“كـــلام الناس” – سعد الحريري وامتحان القيادة الصعب

مقابلات تلفزيونية 06 يوليو 2006 0

س- نهاد المشنوق الرجل الملاصق لرفيق الحريري على مدى 11سنة، نهاد المشنوق المستشار السياسي السابق للرئيس رفيق الحريري، المنفي بقرار سوري عن بيروت لأكثر من خمس سنوات، اليوم بين كتابتك عن سعد الحريري التحدي في 13 آذار ، واليوم ونحن في أول تموز 2006 ، وبين مقالتك “هل تتذكر يارفيق” كيف تحدّد علاقتك بآل الحريري؟

ج- لكي لا أطيل الحديث في هذه المسألة ، أريد العودة الى نحو سنة حيث كتبت مقالا في “النهار” عنوانه “وداعا 14 آذار”، وقلت هناك ثوابت والحديث لأصدقاء أربعة لا أتخلى عنهم، الأول: أني لا أتخلى عن الود الذي عرفته مع سعد الحريري فهو صديق عزيز وأخ وحبيب، ومهما حدث من تباعد أو جفاء بيني وبينه، وللحقيقة هناك تباعد وليس جفاء، ولكن أنا أخذت هذا القرار بالإبتعاد لأسباب تتعلق بممارستي للكتابة ، فأنا لا أريد تحميله وزر كتاباتي وسياستي، ولا أريد أن أتحمل فضائل سياسته، وأيضا في كثير من الأحيان أنا أكتب في مقالتي الأسبوعية كلاما لا يناسب سياسته، ولا يناسب أصدقاءه واتجاهاته، حتى انه لا يناسب قوى 14 آذار، وخاصة قوى 14 آذار ، لذلك أنا تركت هذه المسافة لكي لا أسبب له أي ضرر سياسي لا يتوقعه أو لا يريده.

النقطة الثانية التي كتبتها وقلتها في وقتها ، الإحترام للسيدة نازك، لا يمكنني أن أنسى مهما حدث ومهما إبتعدنا عن بعضنا إنني عشت في هذا البيت 11 سنة ، أنا لم أعمل مع الرئيس الحريري، أنا عشت معه ، فهذا الأمر يخلق بين الناس عواطف وود ومحبة وتقدير، وأنا لا أنسى انه في فترة النفي، كانت السيدة نازك ضيفة دائمة في بيتها الصغير عندنا، وكانت تهتم بأولادي وبزوجتي، كانت تهتم بلطفها ولم يكن مطلوبا أكثر من ذلك.

النقطة الثالثة هي التقدير للسيدة بهية المناضلة في المجال العام، وهذا موضع تقديري وإحترامي ، ودائما أفتش عن أرائها ونظرتها للأمور، وعن قدرتها وتشجيعها، وهي نجحت في كثير من المجالات، وبالتالي لا أستطيع أن أتجاهلها، وحتى عندما أكتب لا أستطيع تجاهلها.

وأضفت قائلا هذا هو تحديدي وحدودي، تماما مع الثلاثة الكبار مهما إبتعدت أو إبتعدوا هم عني، لن أغيّر هذه الحدود.

الضريح هو النقطة الأقرب الى تفكيري وعقلي، وهل أنسى الدمعة التي فرّت من عين الرئيس الحريري يوم 8 كانون الأول 2003 بعد أيام من لقائه بالرئيس الأسد وضباطه الثلاثة في دمشق.

س- تقصد عندما عاد بعد التهديد؟

ج-لا أعتقد كلمة تهديد هي التعبير المناسب، ولكن عاد بسوداوية، وهذه هي الوقائع التي ستبقى في ذاكرتي وعاطفتي ، وتبقي بتصرّفي مهما إبتعدت سواء بالسياسة أو بالمعنى العملي الوجودي، عاطفتي لا تتغير ، ودّي لا يتغير، وتقديري لا يتغيّر، وأتمنى أن أتكلم عن هذا الموضوع لآخر مرة لأني كل الوقت كنت أتكلم عنه وكأن فيه إكتشافات.

س- هل المشروعية التي أخذها ويأخذها اليوم سعد الحريري، هي نفسها المشروعية التي أخذها الشهيد رفيق الحريري، وإستطرادا من أين يأخذ سعد الحريري اليوم مشروعيته؟

ج- طبيعة المشرعين مختلفة، وبالتالي طبيعة المشروعية للشخصين مختلفة. الرئيس الحريري أتى رئيسا للوزراء في 1992 على حصان أبيض وبطريقة مختلفة، وكان مرتاحا والأبواب مفتوحة أمامه، وكان مدعوما سوريا وسعوديا وغربيا وفرنسيا بشكل خاص، وإستمر على هذه السياسة وأخذ مشروعيته من إنتخابات 1996 والإنتخابات الأكبر سنة 2000.

أما النائب سعد الحريري فظروفه أصعب بكثير ويجب ان نعترف أنه جاء من الجنازة الى السياسة ، هذه مسألة صعبة، وحتى الآن هو وريث لوالده ، ومن الصعب إعطاؤه أكثر من هذه الصفة الآن، هو بدأ يتعاطى الشأن العام منذ فترة قصيرة بلغت اليوم عشرة أشهر أو سنة، وبالتالي لديه متسع من الوقت، وللتذكير هو اليوم يجلس على طاولة، كل الموجودين حولها أخذوا مشروعيتهم بالدم، بدءا بالعماد عون، الرئيس بري، الدكتور جعجع، السيد حسن نصرالله والاستاذ وليد جنبلاط، وكل واحد من هؤلاء خاض حروبا ووضع في تاريخه أو في أجندته وذمته عددا كبيرا من الشهداء اللبنانيين. لذلك لا تستطيع أن تقارن سعد مع هؤلاء ، ويجب إعطاءه المزيد من الوقت، ويجب إعطاءه فرصة، ولكن هو حتى الآن أثبت انه قادر بشكل كبير على الإستيعاب ، ربما هو غير قادر على المبادرة الآن بشكل يرضي من يريده أن يُبادر، خاصة وان الجو السائد بين الناس الآن جو ثأري ، من السهل جدا تعبئتهم وإثارتهم، ولكن هو حتى الآن ما يزال يتصرّف ضمن التوازنات التي إعتاد عليها والتي تفرض عليه شيئاً من التعقل والهدوء. إذن الشيخ سعد يريد ان يأخذ دورا سياسيا من إرث والده، وهو محاط بمشروعية فيها بحر من الدماء.

