“كلام الناس” – من يعتذر لبيروت؟

مقابلات تلفزيونية 05 يونيو 2008 0

مع نهاد المشنوق و نواف الموسوي

س- هل نستطيع الترحيب بك، ونقول معالي الوزير نهاد المشنوق؟
ج- الله يسامحك يا استاذ مارسيل، لأني اليوم أكثر قناعة بما انا فيه هذه الأيام، واحد من جمهور رفيق الحريري.

س- ولكن إسمك بالتداول؟
ج- بسيطة، ولكن الوزارة لا تؤخذ من الصحف الحمد لله.

س- لكن أنت كاتب في الصحف؟
ج- صحيح، ولكن أنا لا أسمّي وزراء، أنا سمعت مثلك، ولكن أعتقد اني أستطيع خدمة أفكاري أكثر، في الموقع حيث انا موجود وهذا ليس تخليا ، ولكن هذه قناعة أمارسها منذ ثلاث سنوات ، ومرتاح لها ومرتاح لنتائجها.

س- من أين تؤخذ الوزارات؟
ج- من التمثيل السياسي، وانا واحد من جمهور رفيق الحريري لا أكثر ولا أقل.

س- فتحت أمس في مقالتك بجريدة “السفير” من جديد جرحا كان بدأ يندمل، عندما طرحت السؤال من يعتذر لبيروت؟ وعندما تحدثت عن هذه القوى التي إحتلت، والإستباحة العسكرية للعاصمة، الآن بعد حادثة طريق الجديدة وحادثة عماد زغلول ، هل زادت هذه الأسئلة لديك؟
ج- بطبيعة الحال، ولكنني لا أريد ان ابدأ بحادثة عماد زغلول، أريد أن أبدأ من الأساس، من حيث بدأ الأستاذ نواف الموسوي الذي قال ، ان هناك إطلاق نار على المقاومة.

أريد أن أقول لا توجد قوى لبنانية ، لا حاضرة ولا جاهزة ولا قادرة ولا راغبة بإطلاق النار على المقاومة، وعندما يقول الأستاذ نواف ان هناك إطلاق نار على المقاومة وانه ستًقطع اليد، فيجب تحديد من أطلق النار ومن هي اليد المطلوب قطعها؟ أيضا الكلام عن انه لا مشكل في البلد، هذا كلام تبسيطي في واقعه السياسي، أعقد بكثير من الذي تفضل به السيد نواف.

أنا ياسيد سمعت ما قلته، وأريد أن أعلق على عدة نقاط:
الاولى: الكلام عن ان هناك وسائل إعلام مدفوعة الثمن، لا أعتقد انه يليق بحق وسائل إعلامية أيا كانت، لأن هذا الموضوع يندرج على كل الزملاء من مارسيل وأنا، وكل المطبوعات وكل التلفزيونات، عندما تريد تعميم الإتهام، أرى ان هذا الكلام لا يجوز بحق زملاء أيا كانوا. والكلام عن الثمن وعن المال يبدو، وكأنه لا توجد قناعات إلا في مكان واحد، بالعكس هناك قناعات في إتجاهات سياسية متعددة، وفي أمكنة متعددة ، وأعتقد أنتم كقيادة حزب بطبيعة الوضع اللبناني يجب أن تعتادوا عليها، وأن تعترفوا بها وتناقشوها بدون إتهامات.

أنا لا أعرف عن أي وسائل إعلام تقصد في كلامك ، ولكن أفضّل الا نعمم ، وأن يكون التعامل بالحوار على ان هناك مشكلة لا بد من تشريحها ومعالجتها.

أما إذا لم يكن هناك مشكلة، وهناك قطع أيادي فقط، بإعتبار ان هناك وجهة نظر واحدة. لا أعتقد ان ذلك مفيد للمقاومة ولا للبنانيين، ولا يفيد في موضوع تحرير فلسطين.

النقطة الثانية التي لفتتني، كلام السيد عن موضوع المشروع الأميركي وأدواته في لبنان لتغيير هذه الهوية، برأيي انه آن الأوان أن نعرف ان المشروع الأميركي إنتهى، ومازلنا نتحدث عن مواجهة مع مشروع إنتهى ولم يعد موجودا، والمشروع الأميركي في المنطقة الآن هو جثة سياسية. لذلك لا يجوز ان نضع أنفسنا في وضع يقول، أن هناك جهة تواجه المشروع الأميركي وهي المقاومة وحلفاءها، وهناك جهة أخرى تتحالف مع المشروع الأميركي.

