” كلام الناس” – مقاطعة القمة العربية في سوريا: رفض المشروع الايراني

مع نهاد المشنوق، راغدة درغام، ومحمد آل زولفا

س- على أي أساس اعتبرت قبل أسبوعين في مقالتك الأسبوعية في جريدة “السفير” ان القيادة السورية حققت من القمة انعقادها فقط بثلث الرؤساء والملوك العرب من دول الصف الثاني والثالث، وربما زائداً واحداً وهو ما لم تستطع تحقيقه في الحكومة اللبنانية لحلفائها؟

ج- برأيي ان ما نراه الآن قد يكون فيه شيء من التحسّن بإمكانية التفاهم العربي، لأنه للمرة الأولى يتساوى الشكل بالمضمون، بمعنى ان الرؤساء العرب الذين قاطعوا كان بإمكانهم حضور قمة الشام والقيام باتفاقات شكلية من نوع “تبويس اللحى” والظهور في صورة تذكارية تجمع بينهم وبين الملوك والرؤساء زملائهم.

ما فعلوه انهم يفضّلون وجود قواعد رصينة وجدية لإمكانية أي مصالحة قبل الظهور بالصورة ، والقول بأن كل الأمور بخير وهو غير صحيح بطبيعة الحال.

النقطة الثانية التي أود الإشارة إليها، هي ما جاء في مقدمة البرنامج عن أوصاف دول الممانعة ودول الإرتهان، ولا أعرف من أين أتت كلمة الإرتهان، ولكن على كل حال أنا مقتنع بأن الدول التي قاطعت ليست مُرتهنة إلا للدفاع عن موقفها السياسي، وقناعتها واستراتيجيتها الأساسية بوجه مشاريع انقسامية بالمعنى السياسي التي عبّر عنها الدكتور الخازن بالمشروع الإيراني، الذي هو البند الأول المُفترض على جدول أعمال قمة دمشق ليس بند التضامن العربي لأنه بند خلاف عربي.

س- أنا طرحت السؤال وكنت واضحاً في طرح السؤال: هل يمكن الفرز؟ وهل يصح الفرز بين معسكري الممانعة والإرتهان انطلاقاً من بعض الأوساط التي جاءت في الصحف السورية بالأمس واليوم حول ارتهان موقف بعض الدول العربية للمواقف الغربية، وتحديداً للموقف الأميركي، هذا ما قصدت، ولذلك طرحت السؤال؟

ج- أسلوب كلاسيكي وقديم بإطلاق الأوصاف غير الدقيقة على مواقف سياسية، ولا أعتقد ان الممانعة دقيقة، وبالتأكيد الإرتهان غير صحيح.

س- تصوير قمة دمشق بأنها قمة الممانعة والمقاومة والإنتصار الإلهي، إذا صح التعبير، فيما الآخرون مُتهمون، هل يصح هذا التوصيف؟

ج- هذه الأوصاف وهذه التعابير لبنانية، لأن الإنتصار الإلهي يخصنا نحن ولم يتم بعد توزيعه على الدول العربية، ولكن على من يريد التكلم بالممانعة واعتبار ان قمة دمشق هي قمة ممانعة، يجب أن يقرأ المحاضرة التي ألقاها مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلي السابق ورئيس وفد المفاوضات الإسرائيلية مع سوريا آلون لاي عن المفاوضات التي بدأت منذ بداية 2004 حتى نهاية عام 2007، هل تُعتبر هذه المفاوضات جزء من الممانعة أم إنها جزء من القبول تحت الطاولة بمسألة السلام؟ هناك دول عربية أعلنت رغبتها في السلام سواءً قبل المبادرة العربية أو بعد المبادرة العربية أو بعد ما بعد المبادرة العربية ولم يدّعوا ولا مرة ان لديهم رغبة في الحرب أو رغبة بالممانعة أو بالقتال، ويعتقدون ان السلام هو وسيلة جدية من وسائل تحقيق التنمية في المنطقة سواء كنت أوافق على ذلك أم لا، ولكن الصورة هي على هذا الشكل، بينما عندما تقول أنا دولة ممانعة ولا أرضى ولا أقبل، وأن تخوض مفاوضات لمدة ثلاث سنوات سرية مع الإسرائيليين، ويُعلن رئيس الوفد الإسرائيلي ان الولايات المتحدة هي التي منعت إكمال هذه المفاوضات ووصولها الى نتيجة، ولا يصدر أي نفي، فمن يكون المُمانع؟

