قمّة الخطوة الأولى .. السريعة؟

مقالات 02 أبريل 2007 0

يستطيع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أن يقول إنه أعاد وضع العرب على الخريطة السياسية الدولية بعد طول غياب. وبقدرته أن يُظهر صور القادة لأكبر الدول الإسلامية على مقاعد الضيوف في قمة الرياض ليؤكد أن العالم الإسلامي يقف الى جانبه فيما تقرر في العاصمة السعودية وفيما ينوي فعله لتنفيذ المقررات.
لكنه لا يستطيع الادعاء ولا ينوي على الأرجح أن الإدارة الأميركية تقف الى جانب سياسته التي دافع عنها أمام القادة العرب أو أن الحكومة الإسرائيلية مهتمة بجعل ورقة العمل العربية الإسرائيلية المسماة بمبادرة الرياض أساسا للتفاوض.
بدت السياسة السعودية في الأشهر القليلة الماضية سريعة الخطى، متعجلة القرار، مخططة لبرنامجها السياسي في مناطق النزاع. لكن هذه السياسة لا تزال تعرف طريق العودة الى خنادق الصبر والتأني والتروي التي عاشت فيها طويلاً، واشتهرت بها، لتنتظر اللحظة المناسبة للإقدام في هذا الموقع أو ذاك من مواقع النار العربية المشتعلة.
هذه ليست تمنيات ولا وصف وردي لحركة سياسية تعوّد العرب على مراقبة مدها وجزرها لسنوات طويلة. إنما هي تعبير عن البحر السعودي الذي قرر أن يمسك بالمد والجزر العربي ليجعله يعمل لصالح ما تقرر في القمة الأسبوع الماضي.
لا بد من الاعتراف هنا أن السؤال الذي عنونت به مقالة في السفير منذ أشهر وهو من أين يبدأ العاهل السعودي بكتابة تاريخه؟ . لا بد من الاعتراف بأنني لم أتصور في حينه أن العناوين ستتفرق الى هذا الحد وأن القدرة السعودية حتى الآن ستعبر الى درجة غير موضوعية في حركتها في المنطقة العربية مستعينة بعنوانها الثابت على الخريطة الإسلامية بأنها المركز الأول للرموز الإسلامية في العالم أجمع. وهذا بحد ذاته رصيد يعادل الثروة النفطية الهائلة التي تعيش عليها السعودية.
للوهلة الأولى تبدو مقررات قمة الرياض قديمة ليس فيها جديد. إذ أن مبادرة السلام العربية التي أعيد تأكيدها، جرى إقرارها في قمة بيروت عام 2002 ولم تلاق اهتماماً دولياً حتى اليوم يبرر ما ورد فيها من معادلة السلام مقابل الأرض .
لكن الجديد هو أن قوة الدفع التي تظهر في البحر السعودي هذه الأيام تجعل من إمكانية وضع المبادرة على طاولة المفاوضات أمراً جدياً. وتُحرج في الوقت نفسه قوى دولية تريد لركود المياه العربية أن يبقى على حاله، إما لعجز في قدرة هذه القوى الدولية على استيعاب الحركة العربية وإما تنفيذاً لرغبة إسرائيلية بعدم تحريك مفاوضات السلام.
***
مجلة إيكونوميست البريطانية المحافظة وصفت القمة باعتبارها رمزاً للخطة السعودية وأضافت إن امتناع العرب عن العمل المشترك سيؤدي الى نهاية النفوذ العربي في العالم. هناك عدة حقائق تجعل من هذا العمل ضرورة قصوى. الأولى أن المنطقة في حالة ضياع أكثر من العادة. 5 دول من أصل 22 دولة مهددة بحروب أهلية هي العراق، فلسطين، لبنان، الصومال، السودان. فضلاً عن الأحلام الإيرانية بدور دولة عظمى، في الوقت الذي يتراجع فيه الدور الأميركي في العراق نحو مزيد من الانهيار .