س- هل ترى ان هناك مبالغات للدور الأميركي في لبنان؟

ج-أنا أعتقد انه لا توجد مبالغات بالوصف اللبناني للدور الأميركي، بل هناك حاجة لبنانية لدور أميركي فعال وليس دورا لفظيا، ونحن لدينا تجربة مع الأميركيين منذ عام 1982 من بعد الإجتياح الإسرائيلي، ماذا فعل الدور الأميركي في لبنان؟ اليوم صحيح تغيّرت الأحوال ولكن نحن ماذا حققنا من الدور الأميركي في لبنان؟ وليسمح لي الاستاذ هشام ملحم، أنا أخالفه الرأي بمسألة إخراج الجيش السوري من لبنان، لأن الدور الأكبر كان للحركة الشعبية أولا ومن بعدها الدور الأميركي، والدور الأميركي بإخراج الجيش السوري لم يكن فقط نتيجة القرار 1559 ، إنما جاء على دم رفيق الحريري وعلى عدّة عوامل لا علاقة لها بالدور الأميركي.

هذه هي قراءاتي للأمر ولكن أنا طبعا مع أن يكون للبنان علاقات جدية ورصينة مع الولايات المتحدة الأميركية، وعلاقات جدية ورصينة ومحترمة مع فرنسا، ولكن هذا لا يمنع أبدا أن آخذ بعين الإعتبار، ان لا الدور الأميركي ولا الدور الفرسي مقبول في الإطار الذي أفتش من خلاله على حل. وما أريد أن أقوله أيضا انه لا توجد مقارنة في أدوار الوصاية على لبنان ، بمعنى مرة وصاية سورية ومرة أميركية ومرة فرنسية، هذا كلام صحف لا قيمة له ، ولكن فعليا إذا كان لدينا مشكلة مع سوريا بسبب رغبتها بدور ما في لبنان، وربما بوصاية، فأنا لا أجد ان الولايات المتحدة الأميركية أو فرنسا باستطاعتها ان تقدّم لنا أي شيء غير المزيد من الصراع مع سوريا، وأنا لا أفتش على مزيد من الصراع مع سوريا.

س- بما فيها القرار 1680؟

ج- القرار 1680 يجب أن نقرأه ، قرار ليس له أداة تنفيذية ولا أداة متابعة، هو فقط إعلان نوايا من مجلس الأمن ، بأن مجلس الأمن حريص على أن تقوم سوريا بتسهيل علاقات دبلوماسية مع لبنان، وترسيم الحدود مع لبنان، لكن ما هي أدواته التنفيذية؟ أنا أرى ان أدواته التنفيذية هي قدرتنا على الإستفادة من هذا القرار لتنفيذه.

باعتقادي انه لو كانت الولايات المتحدة قادرة على إلزام سوريا بتنفيذ أي من هذه القرارات التي صدرت حتى الآن، لكانت نفّذت هذا الأمر.

س- يقول الاستاذ هشام ملحم، ان دور مصر اليوم حتى في سياق الإستراتيجية الأميركية في المنطقة هو دور محدود، وهي كل ما تقوم به اليوم إرسال عمر سليمان ليتفاوض مع اسماعيل هنية أو محمود عباس، وبالتالي ما هو دور مصر في لبنان؟

ج- لا يوجد تشابه بين الموضوع اللبناني والموضوع الفلسطيني أولا. وثانيا ، مصر مؤثرة بالقوى السياسية اللبنانية أكثر بكثير مما تتصوّر كما هي السعودية.

س- أذكر طرفا سياسيا واحدا في لبنان لمصر تأثير عليه؟

ج- نحن نعيش مع دول معتدلة باستطاعتها الإقتراب من القوى السياسية اللبنانية، وتتفهم حاجاتها ومشاكلها ، وبالتالي تستطيع تحديد الهدف الذي يجب ان نعمل عليه.

س- إنطلاقا من مسألة رفيق الحريري- سعد الحريري وصولا الى هذا الكم من التراشقات في اليومين الماضيين بين الأطراف اللبنانية، كيف يقرأ نهاد المشنوق السجال المتبادل بين سليمان فرنجية من جهة وتيار المستقبل؟

ج- أعوذ بالله، هذه ليست سجالات بأعتقادي هذا إنحطاط.

س- لماذا؟

ج- أولا، لأننا شرقيون، لا نأخذ الأمور بالسياسة ، وبالتالي لا توجد سابقة في لبنان ان تجرأ أي سياسي على شخص إغتيل بألف كلغ “تي.ان.تي” ويأتي الوقت وتسمع الوزير فرنجية يقول ما يقول، والذي أحترمه، ويؤسفني أن أتكلم عنه بهذه الطريقة ، لا يجوز لا بالسياسة ولا بالإنسانية ولا بالأخلاق ولا بالمضمون ولا بالشكل، أن يتحدث الوزير فرنجية عن الرئيس الحريري بهذا المعنى، وإذا كان هذا الكلام يزيد من جمهوره، فلا شك أن جمهوره مريض، لأني لا أعتقد ان هناك جمهورا في الدنيا يفرح من التنكيل بضريح شخص شهيد.

س- الوزير فرنجية لم ينكّل بالضريح، بل هو قال البادي أظلم، بمعنى انه كانت هناك مقالة للاستاذ نصير الأسعد في المستقبل تناولته؟

ج- جيد نصير الأسعد كتب مقالا، فليرد عليه الوزير فرنجية بمقال، والصحيفة مُلزمة بنشر مقاله في نفس الصفحة.

أيضا أريد أن اقول ان جد الوزير فرنجية الرئيس سليمان فرنجية رحمه الله، ليس قديسا. له رأي بالسياسة يُختلف عليه أو يُتفق عليه، فليرسل رسالة الى الصحيفة لتنشرها له، أما أن يتعرض الوزير فرنجية لسلالة الرئيس الحريري رحمه الله هذا أمر لا يجوز.

أنا تناولت الغداء منذ شهر عند الوزير فرنجية وقابلته هو وأولاده وأحببتهم حتى أني كتبت عن إبنه الصغير ، ولكن في النهاية هل يقبل الوزير فرنجية عندما يكبر إبنه الصغير أن يُقال له في يوم من الأيام ان سليلتك بدأت بالكازينو وإنتهت في البينغو. لا يجوز للوزير فرنجية أن يتحدث عن سلالة الرئيس الحريري وهي سلسلة وليست سلالة، لأنهم من عائلة متواضعة بسيطة وعظيمة بإيمانها وبقدرتها على العمل والتقدّم، ورفيق الحريري صنع نفسه بالتعب والجهد من صيدا الى أن أصبح في البيت الأبيض.

س- هل وصلت الأمور الى هذا الحد؟

ج- نعم وأنا أريد أن أسأل سؤالا آخر، لو قرر سعد الحريري وهو لم يقرر هذا، لأنه عاقل وموزون، لنفترض إنه قرر إرسال عشرة آلاف شخص الى زغرتا بتظاهرة سلمية ، هل يكون الوزير فرنجية سعيدا؟.