س- هل عندك تعليق على ما قاله الدكتور التقي؟

ج- أنا أُقدّر الصراحة التي يتحدث فيها الدكتور التقي من دمشق، ولكن سألفت نظره الى ثلاث نقاط:

الأولى: اني عندما تحدثت عن مسألة المفاوضات اعتبرت ان من يقوم بهذه المفاوضات لا يجوز له بالمعنى السياسي أن يتهم الآخرين بالإرتهان، لأنه ربما يكون الآخرين يقومون بمفاوضات أقل من ذلك بكثير.

ثانياً أنا أوافقه مئة بالمئة بأنه يجب أن يكون هناك خيارين المفاوضات واحدة منهم والوسائل العسكرية هي الخيار الثاني.

ثالثاً: رغم اعترافي بمدى قدرة القوى غير الحكومية كما أسماها على إحداث تأثير أو أذى للعدو الإسرائيلي، ولكن هذه القوى هي نفسها تسبّبت بانقسام كبير داخل المجتمعات التي خرجت منها سواء في لبنان أو في فلسطين، لم تقم بقتال إسرائيل لكنها أيضاً تسبّبت عن قصد أو عن غير قصد بانقسام شديد وحاد، وربما أكبر بكثير من الأذى الذي لحق بإسرائيل داخل المجتمعات التي انطلقت منها، وبالتالي لا توجد مسلّمات بالإيجابيات، ولا هناك نهائيات بالسلبيات، عندما نجلس نوازن الأمور يجب أن نرى أين حققت هذه النظرية الأذى أكثر، هل في المجتمعات التي قامت فيها أو منها ومن خلالها وعلى أرضها وبشعبها، أو تسبّبت بأذى أكثر من خلال العمليات المنسوبة للقوى غير الحكومية، فإذا أجرينا مفاضلة أو موازنة تظهر لنا النتيجة.

رابعاً: أنا أوافق تماماً على ان لب الصراع في المنطقة هو الصراع العربي-الإسرائيلي وكل ما تبقى هو تفرعات له.

س- سياسة الضغط التي اتبعت على سوريا من خلال مسألة القمة، من خلال كل المواقف التي اتخذت في الأسابيع والأيام الماضية، هل نفعت بتغيير مواقفها أم برأيك ستزيد التصاق سوريا بالمحور الإيراني أو بالمشروع الإيراني كما تُسميه وستزيدها تصلّباً، وربما ارتداداتها ستكون قاسية على بعض الدول العربية، وتحديداً على لبنان؟