أيضا توماس فريدمان كبير المعلقين السياسيين في النيويورك تايمز يقول إن الأشرار وحدهم يصنعون التاريخ في الشرق الأوسط. هم وحدهم يملكون القدرة على الابتكار والحل. بينما يكتفي الاعتدال الفلسطيني والإسرائيلي بالمراقبة، إذ أن زعماءهم لم يكونوا أضعف في تاريخهم من الآن. والإدارة الأميركية أعجز من القيام بوضع إطار واضح لخيارات وبثها في الحركة السياسية في الشرق الأوسط .
لو قيل لمسؤول عربي وليس لمراقب منذ ثلاثة أشهر أن حكومة فلسطينية ستتشكل من فتح و حماس لاعتبر هذا الهدف من المستحيلات، ولبحث في أرقام الضحايا الشهداء المرتقب للصراع الفلسطيني المسلح الهادف الى إمالة الميزان لصالح فتح المعتدلة في وجه حماس المتطرفة.
ولو قيل أيضاً للمسؤول نفسه إن العلاقات السعودية السورية ستعود الى سابق عهدها من الود والاطمئنان والاتفاق على كثير من الملفات، رغم استمرار الخلاف على المحكمة ذات الطابع الدولي المختصة باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لما كان بإمكان المسؤول العربي أن ينظر الى هذه الصورة بعينيه. فكيف إذا أضْفت الى هذه الصور صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حاملاً السيف السعودي في زيارة تاريخية الى السعودية، وصورة أكثر مفاجأة للرئيس الإيراني أحمدي نجاد المنادي بتغيير الدنيا والآخرة مع العاهل السعودي المتهم بالاعتدال وهما يبحثان في شؤون العالم الإسلامي.
سينهي المسؤول العربي لقاءه معك باعتبار أنه أضاع ساعة من وقته في الأحلام .
كل هذا حدث والمقبل منه أكثر جدية.
***
ليس هذا رغبة في دور للعاهل السعودي، وهذا متوفر في السياسة العربية لمن يقدر عليه، بل لإحساس لدى القيادة السعودية أن الأخطار المحدقة تخطت الحدود المرسومة دولياً للمملكة العربية السعودية.
في مقال للكاتب الأميركي الليبرالي الشهير ريتشارد هاس نشر في مجلة فورين أفيرز منذ ثلاثة أشهر، أعلن هاس للمرة الأولى نهاية العصر الأميركي في منطقة الشرق الأوسط في اللحظة التي دخل جيشها العراق لاحتلاله. وقال إن هذا لا يعني نهاية الدور الأميركي في المنطقة. بل إن القوة الأميركية ستكون دائماً هي الأولى في المنطقة إنما بالتشاور والتضامن والتكليف لقوى إقليمية في المنطقة. موضحاً أن المثلث التركي السعودي الإيراني هو الذي يعمل الأميركيون على جعله دولاً حليفة، مع ما يعني ذلك من تغيير في سلوك النظام الإيراني أو في النظام الإيراني نفسه. باعتبار أن تركيا والسعودية معتبران من الأنظمة الحليفة للسياسة الأميركية.
من هنا جاءت الزيارة التي قام بها الرئيس المصري حسني مبارك إلى تركيا قبل ذهابه إلى الرياض حيث صرّح أنه بحث العلاقات اللبنانية السورية والوضع العراقي.
رئيس الحكومة الفلسطينية تلقى أيضاً دعوة لزيارة تركيا، تكمل ما بدأ في قمة الرياض.
هل يمكن اعتبار ما ورد في مقال هاس الشهير أساساً لسرعة توثب الدور السعودي؟
كثير من الأدلة توحي بالعكس. إذ أن الإدارة الأميركية العاجزة عن الابتكار، على حد قول توماس فريدمان، ليست قادرة على الإحاطة بدور مثل الذي تقوم به السعودية هذه الأيام. إذ ان الطبيعة الاستراتيجية الذاتية لهذا الدور، وحجم المخاطر المحيطة بالمنطقة تجعل السعودية في قلب المخاطر، وتفرض عليها المشاركة المباشرة في إعادة ترتيب بعض الأوراق الإقليمية والدولية بما يحقق إيجابيات للمصالح السعودية الآنية والبعيدة معاً، دون أن يعني هذا المواجهة مع الإدارة الأميركية.
