا تاريخيا” تعتقد أن باستطاعتها فرض رأيها على لبنان باعتباره الشقيق الأصغر.

س- هل حقق الرئيس الحريري ما كان مطلوباً منه تحقيقه؟
ج- أنا قلت ان هذه التجربة فاشلة ، وبالتالي لا بد من إعادة النظر فيها، ولكن هذا لا يعني أبداً إعادة النظر بالمبدأ الذي هو مُلزم وأساسي وضروري وجزء من عروبة لبنان، وجزء من استقرار الوضع في لبنان.
س- هل لأن أخطاء سوريا حول لبنان أكبر؟
ج- مسؤوليتهم أكبر لأنهم دولة هرمية مركزية ليست خاضعة لاجتهاد أفراد ولا مجموعات، وبالتالي طبيعي أن تكون مسؤوليتهم أكبر، ومسؤولية الرئيس الأسد شخصياً أكبر من مسؤولية كل السياسيين اللبنانيين على العلاقات اللبنانية-السورية، ليس لأن سوريا دولة مركزية فحسب، إنما عليه أيضاً توسيع صدره والتعاطي مع اللبنانيين باعتبارهم ، أولاً أنهم يرغبون بالعلاقة، ولكن هذا لا يعني انهم على استعداد للتنازل عن سيادتهم واستقلالهم وحرية حركتهم السياسية، خاصة في السياسة الخارجية دون أن يعني ذلك على الإطلاق من ان هناك أي توجه في السياسة اللبنانية معادٍ لسوريا، أو غير راغب بعلاقات طيبة وطبيعية.
س- يُقال انه كان المطلوب من الرئيس الحريري زيارة سوريا وإذ بهم يفاجأون بأنه في إيران، حتى نُقل عنهم إنهم مستائين؟
ج- أبداً، فليس هناك أي رابط بالعلاقة بين الزيارتين وليس هناك مقارنة بالعلاقة بين البلدين. إيران دولة إقليمية كبرى يجب أن يكون لنا معها علاقات رسمية عادية، وزيارة الرئيس الحريري من وجهة نظره لإيران كانت ضرورية، ولكن ضرورية من حيث العلاقات العامة والتأكيد على مواقفه السابقة، وقد كان الرئيس الحريري واضحاً في حديثه لوكالة الأنباء الإيرانية قبل الزيارة بالثوابت التي أكدّها ، بأن لبنان ليس جزءا من محور وليس جزءا من المواجهة، وليس جزءا من المشاكل الإيرانية مع العالم، فعملياً هي زيارة علاقات عامة ضرورية، ولكن بالتأكيد لا تغيّر شيئا” من ثوابت السياسة الإيرانية.
س- كأنك توصّف الزيارتين، متناسيا ان هاتين الدولتين أكبر داعم أساسي لأخصام سياسيين داخليين، وكل المواقف المتخذة في الداخل هي على إرتباط مع هاتين الدولتين؟
ج- انا أقول العلاقة مع سوريا هي مدخل لعروبة لبنان، وهي جزء من الإستقرار في لبنان، أما العلاقة مع إيران فهي مختلفة تماماً، فإيران دولة لها سياسة مختلفة عن السياسة اللبنانية الرسمية، ولها توجهات مختلفة تماماً عن السياسة اللبنانية الرسمية، والسياسة الخارجية الإيرانية هي موضع خلاف كبير عربي ودولي، بينما علاقتنا بسوريا وضرورتها مختلفة تماماً عن العلاقة مع إيران.
س- الزيارات المتكررة للرئيس سعد الحريري لسوريا أنتجت مذكرات التوقيف ماذا ستنتج زيارة الرئيس الحريري لإيران؟
ج- لن ينتج عن الزيارة شيئا سوى شكليات لعلاقة رسمية بين بلدين. السياسة الإيرانية بحد ذاتها موضع إشكالية، وبالتالي بطبيعة الحال تم تحميل الزيارة أكثر مما تحتمل.
