كلمة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق في في لقاء حواريّ مع أهالي بيروت نظّمه “إتحاد جميات العائلات البيروتية”

كلمات 24 سبتمبر 2017 0

 

كلمة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق

فطور “إتحاد جمعيات العائلات البيروتية”

مطعم الصياد – 24 أيلول 2017

 

صباح الخير، وصباح بيروت،

يخطر لي بداية أمام مشهد البحر الجميل، أنّ من ليس بيروتيا، يصير بيروتياً حين يرى هذا المنظر الجميل للبحر.

أوّلا سأكرّر على مسامعكم قصّة أحبّها، عن كاتب مصري زار بيروت ومكث فيها 15 يوماً فقط، وكان يردّد دائماً أنّ مصر هي أمّ الدنيا. وبعد 15 يوماً في بيروت، ذهب وكتب مقالاً شهيراً في جريدة “الأهرام” على الصفحة الأخيرة، قال فيه: “صحيح أنّ مصر هي أمّ الدنيا لكنّ بيروت أيضاً هي ستّ الدنيا”.

في البداية أرحّب بـ”المعارضة البيروتية”. وكلّ معارضة هي ضرورية وطبيعية ومهمة لتصويب المسار. المهم ألا تدخل بالتجريح الشخصي والحدّة في الخاصّ، لكي يصل الكلام ولا يعرّض كرامات الناس لأي إهانة. فالاعتراض المسؤول مرحّب به، والانسان خطّاء بطبعه. من هنا يجب أن يكون الحوار مفتوحاً مع القائمين على السلطة وفي موقع القيادة، لكي يعدّلوا ويعترفوا، فبذلك، على عكس الشائع، يكبر المسؤول ولا يصغر، ويقوى كإنسان يعترف بالخطأ، وكما يقال: “الاعتراف بالخطأ فضيلة”.

سأبدا بالكلام السياسي العريض لكي لا نضيّع البوصلة:

لقد أجرينا تسوية واضحة ومحددة لا ننكرها ولا نخجل بها ولا نهرب منها، وحدود هذه التسوية هي انتخاب رئيس للجمهورية، ونعرف أنّه ليس من حلفائنا ولا من خطّنا السياسي ولا يشاركنا في قراءتنا لمستقبل لبنان.

لا شكّ أنّه خلال الأشهر الأخيرة ظهرت تغييرات ملحوظة في المسار السياسي العام، ولصالح كل اللبنانيين، وإن كانت قليلة وليست دائمة ومستمرة ومتماسكة. لكنّ التسوية جاءت ذلك بعد سنتين من الفراغ في الرئاسة الاولى. فراغ أوجد مشاكل عشناها وكانت كثيرة في حكومة الرئيس تمام سلام.

البند الثاني في التسوية هو تشكيل حكومة ائتلاف واضحة ومحددة. كل الأطراف شاركت فيها ما عدا قوة سياسية واحدة. وكانت محاولة لإنقاذ أو إعادة بناء الدولة بالمفهوم الذي نراه ونقرأه ونعتمد عليه.

البند الثالث في التسوية هو البيان الوزاري المتعلق بالنأي بالنفس. لم يكن في إمكاننا المحافظة على بيروت وعلى لبنان بعد الجهد الذي بُذِل إلا بالتسوية. فنحن نعتقد أن الأمان الذي نعيشه سببه أنّ بيروت معزولة عن محيطها ولا تمسّها حرائق المنطقة أو إجرام نظام الأسد. وهذا غير صحيح. نحن في منطقة تحترق وكل يوم يتم التأكيد يكبر الحريق. نحن جيران سوريا في الجغرافيا والتاريخ، وهي بلاد تعيش منذ سنوات حرباً حتى اليوم نعرف كيف بدأت ولا نعرف كيف تنتهي، ولا أريد الذهاب إلى أبعد، للحديث عن العراق وليبيا وغيرها… المهمّ أنّ كلّ التسويات التي أبرمت بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان كان الهدف منها الحفاظ على سلامة البلد، وعلى وضعه الاقتصادي والنقدي، وعلى الاستقرار، وألا يصيب اللبنانيين أي شظايا من حروب المنطقة.

يطيب لي هنا أن أشارككم ما قرأته قبل يومين، عن رقم لن تصدّقونه: في لبنان هناك ودائع في المصارف قيمتها 200 مليار دولار، وهذا رقم فلكي وليس رقماً طبيعياً. وهو دليل كبير على قوّة الاستقرار في لبنان. فلاا أحد يضع أمواله في مصارف بلد من دون أن يكون مؤمناً باستقراره، وبأنّ التسويات التي تبرم ستحفظ البلد إلى حين تبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود حول أزمات المنطقة.