ج- أنا أعود وأقول ان إظهار الخلاف على حدّته وقسوته وتأثيره بالإنقسامات الواضحة الآن هو أفضل من المصالحات الشكلية والصور البروتوكولية، لا بد أن توضع كل هذه الخلافات على الطاولة والإمتناع عن حضور القمة أو بمعنى آخر تخفيض التمثيل الى أدنى مستوى ممكن هو اعتراض واضح وعلني على كل السياسة المتّبعة من قبل مجموعة عربية تقودها سوريا متحالفة مع المشروع الإيراني في المنطقة، يجب مناقشة الموضوع كما هو عليه وعدم الإختباء وراء عناوين أخرى، مع العلم ان الشعب الفلسطيني ادرى بمصلحته، فنحن نمون على الفلسطينيين ونفسرّ تصرفاتهم سواء بالقبول او بالرفض او بالصاروخ او بدونه اكثر مما يسمح لنا الزمن واكثر مما يسمح لنا التاريخ الفلسطيني الذي هو بطبيعته التاريخ الذي كان يصل الى مكان ثم يعدّل وضعه ويعدّل صورته ويتبع السياسة التي تخدم شعبه، ولو مرّت ظروف تم فيها استعمال هذه القوة بوقت معيّن غير مناسب، ولكن هذه مسؤولية الفلسطينيين ومطلوب من أي إنسان حريص على المسألة الفلسطينية ان يدفع الشعب الفلسطيني نحو مزيد من الديمقراطية ونحو مزيد من الصفة التمثيلية الطبيعية لزعمائه ولقدرته على القرار السياسي، أضف الى ذلك ان موضوع الصراع العربي- الإسرائيلي ودعم القضية الفلسطينية لم يبدأ بالأمس ولم يبدأ مع “حماس”، هذا بدأ منذ عشرات السنين. والسعودية ودول أخرى، ولكن السعودية على رأسها من هذه الدول التي دعمت بكل إمكانياتها القضية الفلسطينية والزعامة الفلسطينية والإقتصاد الفلسطيني والصمود الفلسطيني، وبالتالي هذا هو الواقع ولا يجب ان نتصرّف على أساس ان القضية الفلسطينية بدأت منذ سنة بنشاط قامت به حركة “حماس” أو “الجهاد الإسلامي”، فالقضية الفلسطينية عمرها عشرات السنوات تتعاقب عليها زعامات وحركات ثورية من جميع الأصناف.

س- تحدثت بما معناه استنكار لهذا العمل أو لهذا المحور مع بعض الدول العربية الذي تقوده سوريا؟

ج- تقوده مع بعض القوى ولم أقل دول، قلت قوى عربية.

س- ولكن بماذا تُفسّر حضور الإمارات العربية والكويت، هل هو رضى؟ هل هو مباركة لدور سوريا؟

ج- اذا دخلنا في تفسير دور كل دولة حضورها نكون بذلك نظلم أنفسنا ونظلمهم، وعلى كل حال بالنسبة للكويت مفهوم ان سوريا ساهمت بحملة تحرير الكويت من الجيش العراقي في فترة حكم الرئيس صدام حسين، لذلك ربما هذه مسألة معنوية لا يستطيعون تجاوزها، ولكن هذا لا يغيّر في السياسة ولا يجب ان ننسى ان المشروع الذي نناقشه الآن كان مثار جدل كبير منذ اسبوعين وتسبب بأزمة كبرى داخل مجلس الأمة.

س- تقصد المشروع الشيعي؟

ج- انا لا أسمّيه المشروع الشيعي، بل هذا مشروع سياسي وليس مذهبياً واذا كان له من صفة مذهبية فهي الجانب السيء فيه، والجانب الفعّال هو الجانب السياسي، وأنا لا أدخل في حوارات مذهبية.

س- يقول الوزير وليد المعلم ان لبنان خسر فرصة ذهبية لحل ازماته السياسية بمقاطعة قمة دمشق، بين كلام الوزير المعلم ورأي الدكتور الخازن ما هو رأيك؟

ج- انا أولاً كل ما أقوله لا علاقة له بما سمعته من كبار المسؤولين السعوديين الذين كرّموا جريدتي باستقبالي، ولكن أقول ان حديثهم كان أكثر من محب للبنان وأكثر من حريص على التضامن العربي، ولكن قبل الدخول في التفصيل اللبناني، هناك شيء أساسي مرّ في الحديث بين الدكتور التقي والدكتور زلفا مرّ سريعاً ولم يأخذ حصته من الحوار.