تبدو المملكة الآن أنها استوعبت جيداً شأنها شأن الكثير من الدول العربية ودول العالم الثالث مخاطر الأحادية الدولية وضرورة تنوع القنوات الدولية وعدم إغلاق الأبواب مع الفاعلين الإقليميين مهما كانت أوجه الخلاف. والإصرار على قدر من الحيادية الإيجابية. فكلها شروط للتأثير ووسائل للاقتراب من الإيجابية.
ففي لقاء مكة مثلاً تجسدت شروط النجاح في أربعة، الأول تقديم الحوافز السياسية والمعنوية والاقتصادية، والثاني الحيادية في الطرح، الثالث المساواة في التعامل مع الفرقاء حيث لا تفرقة في الوزن والمكانة بين فتح وحماس، وأخيرا البناء على جهود سابقة، وهي المصرية التي كان لها الفضل في التوصل الى نقاط اتفاق كثيرة أمنياً وسياسياً شكلت جزءا أساسيا من الاتفاق.
وفي الحالة اللبنانية تستمر الجهود معلنة وغير معلنة وفق عدة مسارات متكاملة، دعم علني قوي للحكومة اللبنانية برئاسة السنيورة، ومساندة جهود الجامعة العربية كباب للانفتاح على سوريا والقوى اللبنانية المؤيدة لها، والتنسيق مع مصر، وأخيراً التواصل المباشر مع إيران والتي باتت لاعباً في الشأن اللبناني كما في الشأن العراقي بغية تهدئة الوضع اللبناني والتوصل الى قواسم تنهي الأزمة سلمياً وتحافظ على ماء وجه كل القوى السياسية.
في العراق، يأتي تأييد الخطة الأمنية الأميركية لكن في الوقت نفسه التمسك بأن الأمر يجب ألا يتعدى ضبط الواقع العراقي أمنياً، وتخفيض التأثيرات الاستخباراتية الإيرانية، ولكنه لا يصل الى حد قبول حل عسكري لأزمة البرنامج النووي الإيراني كما يدور في أذهان الأقطاب المحافظة في الإدارة الأميركية.
***
في مجموعة الأزمات السعودية برئاسة وزير الخارجية وحضور وزراء الإعلام والمال والصناعة ورئيس المخابرات وسكرتير عام مجلس الأمن القومي، هناك اتجاهان في التفكير والمناقشة والأداء.
الاتجاه الأول يقول بترتيب الموقع السياسي قبل الدخول إليه. وهذا يستوجب وقتاً وصبراً وقدرة للحلفاء المحليين وانتكاسات وتعثر وعودة الى الوقوف. بمعنى آخر تحضير المنصات والتدقيق في المواقع قبل إطلاق العملية السياسية.
أما الاتجاه الثاني فهو يقول بعدم فاعلية مثل هذه السياسة في المواقع العربية المشتعلة. إذ ان الصراع على أشده في بعضها والعناد على تشدده في البعض الآخر. لذلك لا بد من اقتحام الموقع وتنظيفه وترتيبه في كل جزء تستطيع التقدم فيه. حتى لو اضطر الأمر الى أسلوب الإغارة.
بطبيعة الحال، يستمع الملك عبد الله الى المناقشات ويقرر أي الاتجاهين يصح في هذه المرحلة أو تلك.
يمكن اعتبار القمة التي عقدت في الرياض في الأسبوع الماضي تكريساً للاتجاه الذي يقول بتحضير المنصات والتدقيق في الأهداف قبل إطلاق صواريخ العمليات السياسية.
المنصة الأولى هي الصراع العربي الإسرائيلي. أكد الملك عبد الله تاريخه العروبي باعتبار العلم الفلسطيني هو العلم المقدس المشترك بين العالمين العربي والإسلامي. وبالتالي لا بد من اعتماده شعاراً للمرحلة السياسية.