ونعم أعترف أن شكل كلّ التسويات يكون بشعاً. كلّ التسويات يشعر المرء بعدها بالإحباط، لكن عندما يفكّر واحدنا في العمق يشعر أنّ الأمور في الواقع والحقيقة وفي حدود بنود التسوية الثلاثة التي ذكرتها، هي التي حفظت الأمن والاستقرار في البلد. وأتحدّى أي أحد أن يدلّني، منذ حكومة سلام حتى اليوم، إلى توقيع وضعناه على أيّ تنازل عن ثوابتنا. هل تنازل أحدنا عن أي مبدأ فعلي؟ في الشكل قد تكون الأمور سيئة، لكن في المضمون لا ضرورة للإحباط، فنحن لم نتنازل عن أي من الثوابت المتفق عليها سواء في الدستور أو في اتفاق الطائف أو في النصاب الدستوري الذي حقّق للبلد استقراره طوال هذه السنوات. وأينما حللنا، في الداخل والخارج، الكل يبدي إعجابه بوجود نصاب دستوري واستقرار أمني. صحيح، هناك مشاكل سياسية نعيشها كل يوم، وكل يوم لدينا  قضية يمكن ان نختلف عليها، لكن الاستقرار موجود.

لكن ما حصل خلال الأيام الاخيرة أنّه جرى الاعتداء على البيان الوزاري، بكل صراحة وببساطة، من خلال اللقاء الذي جمع وزير خارجية لبنان جبران باسيل  ووزير خارجية النظام السوري، في نيويورك. هذا اعتداء على رئاسة الحكومة، لأنّ وزير الخارجية أعلن أنّه التقى الوزير المعلم بطلب منه، وهذا الطلب أعتبره اعتداءً صريحاً ومخالفة لاتفاق ولعهد ولوعد لم يلتزم به وزير الخارجية الذي كان جزءا من التسوية. وهذا الأمر لن يمرّ بسهولة. ما أريد قوله إنّه خلال محطات معيّة قد نلتزم الصمت وتفتش عن فتاوى، لكن ما جرى هو قرار سياسي ونكث لوعد قطع في التسوية التي أبرمناها. فكما اتخذ وزير الخارجية قراراً سياسياً، في إامكاننا أن نتخذ قراراً سياسياً مماثلاً مواجهاً وقادراً على التعبير عن وجهة نظرنا. وهذا القرار سيكون موضع تشاور خلال الأيام القليلة المقبلة وسيكون هناك موقف وقرار على قدر التصرّف بالتخلي عن النأي بالنفس، وعلى قدر الاعتداء على رئاسة الحكومة، ولن يمرّ هذا الأمر بالسهولة. هذا خطّ أحمر لا يمكن تجاوزه. ونحن لن نتّخذ قرارات انفعالية بل نحن حريصون على الكرامة السياسية لرئاسة الحكومة أيّاً كان من يشغل منصب رئاسة الحكومة.

أما في موضوع المطالبة بالتعطيل يوم الجمعة. لقد سبق أن تحدثت في مسجد محمد الأمين وقلت إنّنا نجري مناقشات، سواء داخل مجلس النواب أو خارجه، باتجاه الوصول إلى حلّ عاقل وعادل وهادئ من دون انفعال ومن دون تحويل الأمر إلى خلاف طائفي ومذهبي، ونتجه إلى أنّ يعود دوام يوم يوم الجمعة إلى ما كان عليه سابقاً، طبعا برعاية صاحب السماحة مفتي الاعتدال الوطني الدكتور عبد اللطيف دريان وبمشاركة كلّ القوى المعنية. والهدف هو إيجاد صيغة من دون أن يطغى الطابع الطائفي. وبالتأكيد سنجدّ حلاَ يحدّد الهدف، ولن نترك هذا الموضوع، ولن نحوّله إلى قضية شعبية أو طائفية. والحمد الله فإنّ سماحة المفتي، بعقله واعتداله، يحيط بهذا الموضوع. لكن لا بد من إيجاد حلّ بالتفاهم مع كلّ القوى السياسية الأخرى. وهنا أختلف مع ما قاله رئيس “إتحاد جمعيات العائلات البيروتية” الأستاذ محمد يموت، فالسبت والأحد ليسا يومي عطلة دينية بل عطلة دولية، وبالتالي لها علاقة بطبيعة تبادل الأعمال مع الخارج، ولا اعتقد أنّ عطلة الأحد مخصّصة للصلاة في الكنيسة بل لأنّ الأحد يوم عطلة دولية. وبيروت مدينة مفتوحة مع العالم تعمل مع كلّ عاصمة تجارية أو صناعية من كلّ أنحاء العالم. ومنعاً للتفسير الطائفي اقول هذا الكلام عن نهار الأحد، وهذا الأمر له حلّ وقريباً جدا سنعلنّ الحلّ.

