“قبل الأخبار” – لماذا الطائف؟

مقابلات تلفزيونية 22 نوفمبر 2010 0

س- هناك كلام عن إعادة نظر بالصيغة التي تحكم لبنان وما يُحكى عن المثالثة، هل ترى ان الحديث جدّي في هذا الإطار؟
ج- أنا أعتقد ان هذا ليس كلاماً بل أمراض أو رغبات مرضية موجودة عند البعض، وهم أنفسهم يُدركون أنهم لا يستطيعون تطبيقها ويُدركون أيضاً ان أي تعديل لاتفاق الطائف الآن في ظل هذا التوتر السياسي هو مشروع حرب أهلية، ولا قدرة لأحد للمس بنص دستوري جدّي لم يُطبّق حتى الآن بشكل محترم ورصين بكامل بنوده دون استثناء، مثل اتفاق الطائف. وبرأيي مستحيل الحكم على اتفاق الطائف، ومدى دقته، ومدى صوابية نصوصه، ومدى الميزان الدقيق للحسابات بين الطوائف دون تجربة جدّية لم يتم تجربتها.

س- لكن بالمقابل، مرت 15 سنة استقرار سياسي وأمني، وخمس سنوات بدون وصاية سورية، وبالتالي 20 سنة مرت دون أن يُطبّق هذا الإتفاق، فربما هـذا الإتفاق غير قابل للتطبيق؟
ج- هذا غير صحيح، ويجب أولاً مراجعة النص ومعرفة مضمون هذا النص قبل أن نفترض ان الـ15 سنة التي مرت، والخمس سنوات التي تلتها كانت تجربة أو مدّة كافية للحكم على الطائف، فما بين 1990 و2005 لم يكن يتم تطبيق الطائف، بل كانت هناك ترجمة سورية للطائف، تُناسب السياسة السورية وتُناسب وضع اليد على الأكثرية النيابية، والأكثرية الوزارية والأكثرية الأمنية والأكثرية القضائية، وبالتالي ما كنا نراه وما كان يُطبّق لا علاقة له بالطائف لا من قريب ولا من بعيد، لا المثالثة بين الرؤساء ولا الحكم المجلس من العام 1992 الى العام 1996 ولا قوانين الإنتخابات التي جرت على أساسها الإنتخابات النيابية لدورات الـ92 و96 و2000 و2005 و2009، وكل قوانين الإنتخابات منذ العام 1992 حتى اليوم هي قوانين لا علاقة لها بالطائف.

س- لكن مرّت 20 سنة دون تطبيق الطائف؟
ج- أعود وأكرر، العشرين سنة التي مرّت منها 15 سنة ترجمة سورية، وخمس سنوات صراع، وبالتالي لا يمكن الحكم على هذا النص الذي جاء بعد دراسة عميقة للذين قاموا به وعملوا عليه، وكان نتيجة حرب طويلة الأمد، ولا يمكن البحث في أي نظام دستوري جديد للبنان قبل سنوات طويلة من السلم الأهلي.

س- لكن السؤال من يسبق العربة أو الحصان؟ ومن ينعش النظام؟ أليست التركيبة والصيغة السياسية والدستور، لكن سواء خرج السوري أو بقي لا قدرة لنا على تسيير هذا النظام؟
ج- أنا لا أوافق على هذا الكلام، وأعتقد إننا اليوم أمام مفصل تاريخي يتعلق بالكثير من الأمور الأساسية في البلد “قبل أن نعود ونتحدث عن الإستقلال الذي أهملناه في بداية حديثنا هذا”. ولكن في كل الأحوال، نحن الآن أمام مفصل تاريخي يتعلق بالمحكمة الدولية، وهذا موضع نقاش حاد بين الأطراف اللبنانية وبين المجوعات السياسية، لكن أنا أعتقد ان هذا المفصل التاريخي هو المفصل الذي يجب وضع أسس سليمة وراسخة وثابتة وجدّية لكل العناوين الرئيسية المطروحة في البلد، وأول هذه العناوين هو نحن نعيش وفق أي نظام سياسي؟ وعلى أي نظام ممكن أن نتفاهم من حيث التطبيق؟.

س- منذ العام 1943 لم تستند عملية إدارة الشأن العام الى النص الدستوري كما هو، بل كان الأمر يخضع دائماً لموازين القوى ولأعراف كانت تتبدل بتغيّر موازين القوى؟
ج- ولهذا السبب وصلنا الى الطائف، فنحن وصلنا الى الطائف نتيجة صراع مسلّح وسياسي عاش سنوات طويلة.

س- لكن هذا الإتفاق أيضاً لم يُطبّق نتيجة موازين القوى والأمر الواقع؟
ج- عندما نقول بأننا أمضينا 15 سنة نستغل الترجمة السورية للطائف، لا يمكن الحكم على ان هذا النص جدّي وبناء أم لا، لأن هذا النص لم يُعتمد أولاً، وثانياً عندما دخلنا في الصراع بين عام 2005 و2009 أيضاً كان الصراع لا يساعد على تنفيذ سليم للطائف.

