“كلام الناس” – مع نهاد المشنوق والوزير السابق ميشال إده ورئيـس جامـعة الحكمــة الأب كمـيل مبــارك

مقابلات تلفزيونية 13 سبتمبر 2012 0

مسيحيو الشرق في ظل تحولات الربيع العربي

س- أستاذ نهاد هل توافق على كلام معالي الوزير؟ هل لأن لبنان بلد العيش المشترك البابا آتٍ ليطلق هذه الرسالة من جديد من لبنان؟ هل مازال هذا البلد بلد العيش المشترك؟

ج- لا يمكن إلا أن أوافق على كلام معالي الوزير أولاً لأنه هو ذكر أرقام وإحصاءات وأشياء موثقة، بالتأكيد أنا من نفس نظرته بأن لبنان رغم كل الأحداث الأليمة والفظيعة التي مرت عليه استطاع المحافظة أو ينقذ العيش المشترك دائماً في فترات السلام وبشكل جدّي وليس بشكل مُفتعل، فالناس لا تعيش مع بعضها رغماً عنها.

س- لكن عندما تحك الناس على بعضها ببعض الجروحات ترى غير ذلك؟

ج- أنا لم أقل انه لا يوجد ناس مجروحين، ولم أقل انه ليس هناك من هواجس، ولكن خيار العيش المشترك الذي أسميه خيار العيش الواحد، لأن المشترك يلزمه طرفان، وأنا لا أعتقد ان اللبنانيين طرفين بل طرف واحد، وبالتالي مواطنيتهم واحدة، وبالتالي عيشهم واحد وليس عيشاً مشتركاً، ولكن هذا العيش مرّ بأزمات كبيرة ولكنه بقي حياً وبقي موجوداً وقوياً، هو مختلف تماماً عن مسألة فلسطين ومصر والعراق، وإن شاء الله لا يحصل شيء مما يتوقعه كل الناس لسوريا، ولكن عملياً هو قادر وواضح انه بالتجرية العملية قادر على التطبيق، ودعنا نتحدث بشكل علمي قادر على التطبيق لفترات طويلة، وبذات الوقت الى جانبه هناك هواجس أو رفض أو تمرد، ولكنه قادر على التطبيق والتنفيذ الفعلي في أيام السلم دائماً،

وكل الطوائف اللبنانية في العشر سنوات الأخيرة أو الـ 15 سنة الأخيرة يجب أن يكون واضحاً انها استردت بشكل أو بآخر وطنيتها، وأنا لا أبريء أحداً، أقول كل الطوائف بدون استثناء.

المسلمون كانوا لفترة طويلة فلسطينيين وأنا واحد منهم، أنا واحد ممن كانوا في هذا الجو وفي هذا اللواء، ومعاليه يتذكر ذلك، ولكن بعد فترة اكتشفت اني مخطيء، وقلت اني مخطيء، وأمس قلت إني أخطأت في هذا الموضوع، وان خياري الوحيد أن أكون لبنانياً وأن تكون مسؤوليتي لبنانية ومصالحي لبنانية، همومي لبنانية وقراري لبناني، وهذا أدفع ثمنه دماً ولم يحصل بدون مقابل.

بعد ريبورتاج عن الهواجس المسيحية

س- ما هو تعليقك؟

ج- تعليقي بالتأكيد القلق مشروع ومعظمها هواجس بدائية، بمعنى انها لا تستند الى إحصائيات دقيقة ولا إلى أرقام ولا إلى معرفة، بمعنى انها عفوية بدائية وليس فيها شيء مفاجيء ولا شيء جديد، عملياً مطلوب من كل الناس اعتبار ان هذه هواجس، لا أن يشجعوها لتتحول الى هوس أو الى مرض، فهناك فرق بين الهوس والمرض، وبين الهواجس والقلق، لأن هناك إجابات حصلت على هذه الأسئلة، إجابات حصلت في اتفاق الطائف الذي ألغى مسألة العدد.

س- لكن هناك البعض عاد وطرح مسألة العدد؟

ج- ليس المهم من طرح، أنا أتحدث إليك باسم المجموعة السياسية الأولى التي تُمثّل الناس في هذه المسألة، بالتأكيد هناك من طرح مخاوف عصفورية عند الطرفين وباستطاعتهم إعلان رأيهم بصوت عالٍ في بلد مثل لبنان، ولكن هذا لا يمكن أن يتحول الى قرار.