س- وممكن أن يقوم الوزير فرنجية بنفس الشيء؟

ج- جيد، لا أحد يمنعه من ذلك، لأنه في الإعتراض السلمي لا يمكن لأحد أن يمنعه، ولكن هذه التعابير المتعلقة بسليلته وعائلته أخلاقيا لا تجوز.

س- أيضا سليمان فرنجية يتعرّض منذ فترة طويلة لحملات قاسية؟

ج- فليرد في الإعلام من يمنعه من ذلك، وهو ظهر على التلفزيون في برنامجك وقال ما يريد، فمن ردّ عليه ؟ أو إذا ردّوا عليه فهذا من حقهم.

س- لكن ايضا كانت هناك مجموعة كليبات في التلفزيون وفي الصحف أيضا تم تناوله؟

ج- ياسيدي، فليرد على التلفزيون وعلى الصحيفة، أيضا فليرد على سعد الحريري، ولكن لا يحق له أبدا أن يتناول رفيق الحريري.

س- يقول هشام ملحم ان الحكومة إرتكبت أخطاء كثيرة منها إشراك “حزب الله” في الحكومة بدون شروط مسبقة حول السلاح، وإبقاء نبيه بري رئيسا للمجلس ، هذه رموز لها علاقات مع سوريا والتحالف بين “حزب الله” وميشال عون أضعف الحكومة، وتستفيد منه سوريا ما رأيك بذلك؟

ج- أولا: أريد أن أقول إن مشاركة “حزب الله” في الحكومة واقع سياسي ، وليست مشاركة مشروطة، وبالأصل لا يحق فرض شروط على “حزب الله” قبل إدخاله في الحكومة، وبالتالي “حزب الله” يملك كتلة نيابية كبرى منتخبة في المجلس.

ثانيا: الرئيس بري أيضا هو جزء من هذه القوى السياسية، التي لديها كتلة سياسية كبرى، وهو لعب دور صمام الأمان في النظام اللبناني، والنظام العربي أيضا في لبنان.

ثالثا: صحيح يبدو ان الحوار الوطني كأن لا نهاية له ، ولكن أعتقد انه إنجاز كبير لأنه حسم الأمور بالإجماع في عدّة قضايا ومسائل، كنا نعتقد أنه لا يمكن الإجماع عليها.

صحيح أننا اليوم لا نستطيع تنفيذ هذه القرارات، بدءا من الترسيم وسلاح المخيمات والعلاقات الدبلوماسية وغيرها، ولكن كل هذه المسائل لا بد وأن يأتي وقت تنفيذها، وحينها لا تحتاج لإعادة التصويت عليها من جديد.

أيضا سمعت الأستاذ هشام يتكلم عن الحكومة، وأنا رأيي أقسى من رأيه بكثير، ولكن هذه الحكومة الأكثر دعما ، وهي مدعومة ومساندة من السياسة الأميركية، والدليل ان الأستاذ السنيورة، في البيت الأبيض عومل وكأنه يسكن هناك منذ سنتين.

هشام ملحم يسأل: لكن رئيس الحكومة اللبنانية غير قادر على تغيير سفير في واشنطن؟

ج- هذا غير صحيح، وهذا الأمر يلزمه معلومات دقيقة.

هشام ملحم يسأل: أليس هناك رئيس جمهورية ورئيس مجلس النواب يعرقلان رئيس الحكومة؟ وهناك “حزب الله” وميشال عون يعرقلان رئيس الحكومة؟ وهناك ضعف داخل الحكومة؟

ج- أنا لا أوافق ، أولا: ان تضع رئيس مجلس النواب في نفس السلة.

ثانيا: دعنا يا أستاذ هشام لا نعمم، لبنان بلد قضيته واضحة تستطيع رؤيتها بهدوء، والتعميم ليس صفة تنطبق على الوضع السياسي في لبنان. لا تستطيع وضع الرئيس بري ولا للحظة في سلّة واحدة مع الرئيس لحود، هذه مسألة مختلفة، والرئيس بري لم يعرقل عمل الحكومة، بالعكس، الرئيس بري يعمل كوسيط داخل الحكومة.

أما الرئيس لحود فصحيح هو يعرقل عمل الحكومة مئة بالمئة، وماذا تنتظر أن يفعل غير ذلك، بعد الخلاف العنيف الذي نشأ بينه وبين الطرف الآخر؟.

أنا ضد وجود لحود في بعبدا منذ اللحظة الأولى للتمديد ، وشخصيا كتبت هذا الكلام ، لكن هذا لا يمنع أن أنظر الى الواقع السياسي الموجود أمامنا. صحيح الرئيس لحود يعرقل التشكيلات أو غيرها من القرارات ، ولكن دائما تتصرف الحكومة أو أي كان في الحكومة ، أنها تريد هذه النقطة وتلك النقطة وغير ذلك، هذا جيد ولكن ما هو المقابل؟ أليس في أميركا عندما يريد الرئيس الأميركي نقاطا محدّدة ، ألا يفكّر ماذا سيعطي للكونغرس مقابل الحصول على هذه النقاط.

*** خلال المقابلة ، إتصل الوزير سليمان فرنجية بالبرنامج ، ودار هذا الحوار بينه وبين الأستاذ نهاد المشنوق:

فرنجية: كيف تنظر الى التعاطي معنا منذ إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري حتى اليوم ؟ إذا كان أخلاقيا ، ان كان عبر وسائل الإعلام التي تتبع للشيخ سعد الحريري أو بالتهم التي وُجّهت إلينا؟

المشنوق: أنت تعرف يا معالي الوزير موقفي الشخصي من هذا الموضوع، ومن مسألة الإتهامات التي وُجّهت إليك.

فرنجية: أتمنى أن يكون عندك كلمة حق في هذا الموضوع؟

المشنوق: أنا قلت أنني زرتك في منزلك وتناولت الغداء عندك، فلو كنت مع هذه الإتهامات لما زرتك يا معالي الوزير.

فرنجية: البيت بيتك يا أستاذ نهاد، ولكن لا يجوز أن نتكلم في البيت شيء وخارج البيت شيء آخر؟

المشنوق: أنا لا أقول كلامين، إسمح لي معالي الوزير، أنا لا أقول كلامين.

فرنجية: أرجو أن لا تقاطعني ، فقط أنا أسأل سؤال على الهواء، أسألك أنت شخصيا: ألم تكفر بتصّرفات آل الحريري بعد إستشهاد الرئيس رفيق الحريري؟ فعندما نكون هدفا أو سلعة عند آل الحريري يتسلون بها كما يريدون وعندما يريدون.

المشنوق: لماذا تعتبر نفسك سلعة يا معالي الوزير، لا يحق لآل الحريري ولا لغير آل الحريري أن يصنعوا منك سلعة، وأرجو عدم إيصال الأمور الى مكان لا رجعة منه.