كل حركات التطرف الإسلامية من أهل السنة أو الشيعة تعتمد هذا العلم شعاراً لحركتها وتعمل أن تكون جهودها مركزة على الحدود مع إسرائيل.
أكثر من ذلك النظرية الإيرانية تقول بعدم الجواز الشرعي لقيام دولة إسرائيل، وأن الحل في النزاع الإسلامي الإسرائيلي يجب أن يقوم على إنشاء دولة واحدة يعيش اليهود والعرب في كنفها. فكان لا بد من إعادة تأكيد المؤكد في الرأي العربي، صاحب القضية على حد الرأي السعودي، بأن الحل في المنطقة يقوم على إنشاء دولتين متجاورتين بسلام، واحدة موجودة هي إسرائيل والثانية لا تزال نواة هي فلسطين. عاصمتها القدس الشرقية وحدودها الاراضي المحتلة في العام 1967 .
الجديد والفعال في قمة الرياض انه تم التصويت على المبادرة بحضور وموافقة عباس هنية رئيس الحكومة الفلسطينية والممثل لحركة حماس . بهذا ينتهي الاستغلال الاميركي والاسرائيلي لتطرف حركة حماس الرافضة للاعتراف بدولة اسرائيل.
سبقت القمة زيارة قام بها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل الى السعودية وأعلن بعدها أن حركته توافق على ما يجمع عليه العرب. بعدها أجمعت الدول العربية على المبادرة السعودية.
يفترض بهذا الاجماع أن يفك الحصار عن الحكومة الفلسطينية وبالتالي عن الشعب الفلسطيني. أول المستجيبين هي فرنسا التي ينتظر أن يزورها وزير الخارجية الفلسطيني خلال الاسبوع المقبل، بحيث تنكسر المقاطعة الاوروبية لحماس ، وهو ما بدأته دولة النروج التي شارك وزير خارجيتها في قمة للرياض.
سارعت اسرائيل الى رفض المبادرة حين دعا نائب رئيس وزرائها شيمون بيريز في مقابلة مع محطة الجزيرة القطرية الى إجراء مفاوضات مباشرة دون شروط مسبقة، بدلا من مجرد إصدار إعلانات .
أما رئيس الوزراء يهود أولمرت فقد رفض مفاوضات الحل الدائم. فإذا بوزيرة الخارجية الاميركية كوندليسا رايس تتراجع عن تصريحات سابقة لها تعوّل فيها على المبادرة العربية لدفع المساعي السلمية وتقول بأنها لا تسعى بأي شكل من الاشكال الى فرض نفوذها على مسار الحوار الثنائي.
دنيس روس المساعد الاسبق لوزير الخارجية الاميركي والمفاوض الاشهر بعد هنري كيسنجر حول النزاع في الشرق الاوسط، وصف في الفاينانشال تايمز هذا الاسبوع الخطوط الرئيسية لحكومة الوحدة الفلسطينية ومبادرة السلام، بأنها تظهر اسرائيل وكأنها لا تملك صفة أو اسماً وأقل بكثير من دولة. إنها تعيد الصراع الى مرحلة ما قبل اوسلو حين كانت الدبلوماسية تعتمد الرفض والتنكر للحقائق. بينما يتغير العالم من حولها. والمبادرة السعودية تعيد للعرب رغبتهم في السلام. وتساءل روس: هل يستطيع الرئيس عباس الموافقة على عودة اللاجئين الى الدولة الفلسطينية فقط؟ هل يستطيع أولمرت الاعتراف بسيادة العرب على القدس الشرقية؟
في الوقت الذي يضع فيه روس مسار الاسئلة في نهاياتها، هناك روايتان حول رد الفعل الاميركي الاسرائيلي على المبادرة.
الرواية الاولى تقول ان الامير بندر بن سلطان حصل على تشجيع من الادارة الاميركية على المضي قدماً في مبادرة السلام. فإذا بوزيرة الخارجية الاميركية تعجز عن إقناع رئيس الوزراء الاسرائيلي بأكثر من لقاء كل أسبوعين مع الرئيس عباس.