س- البعض رأى فيها أنها نتيجة علاقات أو إتصالات سورية-إيرانية، والبعض الآخر قال كلا، وإيران قد تحتاج الى لبنان للعب هذا الدور بالإتصال بين إيران والعالم العربي، الإمتداد السُني إذا صح التعبير؟
ج- الزيارة هي صورة من الصور الإيجابية التي ممكن أن تستفيد منها إيران بالعالم العربي، ولكن لا أعتقد أن الزيارة لها علاقة لا بتنسيق سوري ولا بطلب من سوريا. ربما العكس هو الأصح .
س- هل هي بطلب سعودي؟
ج- لا افترض انها بطلب سعودي، لكن لا بد ان الرئيس الحريري ذهب الى إيران بالتشاور مع السعودية . هناك فرق بين أن تتشاور، وبين أن يُطلب منك ذلك، وأنا لا أُعطي الموضوع نفس الإنطباع زيارة الرئيس الحريري الى إيران ليست زيارة سعودية ولا زيارة سورية.
س- كيف تفسّر زيارته لإيران عشية صدور القرار الظني أو ما يحصل في لبنان؟
ج- هناك دعوة للرئيس الحريري لهذه الزيارة تكررت عدّة مرات منذ كُلف برئاسة الحكومة، وأراد أن يقوم بها في وقت تساهم في تبريد الجو في لبنان، واعتقد أنها تساهم بتهدئة أجواء سياسية معيّنة في لبنان، لكن هذا الأمر لم يحدث، ولذلك أنا اعتبرتها زيارة علاقات عامة، ولكنني أكرر التأكيد العلاقات اللبنانية-السورية أساس الإستقرار في لبنان، أما الزيارة لإيران فهي زيارة علاقات عامة لا يُبنى عليها .
س- ألا يمكن الإستفادة منها لتهدئة “حزب الله” في الداخل؟
ج- أنتِ تطرحين هذا السؤال عليً والتجربة ماثلة أمامك.

س- ألا تعتقد انه في ما بعد قد نبدأ نلمس شيء من هذه الزيارة؟
ج- كلا، السفير الإيراني الناجح في حركته الدبلوماسية ونشاطه، (ربما لأنه تلقى دروسه في لبنان)، يحاول دائماً التأكيد على الفصل بين العلاقات اللبنانية-الإيرانية بين الدولتين وبين التحالفات الموجودة لإيران في المنطقة وفي لبنان مع “حزب لله”.
نحن لا يمكن أن نكون جزءا من السياسة الإيرانية في المنطقة، لأننا في الأساس غير موافقين على السياسة الإيرانية في المنطقة العربية، ونحن نلتزم الموقف العربي من هذه السياسة .
س- ألا ترى ان للهدية الرشاش لها رمزية بأن إصعدوا في سيارة المقاومة ودافعوا عن المقاومة بالرشاش؟
ج- للحقيقة أنا لم أفهم سبب زيارة رئيس الحكومة الى مصنع السلاح، أما السيارة فلن نسعى الى ركوبها سياسيا” .
س- يبدو أنك لست مرتاحاً لهذه الزيارة، وأرى أنك تحاول أن تكون دبلوماسياً ؟
ج- بطبيعة الحال، أنا أحاول ان أعطي الزيارة حجمها لا أكثر ولا أقل، وأنا لست من دعاة المبالغة التي حصلت لا بالرفض ولا بإعطائها أهمية استثنائية، وأعتقد أنها زيارة عادية تقليدية بروتوكولية، وهذه حدودها، وبالتالي هناك فصل كبير بين العلاقات مع سوريا والعلاقات مع إيران التي لا تشبه بعضها البعض، وبالأساس سياستنا الرسمية ليست جزءا من التحالف السوري-الإيراني.
س- هذا يعني انك لا ترى ان الزيارة تدفع الى التهدئة بعد القرار الظني؟
ج- أنا أُصر على أن يكون الحل في لبنان عربياً ، وليس له أي صفة أخرى، وكل من يريد مساعدة المسعى العربي فأهلاً وسهلاً به، لبنان دولة عربية والأولوية المطلقة لأية مساعي خير بين اللبنانيين هو للدور العربي، وخاصة المسعى السوري السعودي.