فرنجية: كرامات الناس عند آل الحريري أصبحت سلعة منذ إستشهاد الرئيس الحريري حتى اليوم ، في إعلامهم ووسائل إعلامهم وفي محاضرهم. وهم لم يتعودوا ان هناك اناسا عندها كرامة، عندما يتناولونهم ينتفضون لكرامتهم، هم تعوّدوا أن يزحف الناس الى قريطم لأخذ الرضى. هذه المشكلة التي نعاني منها . ومن هنا نقول لآل الحريري، نحن لنا كرامتنا، ونحن لم نكن السّباقين ولا مرة في أي إستفزاز.

المشنوق: لا أحد لديه كرامة بقدرك يا معالي الوزير، أنا كل ما أقوله ان نترك الضريح جانبا، ونتكلم بالسياسة مع سعد الحريري.

فرنجية: نحن سنترك الضريح جانبا عندما تُترك رموزنا أيضا جانبا. وأحب أن أقول انه عندما نتحدث عن الـ15 سنة الماضية، وننتقد هذه الفترة تلقائيا، سننتقد الرئيس الحريري لأنه هو الذي كان في الحكم وليس سعد الحريري، وبالتالي عندما ينتقدون تصرّفاتنا في الـ15 سنة الماضية لا يمكن لنا إلا أن ننتقد تصرّفاتهم في تلك المرحلة ، عندما كان الرئيس الحريري يمارس الحكم.

عودة الى الاستاذ نهاد:

س- هل تعتقد ان هذه الحكومة ستستمر أو يمكن لها أن تستمر وسط كل هذا الضجيج؟

ج- لا يمكن لها إلا أن تستمر لأسباب كثيرة أهمها ان صعوبة تشكيل حكومة جديدة أكبر بكثير من مصاعب الإحتفاظ بالحكومة الحالية.

لا شك ان لهذه الحكومة مشكلة وتتسبب بمشكلة، ولكن تغييرها أصعب بكثير من الإحتفاظ بها ، إذا لا يجوز الأحتفاظ باميل لحود رئيسا للجمهورية رغم أنف كل قوى 14 آذار، وفي نفس الوقت تغيّر الحكومة ، وعندها يصبح الأمر ثأرا شخصيا وليس عملا سياسيا.

س- الى متى هذه الحكومة باقية؟

ج- الى أن يتغير الوضع السياسي.

س- كيف سيتغيّر هذا الوضع السياسي؟ قلت ان الحوار عمل ممتاز ولكن هذا الحوار يلزمه مراسيم تطبيقية؟

ج- كلا، لا يلزمه مراسيم تطبيقية هو يحتاج الى جهد لتطبيقه، ولكي تصل الى ظرف سياسي يحتاج الأمر الى ظروف سياسية، وكل بند في الحوار يحتاج الى ظرف سياسي متعلق بها.

س- لنفترض ان سلاح المقاومة قد يكون له علاقة بالحوار الإيراني- الأميركي، وموضوع السلاح الفلسطيني له علاقة بما يجري في فلسطين، أما العلاقة اللبنانية- السورية ممكن أن يكون لها علاقة بمسألة تشكيل الحكومة الجديدة؟

ج- هذا أمر غير منطقي لأن العلاقة مع سوريا لا ترتكز على تشكيل حكومة جديدة، لأن تشكيل حكومة جديدة لا يبدّل شيئا في العلاقة اللبنانية – السورية.

المقصود من تشكيل حكومة جديدة هو الحصول على ثلث معطّل ، ومن الطبيعي إذ ان المعنيين بأمر هذه الحكومة، سيدافعون الى آخر لحظة عنها ، وميزان القوى لم يتغيّر لدرجة داخل لبنان، يؤدي الى أن تحصل الجهة التي تريد الثلث المعطّل أن تحصل عليه؟

س- هل تعتقد انه بالإمكان أن يتغير الظرف السياسي من اليوم وحتى تشرين؟

ج- أنا أعتقد ان هناك ظرفا سياسيا ممكن أن يتبدّل لصالح التفاهم مع سوريا بهذا البند أو ذاك، بتعجيل هذا البند أو بتأخير هذا البند ، وهذا جزء طبيعي في العمل السياسي.

سمعنا منذ أيام تصريحا للسفير الأميركي في لبنان جيفري فيلتمان يقول فيه عن الإستقلال في أميركا “انه بين توقيع قادة المناطق، أو ما كان يسمّى بأمراء المناطق الأميركية الذين إجتمعوا ووقعوا ميثاق الإستقلال في ذلك الحين، وبين تنفيذ الإستقلال فعليا كان هناك 17 سنة”.

لذلك أعتقد انه عمليا في لبنان، لم يفت الوقت والفترة الزمنية لم تنته بعد، فكل المدة التي مرّت على لبنان من 14 آذار حتى اليوم، أو من 26 نيسان موعد خروج الجيش السوري من لبنان حتى اليوم ، تكاد لا تتعدى السنة وأربعة أشهر، وبالتالي مازال من المبكر جدا التحدث عن تسويات، ويجب أن يتعوّد جمهور رفيق الحريري بأن يكون حريصا على الصمود والتعاطي بالشأن العام.

المشكلة الآن في لبنان هي في أن الذين أنتصروا في ذلك الحين، أو الذين إعتبروا أنفسهم أنهم إنتصروا، لم يستثمروا هذا الإنتصار كما يجب، وكذلك الذين خسروا لا يجيدون التصرّف بتهذيب سياسي تجاه خسارتهم.

س- يقول الاستاذ هشام ملحم انه حتى الآن لا يوجد تصوّر واحد لأي لبنان نريد ، وما هي علاقاته مع جيرانه وهذه مشكلة كبيرة ما رأيك بذلك؟

ج- هناك تصوّر واضح ومحدّد ونهائي إسمه إتفاق الطائف ، هذا أولا، وأنا لا أوافق الاستاذ هشام على قوله بأنه لا يوجد بصيص أمل بحل المشكلة، أنا أقول لا يزال هناك بصيص أمل ، ولا تزال العلاقة بين الطوائف في لبنان ضمن الإطار الممكن السيطرة عليه، ولن تفلت الأمور ولا أحد يستطيع جعلها تفلت.

ولا أعتقد ان الأزمة وصلت الى الحد الخطير الذي يتحدث عنه الأستاذ هشام، لا الأزمة السياسية ولا الأزمة الإقتصادية، ولا أزمة العلاقات. هناك تصوّر عند اللبنانيين واضح لعلاقتهم بمحيطهم فيه خلل في بعض الأحيان، وفيه إعتداء علينا من قبل السوريين، كلامي وغير كلامي ولكن هذا لا يعني ان السبل قد سُدّت.