أما جواباً على أسئلتكم عن مشكلة الدراجات النارية في بيروت، فبين الحضور قيادات من قوى الأمن الداخلي، وهي تعرف أنني تحملت مسؤولية إتلاف 7300 دراجة نارية منذ تسملت مهامي في وزارة الداخلية، بقرار شخصي، لكنّ حلّ هذه المشكلة جذرياً يحتاج إلى قانون في أدراج مجلس النواب، يمنع استيراد الدراجات التي تكون أقلّ من “125 cc”. وما لم يقرّ هذا القانون لا يمكن للقوى الأمنية أن تحلّ هذه المشكلة وحدها، وهي ليست مشكلة بيروت وحدها، بل يجب أن نضع ضوابط قانونية. ولا تنسوا أنّنا نعاني من نقص في عديد قوى الأمن الداخلي، بنحو 9 آلاف عسكري، فالملاك هو 35 ألف عسكري ولدينا منهم فقط 26 ألف عسكري.

ولا أوافق من يقولون بأنّ بيروت تعاني من فلتان السلاح ومرجعيات في الشارع. فما قمنا به في الأمن جعل بيروت من أكثر المدن أمناً وأماناً ليس في العالم العربي فقط، بل في العالم، فهي أكثر أمناً من باريس ومن نيويورك وبروكسل وغيرها، وكلّ الأجهزة تعمل، وأكرّر أنّ العاملين في الأجهزة الاستخبارية يعملون ليلاً ونهاراً، بشكل شبه تطوّعي، ويقومون بعمل ممتاز وعظيم.

حتّى الجيش اللبناني يقوم بعمله، وحين طلب من قيادته تنفيذ عملية جرود بعلبك كان التنفيذ على أكمل وجه، ومن هنا نوجّه جميعاً تحية إلى الجيش اللبنانية وقيادته. وبقدر ما نجح في العملية أوجد البعض له ثغرة مفاوضات لن أتطرّق إليها الآن منعاً للأحراج واحتراماً لشهداء الجيش. ولنتذكّر أنّ كلّ العمليات التي سبق أن نفّذها الجيش كانت ردّاً على اعتداء، إن في جرود الضنيّة أو في صيدا، أما اليوم فهي معركة بقرار، والشوشرة التي حصلت هدفت إلى سرقة الوهج، لكن لا أحد يمكن أن يسرق الانتصار من ذاكرتنا، وأن الجيش اللبناني، لأوّل مرّة منذ العام 1990، قام بعملية عسكرية ناجحة لا يحتاج فيها إلى مساعدة من أحد، عندما قرّرت القيادة السياسية أن تكلّفه.

أما في الاعتراض على مظاهر عاشوراء في بيورت، فهي تقليد ساري المفعول، وإن كان هناك إقفال لبعض المناطق، فيجب أن ننتبه إلى أنّ الإجراءات الأمنية، بكل أشكالها، ضرورية لأنّه ليس هناك من ضوابط بعد الذي حصل في الموصل والعراق. بطبيعة الحال من هزموا يعملون على تركيب شبكات عمل سريّ ويفتشون عن أهداف فيها تجمعات لإحداث ضجّة كبيرة. لذا فالإجراءات ضرورية، ولم يكن ممكناً أن تحصل الذكرى التي نحترم أهلها وشعائرها، دون أن تترافق مع إجراءات إمنية لا يرتاح إليها المواطن المدني الماكث في حيّه ومكانه، لكنّها عشرة أيام وتمرّ.

نصل إلى موضوع الانتخابات النيابية. لقد مرّ على قانون الانتخابات حتّى الآن  3 أشهر وسبعة أيام منذ نشره في الجريدة الرسمية. وهناك صراع سياسي لا يتوقف ولا أرى أنّه سيتوقف غداً، بين القوى السياسية الكبرى. وفورا يتحول أي مشروع يقدّمه طرف من الطرفين، إلى معركة تستعل فيها وسائل التشنيع والبشاعات… وأذكّركم بأنّي كنائب صوّتت ضدّ البطاقة الممغنطة في مجلس النواب.