الرواية الثانية تقول ان زيارة الامير بندر الى واشنطن قبل القمة بأسبوع هدفت الى طمأنة الرئيس بوش بأن السعودية لن تعقد صفقات على حساب السياسة الاميركية في المنطقة مع الدول المعنية وأهمها ايران وسوريا. وان العاهل السعودي مضى قدماً في مبادرته لاقتناعه بضرورة تأكيدها من جهة ولتشجيع العالم على إنهاء عزلة الحكومة الفلسطينية بصرف النظر عن الموقف الاميركي.
مصادر سعودية موثوقة تؤكد الرواية الثانية، وتقول انه لم يكن هناك من تعهد أميركي مسبق بدعم المبادرة.
حتى الآن فرنسا والنروج وروسيا كسرت حاجز العزلة الفلسطينية والباقي على الطريق.
المراهن الاول على هذا الانفتاح وضرورته الملك عبد الله الثاني العاهل الاردني، الذي استبق القمة بزيارة الى الرياض أوضح فيها للعاهل السعودي يأسه من قدرة الادارة الاميركية الحالية على اتخاذ قرارات استراتيجية. كذلك الامر بالنسبة للحكومة الاسرائيلية. بينما جاء لقاء العاهل الاردني مع رئيس الحكومة الفلسطينية عباس هنية والاول من نوعه ليعطي انطباعا عن استعداد الاردنيين للدخول في مفاوضات سياسية مقبلة مع ممثل حماس في السلطة الفلسطينية، على الرغم من أن مصدراً في الديوان الملكي الاردني قلّل من أهمية اللقاء باعتباره بروتوكولياً وجرى بحضور الرئيس محمود عباس. إذ انه وبرغم الخصوصية الاردنية الفلسطينية لا يمكن ان يطلب العرب الى الدول الغربية إنهاء الحصار على الشعب الفلسطيني، بينما يقاطع رئيس حكومته العاهل الاردني.
***
المنصة الثانية هي العلاقات اللبنانية السورية وما يندرج منها على الساحة اللبنانية.
اجتمع العاهل السعودي مرتين الى الرئيس السوري. وفي كلا الاجتماعين كان الرئيس الأسد وحده بينما ضم الوفد السعودي ولي العهد الامير سلطان والامير سلمان ورئيس المخابرات الامير مقرن وسفيري السعودية في لبنان وسوريا.
سبق الاجتماع الموسع لقاء مطول بين الامير سعود الفيصل والرئيس الأسد جرى فيه البحث في عناوين الملفات العالقة بين البلدين. ما تسرب عن هذه اللقاءات ينص على أن العلاقة الشخصية والمباشرة بين العاهل السعودي والرئيس السوري عادت الى كانت عليه قبل الخطاب الاخير للرئيس الأسد المسيء الى القادة العرب. وان عمق العلاقات التاريخية بين الملك عبد الله تحديداً وبين آل الأسد وأولهم الرئيس الراحل حافظ الأسد سهل اعتذار الرئيس السوري عمّا بدر منه في خطاب الأنصاف وسهل أكثر تفهم العاهل السعودي وجهة النظر السورية في المواضيع المطروحة.
شرح الرئيس الأسد أن بلاده تواجه منفردة العالم كله ولا خيار أمامها غير التحالف مع ايران. لكن هذا لا يعني وقوف سوريا مع التدخل الايراني في العالم العربي بل العكس، على الدول العربية أن تعتبر سوريا مدخلاً لها للحوار مع ايران والحد من المواجهة معها.
العاهل السعودي ذكّر الرئيس السوري اولا بالعلاقات العائلية، ثم ذكّره انه قال له في العام 2005 ان يسحب جيشه من لبنان وأن يأتي إليه في أي أمر يريده فإذا بالامور تأخذ منحى معاكساً.
