كلام المشنوق وصمت الحريري

قالـوا عنه 07 يونيو 2016 0
438
لا تزال المواقف التي أثارها الوزير نهاد المشنوق تتوالى. الأكيد أنّ كلامه لم يكن عبثياً أو سهواً. وبعد مرور أربعة أيّام، يبدو أنّه يصرّ على ما قاله. فلا تراجع. لا يبدو جديّاً حتى الآن ما تناثر هنا وهناك عن غضب الرئيس سعد الحريري من كلام الوزير الأقرب إليه. ومياه الأيام تكذّب الغطّاس، فما حصل ليس أمراً عادياً، أو يمكن التعاطي معه بهذه السهولة. بل يعتبر “ثورة” في مكان، أو انقلاباً في مكان آخر. موجة ردود الفعل التي أثارها الموقف توضح كثيراً من الخفايا.

الخلاف بين “تيار المستقبل” والسعوديين عميق جداً. تجلى في المواقف التي أطلقها السفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري رداً على المشنوق، بالإضافة إلى الهجوم الذي تعرّض له المشنوق في الصحف السعودية ووصفه بـ”وزير حزب الله”، وما إلى هنالك.

تقول مصادر متابعة لـ”المدن” إنّ المشنوق لم يصف السياسة السعودية بأنها كانت خاطئة، والكلام حقيقي والعودة إلى التاريخ خير دليل. مع الإشارة إلى أن أحداً من “المستقبل” أو من السعوديين لم يخرج ليعتبر الكلام خاطئاً. جلّ ما قيل هو أن الكلام لا يمثّل التيار. وأكثر من ذلك، ثمة من يرى أن سكوت الحريري قد يكون علامة الرضا. فهل اتخذ قرار بالمواجهة؟ وما علاقة ذلك بأخبار تحطيم مكاتب “سعودي أوجيه” في المملكة؟

وفق المصادر، فإن المشنوق قال كلامه لأن الأمور لم تعد تحتمل، من مختلف النواحي، لا سيما مع طرح سؤال: هل يعقل أن يخوض الوزير أشرف ريفي المعركة الانتخابية بعناوين مخالفة للعناوين التي يطرحها “المستقبل” في شأن الحوار مع “حزب الله” وترشيح سليمان فرنجية؟ ثمة أمر يبدو غريباً. هناك استشعار بعدم وضوح الرؤية لدى الجهة الداعمة للحريري. وإلا، كيف تتم تغطية القرارات السياسية التي يتخذها، وفي المقابل يجري دعم من يخالف هذه التوجهات. بل من يحاربها. وريفي فاز في معركته الانتخابية الشمالية ضدّ تحالف كان يستحيل تخيّل هزيمته. ما جرى شكّل صعقة لدى “المستقبل” وكان المشنوق هو الأكثر جرأة في الإعلان عنها، خصوصاً أنه يعتبر الضرورة الآن تتمثل في مصارحة القواعد الشعبية، لأن الأزمة ناجمة عن فقدان هذه الثقة. ما قام به، يعتبر بداية عهد المصارحات.

ثمة في “المستقبل” من يبدو جريئاً إلى حدّ مصارحة الذات، يرفض الالتفاف والتورية، ويرفض الضبابية في الحديث عن فوز ريفي، بمعنى أنه لا يريد الدخول في الأسباب التي جهد “المستقبل” لإشاعتها، عن أن ريفي يحظى بدعم اماراتي أو قطري، ورفض التماشي مع النظرة الأخرى التي تفيد بأن دعم “القوات اللبنانية” هو الذي منح “اللواء” الفوز. عليه، يعتبر أن ثمة دعماً سعودياً لريفي هو الذي مكّنه ومنحه القوة والضوء الأخضر لخوض المعركة، واتخاذ المواقف العالية بعد النتائج، خصوصاً دعوته الحريري إلى المراجعة والتصحيح.

هذا الكلام يقود إلى استنتاج آخر يفيد بأن هذا المنتفض، يلمّح بشكل أو بآخر إلى تباعد ما في الرؤى بين تياره والسعوديين، على قاعدة أنه “حين يعتبر شخص ما أنّ خيارات والده تسببت بهزائم وتراجعات، فهذا يعني في مكان ما أنّ هذا الشخص لن يمتثل مجدداً إلى املاءات والده”. يبدو الكلام غريباً ومستغرباً، فهل في امكان الحريري خرق التماهي السياسي مع السعودية؟

لا جواب واضحاً حتى الآن، لكن هناك من يجيب بطريقة معكوسة، بأن السعودية هي التي لم تعد تريد الحريري، أو قد تكون بأقصى الحالات تريده مع غيره وليس وحيداً.

الشواهد على ذلك كثيرة، أبرزها العقوبات التي اتخذتها السعودية ضد لبنان بعد عودة الحريري إليه، وهذا ما اعتبر عرقلة لمبادرته الرئاسية، وثانيها السعي إلى لم شمل الطائفة السنية، وإبراز بعض الأدوار، ولو المحدودة، للرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق عبد الرحيم مراد وآخرين.
عملياً، ثمة ما دفع المشنوق إلى قول ما قاله. أما أنّ السعودية تتخلى عن الحريري لمصلحة “مجموعة سنية”، أو أنه يريد تشكيل حركة سياسية جديدة كما فعل ريفي في طرابلس. لكن هذا قد يكون طموحاً إلى اكتساب دور سياسي ما على قاعدة أن “المستقبل” في طور الأفول، وبالتالي لا بد من استباق الأمور. أو ربما تكون عملية نقد ذاتي للبيت الداخلي بهدف استعادة الثقة والمبادرة. والأكيد أن “المستقبل” أمام مرحلة جديدة، قد تتكشف من خلال المواقف التي سيدلي بها الحريري في الافطارات الرمضانية.