نقطة أخرى أريد أن أقولها: أنا لم أقل انه حصل إحتلال ، أنا تكلمت عن الإحتلال بالمعنى الإسرائيلي لمدينة بيروت، فقلت حصل إحتلال إسرائيلي لبيروت، ومن ثم حصلت إستباحة من قبل جهات لبنانية سنة 1987 ، وبعد ذلك إستباحة أخرى من قوات سورية عندما دخلت مرة ثالثة الى بيروت، وحصلت الإستباحة الأخيرة في 7 أيار. ويجب أن نعترف ان ما حدث أخيرا، حقق بنجاح عظيم جرحا عميقا جدا جدا، في مدينة إحتضنت كل الناس، وأحبت كل الناس، وأعطت منبرها لكل الناس، وفتحت أبوابها لكل الناس، وهي لا تفرّق بين صاحب قضية وآخر.

أنا لا أتكلم هنا كلاما على علاقة بالمذهبية، ويمكن ان يكون كل الذين إعتدوا على بيروت ناخبين في بيروت، وسجل نفوسهم موثقة في بيروت، وربما قبلي، ولكن ليس هذا هو الموضوع، إنما الواقع انه حصل إعتداء على المدينة موجود أمام أعين الجميع، شعر فيه كل الناس وتوجعوا منه. فإذا قال السيد نواف انه ردّ فعل على هذا الموضوع، أو ذاك القرار الحكومي ، فأنا قلت من على شاشة الـLBC ان قرارَي الحكومة قراران خاطئان، لكن تم الرد عليهما بجريمة أكبر بكثير من القرارين.

س- يتحدث الأستاذ نواف عن إعتداءات طالت المقاومة ما رأيك؟
ج- مع إحترامي لوصف السيد نواف ، ولكن يصدر الكلام وكأن المقاومة جمعية خيرية أهلية، بريئة لا علاقة لها بأي إشتباك، وبأي أزمة، وبأي مشكلة ، وان كل ما يجري في البلد هو إعتداء عليها.

هذا أمر تبسيطي جدا مخالف لأي منطق عاقل، هناك أزمة سياسية كبرى في البلد، جزء منها “حزب الله” والمقاومة والنزاع حول هذا العنوان، نزاع كبير داخل البلد. فليس باستطاعة أحد ان يأخذ العاصمة من مكانها ، أو يأخذها من الوطن أو يخرجها عن التعايش أيا كان ومهما بلغت قوته، ومهما بلغت سيطرته، ما حدث في بيروت أمر آخر تماما تماما.

هناك أزمة عنوانها المقاومة، عندما تقول حضرتك: خروج منطق المقاومة من العاصمة، صحيح هناك الكثير من الناس في العاصمة ليسوا اميركيين وضد إسرائيل، ولكن يخالفون منطق المقاومة، هذا حقهم وهذا أمر طبيعي، أيضا هذه اللغة التي تشتكي منها بحق المقاومة، هل هي لغة من جانب واحد أو من الجانبين، أو ان الحزب لا يقوم بشيء سوى بردود الفعل، هذا غير صحيح.

أنا سأروي لك كمواطن روايتي الأبسط عما رأيته في بيروت، وسأروي ثلاثة حوادث شهدتها شخصيا أو تدخلت فيها شخصيا:
الأول يتعلق بمؤسسة الحريري التي خرجّت 34 الف طالب من كل الطوائف ومن كل المناطق، هل يتم إحراقها على قاعدة منع خروج العاصمة من منطق المقاومة؟ فلولا حرس تلفزيون الـ NBN ، وبالتأكيد بتعليمات من الرئيس بري، لكان تم القضاء نهائيا على آخر حجر بالمؤسسة.

الثانية : حصلت في مؤسسة نازك الحريري للمعوقين في عرمون، حيث دخل مسلحون الى المؤسسة، وطلبوا إخراج المعوقين من المؤسسة التابعة لدار الأيتام، لأن المؤسسة باسم نازك الحريري، وأنا طلبت من رئيس مؤسسة الأيتام الإتصال بالرئيس بري، وقد حدث ذلك وتدخل النائب علي بزي لمنع إخراج المعوقين من المؤسسة. لا أعرف من احرق ولا من دخل المؤسسة، ولكن بالتأكيد هم مسلحون لديهم قرار.