س- كيف نظرت الى زيارة اردوغان الى لبنان؟
ج- السياسة التركية قائمة على دخول الدول من أبوابها وليست سياسة دخول الدول من طوائفها، أو أحزابها أو حركاتها المسلحة، وطبيعتها مختلفة، لذلك أكد الرئيس اردوغان أنه على مسافة واحدة من كل الأطراف اللبنانيين أكثر من مرة، واستقبل كل الأطراف السياسية اللبنانية، وسمع منه الجميع تشجيعا” على الإستقرار السياسي والإقتصادي ، أما السياسة الإيرانية فطبيعتها مختلفة عن السياسة التركية. فهناك من يدخل من الباب وآخر يدخل من النافذة، وبالتالي هناك فرق بين الإثنين.
س- إذاً أنت تُفضّل الحل العربي؟
ج- أنا لا أفضّل فحسب، بل أولوية مطلقة أن يكون الحل في لبنان عربياً بسوريا سعوديا”.
س- بالنسبة لبنود التسوية حُكي عن عدم الأخذ باتهام “حزب الله” في قرار المحكمة مقابل عدم مس “حزب الله” بالأمن الداخلي؟
ج- إذا كانت هذه هي بنودها فهي بنود ضعيفة جداً. أنا أعتقد ان المحكمة الدولية الآن هي مفصل تاريخي لا بد من التأسيس عليه لإعادة تنظيم العلاقات اللبنانية-اللبنانية الدستورية والعلاقات اللبنانية-السورية.
س- أي تسوية قد تتم قبل القرار أو بعد القرار، وما معنى أن تتم بعد القرار وهم لا يريدون الوصول الى القرار الإتهامي، وبالتالي أي تسوية ستتم يجب أن تتم قبل القرار الإتهامي وما رأيك بما نشر في “الشرق الاوسط” حول بناء التسوية ؟
ج- لا يوجد شيء اسمه تسوية قبل القرار أو بعد القرار، لأن القرار في كل الأحوال سيصدر، والقرار صدر، وبالتالي لا يوجد شيء اسمه قبل القرار وأي تسوية ستحصل سواء في الداخل اللبناني، أو بالعلاقات اللبنانية-السورية هي صياغة لاحقة للقرار وليست سابقة له.
لا جدّية لأي مساع تتجاهل مربع الاستقرار في لبنان ، والزاوية الأولى لهذا المربع تقوم على العلاقات اللبنانية- السورية ، وأي شيء لا يبدأ من هذه العلاقات وعودة الحوار السوري – اللبناني الى طبيعته لن يصل الى نتيجة ، ولا بد من سحب مذكرات التوقيف السورية ، وعودة الحوار بين الرئيس الاسد والرئيس الحريري .
أما الزاوية الثانية فتقوم على إلغاء اتفاق الدوحة ، بعد ان حقق اتفاق ضربة للدستور اللبناني ولاتفاق الطائف عبر تشكيل حكومة استقالة هذه الحكومة وتشكيل حكومة أكثرية واقلية طبيعية تمثل فيها كل الأطراف وغير خاضعة لارتكابات الثلث المعطل .
الزاوية الثالثة بحسب المشنوق تتعلق بالسلاح ، اذ يجب الاتفاق بشكل نهائي وحاسم وضمن مهلة محددة على نزع كل السلاح اللبناني والفلسطيني ايا” كانت الجهة السياسية التي تملكه ، ما عدا السلاح وقال ” بعد الذي حصل في بيروت أصبح هناك فرق بين سلاح حزب الله وسلاح المقاومة ، ولا بد من التمييز بين ما هو للمقاومة وما هو للقتال الداخلي ” .
عن الزاوية الرابعة قال ” هي تتعلق المحكمة الدولية التي لا يمكن التخلي عنها وعن مسارها قبل صدور القرار الاتهامي والتعامل بجدية ومسؤولية مع ما يرد فيه من وقائع مؤكدة ” .