اولاً: جاء على لسان الدكتور التقي بأن مسألة تحرير الجولان مسألة مهمة، أنا أقول ان تحرير الجولان هو مسألة وطنية سورية، وهو مسؤولية عربية أيضاً، ولكن قبل أن نضع المسؤولية على السوريين أو العرب في ما يحدث في الجولان، يجب أن تقف القيادة السورية وتقول ماذا تريد من الشعب السوري لتحرير الجولان، وأين طلبت من العرب ولم يلبوا لمساعدتهم على تحرير الجولان، وترك الحكم للناس تحكم من أخطأ ومن أصاب. أما تحميل لبنان بمفرده مسؤولية تحرير الجولان أو مسؤولية التفاوض على الجولان فهذا فيه ظلم للبنانيين، أنا أعتقد بأن مسؤولية تحرير الجولان مسؤولية عربية شاملة لا يجوز لأحد التخلي عنها، ولكن القيادة السورية هي الوحيدة المؤهلة لتحديد ما هو المطلوب ومن قصّر ومن أعطى لتحرير الجولان، إذا كان بالأسلوب السياسي المُتبع منذ سنتين حتى اليوم فأعتقد ان هذا الأسلوب لا يُشجع أحد على مشاركة القيام بدور حتى بمسألة وطنية كبرى من هذا النوع.

النقطة الثانية أرجو من الدكتور التقي عدم استعمال تعابير الإنحراف والتآمر، هذا كلام لا يجوز أن يصدر عنه، ولا يجوز أن يوجّه للمستمعين، وأنا لا أوافق على الكلام بأن ما حدث في عام 2006 هو خطأ محسوب أو غير محسوب أو غير مدروس، وهناك وثائق ووقائع تؤكد ان ما حدث في العام 2006 هو قرار أميركي باعتداء إسرائيلي على لبنان، ومعروف انه عُقد اجتماع وان نائب الرئيس الأميركي تولّى هذا الأمر، والجيش الإسرائيلي أكمل اعتداءه على لبنان بناءً على رغبة أميركية أو تعليمات أميركية أو تفاهم مع أميركا، ولكن لنضع موضوع الجولان كموضوع رئيسي من مسؤوليتنا جميعاً، ولكن قبل أن نكون نحن مسؤولين عنه يجب على القيادة السورية أن تُعلن للملأ ماذا تريد من السوريين وماذا تريد من اللبنانيين وماذا تريد من باقي العرب أن يفعلوا لتحرير الجولان، لأن الجولان لا يُحرر بالصواريخ اللبنانية والفلسطينية فقط، هذه مسؤولية الجميع.

أما موضوع حضور القمة أو عدم الحضور، فالحكومة اللبنانية قررت عدم الحضور، هناك اجتهادات تقول بأنه كان يجب أن يحضر لبنان القمة وطرح رأيه على أدنى مستوى من على منبر دمشقي ويقولونه أمام الملأ العربي، وهناك رأي آخر يقول إذا كان الكثير من العرب خفّضوا مستوى تمثيلهم الى الحد الأدنى من أجل لبنان، فالأحرى بلبنان أن لا يحضر لأن إمكانية حضوره وتأثيره ضعيفة جداً جداً جداً.

الآن بعدما حدث أعتقد بأن الموضوع الرئيسي لعدم الحضور، هو عدم إجراء انتخابات رئاسية، فالرئيس اللبناني هو الرئيس المسيحي الوحيد الذي يحضر القمم العربية والقمم الإسلامية، وأنا سبق ورافقت الرئيس الياس الهراوي رحمه الله، الى القمة الإسلامية في طهران، ولاحظت مدى التمايز اللبناني بحضور مسيحي لقمة إسلامية، نحن أضعنا فرصة الحضور عندما لم تُجر انتخابات رئاسية، وليس لأننا رفعنا الحضور أو خفضنا الحضور، في وقت يتم فيه اغتيال رجال دين كبار في العراق من المسيحيين، وفي وقت يُهجّر المسيحيين بشكل كبير من العراق، يأتي لبنان وبسبب قواه السياسية وعلى رأسها القوة المسيحية الكبرى التي يُمثلها الدكتور فريد الخازن تشارك بشكل او بآخر بمنع إجراء انتخابات رئاسية تحت لائحة من الشروط تحتاج مناقشتها لقرن على الأقل، ويبقى المقعد شاغر ويبقى مقعد رئيس الجمهورية شاغر.