أيضا تكلم الاستاذ هشام عن إرتباط الوضع بالوضع الفلسطيني. أنا أريد أن اقول ان الشعب الفلسطيني ليس هذا الشعب الموجود في الأنفاق في الناعمة وكوسايا ، الشعب الفلسطيني شعب عظيم أثبت دائما على مر تاريخه منذ 60 عاما حتى اليوم انه دائما يستطيع الوقوف والصمود ، وبالتالي لا علاقة بشعب فلسطين، وهؤلاء الذين يعيشون في الأنفاق لا يستطيعون الدخول الى مخيمات شعبهم في لبنان. ولا أعتقد ان أي مخيم يستقبلهم لا بالسياسة ولا بالعسكر، وهم لا يمثلون تطلعات وأفكار ورغبة الشعب الفلسطيني.

أنا أعتقد الآن ان الفلسطينيين هم الذين يحاصرون إسرائيل. هذا شعب في بيت حانون وبيت لاهيا قطعوا عنه المياه والكهرباء ورفض الخروج من أرضه. والمشكلة إننا لم ننظر الى هذا الشعب الا من خلال أخطائه اللبنانية، ولم ننظر الى عظمته في داخل الأراضي الفلسطينية وهو يحاصر الآن إسرائيل.

س- كيف تقيّم الدورالعربي في قضية غزة، وهل يجب أن يلعب العرب دور الوسيط ،أو أن يكونوا طرفا داعما للشعب الفلسطيني، خاصة وانك سبق وكتبت عن العرب الغائبين عن السمع والعرب الغائبين عن الوعي، وقصدت السعوديين الغائبين عن السمع؟

ج- اريد تحديد كلامي ربما صدر بسبب إنفعالي بالموضوع الفلسطيني، وهو إنفعال وعاطفة لا أنكرها. لكن ما قلته حتى الآن وقائع وليس إنفعالا، لا بالمعنى الإسرائيلي ولا بالمعنى المشروع الأميركي وتراجعه، ولا بمعنى إنطوائية المشروع الإسرائيلي، ولا بمعنى بطولة الشعب الفلسطيني بقدرته على الإحتمال وبقدرته على المواجهة عند الضرورة وعلى طريقته، وتبيّن انها أكثر فعالية .

على كل حال، العرب برأيي ثلاثة أقسام، قسم منها مشغول بهمومه الداخلية تماما لا يريد أن يرى ما يجري في الخارج، مع ان هذه السياسة لم تثبت فعاليتها وقدرتها عند النظام الذي يتصرّف بهذه الطريقة.

الموقف العربي الثاني هو موقف عدم الوعي السياسي ، بمعنى انهم يرون ما يحصل ويعون خطورته ولكن يتصرّفون معه بدور الوسيط، فكيف يمكن أن تكون دولة عربية بحجم مصر وسيطا بين الإسرائيليين والفلسطينيين ، لأنه يجب أن تكون مصر مع الفلسطيني اولا ومن بعدها تقوم بدور الوساطة.

س- لكن أين السعودية؟

ج- السعودية من الدول المشغولة بوضعها الداخلي، تسميهم ضالين وتكفيريين ، هؤلاء الذين يبحثون عنهم اليوم، قرأت تصريحا للامير سلطان يتحدث عن الإفساح في المجال لمزيد من الخير والعفو عنهم، ولكن هذا لا يحل المشكلة ولا يحل مشكلة الضالين أنفسهم، لا يجوز ان يأتي واحد من “حماس” الى السعودية ويعود بدون مساعدات لشعبه.

س- لكن السعودية ليست غائبة عن السمع بالموضوع العراقي، السعوديين يقومون بعمل مع المالكي؟

ج- متى حصل ذلك ، هل عندما زار المالكي أول أمس السعودية ، ولكن قبله أتى رئيس الوزراء السابق الجعفري ماذا فعلوا معه؟ لا شيء ، هم متفرجون في الوضع العراقي وحتى في الموضوع الإيراني لا يستطيعون فعل أي شيء.

س- أنت أول من كتب عن المشروع الإيراني في مقالتك الشهيرة حول بائع السجاد ، عن أحمدي نجاد. هذا المشروع اليوم بين أزمة السلام النووي، وهذه المواجهة الكبيرة مع الغرب اليوم، هل تعتقد أن الأمور تذهب باتجاه خيار عسكري؟ وكيف ممكن أن تنتهي هذه المواجهة؟ وهل تعتقد السياسة الإيرانية المزيد من التأجيل وبأي إتجاه والى أي افق؟

ج- أولا، من وجهة نظري أنا أدّعي ان هناك مشروعا إيرانيا في المنطقة وعندما كتبت عنه، ثار الناس عليّ وإعتبروا اني أكتب من منطلق تصرّف مذهبي، ولكن أنا لا أقصد ذلك، إنما المقصود ان في إيران أمة معنية بمسألة الأمن القومي ، هذه الدولة خاضت حربا مع العراق لمدة عشر سنوات ، وقال الإمام الخميني رحمه الله، عندما صدر القرار المتعلق بوقف إطلاق النار، “سوف أتذوّق هذا السّم”، في ذلك الوقت. فالإيرانيون تعلموا من هذه التجربة وذهبوا بها الى النهاية، وقرروا الخروج من الداخل باتجاه الخارج بمشروع سياسي، مع ان هناك 20 مليون إيراني تحت خط الفقر، وهناك مشكلة إقتصادية ومشاكل أخرى، ولكن ظل مفهوم الأمن القومي واردا عندهم.

السيد هاني فحص قال لي انه كان في بداية الثورة تقريبا مستشارا سياسيا حيث عاش في إيران فترة، ولكنه هرب في النتيجة، وقال لي “ان سبب هربه هو ان النسبة الوطنية في إيران عالية جدا لا يستطيع أن يتحملها”. إذاً هؤلاء جماعة يتصرّفون بجدية وتقدّموا الى الأمام بمشروعهم السياسي.

س- ما هو مشروعهم السياسي؟

ج- وضعوا يدهم بشكل او بآخر على أكثر دولة علمانية وقوة إنتاجية ونفظ وزراعة وماء وبشر إسمها العراق. وأمسكوا الآن بشكل أو بآخر بالعلم الفلسطيني الذي يعبّر عن القضية المركزية للمسلمين في العالم، كل المسلمين ليس السُنة فقط، بل شيعة وسُنة. أمسكوا بأهم قضية بتاريخ العرب الحديث بشكل أو بآخر.

كذلك وضعوا جزء من يدهم بشكل أو بآخر، على أكثر الدول العربية تحررا وإنفتاحا وثقافة ولغات متعددة وسياحة وهي لبنان. أيضا هم متحالفون بشكل إستراتيجي مع سوريا ، وأعلن مؤخرا عن تحالف إستراتيجي عسكري بين إيران وسوريا.