وقال المشنوق ان ” هذه المسلمات لا تسوية عليها وأي كلام عن صياغة تسوية مغايرة لهذا المربع يكون كلاما” غير جدي ولا يوصل الى نتيجة وأنا اناشد القيادة السعودية أن لا توقع اللبنانيين مرة أخرى في اوهام مؤقتة حول الاستقرار وهو ما جرّبوه ولا يحتاجون الى مزيد منه ” .
س- ولكن هذا برأيي “حزب الله” يكون سقط الفأس على الرأس وصدر ما كان سيُقال واتهم من اتهم؟
ج- أن ما سيُقال سيصدر بصرف النظر عن تصرّف الجهات الرسمية اللبنانية تجاه هذا الكلام، والقرار سيصدر سواء قلنا نعم أو لا، وإذا كان هناك من اتهام لأفراد من “حزب الله” فلا يعني ان الموقف اللبناني الرسمي سيوقف صدوره، فلا أحد يستطيع أن يمنع صدوره.
س- هل يمكن الوصول الى استيعاب تداعياته أم هناك 7 أيار ثانٍ؟
ج- هذا كلام فارغ، الحديث عن 7 أيار أو غير 7 أيار ليس له أي قيمة ولا يعني شيئا، لأنهم يعرفون وكل الناس تعرف أنه سياسياً لا يستطيع أحد تحقيق أي تنازلات من جانبنا سواء في 7 ايار أو 70 أيار، وهذه مسألة أصبحت وراءنا، أصبحت من التاريخ وليست من المستقبل، فلا قيمة لأي عمل عسكري بدون سياسة، نحن صامدون سياسياً ليس لنا أي رغبة ولا أي قدرة لأي مواجهة عسكرية، نحن سنواجه بالسلم وبالسياسة دفاعاً عن كرامتنا وعن حقنا بالحرية وبالحفاظ على النظام العام.
س- تأجيل القرار الظني هل هو بسبب الوضع السياسي في لبنان؟
ج- أنا مقتنع بأن القرار الاتهامي لن يصدر قبل نهاية السنة ، على عكس كل الشائع، لأن التقرير يجب أن يمر بمراحل تدريجية بين إعلان القرار بين صدوره، بمعنى ان القرار الإتهامي يجب أن يذهب الى قاضي الإجراءات التمهيدية الذي يُقرر بعد التدقيق فيه وبالأدلة المتوفرة فيه موعد صدوره، وبالتالي هذه مسألة لم تبدأ حتى الآن، والحديث اليوم عن موعد صدور القرار افتراضات واجتهادات بغير مكانها الآن، ولا حاجة لتضييع وقتنا في هذه المسألة.

س- لكن البلد يغلي بسببها؟
ج- البلد يغلي لأن هناك جهة سياسية قررت منذ ثلاثة أشهر الى اليوم، واستفاقت فجأة على القرار الإتهامي بعد خمس سنوات من الموافقة في الحكومة والبيانات الوزارية وفي مقررات هيئة الحوار ، وقررت أن تهدّد يومياً مرة في الداخل ومرة في الخارج ومرة باليونيفل، وكل مرة بشكل من أشكال التهديد، وهذا سبب الغليان. واضح ان الرئيس الحريري منذ البداية مُلّح ومُصّر ومؤكد على ضرورة الحوار ولم يغيّر موقفه في هذا الموضوع حتى اليوم .
س- ولكن الى أين ذاهبون؟
ج- لا خيار لنا إلا الحوار وكل الأفكار الأخرى هي اعتداء على حرية اللبنانيين وحقهّم في الحياة بكرامة .