الثالثة حصلت قبل نهاية الإشتباكات في 48 ساعة ، أثناء توجهي من الجريدة الى منزلي في الرملة البيضاء، حيث مررت بشارع فردان الذي كان مليئا بالمسلحين يمينا ويسارا، وكان هناك تحت بيت الرئيس ميقاتي حوالى 75 مسلحا يركبون الدراجات عصبوا رؤوسهم بأعلام الحركة والحزب، يطلقون النار في الهواء وكأنهم هنود حمر جاءوا لكي يأخذوا مدينة، أنا رأيتهم بعيني ، وآسف لأنني رأيتهم، وتوجعت لأني رأيتهم،، وكنت أتمنى الا أرى هذا المنظر ولا أن أسمع هذا الكلام.

الموسوي: هل رأيت جثتين في براد مستشفى الرسول الأعظم، وقد سٌلخ جلدهم حتى الموت؟
ج- ياسيد، أنا لا أناقش مدى قدرة هذا الطرف أو ذاك على الإعتداء على شخص، أنا اقول ما حدث هو أزمة كبرى، لا بد من مناقشتها ومناقشة نتائجها، لأننا إذا إستمرينا بمناقشة تفاصيلها لا نصل الى مكان.

ياسيد نواف، دعنا ندخل الى حجم المشكلة، يكفي الكلام عن جهة بريئة وجهة معتدية ، هذا كلام غير منطقي، ولا يمكن الإستمرار فيه.

لو إفترضنا ان قرار مجلس الوزراء الخاطيء أخذ مجراه، هل هناك من يصدّق ان الجيش اللبناني، بعد تعطيل دوره في أحداث مارمخايل، يستطيع قطع إتصالات فرد واحد، وليس حزب بحجم “حزب الله”؟.

الموسوي: كم كلفت حادثة مارمخايل ، هل تعرف أنها كلفت سبعة شبان؟
المشنوق: النتيجة السياسية لمجزرة مارمخايل الطبيعية، هي تعطيل دور الجيش شئنا أم أبينا، قصد الحزب ذلك أم لم يقصد، حدث ذلك واقعيا ، يجب أن ننظر الى الأمور على طبيعتها، والذين سقطوا ليسوا شهداء الحزب ، هؤلاء شهداء لبنان.

الموسوي: لكنك تقول اننا أردنا من المجزرة تعطيل دور الجيش؟
المشنوق: انا لم أقل ذلك، أنا قلت سواء أراد الحزب أم لا، كانت النتيجة تعطيل دور الجيش.

س- قال نواف الموسوي ان ما يجري في موضوع الحكومة، هو إبتزاز سياسي تمارسه بعض الأطراف، تحت عنوان التعديات الأمنية، ما رأيك بهذا الموضوع؟
ج- أريد أن اقول ان ماحدث بشأن الشاب عماد زغلول، والذي تحدث عنه السيد باعتبار انه قام بعملية سابقة ، ان الجريمة لا تبرر جريمة.

ليس لدى “تيار المستقبل” او النائب سعد الحريري خيارات في هذه المسألة، وأعتقد ان هذا الحادث واحد من حوادث كثيرة تصرّفوا تجاهه ، انه يجب ان تقف الأمور الأمنية عند هذا الحد.

فالإبتزاز السياسي شيء، ووقف الأعتداءات الأمنية أيا كانت طبيعتها شيء آخر، وباعتقادي انه بالمسألة السياسية، كل توقعات 14 آذار أو سعد الحريري أو مشاكلهم أو خلافاتهم، هي مسألة طبيعية بتشكيل أي حكومة، ولكن بالمسألة الأمنية هناك حدود للقدرة على الصبر، أو للقدرة على المعالجة بتجاهل ما يحدث. وأعتقد انهم رفعوا الصوت، وهذا من حقهم لوقف عمليات مستمرة في أكثر من مكان، وفي أكثر من موقع، وهذه نتيجة الأحداث الأخيرة التي وقعت.