س- لكن أليس النص هو لحل الصراعات والخلافات؟
ج- لكن أحداً لم يلجأ الى النص أو نفّذ النص بكل المواضيع من الدرجة العاشرة في الإدارة الى تشكيل الحكومة، وصولاً الى أهم بند وهو قانون الإنتخابات، وحتى في نصاب جلسة انتخاب الرئيس لم يرجع أحد الى النص، إنما ما استندوا اليه كانت استنسابات سياسية أساءت لصورة النص دون استعماله، وبالتالي يجب أن لا نظلم قبل أن ندقق بالأمور، وهذا يقودني للقول بأننا أبرمنا اتفاق إذعان بواسطة السلاح، اسمه اتفاق الدوحة، ولكن ماذا أنتج هذا الإتفاق؟ لقد أنتج أزمة جديدة ولم ينتج حلاً، لأنه لو اعتمدنا نتائج الإنتخابات النيابية بتشكيل الحكومة وفق اتفاق الطائف، بدون تلك الإختراعات المسمّاة الثلث المعطّل وغيرها من الأمور التي أدت بعد سنة الى تعطيل الحكومة، وتعطيل مصالح الناس، وعطّلت إمكانية تفاهم الناس، وعطّلت إمكانية حل أبسط المشاكل اليومية للناس، وبالتالي نحن أمام تجربة جديدة اسمها اتفاق الدوحة ثبت أنها لا تُقدّم شيئا، وهناك تجربة على الأقل مُتفق عليها وموقّع عليها من قبل كل اللبنانيين، هي الدستور ويجب العودة اليها. لأنه عندما تصل الأزمة الى حدّها الأقصى بين المجموعات اللبنانية، إذا لم يكن هناك من نص يعودون اليه، فسوف يعودون للإصطدام.

س- إنطلاقا من السياق الذي قدّمته فالمشكلة ليست مشكلة نص، بل هي مشكلة قوى متصارعة تستعمل النصوص الموجودة وتحالفات عابرة للحدود من أجل فرض وجهة نظرها؟
ج- القوى لم تستعمل النصوص.

س- القوى استغلت النصوص؟
ج- ولم تستغلها أيضا، هذه القوى لم تعترف بالنصوص.
س- من هي الجهات التي كانت تحكم بين 1990 و2005 واعترضت على عدم الإلتزام باتفاق الطائف؟
ج- هناك العديد من الجهات وحتى الجهات الحاكمة، فلطالما وقعت خلافات بين الرئيس الشهيد أو بيننا وبين السوريين، وبيننا وبين رئيس مجلس النواب، وبيننا وبين رئيس الجمهورية.

س- هذه الخلافات كانت تقع فقط حول الشق المتعلق بالصلاحيات وليس بالنص كاملاً؟
ج- النص هو ميزان دقيق يعطي بعض المجموعات اللبنانية الإطمئنان بمشاركتهم بالقرار، ويعطي المجموعات اللبنانية الكبرى اطمئنانا لإمساكهم بالقرار، ولكن هذا هو الدستور. وفي الأزمات لا تستطيع أن تفتعل نصاً أو تجتهد في النص، فالأزمات يجب أن تُعيدك فوراً الى النص كما هو، لأن أي خيار آخر هو دخول باتفاقات جديدة لا ضمانات لها ولا نتائج مضمونة لها، ولا قدرة على تنفيذها الفعلي، كما حصل مع اتفاق الدوحة، فقد مضى حوالى سنة وأربعة أشهر ما بين تكليف الرئيس الحريري تشكيل الحكومة وبين تشكيل الحكومة، والأن عمر الحكومة سنة ولم تستطع أن تفعل شيئاً.

س- لكن ألا ترى ان النصوص ليست سوى ملجأ عندما نحتاجها نرجع اليها، وعندما نكون مرتاحين لا معنى لها؟
ج- النصوص هي التي تحمي فكرة المواطن في الدولة الواحدة. أنا أعرف ان كلامي الآن يبدو طوباوياً، أو ليس له تنفيذ عملي في العشرين سنة الأخيرة، ولكن أنا مُصّر منذ اللحظة الأولى انه لا يمكن إلا العودة الى النص، وهذا كان موضوع نقاش طويل مع الرئيس بري والرئيس الحريري وآخرين، وبالتالي فإن أي محاولة أخرى لافتعال نص جديد أو لاجتهاد بالنصوص سيؤدي الى أزمة أكبر من التي نعيشها اليوم، وسيؤدي الى اشتباكات أكبر وأقسى من التي نعيشها، وبالتالي يجب إعطاء الطائف فرصة تجربته كاملاً على الأقل لدورتين إنتخابيتين، ومن بعدها نجلس ووفق سلم أهلي طبيعي ناتج عن انتخابات، وقانون انتخابات نيابية طبيعي وليس مُفتعّلاً ومركّباً على قياسات، كما حصل في العشرين سنة الأخير، بالأربع دورات انتخابية التي تمت. يجب أن نرجع الى الطبيعي فإذا كان عندنا استعداد للعودة الى الطبيعي وتجربته، ومن بعدها نرى نواقصه أو إمكانية التفاهم عليه.
أنا أعتقد رغم كل ما تفضّلت به، ورغم التجربة القاسية التي مررنا بها، بأن ما يحدث الآن هو فرصة جدّية كي لا أقول تاريخية، لإعادة النظر بالثوابت التي نحتاجها من أجل السلم الأهلي.

س- لكن معلوم ان اتفاق الطائف جاء لوضع حد لنهاية نزاع على السلطة مسيحي- إسلامي، واليوم لم تعد المشكلة في جزئها الأول مسيحية-إسلامية، وبالتالي ألا تعتبر ان الطائف لا يُجيب على الصراع القائم حاليا والذي هو سني-شيعي؟
ج- هذا نقاش قديم أبديت رأيي فيه عدّة مرات، هذا النظام الذي اسمه النظام اللبناني والذي هو حتى إشعار آخر ودون حروب اسمه الطائف، لا يستطيع أن يُنتج جوائز لطائفة دون أخرى، فهناك مشكلة في هذا النظام أشبّهها بالأواني المستطرقة الموجودة في المختبر، والتي تسير فيها المياه بنفس النسبة وبنفس السرعة في كل المنحنيات، فإذا وضعنا اليد على واحدة من هذه الإنحناءات والتي هي طائفة من الطوائف لكي تعطيها مزيداّ من الجوائز يتعطّل النظام.