س- الرئيس سليمان يقوم بمشاورات لإعادة إحياء جلسات طاولة الحوار، ولكن حملت مشكلة بحد ذاتها؟
ج- ما قام به رئيس الجمهورية، هو اجتهاد ومحاولة ، فهناك من استجاب وهناك من لم يستجب، ألا يُقال في الشرع من اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد ولم يصب فله أجر واحد، فلنفترض انه اجتهد ولم يصب ،
هناك تصرّف غير واعٍ وغير عاقل بالتعامل مع كل التطورات في الثلاثة أشهر الأخيرة من جانب المعارضة السابقة، وهم يعلمون تمام العلم ان كل هذا الكلام لن يصل الى أية نتيجة، والكلام الوحيد الممكن أن يوصل الى نتيجة هو التشاور والحوار من ضمن الحكومة اللبنانية، ومع رئيس الحكومة اللبنانية بدلاً من مخاطبته بالتلفزيون وبالخطابات ووضع الشروط عليه .
خيارهم الوحيد المُتاح هو خيار الحوار مع رئيس الحكومة والتصرّف بمسؤولية تجاه البلد، وكل واحد منهم يتصرّف على قاعدة أن البلد يخص جهة ثانية معادية له ، هم موجودون في الحكم وفي الحكومة، وعندهم ثلث معطّل في الحكومة وموجودين في مجلس النواب ، ومع ذلك يتصرفون وكأنهم خارج الدولة وخارج الحكومة وخارج مجلس النواب،
وكأن هذه المؤسسات لجهة أخرى وبالتالي هم غير معنيين بالحفاظ عليها أو بصيانتها أو تأكيد دورها، وبالتالي كل هذا كلام غير منطقي ولا يوصل الى مكان .
يعني تجربة الدوحة لن تتكرر، وما حصل في الدوحة شواذ سياسي أثبت فشله أصلاً خلال السنة الماضية، هذه الحكومة لم تعبر عن توافق سياسي ولا عن قدرة على تلبية حاجات الناس والإنماء في المناطق المحتاجة الى تقدّم وتطوّر، وعملياً ما حصل في الدوحة ليس مخالفة للدستور فحسب، بل هو مخالفة للمنطق العام الذي يحتاجه الناس للإستمرار في حياتهم، وعملياً لا يوجد أي مُبرر لتكرار هذه التجربة ، ولا توجد قوة عسكرية أو سياسية تستطيع إلزامنا بالعودة الى منطق الشواذ السياسي.
س- برأيك لماذا رفضوا البحث في ملف شهود الزور على طاولة الحوار علما ان طاولة الحوار تبحث بأمور مهمة جداً؟
ج- المشكلة انهم يبحثون عن وعاء يناسب وجهة نظرهم في نثر الغبار حول المحكمة وليس عن وعاء قضائي يُعالج قضية شهود الزور غير الموجودين من وجهة نظري ،
وهنا الخلاف، بين المجلس العدلي والقضاء العادي.
س- هل هناك هدف لتعطيل مجلس الوزراء؟
ج- شواذ اتفاق الدوحة فتح الباب امام الاعتداء على صلاحيات رئيس مجلس الوزراء وهو أمر لا يمكن أن نقبل به تحت اي ظرف من الظروف . ان جميع المعنيين أن يفهموا أن عهد السماح بالاعتداء على المؤسسات الدستورية قد انتهى وان استعدادنا الاكيد لحماية الدولة ومؤسساتها الدستورية أكبر بكثير من اي وقت مضى .
س- وحكومة الوفاق الوطني؟
ج- أي وفاق وطني هذا؟ الوفاق الوطني هو ان تكون هناك حكومة بموجب الطائف وبموجب الدستور، تُعبّر عن نتائج الإنتخابات التي فيها أكثرية وأقلية، فيها أكثرية تُمارس وأقلية تعترض بشكل طبيعي على ما لا تراه مناسباً.
هم دعوا الى حكومة توافقية باعتبار انه لا ضرورة للتصويت على القضايا الرئيسية إلا بالتوافق، وفجأة عندما تعلّق الأمر بشهود الزور أصبح المطلوب التصويت، فانتقلنا الى مكان آخر تماماً، وبالتالي كل هذا شواذ سياسي يعبّر عن ارتباك وليس عن تسوية، ويُعبّر عن توتر وليس عن قدرة، ويُعبّر عن حدّه وليس عن تعقل، وكل هذا لا يوصّل الى نتيجة.