اما عن كلام السيد نواف والإتهامات، بأن هناك أطرافا تريد إسقاط إتفاق الدوحة، فأنا أقول انه من المبكر جدا الكلام عن إتهام طرف لبناني، بأنه يريد تعطيل إتفاق الدوحة، فالأمور لا تزال في بداياتها، ولا يزال الكلام في أوله، ومن المبكر جدا على هذا الحجم الكبير من الإتهامات.

وهناك نقطة أود توضيحها لقد تم الإتفاق في الدوحة، على الصناديق المسيحية الوطنية بمعنى ملء الشغور في مركز رئاسة الجمهورية، ووضع قانون انتخابات يرضي ما يمكن تسميته بالقضاء المسيحي في لبنان.

ولكن هناك أزمة كبرى ثالثة لا تزال موجودة في البلد، ولا بد من مناقشتها بهدوء وبعيدا عن كل التوتر الأمني والسياسي، واللغة التي لا تملك إلا التشويه من كل الأطراف. بكل بساطة هناك أزمة كبرى تتعلق بعلاقات الطائفتين الرئيسيتن السياسية.

ماحدث في الدوحة بكل بساطة ، هو تجميد للحوار السياسي، الى حين إجراء الإنتخابات النيابية، يجب أن ننظر إليها بهذا القدر ، ولا نعلّق عليها آمالا كبرى .

س- لكن في مقالتك كتبت ان موضوع السلاح، له علاقة بموضوع الإنتخابات النيابية.
ج- أنا قلت ان موضوع السلاح موضوع إقليمي ويجب معالجته في نقاش هادىء، حول التوجه السياسي للبلد. هناك جمهور في البلد له وجهة نظر، وجمهور آخر له وجهة نطر أخرى، لا بد من مناقشتهما والوصول الى تصوّر مشترك.

س- لماذا تمت تسمية الرئيس السنيورة لرئاسة الحكومة، وليس سعد الحريري، أليس هذا إستفزازا للمعارضة، وهل صحيح ان سعد الحريري كان هو الرئيس العتيد، ولكن بعد خطاب السيد حسن نصر الله تغيّرت الأمور؟
ج- الأكثرية هي التي سمّت الرئيس السنيورة لرئاسة مجلس الوزراء، هذه الأكثرية هي بزعامة سعد الحريري، وأعتقد ان الرئيس السنيورة ليس منفردا وليس له حق حصري بالخصومات وبالتطرف، فالحمد لله كل المسؤولين اللبنانيين في مواقعهم يتميّزون بنفس الصفة، فإذا أردنا محاسبته على هذا الأساس، يجب أن نحاسب الجميع.

وكذلك الرئيس السنيورة يتمتع بحيثية وطنية، وقرار واضح بتنفيذ إتفاق الدوحة بحذافيره، وبتفّهم تام للمرحلة الجديدة من الإنفتاح على جميع القوى، وعلى رأسها العلاقات اللبنانية- السورية التي تحدث عنها عدة مرات، فدعنا نتعامل مع الرئيس السنيورة ،على أن هناك شخصية جديدة وفاقية يجب الإستفادة منها، وإعطاؤها كل الفرصة اللازمة للوصول الى توافق بين اللبنانيين.

على كل، هناك إتفاق سياسي في الدوحة، والرئيس السنيورة مسؤول عن تنفيذ جزء منه، وهو يقوم بهذا الدور حماية للسلم الأهلي، واحتراماً للخطة العربية والدولية التي أوصلتنا الى إتفاق الدوحة.

س- هل سيتمكن الرئيس السنيورة من تشكيل هذه الحكومة، وكم سيمضي من الوقت لتشكيلها، وهل صحيح ان هناك من يسعى لتأخير ولادة الحكومة، لأن هناك رهانا على متغيّرات ما قد تطيح باتفاق الدوحة؟
ج- لا توجد متغيّرات ولا مفاجأت، وأعتقد ان الرئيس السنيورة كان واضحا في كلامه بأنه سيأخذ وقته، الى أن يتم التفاهم بين الموالاة والمعارضة على تفاصيل ما.

برأيي، ان ما حدث في الدوحة هو عدم تفهّم للظروف اللبنانية، فأنا أولا، لا أعتقد بأن هذه المرحلة هي المرحلة المناسبة لحكومة وحدة وطنية ، المرحلة كانت تفترض تشكيل حكومة صغيرة ومحايدة، وليس صحيحا انه لا يوجد محايدون في البلد، حكومة من 14 وزيرا برئاسة سعد الحريري، وكل ما تفعله هو الذهاب الى الإنتخابات، بوسط جو من السلم الأهلي الطبيعي.