س- لماذا تُسمّيها جوائز ولا تسمّيها طمأنة مثلاً؟
ج- أولاً إذا أردنا التعمُق بهذه المسألة، لا يجب أن تكون في حلقة قبل الأخبار، لأنها مسألة مرضية، فهناك فرق في أن تعتبر ان الطائف لا يُطمئن، وبين أنك مُستحق لأسباب كثيرة تتعلق بالتحرير والصمود وغيرها.

س- في خطاب السيد نصرالله الأول بعد الإعتصام العام 2006 قال بأن لديه انطباع بأن ثمة من يريد أن يُعيد الشيعة الى الوضعية التي كانت قائمة ما قبل الحرب، وفي خطابه الأخير قال ان البعض حاول إغراءه بالسلطة مقابل التخلّي عن المقاومة؟
ج- أنا لا أحاول تجميع خطابات السيد حسن، ولكن في خطابه الأخير وجدت انه كلام تعبوي ، لأنه أولاً ليس دقيقاً ولا يستند الى نص، ولا يستند الى ميزان ولا يستند الى دقة.

س- لكنه وجد صداه؟
ج- صحيح وجد صداه لدى جمهوره، وأنا أيضا أستطيع أن أقول كلاماُ أكبر بكثير مما قاله وستجد جمهور رفيق الحريري إصطف من هنا حتى أقصى الشمال، ليقول لي عظيم أنك تطالب بحقوقنا. الحقيقة ان الطائف أعطى لكل من هذه الطوائف القدرة داخل النظام، وبالتالي هذا الطائف هو القادر الوحيد الآن على طمأنة كل الطوائف بدون أفلام التهميش والظلم والكلام عن إعادتهم الى ما قبل الحرب، وإعادتهم ماسحي أحذية وبوابين وما الى ذلك، وهذا الكلام الذي هو دون المستوى بكثير في مسألة التعبئة تحت شعار استعمال أسوأ انواع الكلام لمناقشة أكبر قضية، يعني السيد كان يناقش المحكمة، وفي نفس الوقت تحدث عن ان الشيعة مُهمّشين، أين هو هذا التهميش؟ هناك دستور فلنرجع الى هذا الدستور ونناقشه. الشيعة السياسية أو القيادة الشيعية السياسية الممثلة بـ”حزب الله” تعتقد بشكل أو بآخر أنها تستحق جائزة بسبب ما قامت به من تحرير الجنوب سنة 2000 وصمودهم سنة 2006.
س- لكن أيضاً هناك موضوع المشاركة في السلطة التنفيذية، إذ يعتبرون ان هذه المشاركة مفقودة بالنسبة اليهم، وان فريقاُ معيناً كان مستعداً في لحظة من اللحظات بأن يسير بغياب كل الوزراء الشيعة؟
ج- أنا لا أريد أن أناقش في هذا الموضوع، لأننا إذا جلسنا نبحث في صلاحيات السلطة التنفيذية وصلاحيات السلطة التشريعية، نجد ان الطائف أدق بكثير من كل الذين يُطبّقونه الآن، لأنه أعطى لكل جهة من الطرفين المنطقي من الصلاحيات والضوابط الجدّية لإدارة نظام سلمي ومريح ومُطمّئن للجميع، ولكن من لا يريد القبول بالطائف الآن كما هو ولفترة طويلة قبل مناقشته، يكون كمن يضرب رأسه بالحائط، وبالنتيجة سياسياُ يكون كمن يفتح باب الى مكان لا يستطيع الوصول فيه الى أي نتيجة.
س- برنار كوشنير تحدث عن دوائر تتحدث بهذا المعنى؟
ج- خفيف الوزير كوشنير، سكر خفيف مع احترامي له، وكذلك كل الروايات المتداولة ليست دقيقة، والفرنسيين ليسوا هم من طرحوا مع النائب من “حزب الله” أو الذي أصبح نائباً، إنما الإيرانيين طرحوا مع الفرنسيين، والفرنسيين طرحوا مع النائب ما سمعوه من الإيرانيين، ولكن كل هذا لا يفيد، وبالتالي ألى أين توصل كثرة التفاصيل؟ ربما توصل الى ان هناك مجموعة سياسية طائفية تعتقد أنها بحاجة الى المزيد من الصلاحيات في السلطة التنفيذية لكي تعتبر أنها حققت نتائج.

س- هذا الطلب ليس واقعياً عندما أصبح لبنان ديموغرافياً ثلاثة أثلاث؟
ج- أولاً لبنان ليس ثلاثة أثلاث، ثانياً العدد الشيعي ليس أكبر من غيره، وأنا لا أحب أن أتحده بهذه المواضيع.

س- لكن ثلاث أثلاث ربما 35 بالمئة أو 34 بالمئة؟
ج- أنا أعتقد كل هذا الكلام غير دقيق، ولا يجب الإعتماد عليه، فكل القيادات منذ الطائف قررت أن العدد لا قيمة له، لأن الكلام عن الأثلاث يلغي المناصفة.