س- هل وصولاً لكي يقولوا لرئيس الحكومة أنك فشلت بأن تكون رئيساً للحكومة؟
ج- لا أحد يستطيع أن يقول ان رئيس الحكومة فشل، بل التجربة بحد ذاتها هي التي فشلت وليس رئيس الحكومة، وهو لم يُقصّر أبداً، وبالتالي هذا ليس فشلاً لرئيس الحكومة، بل فشل لاتفاق الدوحة وللذين سعوا لاتفاق الدوحة، وفشل للذين ألزمونا باتفاق الدوحة، وليس فشلاً لرئيس الحكومة.
س- في فترة من الفترات كنت ترى الحل باستقالة رئيس الحكومة، هل الرد يمكن أن يكون بهذه الإستقالة؟
ج- الآن الظروف اختلفت، فحين دعوت لاستقالة رئيس الحكومة باعتبار هذه الدعوة تشكل سدا” لوقف التدهور والوصول الى الحوار دعما” لصلاحياته وصورته السياسية الرسمية ، ويجب أن نجلس ونناقش الى أين يجب أن نذهب ، ما قصدته هو إعلان فشل التجربة المسماة اتفاق الدوحة، وما نتج عنها لأن الجزء الرئيسي من إتفاق الدوحة كان بعدم استعمال السلاح في الداخل، وما تم عكس ذلك مرتين في استباحة المدينة مرة في عائشة بكار، ومرة في برج ابي حيدر.
يجب العودة الى الكتاب، العودة الى الطائف، باعتبار ان هذا الدستور هو النص الذي يحتكم إليه اللبنانيون في كل المواضيع، وما حدث هو عكس ذلك، وبالتالي ما بُني على خطأ سيتسبب بخطأ ولا يمكن أن يتسبب بالصواب.
س- هل هناك عملية تدمير مقصودة للطائف؟
ج- هناك عملية قضم ممنهجة للدستور وللنظام العام للوصول الى أفكار مختلفة، تُذكر ثم تُنفى، يُحكى عنها مثل المثالثة وغيرها من الافكار ، موضوع المثالثة عبّر عنه في المرة الاولى رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني في زيارته لفرنسا سنة 2007، وقال ان هذا النظام فشل، ولا بد من إيجاد صيغة “تعطي الشيعة وهم الأكثرية المطلقة للشعب اللبناني حقوقهم” كل هذه النظرية مريبة وليس فقط غير صحيحة.
لا اريد الدخول في الأرقام لانها أصلا” غير دقيقة في الحسابات الايرانية بل هي متساوية تقريبا” .
في الأزمات لا بد من العودة الى النص، العودة الى الكتاب، وهذا الكتاب يقول بالطائف، وهذا الطائف يقول بانتخابات ونتائج انتخابات وأكثرية وأقلية، وكفى ممارسات لم تنتج سوى أزمات.
نحن أجرينا منذ الطائف حتى الآن خمس دورات انتخابية ماذا أنتجت؟ أنتجت المزيد من الأزمات، والطائف حتى الآن لم يُنفّذ ولم يُجرّب حتى يُقال ان هناك خللاً يجب إصلاحه، فهناك 15 سنة من ترجمة سورية للطائف حيث كانت في كل مرة تُخترع صيغ من الصيغ تارة ثلاثية الرؤساء وتارة حكم المجلس وتارة تعطيل الحكومة وتارة بما يناسب الترجمة السورية، وبعدها دخلنا في خمس سنوات من الصراع، بعد اغتيال الرئيس الحريري الذي أوصلنا الى اتفاق الدوحة، وهو تعبير أكيد عن عدم إمكانية استمرار الحياة السياسية والنظام العام بالشكل الموجود فيه اليوم.