حصل الملك عبد الله على تعهدات سورية بالتوقف عن التدخل في الملفين العراقي والفلسطيني. مع العلم بأن الرئيس السوري اعتبر هذا التعهد مؤقتاً الى حين حصول متغيرات دولية تؤكد خطأ وجهة نظره بشأن السياسة الاميركية في المنطقة. أما عن لبنان فلا يمكن القول ان المحادثات حققت نتيجة ملموسة، إلا استمرار التواصل، إذ ان الرئيس الرئيس أعاد تأكيده بأن المقصود من المحكمة ذات الطابع الدولي هو محاصرة سوريا وهي غير معنية بها، وأن أي تعديلات سترفض من الجهات اللبنانية المناوئة لسوريا. لكنه عاد ووعد بإرسال تعديلات مقترحة من حلفائه اللبنانيين الى الرياض.
لم يذكر الرئيس السوري أن مندوب سوريا في الامم المتحدة فيصل المقداد اطلع بشكل متواصل على تطور قرار إنشاء المحكمة كما ان مكتب المحاماة الانكليزي الذي كلفته الحكومة السورية بمتابعة الموضوع، اجتمع ممثلون عنه عدة مرات بنيكولا ميشال المسؤول القانوني في الامم المتحدة لمراجعة بنود القرار.
الامين العام الجديد للامم المتحدة قال خلال زيارته ألى لبنان انه سيختار الوقت المناسب لإعلان مضمون هذه الاجتماعات الرسمية.
***
المنصة الثالثة هي العلاقات العربية الايرانية. كان واضحا من نصوص إعلان الرياض عن قلق الدول المشاركة في القمة على الهوية العربية وتأكيدها في مقاطع متعددة، كان واضحاً أن العاهل السعودي لا يقبل بدور إيراني خارج الحدود. عبّر عن ذلك وزير الخارجية سعود الفيصل في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع عمرو موسى حين رفض أي دور لإيران في أزمة العراق باعتبار أن الدول العربية وحدها معنية بما يحدث هناك. وأكده في حديث للنيوزويك حين قال ان مليكه أبلغ الرئيس الايراني ان التدخل الايراني مرفوض في العالم العربي ويخلق مشاعر سيئة تجاه ايران.
بهذا الحديث للمجلة الاميركية يكون الوزير الفيصل قد وضع جدول أعمال الاجتماع المقرر هذا الشهر في تركيا وهو الثاني بعد اجتماع بغداد. لن تكون ايران حاضرة بسبب خطفها لخمسة عشر بحاراً بريطانياً. إذ ان الدول المشاركة ومنها روسيا والاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة لن تقبل بمشاركة ايرانية في الاجتماع ما لم يطلق سراح البحارة.
إلا ان استمرار التوتر في العلاقات العربية الايرانية رغم نفي نجاد لدور بلاده خارج حدودها، لا يعني أن السعودية ستتخلى عن التواصل الدائم مع القيادة الايرانية على قاعدة اعتبار التهديد الاميركي بعملية عسكرية على ايران تهديداً حقيقياً على حد قول الفيصل.
إن مراجعة للمنصات الثلاث تظهر أن إيران تقف وراء باب كل عنوان سياسي منها. رغم تجنب القيادة السعودية إعطاء هذا العنوان للقمة.
المنصة الرابعة شخصية. إذ انها المرة الاولى بعد الزعيم جمال عبد الناصر الذي استقال متحملاً مسؤولية حرب ال 67، التي يعلن فيها رئيس عربي مسؤوليته عن تدهور الاوضاع في العالم العربي. كان واضحاً أن كلمة العاهل السعودي تعبّر عن ألم شديد بقدر ما تظهر قلقاً عميقاً.
هل يمكن اعتبار القمة بداية جديدة كما سماها الملك عبد الله؟
أول الغيث اعتذار العاهل السعودي عن زيارة رسمية الى واشنطن مقررة في 17 نيسان.
بداية؟ بالتأكيد. خطوة أولى؟ حتماً. سريعة؟
حتى الآن يمكن القول ان الاعتدال أصبح مواجهاً لا مستسلماً كما هي تهمته الدائمة.