إذا جمعنا كل ذلك سنصل الى نتيجة ان هناك مشروعا سياسيا إيرانيا يتقدّم وهناك في المقابل مشاريع سياسية تتراجع أو مشاريع أخرى تتقوقع أو مشاريع أخرى تنكفىء أو تختفي.

س- الآن، إذا علينا مواجهة هذا المشروع السياسي؟

ج- لماذا علينا مواجهته، بل علينا موازاته ، وعلينا مواجهته ليس بالمعنى العسكري، ولكن الفراغ لا بد من أن يملأه أحد ، هم ملأوا مناطق فارغة.

لقد تحدّث الأستاذ هشام عن نفوذ كبير للسعودية في لبنان، أنا برأيي النفوذ السعودي الكبير في لبنان تسبب به الرئيس رفيق الحريري رحمه الله، بطبيعة الحال ، والآن السفير السعودي في لبنان والذي يعطي إنطباعا بأن السياسة السعودية منتشرة على كل الأصعدة، وكل الطوائف وكل القيادات وكل الرؤساء، ولكن الإنتشار شيء والنفوذ شيء آخر. أيضا السفير المصري في لبنان حاضر في كل المواضيع.

س- عندما ترى مثلا وليد جنبلاط عند الملك عبدالله في السعودية ، ماذا يعني هذا إنتشارا أم نفوذا؟

ج- وليد بك رجل سياسي ولا خيارات أمامه سوى أن يتعاطى على هذا النحو، أن يتقرّب من السعوديين ومن المصريين ومن الفرنسيين ، وأن يناقش الأميركيين ، وهو لا يملك خيارا آخر.

المشكلة الآن هي أن قوى 14 آذار وعلى رأسهم وليد بك تحميهم قوى سياسية هي في تراجع وليست إلى تقدّم.

س- من هي هذه القوى؟

ج- فرنسا وأميركا التي تتراجع مع مشاريعها، ولذلك أمسك وليد بك بالعلم الفلسطيني، بذكاء وحكمة وقدرة. وقال تفضلوا لنجمع التبرعات التي لم يفعلها أحد غيره، بصرف النظر عن القيمة المادية للموضوع، هذه قيمة معنوية. دُلّني أين هو هذا السعودي الذي وقف وقام بحملة تبرعات وأين هذا المصري كذلك؟.

بالعودة الى المشروع الإيراني، أنا أقول هذا المشروع يتقدّم شئنا أم أبينا، وهو الى الأمام، هو يافع وقادر وفعّال ومنتشر. المسؤول عن الملف النووي الإيراني زار جميع الدول العربية تقريبا لشرح وجهة نظره.

س- في الملف الإيراني، هناك الدور التركي والقراءات التركية وسياسة التأجيل الإيرانية، ونحن لمن سنستمع في الملف الإيراني؟

ج- تركيا دولة عضو في حلف الناتو وبالتالي أمنها القومي مستتب، وهي تعرف انه ساعة تشاء تستطيع وضع خط أحمر، عندما تشعر أن هناك مسألة تقترب من أمنها القومي، وقد فعلت ذلك في العراق وفعلت ذلك عند الأكراد، فلولا تركيا لأعلن الأكراد اليوم دولة مستقلة. فهذه طبيعة مختلفة للدور والجغرافيا مختلفة للدور.

س- بين المصالح الأمنية الأمن القومي الإيراني، المشروع السياسي الإيراني والمصالح الأميركية من ضمنها أيضا المصالح الغربية، كيف يمكن التوفيق بين هذين المشروعين حتى نتجنب مواجهة ما؟

ج- لا يمكن أن نتجنّب ، أنا قرأت كتابا عن كمبوديا إسمه “سايد شو” هذا يعني ان الحرب الرئيسية تدور في فيتنام، ولكن كمبوديا لسوء الحظ وقعت في نفس المشكل . ولبنان بشكل أو بآخر وضعه مشابه. يُقال في حرب الفيلة “على الحيوانات الصغيرة أن تبتعد عن الطريق لأنها قد تُسحق”، وما يجري الآن هو حرب فيلة ليس أقل من ذلك.

س- إنطلاقا من الموضوع الإيراني، سوريا متحالفة مع إيران، كيف يمكن للبنان أن يتفاهم مع سوريا إذا كانت على هذا التفاهم، خصوصا على قاعدة التعاون العسكري مؤخرا بين سوريا وإيران؟

ج- أعتقد ان هذا الأمر يمثل سببا أكثر للحوار اللبناني- السوري، وهو من المستحقات على هذا الحوار، لأن لا السوريين يستطيعون تحمّل لبنان منطقة معادية لهم سياسيا، بطبيعة الحال، ولا لبنان يستطيع تحمّل سوريا مصدر قلق وإضطراب للبنان. فلا بد من إيجاد صيغة لحوار ما بين البلدين.

لكن أعود وأقول، ان الرئيس الأسد أدلى بحديث لصحيفة الحياة ، جزء منه يتعلق بالوضع العربي، ومن خلال ما جاء في هذا الجزء، أعتقد ان سوريا إتخذت قرارا أو بالإتجاه لأخذ قرار نهائي بأنها لا بد أن تنضم سواء عن حق أو عن باطل، الى قوى التغيير في العالم العربي، أو كأنها فقدت الأمل رغم الشكليات من إمكانيات التفاهم مع الأنظمة العربية .

ولذلك نرى دائما ان هناك محادثات مع الرئيس مبارك، وإتصالات مع الملك عبدالله، ولكن هذا كله لا يؤدي الى تفاهم حار وحاد، لأن نظرة الرئيس الأسد للوضع العربي، ونظرته للتعامل مع الوضع العربي، هي نظرة تغييرية، رغم انه لم يفعل ذلك حتى الآن داخل سوريا. هو وصل الى ما وصل ومعه الأوراق التالية: الرئيس حافظ الأسد أخذ مشروعيته الوطنية من عدّة أمور قام بها:

أولا: داخل الحزب ما سُمّي بالحركة التصحيحية بصرف النظر عن رأينا.

ثانيا: حرب تشرين ، الحرب التي أدت الى إتفاقية سلام، إستعادت من خلالها أراضيها المحتلة، وهناك قراءات مختلفة لهذه المسألة المصرية والسورية.

ثالثا: عندما خرجت إيران من الصراع العربي- الإسرائيلي تحالف هو مع الثورة الإيرانية، ومنذ اليوم الأول أرسل موفدا الى طهران للتشاور مع القيادة الإيرانية التي كان جزء منها يقيم في لبنان، مثل صادق الطبطبائي وصادق قطب زادة، وهما من مجموعة الإمام موسى الصدر، ردّ الله غربته.