س- التقويم الجدي للمرحلة المقبلة ألا ينتظر الطريقة التي ستُخرج بها دمشق البيان الختامي الأحد المقبل ومقدار الإجماع عليه؟

ج- أولاً الدعوة التي وردت الى لبنان، هذه دعوة كيدية، هذه دعوة موجّهة من رئيس الحكومة السورية الى رئيس مجلس الوزراء اللبناني الغائب، فسواء كان غائباً أو حاضراً المهم وُجهت الدعوة بشكل كيدي لأن من يُوجه الدعوة الى القمة هو رئيس الدولة وليس رئيس الحكومة.

أنا لست بخبير دبلوماسي، ولكن أعتقد انه بالمبدأ السليم وبالعقل السليم ان رئيس الدولة هو الذي يوجّه الدعوة، وهذا لم يتم لأسباب تتعلق بكيدية تجاه الرئيس السنيورة، هذه أول نقطة.

النقطة الثانية: أنا سمعت وزير الخارجية السورية بالأمس يقول بأن قرار مجلس الوزراء اللبناني هو دليل عدم أخذ الوزراء بطبيعة القوى السياسية على الساحة اللبنانية.

أولاً: كيف يمكن أن تبدأ تسوية مع قيادي سوري حتى دولة كسوريا، الحمد لله دولة متماسكة وكبيرة، ويُسمّيها الساحة اللبنانية، وأنا أقول لبنان أولاً دولة رغم كل مشاكله وليس ساحة، إلا إذا كان وزير الخارجية السوري يرى لبنان باستمرار كساحة.

ثانياً: بالكلام عن قوى سياسية والحكومة اللبنانية وكأن اللبنانيين أو القوى السياسية اللبنانية بحاجة أكثر من الكلام لاستعداء بعضهم على بعض وليسوا بحاجة لمن يُحمّسهم، فهم ما شاء الله يقومون بواجباتهم وأكثر، فطبيعة الحال من هذه السياسة لا يمكن أن تنتظر أن يكون البيان الختامي مهما بالغنا بلطافة تعابيره ممكن أن يوصل الى نتيجة، لأنه حتى المبادرة العربية التي نؤيدها ولكن لا يوجد اجماع على ترجمة واحدة لهذه المبادرة، بل هناك ترجمات عديدة للمبادرة العربية تجعل تنفيذها أيضاً أصعب بكثير من السابق.