أنا أريد القول ان الطائف ألغى هذا الجانب السياسي من الكلام، وهيئة إلغاء الطائفية السياسية هي هيئة تشاور ودراسة وليست هيئة قرار، والمخاوف منها برأيي غير مُبّررة وغير منطقية، هناك تخوف مُعلن ودائم ومستمر من تملّك الفلسطينيين، هناك إحصائيات واضحة منذ العام 1948 حتى العام 2002. عندما كان ابوعمار حاكم البلد أو جزء كبير من البلد، وكان صاحب القرار ويملك المال ولم يتملكوا نسبة 0,02 بالمئة من محافظة الجنوب، وأقل نسبة في محافظة الشمال، هذا كأنك أنت منعتهم منذ العام 2002 الى 2012 عن شيء هم بالأساس لم يفعلوه، لأنه بالأساس عندما كانت كل الإمكانات المالية عندهم لم يتصرفوا على هذا الأساس، فما الذي يجعلهم يتصرفون الآن؟.

الأب مبارك- ربما كان عندهم يأخذونها ببلاش.

المشنوق: هنا أنت تحوّل الهواجس الى أمر آخر أبونا.

س- تحب أن تجاوب على كلام الأستاذ ميشال والأب مبارك؟

ج- أود مناقشة أبونا في نقطة العدد وموقع القرار، هناك فرق في الكلام بين الإستيلاء على موقع القرار وبين الخلاف حول مسألة الأراضي فهي ليس نفس الموضوع.

ففي موقع القرار وفي الفئة الأولى التي ذكرها الأب كميل ليس هناك أي افتئات على حق أي طائفة من الطوائف اللبنانية، وهنا سأسرد رواية بسيطة حصلت عام 1997 عندما كنا في جلسة مع الرئيس رفيق الحريري رحمه الله، في بكركي لمدة سبع ساعات مع البطريرك صفير وبحضور كل المطارنة، حيث قال أحد المطارنة نفس كلام الأب مبارك وكان يومها رئيس مجلس الخدمة المدنية المرحوم حسن شلق فاتصل به الدكتور داوود صايغ وحصل منه على أرقام فتبيّن ان مواقع المراكز الوحيدة للفئة الأولى المحتلة ولو بالوكالة، من المسيحيين أو غير المسيحيين هي المناصب السنية وفي الفئة الأولى، أي بما يتعلق باتفاق الطائف والدستور ليس هناك أي تجاوز، ولكي لا نبالغ بالأمر هناك موقع القرار شيء الذي هو الفئة الأولى والمناصب الرئيسية فهي لا تجاوز فيها ولا إفتئات، وبالأمور الأخرى في الوظائف العامة الأخرى وفي الفئات الأخرى أعتقد إذا استمرينا مسكونين بالعدد وبمسألة العدد لن نصل لأي نتيجة،

لأن الدارج اليوم من قبل السياسيين مثلي كي لا أتكلم عن غيري،اننا نأتي ونقول في أي وظيفة وفي أي مجال وفي أي فئة ولو الفئة العاشرة في الإدارت يتقدم للامتحانات فأنا لا أُعيّن الناجحين، لأنه ليس فيها مناصفة، أولاً:

لا يجب أن يكون فيها مناصفة، وغير مطلوب أن يكون هناك مناصفة وهذه مسألة مرضية أذا استمرت ستكبر أكثر وأكثر وأكثر، لذلك إذا بقي العدد قاعدة النقاش فلن تصل الى نتيجة ولن تصل الى أي مكان، لذلك كان الطائف واضحاً في مسألة المناصفة في الفئة الأولى وفي الرئاسات وفي مواقع القرار وحسم هذا الأمر، وأول شيء يجب أن نفعله أن نرفع العدد عن الطاولة.

في لبنان وسأتحدث عن لبنان وليس عن فرنسا أو غيرها، الجسم الإسلامي مع الوقت سيكبر، وأنا أقول من باب التشبيه وهو ليس تشبيهاً عاطفياً، الجسم الإسلامي مهما كبر فقلبه مسيحي ولا جسم يعيش بدون قلب، وبالتالي يجب أن نتوقف عن المبالغة في مسألة العدد واعتمادها للعدالة، لأنه لا يمكن للعدد أن يحقق العدالة، الذي يحقق العدالة هو اعتماد الدستور كنص والإلتزام به وعدم الإفتئات على أي مجال من المجالات الواردة في نص الدستور.

س- استاذ نهاد ما تعليقك على أقوال الأب مبارك؟

ج- دعنا نناقش الأمر بشكل مختلف عن وصف أبونا، المشكلة في المنطقة بدأت في العراق بشكل حاد وانتقلت بعد فترة بشكل غير علني الى مصر ومن ثم الى سوريا، أما ليبيا وتونس فلا يوجد فيها مسيحيين.

أولاً: يجب الإعتراف بأن المرحلة التي نعيشها الآن هي مرحلة انتقالية وليست المرحلة النهائية، ما نراه الآن ليس نهائياً.