س- ربما يفكّرون بهذاالكلام؟
ج- فليفكروا كما يشاءون، ولكن لن ينفذوا شيئاً مما يفكرون به. دعني أكون واضحاً، الرئيس الحريري الشهيد والرئيس الحريري الحالي، وكل الجو السياسي، والرئيس بري أيضاً حاسمين بأمرين:
1- المناصفة
2- تطبيق الطائف.
وبالتالي أي كلام آخر هو كلام تعبوي يُراد منه افتعال المزيد من الإشتباكات، والمزيد من الصراع حول قضايا تفصيلية، بينما المطلوب هو المحكمة وليس التقسيمات هذه التي لا توصل الى مكان. وعلى كل هم أنكروا هذا الأمر وقالوا أنهم لا يريدون لا المثالثة ولا غيرها، وأنهم موافقون على الطائف وغير ذلك، وبالتالي كل هذا الكلام الذي نسمعه مُتعلق بالمرحلة الصعبة التي نمر بها.
نحن الآن أمام ثلاثة أنواع من الأزمات غير أزمة المحكمة المستحدثة، فهناك العلاقات اللبنانية-السورية وموضوع النظام الدستوري وموضوع السلاح اللبناني والفلسطيني خارج سلاح المقاومة حتى لا يُقال أننا دخلنا الى محرّمات مقاومة إسرائيل.
أنا أعتقد وحسب معرفتي بأن الفرصة الآن مناسبة لوضع قواعد ثابتة ولا متغيرة، لحل هذه المشاكل دفعة واحدة، من خلال نظرة تؤدي بنا الى السلم الأهلي.
أما إذا أمضينا الوقت بالبحث باليومي وبالتفصيل، وبأن فلان قال وفلان لم يقل والرد على فلان، فلن نصل الى نتيجة، وبالتالي لا بد من أن نبحث بالأولويات وليس باليوميات، أولويات يجب أن نبحث كيفية معالجتها.

س- لكن كل هذه الأمور مؤجلة الى ما بعد المحكمة الدولية وأليس هذا هو المطلوب؟
ج- أنا أقول يجب مناقشة هذه المواضيع بالأمس واليوم وغداَ وكل ساعة، هذا موضوع يتعلق بأخذ البلد نحو السلم الأهلي.

س- لكن الطرف الآخر يعتبر بأن هذه المسألة التي تطرحها الآن تُهمل قضية أساسية اسمها المحكمة التي تضرب المقاومة بقلبها؟
ج- أولاً أنا لم أهمل، ولكن موضوع المحكمة لا أراه في وجه المقاومة، وبالنسبة لي المحكمة أجد فيها دفاعاً عن حق الحياة، فقد حصلت 220 عملية اغتيال سياسي وقعت منذ الإستقلال حتى اليوم، على الأقل 25 منها عمليات اغتيال سياسي وقعت في العشرين سنة الأخيرة، من بينها اغتيال رئيسي جمهورية وخمسة رؤساء حكومات ونواب ووزراء، وبالتالي الأمر ليس ببسيط، لذا أنا لا يمكن أن أطمئن على الحريات إذا لم يكن هناك حد فاصل للإغتيال السياسي.
أنا أسأل ماذا سنقول لابن الوزير بيار الجميل، هذا الطفل الجميل الذي وقف بالأمس يتحدث بشجاعة، وماذا سنقول لوالدته التي جلست تبكي في الكنيسة. وماذا سنقول للآخرين ولأولاد جبران التويني؟ هل سنقول لهم ان هناك مجموعة مقصودة بهذه المحكمة وان عليكم أن تحملوا دمعكم وتحملوا أحفادكم وتصمتوا.

س- لكن هل من أحد قال انه ضد كشف قتلة الرئيس الحريري؟
ج- لكن هل كشف القتلة يتم بالتبصير في الفنجان؟ كشف القتلة يتم عبر التحقيق الدولي؟

س- لكن هناك مآخذ عديدة على هذه الآلية؟
ج- هذه المآخذ صدرت في الأشهر الأربعة الأخيرة بعد أن مضت مدة أربع سنوات وثمانية أشهر دون أن يكون عليها أي مآخذ، ولا أريد الآن العودة لماذا صدرت هذه المآخذ في الأشهر الأربعة الأخيرة، لأن هذه مسألة أيضا تقنية وخاضعة للنقاش، هناك خط فاصل يتعلق بالحق في الحياة والتعبير بحرية عن رأيك بكل المواضيع. هذا الأمر لا يمكن أن يستمر ولا يمكن أن يعيش دون أن يكون محكمة دولية قادرة على الفصل في هذا الموضوع، لأنه لا يمكن أن نجلس ننتظر اغتيال خمسة رؤساء حكومات آخرين ورئيس جمهورية آخر دون محاسبة أحد. فالأمر يتعلق بأساس بُنية النظام اللبناني، وقدرة المجموعات اللبنانية على التعبير عن رأيها بحرية.

س- في أي إطار تضع الكلام واستمرار المراهنة على المسعى السوري-السعودي؟
ج- أنا أضعه في إطار المسعى الجدي الذي يجب أن يأخذ بعين الإعتبار كرامة الناس والحفاظ على سلاح المقاومة، وان يأخذ بعين الإعتبار بأن المُتهمين وليس المُدانين يجب أن يُحاكموا، والمحكمة تبرئهم أو تدينهم، بصرف النطر عن الملاحم المفتوحة مرة للقطع ومرة للشلل.