هناك شهوة غير طبيعة للسلطة ظهرت الآن. كل الناس تريد كل الوزارات التي تساعدها في الإنتخابات، وهذا يفتح جدلا لا ينتهي عند هذه القوى وعند كل الطوائف.

لذلك، دعنا لا نعلّق آمالا كبيرة، سوى على مسألة إستمرار الرئيس السنيورة بعمله وباتصالاته ، وهو بتصوره وبإعترافه باتفاق الدوحة، قادر على الوصول الى نتائج جدية.

س- ما هو سقف البيان الوزاري بموضوع سلاح المقاومة؟
ج- سمعتُ انه تم الإتفاق في الدوحة على إعتماد صياغة مماثلة للبيان السابق، ولكنني قرأت ما قاله سماحة السيد نصرالله في خطابه الأخير، حول مسألة المقاومة، ان المخرج الوحيد هو: المقاومة نهجها ، ثقافتها، إرادتها وفعلها، وان هذا هو الطريق الذي يؤدي الى إستراتيجية التحرير، قبل أن نصل الى الإستراتيجية الدفاعية.

إذا كانت المسألة تتعلق برأيي، بالتأكيد أوافق على أنه لا خيار بالتعامل مع الإحتلال الإسرائيلي، في أية أرض عربية غير باعتماد المقاومة العسكرية المسلحة وسيلة لهذه المواجهة، ولكن لنفترض ان هناك فريقا كبيرا من اللبنانيين، أو فريقا صغيرا من اللبنانيين يريد الإعتراض على هذه السياسة في المواجهة العسكرية، وتريد إعتماد وسائل التفاوض الدبلوماسي، وأمامهم دولة مجاورة صديقة ومعنية، وكلنا نريد علاقات طبيعية معها، تخوض مفاوضات سرية منذ العام 2004، والآن أصبحت علنية لأسباب كثيرة، تخوض المفاوضات لتحرير أرضها المحتلة، فكيف إذاً يمكن القول لهذه المجموعة من اللبنانيين يجب ان تلتزموا خياري ، ونحن لسنا معنيين بالخيار العربي الآخر، الذي يقول بالتفاوض وهو موجود على حدودكم، وهو حليف لكل القوى الموجودة في منطق مقاومة إسرائيل..

س- ما هو ردّك على ما جاء في كلام السيد نواف، من دعوة لمناقشة الإستراتيجية الدفاعية؟
ج- أحترم الرأي الذي يدعو الى مناقشة هذه الإستراتيجية ، ولكن معالجة سبل مواجهة الإحتلال الإسرائيلي، أو الصراع العربي- الإسرائيلي لا تنص ببساطة على أن هذه الجهة حرة في سياستها، وان جيشها فعل في العام 1973 وحقق تقدّما كبيرا وبطولة عظيمة. لا خلاف حول قدرة الرئيس حافظ الأسد في إدارة الحرب وإدارة المفاوضات.

أما في موقع المقاومة ، فأنا قرأت مقالا يتحدث عن الرئيس حافظ الأسد باعتباره صاحب نظرية حرب الصواريخ، وان هذه الصواريخ هي الوحيدة التي تستطيع أن تحقق إزعاجا حقيقيا، أو ضررا حقيقيا للعدو الإسرائيلي، وان هناك إعجابا بهذه السياسة المعتمدة منذ ذلك الحين حتى الآن. أنا لا أناقش طبيعة هذه المسألة باعتبار انه حتى العام 2000 حققت نجاحا فعليا ، لا يستطيع أحد مناقشة مدى فشله أو نجاحه، ولكن الذي حدث في الـ2006 غيّر طبيعة المنطقة كلها ومن لا يعترف بذلك يكون مخطئا.

ولكن الأمور ببساطة لا تنص على ان هناك دولة عربية جارة على حدودنا تتبع وسيلة أخرى، هي المفاوضات الدبلوماسية ولو شكلا، ولو مع معرفتها ان الجانب الإسرائيلي لا يستطيع أن يقدّم لها نتائج فعلية ، ولو إعتمادا للمواجهة الدولية على صورة ان سوريا تريد السلام عبر هذه المفاوضات، كل هذه الأسباب ربما تكون مشروعة، لكن لا أستطيع تجاهلها والتصرف على قاعدة ان سوريا حرة في هذا الأمر، وأنا حر في إتخاذ قرار المقاومة العسكرية للتعامل مع النزاع العربي- الإسرائيلي.

