كلمة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق مؤتمر وزراء الداخلية العرب 32

كلمات 11 مارس 2015 0

في اجتماعات كهذه، نحن دائما في حضرة صاحب السمو الملكي الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز رحمه الله، أمير الحكمة والعزيمة والبصيرة، التي كانت جهوده في أصل اجتماع وزراء الداخلية العرب، والذي أسس منذ سنوات طوال مؤسسة لتبادل الوعي والتعاون العربي في المسائل الامنية والتنظيمية وقضايا صون الاستقرار ومكافحة الجريمة والارهاب .ويظهر أكثر وأكثر مدى حاجتنا الملحة والاكيدة والدائمة لمثل هذه المؤسسة التي أنشأها واشرف على نموها الراحل الكبير. الذكر موصول اليوم بطبيعة الحال لصاحب السمو الملكي الامير محمد بن نايف خير خلف لخير سلف، والذي تابع نهج والده رحمه الله، مراكما خبرة عميقة في مواجهة قضايا وتحديات الامن والاستقرار، فضلا عن جولاته وصولاته في مكافحة الارهاب.

سأحاول ألا أكرر ما قاله زملائي حتى لا أطيل، فباختصار وببساطة هناك ثلاثة تحديات نواجهها اليوم:

– التحدي الاول، الذي تحدث عنه كل الزملاء هو تحدي الارهاب الذي يدعي لبوس الدين في مخاطبته وفي افعاله وفي نظرياته، وهو أبعد ما يكون عن الدين والاسلام وعن أي دين كان، فهو لا يعرف غير الجريمة والقتل والتخويف، وما ذكره كثيرون من الاخوان الزملاء حول ارتكابه لجرائم قرأنا عنها ولم نشاهدها منذ عشرات السنين الا في الفترة الاخيرة.

– التحدي الثاني هو التدخل الاقليمي المستمر الذي لا يحقق حتى الآن، إلا المزيد من الإضطرابات والانقسامات المذهبية. لقد اعتقدنا أن المفاوضات الدولية ستخفف من الاستعراضات العسكرية في مختلف العواصم العربية، ولكن في الأشهر الاخيرة ثبت العكس، وثبت أن هذه المفاوضات لا يظهر منها الا المزيد من الاستعراض والاستفزاز، والمزيد من الانقسام في كل عاصمة عربية ورد ذكرها في سجل الاحداث الدائمة في الاشهر الاخيرة، وازدادت الصور والاعلانات عن القدرة اللامتناهية لهذا التدخل.

وفي الحقيقة، في كل مناطق الاضطراب الكبيرة منها أو الصغيرة يتضح ان المقاومة المحلية سواء سلاحا أو سلما لا تزال مستمرة وقادرة وصامدة لأن من يستطيع تحقيق الاضطراب والانقسام واضح الآن أنه لا يستطيع تحقيق استتباب الامر له وتحقيق الاستقرار لاي بلد من البلاد التي تدخل فيها.
– التحدي الثالث هو التحدي الاستيطاني الاسرائيلي، والذي تفضل معالي وزير داخلية وخارجية فلسطين بالحديث عنه. وبالتالي، سأترك هذا الأمر الثالث لوزراء الخارجية.

ببساطة مرة أخرى وباختصار منذ سنة وحتى الآن شهدنا مزيدا من الاضطرابات والانقسامات، ولكننا لم نشهد مزيدا من التنسيق، وهو أقصى ما نستطيع أن نطلبه من بعضنا البعض لأنه الوحيد الذي يحقق للدول العربية ما نريده من أمن واستقرار. وباختصار، وللمرة الثالثة ليس هناك من جواب على هذا التمدد الارهابي الذي يدعي الدين لبوسا، وليس له حدود إلا بالعودة والاصرار والتأكيد على العروبة. وغير ذلك هو حديث لن يوصل الى نتيجة فكلما تقوقع أحدنا في بلده كلما ازدادت مشاكله وكلما ظهر أكثر وأكثر أنه في مواجهة التحدي وحده من دون معين ولو بالقليل لدولة صغيرة مثل لبنان لولا الدعم السعودي المستمر.