س- برأيك ما المطلوب من الرئيس الحريري؟
ج- أنا أعتقد ان السؤال ليس ما المطلوب من الرئيس الحريري؟ بل أعتقد ان السؤال ما هو الحل الذي يحفظ كرامة جمهور رفيق الحريري؟ وما هو الحل الذي يحفظ الكرامة السياسية للرئيس سعد الحريري؟ وما هو الحل الذي يحفظ السلم الأهلي الدائم للبنانيين. وبالتالي لا يجب المبالغة وتحويل الموضوع الى مسألة شخصية، فكل الذين ظهروا بالأمس على شاشة الـ”ام.تي.في” وكذلك الذين ربما كانوا مع المرحوم جبران التويني وغيره وغيره، هؤلاء دفعوا دما ولهم رأيهم بما يحصل، ولذلك لا يجوز أن نحصر المسألة في مكان واحد، وبرأيي ان الرئيس الحريري يتصرف بمسؤوليته عن كل اللبنانيين.

س- في أي إطار تضع التمايز بمواقف المسؤولين السوريين بحيث انه قيل ان التهدئة التي شهدتها جلسة مجلس الوزراء كانت بفعل التدخل السوري، بينما هناك مواقف متشددة للمسؤولين السوريين؟
ج- هناك طريقتان للنقاش هما: اليوميات والأولويات، فإذا أردنا أن نبحث باليوميات فهناك مئة موضوع يمكن الدخول فيه. أما في الأولويات فحسب رأيي ان التجربة التي مرت منذ ثلاثة أشهر حتى الآن بالعلاقات اللبنانية-السورية هي تجربة فاشلة ولا يجب العودة إليها باعتبارها قاعدة نجاح، لأنه لا يمكن وضع قاعدة للعلاقة بين البلدين قائمة على مذكرات التوقيف أياً كان مصدرها ومهما كانت أسبابها، فهذه علاقة تنشأ بعد خمس سنوات من الصراع بين البلدين، تحتاج الى كثير من الصدر الواسع، والقدرة على الإستيعاب، والإعتراف بأن لبنان قد تغيّر عما كان عليه في الـ2004، فلا يمكن أن تتعاطى مع لبنان 1990-2004 ، بل يجب أن تتعاطى مع لبنان بإقامة علاقات سليمة وسلمية.

س- عندما نتطلع الى المسعى السوري-السعودي ما هو الإطار المتوقع منه لكي يشتري وقت أو لكي يرى الحلول؟
ج- أنا أعتقد ان الجهتين معنيتين ومسؤولتين وجديتين في مسألة الإستقرار في لبنان، فالرئيس الأسد والوزير المعلم كلاهما عبّر بشكل واضح وصريح، عن أن مسألة استقرار لبنان هو من استقرار سوريا، وبالتالي هذا جزء من مسؤوليته وجزء من التكليف العربي-الأوروبي له.

س- هل ينحصر في إطار التهدئة الأمنية؟
ج- يتعلق بالإستقرار والإستقرار أكبر بكثير من كلمة تهدئة، والإستقرار يستند الى مواضيع عديدة. وأنا أعتقد ان الإتفاق الجاري مناقشته يتعلق بنظام دستوري، ويتعلق بالسلام ويتعلق بالعلاقات اللبنانية-السورية، ويتعلق أيضاً بالمحكمة، وبالتالي هناك أربعة مداخل لموضوع واحد وليس مدخلاً واحداً.

س- تحدثت عن محاور أربعة يتناولها الإتفاق الجاري البحث عنه، ولكنها محاور بنيوية تتناول النظام أليس هذا شكل من أشكال الطائف؟ أو تعديل للطائف؟
ج- بالعكس ففي ما يتعلق بالنظام الدستوري المطروح على الطاولة، والوحيد الذي يمكن أن يُقر ويُتفق عليه، هو تنفيذ اتفاق الطائف حرفياً ودون استثناء أي مواضيع من مواضيعه.

س- لماذا هو إذاً على جدول الحوار؟
ج- لأنه اتفاق جرى تجاوزه في المدة الأخيرة بطريقة مُسيئة للنظام، ومُسيئة للبنانيين، ومُسيئة لنتائج الإنتخابات، وأتت حكومة لا تعبّر عن طبيعة النظام فلم تُنتج ولم تتفق بالسياسة، وأصبحت حكومة خصومة سياسية، وليس حكومة توافق سياسي.

س- لكن العلاقة السورية-السعودية هي التي أتت بهذه الحكومة التي تتحدث عنها؟
ج- هذا غير صحيح.

س- دعنا نتذكر قبل زيارة العاهل السعودي في صيف العام 2009 الى دمشق، كان الرئيس الحريري مُكلّف وغير قادر على تشكيل الحكومة؟
ج- لكن كان موافقاً على الثلث المعطّل قبل تدخّل السعوديين.

س- أيضاً الأكثرية النيابية كانت ترفض فكرة حكومة وحدة وطنية، والمسعى السعودي هو الذي سهّل توزير جبران باسيل، والمسعى السوري-السعودي هو الذي أعطى وزارة الإتصالات لـ”تكتل التغيير والإصلاح”؟
ج- القيادة السعودية دخلت على موضوع الحكومة متآخرة جداً، وكانت بكل الأحوال قد وُضعت قواعدها في الدوحة، وتم مناقشتها في لبنان، وعندما تعرقلت الأمور تدخلوا، وهم لم يكونوا في أساس تركيبة الحكومة، فهناك فرق في أن تكون في أساس التركيبة، أو انك تتدخل في مفصل من المفاصل لتسهيل استكمالها. السعوديون لم يكونوا طرف في اتفاق الدوحة، ولم يكونوا طرف في نتائج اتفاق الدوحة، ولاحقاً كانوا طرفاً في تسهيل أمور تشكيل الحكومة.