إذا، حقق هذه المشروعية ثم جاءته مشروعية إضافية من خلال مشاركته مع الغرب في تحرير الكويت في العام 1991 وإستعاد لبنان في ذلك الحين.

هذه المعطيات الأربعة لم تعد اليوم متوفرة للرئيس بشار الأسد، وهو مضطر لإنشاء مشروعية لهذا النظام، هذه المشروعية التي سُحب جيشها من لبنان بموجب القرار 1559، وهذه مسألة كبيرة جدا داخل سوريا، برأيي تداعياتها لم تنته حتى الآن داخل القيادة السورية لأنها إصابة كبرى أصابت سوريا وبالتالي كيف سيسد هذا الفراغ، ومن أين يأتي بمشروعية جديدة؟.

س- كيف ، هل يقوم بحرب؟

ج- أنا إنطباعي وبرأيي أنه سيمشي بالتدّرج، وفي الوقت المناسب ، ولا أعتقد أنه سيكون بعيدا جدا ، لا خيار أمام الرئيس بشار الأسد سوى فتح جبهة الجولان.

س- لماذا يفتح جبهة الجولان وهو عنده جبهة الجنوب اللبناني؟

ج- بعد خروجه من لبنان عسكريا ، إمكانية الإستفادة من عمليات “حزب الله” سياسيا أصبحت محدودة جدا، لا بد له أن يتحرك على أرضه ، لم يعد باستطاعته في ظل عدم وجود جيشه وأمنه في لبنان، أن يستفيد من عمليات “حزب الله” أولا. وثانيا: لم يعد باستطاعته دعم توجّه سياسي بالقيام بعمليات في جنوب لبنان بينما جبهته مغلقة، ولم يعد بإمكانه تبرير هذا الأمر مطلقا.

س- هو مضطر إذن لفتح جبهة الجولان ولكن من خلال ماذا؟

ج- من خلال عمليات، وهذا يحق له ومعترف بها دوليا، فهناك أراضٍ محتلة.

س- ممكن أن تبدأ هذه العمليات باستهداف قيادي لـ”حماس” في داخل سوريا مثلا؟

ج- أنا لا أعرف من سيبدأ، ولكن ردّ فعل الرئيس بشارة الأسد واضح، فبعد تحليق الطيران الإسرائيلي فوق اللاذقية ، ظهر خالد مشعل وموسى ابومرزوق على التلفزيون السوري لكي يقول انه لم يتراجع عن خياراته، وهو دعم ما يعتقد انها قوى تغيير في المنطقة، فليس من السهولة بمكان ان تفتح سوريا جبهتها لمرور المقاتلين الى العراق، أيضا فتحت معسكراتها لتدريب مختلف أنواع المقاتلين العرب، وأيضا ليس في سهولة بمكان قراءتهم للوضع اللبناني.

س- في 26/6/2006 كتبت مقالا جاء فيه: “هل يمكن خصخصة قرار الحرب والسلم؟، تخلص ان لا دولة قادرة على حماية قرار الحرب والسلم ، بل لانتظار قرارات الحوار في المنطقة، إنما بهدوء”، هل تعني ان طاولة الحوار اللبنانية على أهميتها، ليس بمقدورها تخطي ما يدور في المنطقة، ولا يمكن عزل الإستراتيجية الدفاعية على ما يجري على خط طهران – واشنطن، طهران – دمشق وعلى الخط الفلسطيني؟

ج- على خط طهران- واشنطن أريد أن أسجل هنا نقطة للتاريخ ، هذه المفاوضات ستستمر طويلا.. طويلا.. طويلا، ولن تؤدي الى نتيجة، وخيار حصول إيران على تخصيب نووي سلمي هو خيار يعني بالنسبة لإيران الفرق بين الموت والحياة، وهو خيار إستراتيجي لا عودة عنه، وطبيعي أن ينتظر لبنان نتيجة هذه الطاولات، ولكن أنا أفضل أن يتفاعل معها.

س- كيف يتفاعل؟

ج- لا بد أن يتفاعل من خلال وضع خريطة سياسية لحركته، وهذه الخريطة لا يمكن أن يبدأ بها إلا مع سوريا.

س- لكن الرئيس السوري غير مُجبر على إستقبال رئيس الحكومة اللبنانية؟

ج- أصبحت هذه الأمور تفاصيل بروتوكولية. الرئيس السوري لا يقبل بأن يتردد رئيس الوزراء اللبناني بتلبية موعد بتاريخ مُحدّد لأسباب لها علاقة بالقرار 1680، وأنا كتبت في ذلك الحين انه لا يجوز الذهاب الى دمشق عن طريق نيويورك، عندما ذهبنا الى مجلس الأمن والقرار 1680 ، ولكن هذا لا يعني انه مع الوقت، النظام السوري أو الإدارة السياسية السورية ستتعوّد على الموعد اللبناني، والإدارة اللبنانية يجب أن تتفهم هذه الإنفعالات السورية، مطالبنا من سوريا محدّدة تتعلق بمنع مرور المقاتلين والتسليح ، ولكن يلزمنا بعض الوقت لكي نستطيع كلانا ، تجاوز خصوصيات أو مشاكل أو تبعات الإنسحاب السوري كما تم من لبنان.

من السهل وضع الحق على الإدارة السياسية السورية، لا بل من المؤكد ان الحق عليها، ومن المؤكد ان الإدارة السياسية السورية قاسية، وغير منطقية وغير عاقلة بالتعاطي الكلامي مع لبنان، وبجزء من التعاطي الفعلي مع لبنان ، ولكن في النهاية ما هو الخيار؟.

الخيار هو ان هذين النظامين سيعيشان مع بعضهما البعض وسيتحاوران، وهذا كلام ليس عاطفيا، بل واقعيا، ولكن علينا أن نصمد.

س- نصمد بوجه ماذا؟

ج- نصمد بوجه كل الهجمات التي تأتينا ولا ننفعل ونؤكد لجمهور رفيق الحريري إننا على موقفنا ثابتون لا نتغير، وباعتقادي ان الشيخ سعد الحريري قام بواجبه وأكثر، عندما قال بفصل التحقيق عن العلاقات اللبنانية- السورية.

القرار الصعب والقاسي وغير العاطفي من جهتنا، هو ان نفتح الحوار بالوقت الذي لا يقدّم لنا السوريون فيه شيئا من التعويض مما أصابنا ، في وقت نحن في بعض الأحيان نحاول ان نسهّل عليهم ما أصابهم.

س- كيف تقيّم دور فؤاد السنيورة، وألم تكن قاسيا في كتابتك عنه؟

ج- الرئيس السنيورة صديق قديم وأنا أحترمه جدا، ولكن خاب أملي بمسألة واحدة، ليس بأداء الحكومة، ولكن أنا أعتقد ان جزءا من الحرب أن تُفاوض.