دعنا نعود الى الأسس حتى لا نبقى في التفاصيل، الدكتور التقي تحدث عدّة مرات عن السياسة الأميركية في المنطقة، وان أميركا قالت كذا وفعلت كذا، هذا صحيح، فالسياسة الأميركية تقوم بما يخدم مصلحتها ولكن هذا ليس بالضرورة موقف سياسي للدولة، لأن الأميركيين يريدون ذلك، أنا أسأل لماذا لم يعترض على السياسة الأميركية التي قدّمت العراق على طبق من ذهب للسياسة الإيرانية، وتسبّبت هذه السياسة الأميركية وطبق الذهب هذا بمجازر ومذابح لم تتوقف حتى الآن، أليس هذا باباً للإعتراض على السياسة الأميركية التي فعلت بالعراق أكثر مما فعلته في أي مكان آخر؟ وبطبيعة الحال السياسة الاميركية تلحق الإدارة الأميركية فهذه مسؤوليتهم ومصالحهم، لذا دعنا نتكلم عن أمورنا وما يتعلق بنا، الدول الغائبة عن القمة وهي الدول العربية الرئيسية التي تمتلك الجزء الأكبر من الشرعية العربية تقول بغيابها عن القمة أو بتخفيض تمثيلها، تقول بأنها لن تقبل بعد الآن أن تكون سوريا مدخلاً للمشروع الإيراني الى المنطقة العربية، بكل بساطة ووضوح، لذا علينا مناقشة الموضوع كما هو وليس بتفاصيله، هناك مشكلة لإيران مع دولة الإمارات العربية باحتلالها لجزر، وهناك مشكلة إيرانية مع البحرين باعتبار البحرين دولة غير عربية أو دولة لا يجوز أن تُحكم بالطريقة المحكومة بها، وهناك مشكلة لإيران بأنها تسبّبت مع الوقت سواءً رغبت أو لم ترغب بانقسامات في المجتمعات العربية بسبب حساسية المجتمعات العربية وتنوّعها الطائفي والمذهبي ومشاكلها، وهذه أمور لا يمكن أن ننكرها ولا يكفي القول ان هذا لن يحصل لكي لا يحصل، هذا سيحصل بشكل طبيعي، لأن تنامي هذه القوة السياسية في العالم العربي سيخلق مجتمعات منفصلة عن المجتمعات الأخرى لها رأي آخر ولها طبيعة أخرى، ولها تصرّف آخر، وعلى كل حال، عندما استشهد عماد مغنية تبيّن حجم المشكلة التي نشأت في البحرين، وحجم المشكلة التي نشأت في الكويت، ولا أعرف ما إذا كان حصل مشكلة في السعودية وإن شاء الله لا تحصل، ولكن أنا أقول ان هذا يُعبّر عن طبيعة لا بد من مواجهتها سياسياً ومعالجتها.

س- كيف؟

ج- المواجهة ليست دائماً عنصراً سلبياً وليست دائماً بالصدام ولا دائماً بالعسكر والأمن، المواجهة هي الصراحة، سبق لخادم الحرمين الشريفين وهذا في تصريح لـ”الشرق الأوسط” إنه قال للرئيس الإيراني بصراحة “أنتم تتدخلون بالشؤون العربية ويجب أن تتوقفوا”. وبالتالي هذه ليست شتيمة، بل دعوة للحوار، دعت السعودية الى تشكيل لجنة مشتركة مع إيران، وربما اجتهدت القيادة السعودية بتسمية مستشار المرجع الأعلى وزير الخارجية السابق علي أكبر ولايتي لأن يكون من اللجنة، ولكن لم تُشكّل اللجنة ولم يرد أحد من إيران على الموضوع، أنا هنا لا أناقش الحق، فلا يوجد حق بالمطلق، هناك مشروع يتقدّم سياسياً داخل المجتمعت العربية يُسبّب انقسامات واضطرابات بسبب طبيعته هل تريد سوريا مناقشته على الطاولة وبشكل علني وواضح وصريح؟.

أيام الرئيس حافظ الأسد رحمه الله، كان هناك خطان متوازيان، وكان دائماً يحرص على ان يكونا متوازيان، ولكن ان يسيرا بالطريقة التي تحفظ لسوريا علاقاتها العربية، والتي تحفظ لسوريا تعويضاً استراتيجياً سمّاه الرئيس حافظ الأسد رحمه الله، ان التحالف مع إيران هو البديل لخروج مصر من الصراع العربي- الاسرائيلي،.ما يحدث الآن هو ذو طبيعة مختلفة تماماً تماماً.

هذه المجموعة من الدول العربية تقول هذا الكلام، لبنان أحد عناوين هذه المرحلة وليس هو العنوان الوحيد واسمح لي ان اقول ليس هو العنوان الرئيسي، لأن العنوان الرئيسي هو هل يمكن لسوريا ان تلعب دور العازل بين العرب وإيران منعاً للصدام من خلال الحوار وتقريب وجهات النظر وحل المشاكل وقراءة الأمور بطريقة مختلفة؟ أم انها تتبنى سياسة واحدة وتواجه الآخرين العرب؟ هذا قرار يجب ان يكون واضحاً وصريحاً لكي نستطيع المناقشة، فلا أحد يبحث عن صدام، كل العرب بطبيعتهم يبحثون عن تسوية، هذه التسوية تحتاج الى صراحة.