س- هذا يعني تطبيق الدوحة؟
ج- أنا قلت تسهيل أمور تشكيل الحكومة، فهناك فرق في أن تتدخل لتسهيل أمور واقعية حصلت أمامك، وبين أن تكون جزءا من الإتفاق الرئيسي، والسعوديين لم يكونوا جزءا من اتفاق الدوحة.

س- أنا قلت انتخابات 2009 تنهي مفاعيل حكومة الوحدة الوطنية، ومع ذلك السعودية طبّقتها؟
ج- إذا أردت أن تنسبها الى المسعى السعودي فهي طبقتها بالتفاهم مع سوريا، وإذا أردت أن تنسبها الى التفاهم السوري-السعودي، فللحقيقة الإثنين لم يوفقا، لأنه بالنتيجة هذه الحكومة لم تستطع أن تأتي بتوافق سياسي، ولم تستطع القيام بإنجاز إنمائي.
في نفس الموضوع المتعلق بالنظام الدستوري، هذه الحكومة إذا تمً اعتماد الطائف بنصه وحرفه وروحه، هذه الحكومة يجب تغييرها، لأن الحكومة تعتمد لا نتائج الإنتخابات سياسيا”، ولا تعتمد نتائج اتفاق الدوحة أمنيا”. يعني هناك أم وهناك ولد لهذه الأم، وولد هذا النظام الدستوري هو تشكيل حكومة بشكل طبيعي فيها أكثرية وأقلية، وليس فيها لا ثلث معطّل ولا الزامات ولا إرغام على توزير الناس أو عدم توزيرهم، مع الإحترام لكل الأطراف السياسية على أن تأخذ حصتها وحقها في تمثيلها الصحيح.

س- إذاً ما الذي تغيّر بالمعطى؟
ج- أنا قلت ما يجري مناقشته في موضوع النظام الدستوري سيؤدي الى هذه النتيجة.

س- ما الذي تغيّر لكي يجعل سوريا وحلفاءها يقبلون بهذا المعطى؟
ج- دعني أبدأ بحلفائها، فسوريا ليست هي من طلبت شكل هذه الحكومة.

س- ولكن سوريا ضغطت؟
ج- أنا لا أقول ان السوري ليس شريكاً، بل هو شريك في اتفاق الدوحة وبنتائج اتفاق الدوحة، ولكن ما أقوله ان ما يجري مناقشته يتعلق بالنظام الدستوري ونتائج هذا النظام، وهذه النتائج تكون بتشكيل حكومة بموجب هذا النظام، وليس باعتماد اتفاق الدوحة وتشكيل حكومة على أساسه، لأنه أصبح لزاماً أن ينتهي، لأنه لا يجوز أن تُبرم اتفاقاً سياسياً وأنت قد اتخذت القرار بإدانة كل سياسة الرئيس الشهيد رفيق الحريري المالية ووزير ماليته، وإدانة كل الموقف السياسي لحكومات الرئيس السنيورة، فلا يُعقل أن تقول انها حكومة المقاومة السياسية وعند أحساسك بأن ميزان القوى قد تغيّر تتهم الرئيس السنيورة بأنه مدّد الحرب، وهذا شيء مضحك اتهامه بأنه مدّد الحرب ممّا سبّب المزيد من الصمود.
عل كل حال، ما أريد أن أقوله، انه لا يجوز أن يستند الموقف السياسي على ميزان القوى، فعندما كان ميزان القوى في وقت من الأوقات ليس لصالح “حزب الله” كانت الحكومة حكومة مقاومة سياسية، وكان الرئيس بري يقول كلنا اليوم خلف الحكومة ورئيسها، ونتبنى النقاط السبع التي طُرحت في روما، ونرفض المشروع الذي طّرح في مجلس الأمن، وبالتالي أصبح الرئيس السنيورة مسؤولا عن مشروع مجلس الأمن ومُعفى من كل المدائح السابقة أو دوره السابق ظلما” وعدوانا”، هذا لا يصح، فلا يصح أن تُدين سياسة الرئيس السنيورة، وتُدين سياسة الرئيس الشهيد رفيق الحريري المالية، وفي نفس الوقت تريد أن تتعاطى مع الرئيس سعد الحريري، لأن الرئيس الحريري إبن هذه التجربة وإبن هذا الجمهور، إبن والده أولاً، وثانياً إبن جمهور والده، وثالثاً إبن هذه التجربة السياسية، فلا يجوز أن تُدينها، وفي نفس الوقت تقول أريد أن أتفاهم معك.

س- في هذا الإطار هل تتوقع أن تقبل قوى “8 آذار” بهذا الأمر بكل بساطة؟
ح- أعتقد ان خياراتهم محدودة في حال عدم القبول، وباعتقادي الموضوع أمامنا جميعا اليوم هواعتماد اتفاق الطائف بنصه وبروحه، وبالتالي عندما نعتمد هذا الإتفاق سينتج عنه حكومة حسب مقتضيات الطائف.
س- هل تقصد ان الواقع الحالي سوف يتبدّل بعد صدور القرار الإتهامي؟
ج- أنا أتحدث عن التفاهم وليس عن الإلزام.

س- إذا كان بالتفاهم فلماذا لم يتحقق حتى الآن؟
ج- ولهذا أنا قلت ان هناك أربعة عناوين رئيسية للنقاش، وهذا ما يتعلق بالنظام الدستوري، وبرأيي انه الأمر الجدّي الوحيد المتاح للجميع.