وألفت نظركم إلى وجود 3 عناصر في قانون الانتخاب الجديد تحتاج إلى مراجعة ومتابعة وتدقيق. أوّلا النسبية التي تطبّق للمرّة الأولى، وثانياً التصويت في مكان السكن وهو أمر جديد، بحيث أنّ هناك مئات الآلاف قد يصوّتون في بيروت الكبرى، والأمر الثالث هو البطاقة الممغنطة. وأنا سألت: لماذا نصرف الأموال على بطاقة ممغنطة، وباستطاعتنا أن نطوّر بطاقة الهوية، فالأحوال الشخصية وضعها يرثى له، مع ذلك هناك مدير عام جديد للأحوال الشخصية يتابع عمله ويتابع بطريقة جيّدة. لكن هذا عملياً يحتاج إلى 500 مليون دولار على عشر سنوات. هذا إذا أردنا تأسيس إدارة جدية لتاريخ اللبنانيين منذ العام 1932 حتّى اليوم. واعتبرناها فرصة لتطوير 20 في المئة من الأحوال الشخصية. فقامت الدنيا ولم تقعد. على كل الاحوال، بعد يومين لن يعود تنفيذ البطاقة ممكناً، فلا داعي للخلاف ولا للنقاش، وسيكون المجال الوحيد لتطبيق القانون بمضامينه أن يكون هناك تسجيل مسبق للراغبين في التصويت خارج مكان قيدهم، وهو موضوع صراع كبير. فالتحضيرات كبيرة وواسعة. في الأردن مثلا أخذت مسألة التسجيل المسبق سنتين لتسجيل مليونين و200 ألف ناخب. وقد تشاورنا مع الوزراء السابقين ومديرية الاحصاء، ومع شركة أردنية نفّذت التعداد السكاني في عدد من الدول العربية. لا شك أن الأفاق تتوسّع خلال الاستماع والنقاش لكن في النتيجة سيتبيّن أنّ الصراع السياسي سيعطّل تطوير الأحوال الشخصية ولن يحقّق البطاقة الممغنطة، لأنّ الوقت أخذنا، وكان يجب أن نكون حاضرين منذ شهرين. لكنّ هذا لا يعني ولا للحظة أنّ الانتخابات لن تجري، بل ستجري في موعدها، والكلام عن تأجيل الانتخابات غير صحيح على الإطلاق، أيّاً تكن النتائج. وأفضل للبنان ألف مرّة أن تجري الانتخابات من ألا تجري، لأنّها ستثبت أنّ هذا النظام الذي لا يزال قائماً يحترم الديمقراطية في منطقة لا تشهد انتخابات ولا ديمقراطية، ولا يملؤها غير القتل.

أما الأمر الاخير الذي أود مصارحتكم به، وهو ليس للنشر، أنّ هناك مندبة بيروتية مفتوحة منذ سنة تقريباً، تعتبر أنّ كلّ ما يحصل خطأ، وأنّ بيروت ينقصها كلّ شيء، وأنّ البيروتيين لم يأخذوا حقّهم في الوظائف.

أوّلاً إنّ بيروت مدينة عظيمة، أهلها ناس ناجحون في كلّ مكان، والأخطاء ليست خطايا ولا جرائم. هذه المدينة لا ينتهي كلّ عزّها ومجدها بأن يأخذوا وظيفة ما. اذا حصل خطأ فيجب أن يصحّح. أنا لا يمكنن أن أتصوّر بيروت مقسمة، أنا لا اوافق على بيروت أولى وثانية أصلاً. هذه اختراعات طائفية مسيئة للبنان ولكلّ الطوائف،  يستطيعون ان يطالبوا ما يريدون ونستطيع أن نعبّر عن قناعاتنا. وأذكر أنّ الرئيس الشهيد رفيق الحريري لم يقبل إلا بالمناصفة، ويجب ألا تتحوّل بيروت إلى مندبة وهي ليست مدينة منهارة، هناك نفّس جديد في بلدية بيروت، وهناك محاولة للوصول إلى نتائج جدية.

وتعرفون أنّه تم تعيين بيارتة في الفئة الأولى، منهم رئيس أوجيرو ونائب مدير المخابرات والآتي أكثر قريباً، وحتّى الآن من أصل عشرة مناصب هناك 4 بيارتة، تمّ تعيينهم في مراكز أساسية.

أنهي كلامي بالقول إنّه يجب ألا نيأس، ويجب أن نبقى على صمودنا، مدينتا مرّ عليها الكثير من العابثين، لكنّ بيروت بقيت نوّارة العرب، ولا يستطيع أحد أخذ المدينة من أهلها،

وشكراً.