ما حدث في العراق بموجب كل الشهود وكل الناس الذين حضروا تلك الأيام انه عند نشوء نظام إيراني- أميركي حصلت هذه الأحداث ولم تحصل بسبب المسلمين بالمعنى العنوان المسلمين أولاً.

ثانياً: معظم التنظيمات كان تدريبها وتسليحها معروف، هذا موّثق بدأ بدعم من النظام السوري.

إذاً هذه حالة سياسية وليست حالة دينية، هذا ما أحاول أن أقوله، لا أريد اتهام أحد بشكل مباشر في العراق، أريد القول عندما حصل التغيير لصالح نظام أكثري شيعي وإلتزامه إيراني وبمساعدة الأميركيين، حصل بالمسيحيين ما حصل وبمجموعات نُظّمت ودُربت وسُلحّت في سوريا وأُرسلت الى العراق، هذه وقائع لا يمكن تجاهلها.

الأب مبارك- ما هي النتيجة؟

المشنوق- يا أبونا لا يمكن فقط أن نرى النتائج فقط.

الأب مبارك- مهما كانت النتائج المسيحيين انتهوا.

المشنوق- مهما كانت الأسباب وليس النتائج، ولكن هذه وقائع سياسية لا يمكن تجاهلها وأنت تصف الوضع، نحن لسنا في صدد عدّ المسيحيين الآن، الصراع على مسألة حقوق المسيحيين في مصر وليس مع الإسلاميين، هو بدأ منذ العام 52 مع عبد الناصر، وهذه مسألة استمرت مع السادات ومع مبارك، وبالتالي أساس الصراع وأساس المطالبة وأساس عدم الحصول على ما يستحقونه ليست مع الإسلاميين.

الأب مبارك- إذا ليس مع المسلمين فمع مَن؟

المشنوق- كان واضحاً انها مع الجيش، في وقتها كان الجيش هو الحاكم طوال 60 سنة.

الأب مبارك- ما هو هذا الجيش؟

المشنوق- هذا الجيش مصري، وهذا الجيش كان على صراع شديد مع الإخوان المسلمين ولم يكن له طبيعة إسلامية لا سياسية ولا دينية. إذاً ما نراه حتى في مصر الآن هو تداخل من جهتنا نحن كمسلمين ومنتخبين وليس فقط مسلمين، من جهتنا مرفوض، لأن إدخال الدين الى الدولة حتى من وجهة نظرنا هو تعريضه للأكثرية والأقليمة، فالدين ليس فيه أكثرية وأقلية، هذا لكل الناس من كل الطبقات .

س- إذاً ما يجري خطأ؟

ج- ما يجري هو خطأ محدود في فترة انتقالية لا يُستند إليه ولا يُعتبر نهائي. خيارات الشعب السوري بالحرية لم تكن محترمة علناً من المسيحيين لا من رجال الدين المسيحيين في سوريا ولا من بعض رجال الدين المسيحيين في لبنان. هذا خيار عندما أخذه الشعب السوري كان يجب أن يكون له احترامه وتقدير واعتراف فيه، أما الإعتماد على ان الدكتاتورية هي فقط التي تحمي الوجود المسيحي، فهذه الدكتاتورية يمثلها شخص، وهذا الشخص قد يموت، قد يمرض، قد يُجرح، فكيف يمكن بناء الإطمئنان على شخص واحد أياً يكن هذا الشخص؟.

الآب مبارك- من قال ان الدكتاتورية تحمي المسيحيين، تفترض ذلك؟

المشنوق- كلا، ليس افتراض، قيل هذا الكلام عشرات المرات، يا أبونا في المسألة السورية عندما أنت تدعم نظام ولن أسمّي أسماء.

مارسيل- تتحدث عن البطريرك الراعي في أول مرحلة؟

المشنوق- ليس البطريرك الراعي فقط، والبطريرك لحام مما يشكو وآخرين. أنا أقول ان هذا الكلام لا يجوز لأن المسيحية قيم وليس عدداً، فعندما يكون الشعب السوري قد اتخذ خياره الذي يتعلق بحريته وعدالته وكرامته بعد 60 سنة من الدكتاتورية لا يمكن مواجهته فقط بمسألة اطمئنان مجموعة من الناس، بل مواجهة بنفس العنوان بالدفاع عن نفس العنوان ومحاسبته على الخطأ عندما يرتكب هذا الخطأ.