س- ولكن حتى الآن مرفوض وإلا ماذا تعني الدوحة؟
ج- نحن الآن دخلنا في مرحلة جديدة، الدوحة انتهت.

س- وماذا الآن؟
ج- العودة الى الطائف.

س- هل لأن هناك قرار اتهامي سوف يصدر؟
ج- لأن الطائف هو مجال الإتفاق الوحيد بين اللبنانيين كآلية دستورية للحياة، فلا يمكن للدولة اللبنانية أن تستمر، ولا يمكن للمواطن أن يعيش بدون دستور واضح ومحدّد وصريح ينظم حياته، ولا يستطيع أحد أن يعيش في نظام فارغ، بل هناك نصوص دستورية يجب العودة إليها في حياتك.

س- ما هو المُنتظر بالنسبة لملف المحكمة الدولية؟
ج- أنا أعتقد ان الأمر الوحيد الذي يُصر عليه الرئيس الحريري والمسؤول عنه، وأنا متأكد على قدرته على الإيفاء بما يعد به، هو أنه يتصرّف حين صدور القرار بمسؤوليته عن كل اللبنانيين، وليس بمسؤوليته عن فريقه السياسي دون فريق آخر، وهذا الأمر يحتاج بكل بساطة الى أن يتصرّف الآخرين أيضاً بمنطق سحب لبنان من المواجهة الدولية، واعتبار انه إذا كان هناك من اتهام سيكون محصوراً بأفراد، ليس بالضرورة يعبّرون عن حزبهم أو يلزمون طائفتهم.

س- يبدو انك سلّمت بأن الموضوع ذاهب بهذا الإتجاه؟
ج- العالم كله سلّم بذلك، ولكن أيضاً سلّمت بإصرار الرئيس الحريري على التصرّف بمسؤوليته تجاه كل اللبنانيين.

س- بالنسبة للعلاقات اللبنانية-السورية وأنت كنت من أبرز الدعاة الى ترتيب هذه العلاقة بأسرع وقت؟
ج- ومازلت من دُعاة هذا الأمر، وأريد أن ألفتك الى أنه قد قلت لي في سياق الحلقة بأني تغيّرت، ولكن أنا لم أتغيّر، وأنا لا زلت على موقفي بأن لبنان لا يمكن أن يعيش سياسياً مستقراً بدون علاقة طبيعية مع سوريا وليس ممتازة.

س- برأيك، هل هناك في لبنان من هو ضد هذا الكلام؟
ج- ليس بالضرورة أن يكون ضد أو مع، السؤال ان اللبنانيين والسوريين، وبرأيي السوريين أكثر من اللبنانيين لأنهم نظام واحد، بينما اللبنانيين مجموعات وأفراد وسياسيين. فالسوريين إذاً عليهم أن يعترفوا بأن هناك شيء في لبنان قد تغيّر بعد سنة 2005، وهذا الإعتراف يلزمه بعض الوقت، ويلزمه تفهّم، ولذلك أنا أقول ان على القيادة السورية أن تكون واسعة الصدر، وأن تعترف بأن شيئا في لبنان قد تغيّر.
هناك عقدة تاريخية بالعلاقات اللبنانية-السورية منذ عام 1938، ولا يعتقدن أحد بأنها بدأت منذ عشرين أو ثلاثين سنة. منذ فترة ومن خلال قراءة اكتشفت انه في العام 1955 وقد كان أديب الشيشكلي حاكماً لسوريا ورئيس الجمهورية اللبنانية كميل شمعون، صدرت بحق النقيب محمد البعلبكي وهو صحافي كبير أطال الله بعمره، صدرت بحقه مذكرة توقيف عن القضاء السوري، أقول حصل ذلك عام 1955 حيث لم يكن النظام البعثي موجود، ولا كان آل الأسد في الحكم، وبالتالي هذه العقلية مُسيطرة على العلاقات اللبنانية-السورية، وأنا أعتقد ان الرئيس الأسد بتجربته الجديدة وبمشروعيته التي يحاول بناءها بشكل شخصي، لأنه قام بعدّة مراجعات جدّية لسياسة ما قبل تسلّمه الحكم، منها العلاقة مع تركيا تجعله قادراً على الإستيعاب أكثر، وأن ينفّذ أكثر مسألة إمكانية إقامة علاقات طبيعية لها مضمون مختلف عن المضمون التاريخي.

س- هل تعتقد نفسك أنك بالغت في المرحلة الأولى بالتأمل في إمكانية تصحيح هذا المسار؟
ج- ولازلت متأملاً، ولا زلت مراهناً، ولا زلت راغباً، ولكن هذا لا يمنعني من القول بأن التجربة فشلت.

س- هل تعتقد ان الرئيس الحريري أخطأ في أمر ما في هذه المسألة؟
ج- مأخذي على الرئيس الحريري أعلنته وهو المتعلق بشهود الزور، وهو وافق على هذا المآخذ برحاية صدر، لأنني صححت هذه النقطة بعد ستة أيام من الهجوم المباشر عليه، وكأنه ارتكب جريمة باعترافه بشهود الزور، وليس على أنه قدّم بحسن نيّة وبرغبة لمزيد من السلم بهذا الإتجاه.