هناك حركة جدية رصينة مسؤولة تجري الآن في العهد السعودي الجديد بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وهو جمع المتناقضات من عرب وغير عرب لإيجاد عنوان موحد تحت قاعدة التوازن وليس المواجهة، وهو أمر بدأ في مصر وذهب الى أكثر من دولة في الاقليم والى أكثر من رئيس أو ملك أو أمير من العرب. لأنني أنا من موقعي الصغير والبسيط والدولة الصغيرة التي أمثلها لا أرى أن هناك توازنا في المنطقة مع احترامي للجميع، وأنا أصغركم وأقلكم أهمية، من دون تفاهم على التوازن بين السعودية ومصر.
الأمر الثالث الذي سأتحدث عنه والتحدي الثالث هو الارهاب، وباختصار وبعد تجربتي لمدة سنة، أقول إن هناك ثلاثية وحدها قادرة على تطوير قاعدة الارهاب ورد بعضها في كلمات الأخوان، وخصوصا في كلمة معالي وزير الداخلية الأردني. وهذه الثلاثية تقوم:
أولا: على الحد الأدنى من التماسك الوطني داخل المجتمع المعني. نحن في لبنان مثلا على قدرنا نتحاور مع أكثر الناس خصومة لنا في السياسة، على قاعدة ربط النزاع في المسائل الخلافية الاستراتيجية لإبقاء البلد والتقوقع داخله وحمايته من الحرائق المنتشرة حوله لأن الأساس أن يكون هناك تفاهم داخلي على عنوان موحد لمواجهة الارهاب.

ثانيا: الاحتراف الأمني، فهناك تجارب طبعا تتقدم علينا بكثير، وأولها التجربة السعودية في السنوات الأخيرة، ولكن الأهم أن هذا الاحتراف يقوم على أمرين، الأمر الأول هو مزيد من التدريب، والأمر الثاني هو تطوير القدرات التكنولوجية التي تتحكم في أي مواجهة في هذه الأيام لأن الأهم في العمل هو القدرة على العمليات الاستباقية وليس المواجهة اللاحقة، وهذا لا يتحقق إلا بالاحتراف التقني والاحتراف الأمني ووجود خبرات قادرة على القيام بهذا الأمر.

ثالثا: ورد أيضا على لسان بعض الزملاء ما أسميه الشجاعة الفقهية، وهي أن يكون هناك رجال دين وعلم قادرين على تفريغ المنطق الآخر التكفيري والارهابي وبصورة حسنة وايجابية وسلمية، كما هو دين الاسلام الفعلي. هذه القواعد الثلاثة هي القادرة على مواجهة الارهاب”.

إذا باختصار وببساطة، الحد الأدنى من النواة الصلبة العربية هي القادرة على إقامة التوازن بالعودة إلى العروبة، بعيدا قدر الامكان عن العنوان الديني. وإن ثلاثية محاربة الارهاب قائمة على التماسك الوطني والاحتراف الأمني والشجاعة الفقهية. لقد قمت بالتشرف بلقاء شيخ الأزهر مشكورا الذي وعد بالمساعدة بعلماء ودعاة قادرين على تفريغ المنطق الآخر بشكل علني. وفي النهاية، أريد أن أقول إنني لا أقول هذا الكلام ادعاء لمعرفة أو لفهم أو لخبرة، ما أقوله هو حاجة لبنانية لبلد صغير يريد أن يحتمي بالتفاهم العربي لكي ينقذ نفسه من الحرائق المحيطة به، وهو تعود طوال تاريخه على مسؤولية العرب وعلى قدرة العرب وعلى التفاهم المصري – السعودي الذي حقق لعشرات السنوات الاستقرار في لبنان قبل اشتعال الحريق في سوريا.
وبعد الكلمة تلقى المشنوق الثناءعلى مضمون كلمته، من عدد من الوزراء المشاركين، حيث قاموا بتهنئته على مسيرته خلال العام الفائت من خلال تعاطيه مع ملف الارهاب، والخطوة التي اتخذها في سجن روميه.