س- ما هي قراءتك لارتدادات ما هو حاصل؟ أين تختلف واين تتفق مع الدكتور آل زلفا ومع الدكتور التقي؟

ج- اولاً مع الدكتور التقي أعتقد انه مُصر على مخاطبة الولايات المتحدة فقط، ومُصر على تجاهل الكلام الذي يسمعه منّا. ربما الولايات المتحدة طبعاً تعمل في دول الخليج على انه لا تريد ان يكون لإيران أي دور ربما هذا الأمر صحيح، ولكن هذا لا ينفي أبداً ان دول الخليج والأنظمة العربية الموجودة في هذه المنطقة التي حتى إشعار آخر هي الأنظمة الشرعية والمقبولة من الناس حسب الطريقة المتبّعة في هذه المنطقة، تقول بأن المشروع الإيراني يُشكّل خطراً على مجتمعاتها، فيرد عليهم بأن الأميركيين ايضاً يقولون هذا الكلام. هذه الأنظمة عندها مشاكل وتخوّف من اضطرابات داخل مجتمعاتها قد يُسببها هذا المشروع.

إذاً الأميركيين ليسوا أبرياء، ولا الأميركيين هم الذين يفرضون رأيهم في كل مكان، فلو كانوا يفرضون رأيهم في كل مكان ما كان خادم الحرمين الشريفين ليقف في قمة الرياض ويقول ان الوجود الأميركي في العراق احتلال، لم نسمع ولا كلمة طيبة عن هذا الكلام، ولم يعتبروا ان هذا الكلام جامع وغير مفرّق، ولم نعتبر ان هذا الكلام يُشكّل حالة من الصمود العربي وليست حالة من التخاذل، تجاهلنا هذا الكلام وربما قلنا كلاماً آخر عن دول الخليج وعلى رأسها السعودية.

ثالثاً: اسرائيل دولة محتلة وغاصبة وعدوة للعرب ولكن لسنا بحاجة كل صباح ان نقول ذلك، ونُصدر بيانات تؤكد هذا الأمر وممنوع الكلام عن اي شيء آخر. وحدة العراق واستقلال لبنان هما جزء من العمل على تحرير الأرض العربية المحتلة، تقسيم العراق لا سمح الله، وهذا لن يحدث، وعدم استقرار لبنان وهذا لن يطول، فيه خدمة لإسرائيل وليس خدمة للقضية الفلسطينية.

على كل حال، أنا لست متشائماً بما يمكن ان نُسميه الإرتدادات داخل لبنان رغم ما نقوله عن كل القوى السياسية اللبنانية، ربما هناك قرار فوقهم وأكبر منهم كلهم، إضافة الى رغبة بعض الأطراف اللبنانية واصرارها على الإستقرار، هي التي ستجعل صيانة الهدنة سارية المفعول.

وانا لا اوافق الدكتور فريد بأن هذا الأمر سيستمر حتى نهاية العام 2009، وباعتقادي ان المواجهة السياسية الحاصلة ستظهر نتائجها قبل ذلك أياً تكن هذه النتائج، أما البيان الختامي المتعلق بالقمة العربية فأعتقد انه لن يأتي بجديد فعلي، سيؤكد على المبادرة العربية التي لا إمكانية لتجاوزها بمسألة السلام، والمبادرة العربية بمسألة لبنان، ويستمر الصراع السياسي على ما هو عليه الى ان يستقر الأمر لصالح مفهوم معيّن وإجماع كل هذه القوى على مفهوم مشترك.