س- كيف ترى المبادرات الكبيرة التي اتخذها الرئيس الحريري وكل ما رأيناه في المرحلة الأخيرة قد قوبلت سورياً بما قوبلت به؟
ج- هذه المبادرات السلمية اتخذناها، ولكن ما قوبلت به سورياً لن يجعلنا نتراجع، فالجغرافيا لا يمكننا ان نغيّرها ولن نتراجع، وأنا متأكد بأن جزءا من الحوار السوري-السعودي هو إيجاد صياغة أسلم للعلاقات بين البلدين.

س- على أي قاعدة؟
ج- على قاعدة العلاقة بين دولتين مستقلتين راغبتين بعلاقة طبيعية وسلمية تتدرج نحو مزيد من التفاهم، نحو مزيد من الإطمئنان للجهتين.
أنا أعتقد أنهم بدأوا بالعلاقات من فوق، فبدأوا بالعلاقات الممتازة ليصلوا الى مذكرات التوقيف، لذلك فلنبدأ بالعلاقات الطبيعية وبعدها نرى الى أين سنصل.

س- هل التاريخ يدل انه يمكن أن يأتي نظام في سوريا يقبل بالقواعد التي تتحدث عنها؟
ج- أنا أعتقد ان النظام الموجود اليوم لديه القدرة، ولن أقول لديه الرغبة، بل عنده القدرة وعنده المكتسبات التي حققها في السنتين الأخيرتين، سواء مع الأوروبيين أو مع الأتراك أو مع السعودية، وكل حالة الإنفتاح هذه التي حققت للنظام السوري مكتسبات سياسية معقولة، بعد صراع وحصار دام أربع سنوات، تجعله قادراً على ذلك. وفي النهاية المثل يقول “من يملك يعطي” وبالتالي لا مانع من استعمال بعض هذه المكاسب للتعامل مع لبنان بطريقة مختلفة وأهدأ، وأن يحاول تغيير هذا التاريخ المتشنج.

س- برأيك هل لديه مصلحة في ذلك؟
ج- بالتأكيد لديه مصلحة في ذلك. ودعني أقول لا يستطيع أي حاكم سوري أن ينكر ان عدم استقرار لبنان “يوجع رأسه”.

س- لكن عدا عن عدم الإستقرار أوالإستقرار، هناك الإستقرار الذي يدور في فلك سوريا، ألا يُعزز موقعه في المفاوضات؟
ج- بالعكس لأنه بطبيعة الحال علاقته الجيدة مع لبنان تُعزز وضعه في التفاوض، وتُعزز رصيده السياسي في أي موضوع، فليس بالضرورة أن يكون أما مختلفا مع لبنان أو متفقين على خطأ، فهناك طريقة طبيعية للعلاقات سوف نصل إليها شئنا أم أبينا، شاء السوري أم أبى، سنصل إليها لأنها خيارنا الوحيد.

س- عندما تتكلم عن موضوع السلاح هل تستثني منه سلاح “حزب الله” بالكامل؟
ج- كلا، أنا أستثني منه سلاح المقاومة، فأنا أميّز بين سلاح “حزب الله” وسلاح المقاومة.

س- ما هو سلاح المقاومة؟
ج- هذه مسألة تتعلق بأنه يجب أن نتفق أولاً ماذ يعني سلاح المقاومة، وكيفية وجوده وكيفية استعماله، لأن التجربة بعد الدوحة التي تعهدوا فيها عدم استعمال السلاح بالنزاعات الداخلية خُرقت مرتان، وبشكل قاسي جداً في مدينة بيروت، واحدة في برج ابي حيدر وقبل ذلك في عائشة بكار، باعتبار أنها فُسرت في ذلك الحين بأنها رسالة سياسية.

س- هذا المسعى سوف يتطرق الى هذه القضية؟
ج- نعم وهناك السلاح الفلسطيني أيضاً.

س- هل سيتم ذلك بشكل جذري أم ان هناك تسوية؟
ج- أنا أعتقد أننا أمام فرصة تاريخية لمعالجة كل هذه العناوين بهدؤ وبالرضى وبالقبول، شرط أن تتفهم قيادات “حزب الله” وقيادات حلفائهم، بأن الأمور لا تتم لا بالصوت العالي ولا بالقطع، ولا بالشلل، ولا بالتنكيل بالمراحل السابقة، كإدانة السياسة المالية لحكومات الرئيس الحريري، وإدانة السياسات السياسية الإقليمية لحكومات الرئيس السنيورة، لأن هذا لا يبني تفاهماً ولا يبني منطقاً ولا يوصل الى نتيجة.
لكن أنا أريد أن أؤكد انه رغم كل ما نقوله، أنا لا زلت على تفاؤلي بلبنان، وأنا متأكد بأن اللبنانيين ليسوا قادرين فحسب، بل سيتجاوزون هذه المحنة، لأنهم تجاوزوا غيرها من المحن التي كانت أصعب بكثير.

س- ماذا تقول لنا عما يجري في المملكة العربية السعودية، هل تتوقع حرب خلافة صامتة؟
ج- أنا أعتقد انه كانت هناك ترتيبات منتظرة حسب ما قرأته وسمعته في عدّة وسائل اعلام، والأن بسبب الوضع الصحي للملك عبدالله تأجلت، ولكن الأمور الآن تسير وفق الأصول، بمعنى نائب الملك يتسلم الحكم الى حين عودة الملك عبدالله من رحلته العلاجية، ولا وجود للحروب لكن ربما هناك تعدّد أراء .

س- ربما هناك نزاع؟
ج- ولا حتى يوجد نزاع، فقدرة المسؤولين السعوديين على التفاهم في ما بينهم أكبر بكثير مما نحن نعتقد.

=========