يقول صديق لي ان الرئيس السادات لكي يذهب الى القدس قام بحرب تشرين. أما بالنسبة للداخل هناك أستاذه وصديقه للرئيس السنيورة يقول انه يتحدث كثيرا لكي لا يقول شيئا، ويفتش عن مخارج لفظية للأمور.

س- هل المطلوب أن يتحدث بلهجة قاسية وإنفعال؟

ج- أبدا ، بالعكس انا طالبته في كتاباتي بأن يكون هو المحاور ، لأن الحوار جزء من المعركة، ولا يجوز أن تكون هناك معركة دون حوار، أناس يتحاورون وأناس يقاتلون واناس يناقشون.

أما الذي يحصل اليوم، ان وليد بك يلعب دور طبيب التجبير، وكل يوم عنده ناس في المختارة ، هذا يجبّر له يده وهذا رأسه وهذا لسانه.

س- يعني الرئيس الحقيقي في قوى 14 آذار هو وليد جنبلاط؟

ج- كلا، الرأس الطبيعي لقوى 14 آذار هو سعد الحريري والمجبّر الحقيقي هو وليد بك، ولكن وليد بك يقوم بدوره كاملا بما يتعلق بخلافه وبحدته وبعصبيته وبتطبيبه وبشكواه من الآخرين، وهو قاد كل هذه الفترة من الصعوبات التي مررنا بها، لكن الآخرين لا يقومون بدورهم. والسؤال من الذي سيحاور؟ أنا أسأل الآن لماذا عندما ذهب الرئيس بري الى دمشق أول مرة وثاني مرة، لم تصدر أي كلمة معترضة عليه، وإرتاح جميع اللبنانيين لزيارته؟ الجواب لأنه قام بدور المفاوض.

س- من يُفترض أن يقوم بدور المفاوض؟

ج- رئيس الحكومة، وهو إختير على هذا الأساس.

س- ولكن الأبواب مغلقة في وجهه؟

ج- دعنا لا ندخل في مقولة “الدجاجة قبل أو البيضة قبل”.

س- ما هو المطلوب عمليا من فؤاد السنيورة؟

ج- أنا لا أعرف هو يعرف، وهو رئيس الحكومة ليس أنا.

س- كتبت في إحدى مقالاتك عن عدم لقاء الرئيس السنيورة بالرئيس جاك شيراك ، وأنا سألت هذا السؤال للدكتور احمد فتفت، ولكن لم أحصل على جواب، لماذا لم يلتق السنيورة شيراك حتى الآن؟

ج- إذا قرأت المقال مرة ثانية سوف تعرف ذلك. أنا أعود وأؤكد ، أنا أحترم الرئيس السنيورة جدا، ولكن نحن نحتاج الى مفاوض.

س- البعض يشعر ان البلد سيدخل أكثر فأكثر في مأزق، والبعض يتكلم عن مأزق وفراغ دستوري في نهاية عهد اميل لحود، والبعض يتحدث عن ضرورة إنتخابات نيابية مبكرة تنتج حكومة ، وإنتخابات رئاسية مبكرة، ألا تعتقد ان هذا القانون الإنتخابي يجب أن يتم التسريع به لكي تحصل ِإنتخابات نيابية؟

ج- أنا حرّضت الرئيس بري لأن يضع موضوع قانون الإنتخاب على طاولة الحوار، ولكن قال “اذا وضعت هذا القانون فأنت سوف تلومني، لأن هذا من إختصاص مجلس النواب”. لكن أنا أعتقد ان التطور السياسي الطبيعي، هو وضع قانون إنتخابات له علاقة كبيرة بالبلد، وعلاقة صغيرة بالتغيير، هناك لجنة اليوم وضعت قانونا له علاقة بالبلد على قياس المنتظرين على الباب، وليس من يجلس في الداخل سواء كانت هذه القوى السياسية أو تلك القوى السياسية.

تقنيات القانون جيدة بما خص الإعلان وقيمة الإعلان وكل هذه المتعلقة بتقنيات الإنتخاب، ولكن أنا أسأل عندما يقولون بأن من أتم 18 سنة يسمح له بالإنتخاب، هل فكر أحد بهذا الموضوع والى أين قد يؤدي؟ ألسنا بلد طوائف ، هذا يؤدي الى 83 بالمئة على لوائح الشطب من المسلمين، وهذا هو مشروع الرئيس رفيق الحريري بالأصل، من 13 سنة، ولكن عندما وجدنا هذا الواقع أمامنا تراجعنا حفظا للتوازن داخل البلد.

س- هل تعتقد هذا القانون لن يمر؟

ج- أبدا، هذا القانون يجب أن تدخل عليه تغييرات أساسية ورئيسية، وبرأيي أن أبسط قانون للإنتخابات دوائر وسطى ونسبية.

س- يقول البعض ان في تشرين هناك محطتان: تقرير براميرتس وحكومة جديدة، هل يمكن للبنانيين أن يعيشوا صيفا هادئا سياحيا؟

ج- الواضح اننا سنشهد صيفا هادئا، ولكن هذا البلد ممسوك من فوق، فلتان من تحت، بينما كل الناس تعتقد انه فلتان فوق وتحت، فلو كان الأمر كذلك لشهدنا خرابا كاملا.

س- ممن ممسوك؟

ج- من كل الدول، ولبنان إذا فلت هو أكبر دولة إرهاب في العالم، فهذا البلد ممسوك من فوق. أعود وأقول القاعدة الأساسية لأي تطّور سياسي في البلد هو قانون الإنتخابات، إذا ارتكبت جريمة أخرى بترك هذا القانون للحظة الأخيرة، يكون اللبنانيون هم أنفسهم ومجلس النواب هو نفسه يجني على نفسه وعلى النظام اللبناني وعلى البلد.

س- نهاد المشنوق هل تمر على ضريح رفيق الحريري؟

ج- طبعا، كلما إشتقت إليه أذهب الى الضريح لأحكي له ما يحصل معي رحمه الله.

س- هل تقدّم له عتب أو تحكي له عتب؟

ج- كلا، لا أحب أن أوجع رأسه ، وهناك الكثير من الأمور عالقة في ذاكرتي حلوة أجددها وأضيف عليها في بعض الأحيان.

س- أخر مرة ماذا أضفت عليها؟

ج- حكيت له أني دخلت الى الجامع وشرحت له كم هو جميل ذوق رفيق الحريري رحمه الله، لقد كان زعيما عظيما خسرناه، ويظهر أن أهل السُنة إخصائيون بخسارة عظمائهم ، ماشي الحال، والدنيا مازالت بخير.

وأختم انه ما زال الوقت مبكرا للحكم على أداء سعد السياسي ، ولكن من المؤكد ان فيه الخير.