س – هل يندرج الخلاف بين الوزير بارود واللواء ريفي في هذا الإطار ؟
بالطبع لا، لكن الصديق الوزير بارود لا يستطيع أن يمضي أيامه في وزارتين حتى الآن باحثا” عن تسوية في احداث أمنية خطيرة استهدفت حياة أشخاص وأحزاب . وفجأة يقرّر في خلاف سياسي افتعله نواب التيار الوطني الحر بشأن متهم بالعمالة لاسرائيل ، أن عليه تنفيذ القانون واستعمال صلاحياته كوزير في وجه مدير عام قوى الامن الداخلي . كنت افترض أن على الوزير بارود أن يتجنب هذه المواجهة بالذات إذ أن فيها لغمين اساسيين الاول اساس الموضوع اي العمالة لاسرائيل والثاني هو الجانب الطائفي الذي يضعه في صف تيار مسيحي في مواجهة قضاء وأمن إسلامي ، وهذا ليس من حقيقة الوزير بارود ولا صورته .
المفارقة الثانية أن اللواء ريفي بالذات لديه من السمعة والمصداقية الشخصية والعامة ما يشجع الوزير على حلّ داخلي للأزمة الادارية ، فسلك قوى الامن الداخلي -وافق بارود أم لم يوافق- يتعرض لهجمة سياسية شرسة منذ أكثر من سنة ولا يستطيع دعمه في الاجتماعات المغلقة وتركه معرضا” في العلن لكل انواع التهجمات . ثم اتخاذ تدبير مسلكي بحق مديره العام بسبب مبادرته منفردا” للدفاع عن المؤسسة التي يرأسها .
وزارة الداخلية وزارة سيادية قائمة على السمعة والهيبة ولا يستطيع شاغل هذا الموقع أي كان ان يعتمد التسوية سلوكا” يوميا” ويستيقظ في الوقت غير المناسب على تجاوز صلاحياته.
س- ما هو وضع “14 آذار” اليوم وهل هي في خطر؟
ج- “14 آذار” هيكل سياسي يضم مجموعة من القوى المتحالفة حول عناوين سياسية محدّدة عمادها الرئيسي هو “تيار الستقبل” بما هو امتداد من الحدود الجنوبية الى الحدود الشمالية، و”القوات اللبنانية” و”الكتائب” والكثير من المستقبل وهيئات المجتمع المدني ، وما نُقص منها هو خروج وليد جنبلاط وكتلته، ولكن لا يزال هذا الهيكل قائما” ولا يزال هذا الهيكل مستمرا” ، ولا يزال قادراً على إنتاج تفاهم سياسي اكبر واعمق .

س- يُقال لو كان الحريري بمعزل عن مكوّنات “14 آذار” لكان التعامل بينه وبين سوريا أسهل أكثر؟
ج- ان قناعات الرئيس الحريري السياسية هي قناعاته بصرف النظر عما إذا كان جزء من “14 آذار” يعني هو لا يلتزم عناوين “14 آذار” لأن حلفاءه يريدون ذلك، بل يلتزمها لأنها عناوينه.
س- وليد جنبلاط يقول نحن مقبلون على حلف ثلاثي او رباعي، ماذا يقصد بذلك وما هو هذا الحلف، هو يتحدث عن مواجهة؟
ج- للحقيقة لا أعرف وفي المدة الأخيرة لم أعد أقم بجهد لمتابعة مواقف وليد بك، ولم يعد لديّ كما السابق هواية تفسير اجتهاداته .
س- هل البلد مُقبل على حرب لبنانية-إسرائيلية أم على حرب داخلية؟
ج- لا حرب لبنانية- إسرائيلية ولا حرب داخلية، الإعتداء الإسرائيلي يحتاج الى موافقة الأميركيين ولا أعتقد ان الأميركيين الآن في جو حرب في المنطقة، فضلا” عن العجز الاسرائيلي الواضح منذ صمود المقاومة ومعها الشعب اللبناني وحكومة المقاومة السياسية في العام 2006 .
أما الحرب الداخلية فهي تحتاج لطرفين غير متوفرين، رغم كل الكلام الذي يقوله “حزب الله” عن المشاكل فهو ليس راغباً في تجرّع الكأس المر، والطرف الآخر ليس في وارد المواجهة العسكرية لا بثقافته ولا بقراراته وليس لديه سلاح وليس لديه الرغبة ولا القدرة.
=======