ما أقوله: هناك وقائع سياسية أمامنا، فإذا قال عدد كبيرأو صغير من اللبنانيين ، أنا أريد إعتماد وسيلة المفاوضات، إستنادا الى تجربة سوريا، كيف يمكن إقناعه بالإستمرار لوحدي؟ لبنان لوحده في المقاومة عسكريا من أجل تحرير قطعة أرض كبُرت أم صغُرت، وعدد من الأسرى لا بد من القتال من اجل تحريرهم من الأسر الإسرائيلي.

س – هل أقنعك كلام السيد نواف حول موضوع التفاوض السوري- الإسرائيلي؟
ج – قبل الإجابة على هذا السؤال، أريد التطرّق الى نقطة في موضوع ولاية الفقيه، أنا لا أسمح لنفسي أن أدّعي اني متمرس في الموضوع الفقهي، ولكن أريد قراءة هذا الموضوع من الجانب السياسي، ولاية الفقية ليست مسألة دينية فقط، هذه مسألة سياسية لها علاقة بقدرة المجتمع اللبناني المتنّوع والمتعدّد على قراءة هذا الموضوع من الجانب السياسي، وقدرته على تحمل هذه القراءة ، بصرف النظر عما إذا كانت هذه القراءة صحيحة أم لا، بالمعني الفقهي والإجتماعي، هذه ليست مسؤوليتي ، مسؤوليتي كمواطن هي مدى تأثير هذا الأمر على تماسك المجتمع اللبناني، وربما أيضا على تماسك بعض المجتمعات العربية التي فيها مجموعات تؤيد مسألة ولاية الفقيه، بالمعنى السياسي، وليس بالمعني الديني. ولكن أنا أعرف انه بالمعنى السياسي هذه مسألة خلافية في المجتمع اللبناني ، وفي المجتمعات العربية المعنية.

أيضا هناك نقطة تجاوزناها وهي موضوع الشهيد عماد مغنية، الذي كتبت عنه إنه إغتيل وأمامه عنوان واحد هو مسألة تحرير فلسطين، أو مسألة مقاتلة العدو الإسرائيلي. فعندما وقعت مجزرة مار مخايل كما سمّاها السيد نواف، وطبعا شهداؤها هم شهداؤنا، ولكن قامت الدنيا ولم تقعد بأنه يجب التحقيق وتحديد المسؤولية.

أنا هنا لا أتهم سوريا باغتيال الشهيد مغنية لا سمح الله، وأرجو الا يؤخذ كلامي في هذا المنحى، ولكن كانت هناك وعود بأن نتائج التحقيق ستظهر، فلماذا لم يصدر أي بيان عن الحزب المعني بهذا الأمر؟ لماذا لم يصدر أي بيان من الحزب حول زيارة وزيرة الخارجية الإسرائيلية الى قطر؟ ولماذا لم يصدر بيان عن الحزب يتعلق بالمفاوضات السورية- الإسرائيلية؟ في وقت إذا إجتمع مواطن لبناني بمسؤول أميركي، يُتهم بوطنيته وبالخيانة الخ…

إذاً دعنا لا ننظر الى الأمور بعين واحدة، فلماذا مثلا لم تستعجلوا التحقيق في إغتيال الشهيد مغنية ولو بشكل علني وبكلمتين؟ ولماذا لم تسألوا كيف يجلس الشيخ حمد مع تسيبي ليفني؟.

بالعودة الى موضوع إستباحة بيروت، هناك تكرار على لسان مسؤولين في “حزب الله” بأن ما تم في بيروت هو عملية محدودة وسريعة، باعتبار ان هذا رحمة بالمواطنين ، بدلا من عملية طويلة تسبب المزيد من الضحايا والدمار.

كل ما جرى سواء في الجبل أو في بيروت أو في أي مكان، هو تعبير عن أزمة سياسية كبرى، يجب مناقشتها باعتبار إن ما حدث هو من نتائجها، فإذا كنا نريد إعتبار ان ما حدث هو الازمة فهذا كلام عسكري. هذه أزمة سياسية، ما حدث هو نتيجة من نتائجها، لا بد من مناقشته ليس إستنادا على وقائع عسكرية التي لا علاقة لها لما نناقشه الآن.