س- كل التطمينات التي أتى بها المجلس الوطني السوري، وكل الكلام والوثائق التي أُعطيت، حتى كلام ميشال كيلو في عدّة مقالات توجه فيها الإخوان المسلمين لطمأنة الشركاء المسيحيين، مع ذلك هل تعتقد ان المرحلة المقبلة ستفرز آلية تضمن حقوق المسيحيين في النظام الجديد؟

ج- أولاً ستفرز آلية تضمن المواطنين السوريين لأنهم منذ 50 سنة لم يحصلوا على حقوقهم ولاحرياتهم ولا كرامتهم،

وبالتأكيد الوطنية السورية قادرة وستستطيع وأنا متأكد من هذا الأمر، أن تنجز مسألة التطمين من قبل دولة واحدة موحدة، ولا خوف على انها تكون غير ذلك. وأريد أن أقول لأبونا رغم كل ما تتفضل به، أنا أعود وأقول القلق والهواجس مشروعة ولكن لبنان يحتاج الى إيمان أكثر، فيه إيمان أكثر مما هو عدده ومشاكله، هذه المشاكل التي كانت دائماً موجودة وليست جديدة عليه، محتاج ان نؤمن فيه أكثر لكي نستطيع أن ندافع من أجله أكثر ونقاتل من أجله أكثر.

س- في مقابلة مع مجلة “الأفكار” يقول الوزير بهيج طبارة أنا خائف على لبنان من تقلص عدد المسيحيين في هذا البلد الذين يهاجرون بكثرة، وكأن المقصود ترحيل المسيحيين من المنطقة؟

ج- أنت تُدخل الأمور ببعضها يا أستاذ مارسيل، فالهجرة في لبنان هل هي دينية أم هجرة عن حاجة؟ 90 بالمئة من الهجرة في لبنان اقتصادية وعن حاجة، وليست هجرة لأسباب دينية.

س- يُتابع الوزير طبارة ليقول: الحال بالنسبة للإدارة حيث يفتقد العنصر المسيحي وهناك أمثلة عديدة على ذلك، حتى ان مباراة جرت لتعيين مساعدين قضائيين وحصلت هذه المباراة وكانت النتيجة عدم حصول توازن إسلامي- مسيحي؟

ج- ولن يحصل إذا اعتمدت قاعدة العدد، فلا يوجد ولا جواب على سؤالك، هذا الأمر لن يحصل.

الأب مبارك- إذا كان الطائف يؤدي الى قلق فنحن بحاجة الى نظام جديد يحترم حقوق الجماعات وحقوق الأقليات وحقوق كل الهواجس مع احترام حرية الديانات والشعائر الدينية.

مارسيل- يبدو ان الأستاذ نهاد سيعترض؟

المشنوق- لن أعترض فقط، فالطائف لم يُطبّق يا أبونا، وأنت تعترض على نظام لم يُطبّق، منذ التسعين كانت ترجمة سورية للطائف حتى العام 2005.

الأب مبارك- أنت تعرف لماذا لم يُطبّق؟

المشنوق- أنا قلت لماذا، لأن الوصاية السورية منعت تطبيقه في اللحظة التي اغتيل فيها الرئيس رينه معوّض.

أبونا منذ بداية الحلقة وهو يذهب الى العناوين الكبيرة، دعنا نخوض في العناوين التي على حجمنا.

أكيد الجواب هو بالحريات وهو بالإمتحان، هذا امتحان لأن الجواب سيكون لكل الناس وليس فقط للمسيحيين، على كل حال الجديد ان الثورات العربية استطاعت وضع الحكام أمام الإمتحان. قبل الثورات العربية كانت الشعوب أمام الإمتحان والحاكم هو الحكم والحكيم، أما مسألة ان كل المسلمين العرب يعيشون بسلام مع اليهود، هذه مسألة تتعلق بأنظمة سابقة أخذت قرارها بدون العودة للشعب سواء في مصر والأردن، وكما أعتقد انت تتحدث عن الدول الموقعة معاهدات سلام. إذا كان الخيار الآن هو الحرية فالشعوب العربية هي التي ستُقرر أن تعيش بسلام وتسترد كرامتها وأرضها وحريتها، وأنا أراهن على عكس أبونا ان رهانها الحقيقي وحريتها سوف تستعمله باسترداد أرضها وبدعم القضية الفلسطينية وبتحرير كل الأراضي العربية المحتلة، لأن الحرية لا تتجزأ.

س- سألنا سؤال على الwebsite هل ان الربيع العربي سيؤمن الإستقرار لمسيحيي الشرق ؟

ج- الربيع العربي حتى الآن لم يؤمن الإستقرار للشعوب نفسها فلماذا يريد المسيحيون استثناء بالإستقرار؟ هذه مرحلة انتقالية تخيف كل الناس، ما تُعبر عنه الدكتورة منى عبيد هناك عشرات الملايين المصريين من غير المسيحيين لهم نفس الرأي، ولكن الفرق هذه المرة انهم يحق لهم قول رأيهم والتعبير عن رأيهم، ولهم الحق بالتصويت وحق صنع الفوز والخسارة وليس الحاكم وحده هو الذي يُقرر الإستقرار أو الفوضى، الأمان أو الخراب.