لقد تحدث السيد نواف كل الوقت عن “تيار المستقبل” ان عنده أسلحة ومخازن أسلحة، وما الى ذلك، أنا أريد من السيد نواف ، كونهم حزب يملك جهاز معلومات مهماً أن يدلّني على هذه المخازن.

“تيار المستقبل” تيار مدني لا علاقة له بالسلاح، ولا علاقة له بمنطق السلاح، وإذا كان هناك من إدّعى في وقت من الأوقات، بأنه يستطيع بيع الناس وغير الناس من القياديين وهما بأن “تيار المستقبل” تيار عسكري، فهذا كلام غير صحيح. فـ”تيار المستقبل” هو تيار مدني، وأي نظرة غير ذلك تسيء الى المدينة ، وتسيء الى حقه وتسيء الى جمهور رفيق الحريري.

س- تحدثت صحيفة عكاظ عن تقارير وصلت الى قيادات لبنانية، تحذّر من تطورات أمنية يجب الإعداد لها تحت عنوان “فتح الإسلام”، والحوادث التي جرت مؤخرا في الشمال والجنوب تأتي كمقدّمة لما خُطط له، هل تضع هذه المخاطر الأمنية بالإعتبار؟
ج- طبعا، هذه المخاطر وغيرها أضعها في الإعتبار ما لم يتم التسليم بالواقع السياسي الذي يقول بأن النائب سعد الحريري ومن معه يمثلون الإسلام المعتدّل القادر على الحوار، والخيار الآخر للمسلمين هو الإتجاه للتطرّف وبنظرية الظواهري وغيرها من النظريات، لا توجد خيارات متعددة، والخيار الوحيد هو التعامل السياسي الواقعي بالإعتراف، والتعامل بهدوء والحوار السياسي حول كل ما حدث، لأن ما حدث في بيروت تجربة مُسيئة للجميع ، ويجب ان تجلس كل جهة مع نفسها وتعيد النظر بما حصل ولماذا حصل؟ وكيف حصل؟ وما هي نتائجه عليها؟ وكيف يمكن معالجته لكي لا تصل الأمور الى منطق التطرّف في كل المجالات؟ لا شيء يمنع إستعمال السلاح ، لا الضمانات العربية ولا الضمانات الدولية سوى قناعة الأطراف المعنية، وعلى رأسها “حزب الله” بأن ما حدث فخ للمقاومة، متعدّد الاوجه، مقصود منه سمعتها ، ومقصود منه إظهار الجيش بأنه على الحياد في ما جرى من إعتداء من مواطنين على مواطنين آخرين، وأيضا ضربة مقصود منها ضربة لـ 14 آذار.

دعنا نبّسط الأمور: خيارنا جميعنا هو الإعتدال، والإعتدال يقوم على الحوار، والحوار يقوم على الإعتراف بالآخر، وليس على إفتعال وزارات ومناصب ومرشحين سقطوا في الإنتخابات ، وأفكار لا علاقة لها لا بلبنان ولا بالنظام الديموقراطي.

دعنا نتعامل على أساس ما نراه أمامنا ونحاول تجنّب قدر الإمكان إعتبار اننا جهة بريئة، أيا تكن هذه الجهة، والآخرون كلهم معتدون ، لأن هذا منطق لا يوصل الى حوار طبيعي، إنما يوصل فقط للإتهام . والمطلوب الآن ليس المزيد من الإتهام ، بل المزيد من المنطق والحوار على قاعدة الإعتدال، وتفهّم طبيعة الصيغة اللبنانية، فإذا إستطعنا تمرير الوقت من الآن حتى الإنتخابات بهدنة سياسية، يكون هذا أمر عظيم يُشكر عليه كل من سعى إليه، وبعدها نُجرى الإنتخابات ، وعلى قاعدتها تظهر الصفة التمثيلية لكل واحد وحجمه التمثيلي ، وعندها يُبنى على الشيء مقتضاه.

س- الى متى سيطول الوقت الى أن تبصر الحكومة النور؟
ج- الوقت الكافي لحل أزمة إسمها تشكيل الحكومة.