“في التفاصيل” – المحكمة الدولية بعد طول صمود

مقابلات تلفزيونية 13 فبراير 2008 0

مع نهاد المشنوق وغسان مخيبر

س- أنت كنت من الأصدقاء المقربين جدا من الرئيس الحريري، ومن المستشارين الموجودين دائما، مرت ثلاث سنوات على هذا الإغتيال الذي جمع في الـ2005 معظم اللبنانيين وأدى ذلك الى خروج الجيش السوري. اليوم في الـ2008 هل تعتبر ان التصعيد السياسي حوّل الذكرى من ذكرى لجمع اللبنانيين، الى مناسبة للتفرقة؟
ج- أعتقد ان اللبنانيين لا زالوا على إجماعهم بمسألة المطالبة بالعناوين الثلاثة : الحقيقة، الحرية والوحدة الوطنية، ولكن لا يمكن إختصار مجموع اللبنانيين بقياداتهم السياسية، خاصة عندما يكون هناك صراع شديد وهناك الكثير من اللبنانيين، وأكثر مما نتصوّر ليسوا جزءا من أي تنظيم سياسي، عندهم مشاعر يقولونها ويعبّرون عن رأيهم ببعض الأمور، ولكن مجموع اللبنانيين لا زالوا على موقفهم من إغتيال الرئيس الحريري ، وهذه قناعتي بصرف النظر عمن سيشارك غدا في الذكرى في ساحة الحرية، وليس بالضرورة ان كل الناس الذين لم يشاركوا هم مؤيدون لعدم المشاركة أو لخط سياسي معارض، خاصة بما يتعلق بـ”حزب الله” وحركة “أمل” ، الواضح انهم أصيبوا بمحنة كبرى لا تشجّع الناس على المشاركة . في كل الأحوال، أعتقد انه حتى الناس التي بقيت في بيوتها، لا يمكن أن يكونوا مختلفين حول الحقيقة باغتيال الرئيس الحريري، أو حول حريتهم للعيش باستقرار وأمان ووضع هادىء نسبيا، أو بالإبتعاد عن فكرة الوحدة الوطنية التي مهما قال السياسيون انهم يريدون الإبتعاد عنها، ولكن هذا لا يعني ان الناس ستلبي رغبات السياسيين.

س- هناك شعارات كبيرة، ولكن نجد ان المسؤولين لا يطّبقون هذه الشعارات على الأرض ، وايضا نجد ان الشعب ولا مرة وقف رافضا ، وقال لا لهؤلاء المسؤولين أو القيادات التي تجره وراء خياراتها؟
ج- الوضع السياسي في لبنان دقيق، وهو وضع شبيه بالمعادلة الكيميائية، وبالتالي ظهور تيارات معارضة شعبية لقيادات سياسية وقت الأزمة والمحن صعب جدا.

أسمع الحديث عن العاصفة التي ننتظرها، أنا أرى إننا الآن في قلب العاصفة وهي موجودة ومتوفرة، وهذا الكلام الكبير الذي نسمعه من كل السياسيين هو تعبير عن هذه العاصفة، وليس تعبيرا عن الإستقرار ولا حتى عن السعي للإستقرار.

ولكن أنا أريد أن أفهم بهدوء ولكن بصوت عالي، ما هي المشاركة؟ وكيف يمكن أن نقول اننا نعيش في نظام ديموقراطي نسعى لتطويره، وفي نفس الوقت نقول نريد مشاركة؟.

هناك عدّة صياغات لأسباب المشاركة وليس للمشاركة نفسها، لأن المشاركة نفسها لها صياغات متعددة ولكن الهدف واحد. أما الأسباب الموجبة للمشاركة فأنا لا أقتنع ان هذا حق من حقوق العمل السياسي، ليس لأن هذه الجهة تريد المشاركة وتلك الجهة رافضة، ولكنني أعتقد انه إذا لم يكن هناك معارضة جدية فهذا يعني انه لا توجد محاسبة ، وبالتالي هناك قرارات شبه ديكتاتورية تتخذها الحكومة. وعندما نطبّق مبدأ المشاركة بالمطلق لا يستطيع أحد من اللبنانيين الإعتراض ، وإذا إعترض نادرا ما يلقى هذا الإعتراض الإهتمام. أهمية النظام الديموقراطي هي ان هذا النظام يُلزم الحاكم الأخذ برأي المعارضة، دون أن تكون المعارضة داخل الحكم.

س- هذا يكون في الحالات الطبيعية ، وفي الأنظمة الطبيعية ، لكن ما نشهده اليوم في لبنان، هل نستطيع ان نقول انه أمر طبيعي وحتى ان الدعوة للمشاركة في ذكرى جمعت اللبنانيين في يوم ما أصبحت وكأنها قرع لطبول الحرب؟
ج- ان ما يبنى على خطأ لا يولّد الصواب، فهناك فرق بأن تقول انك في صدد مشروع بناء الدولة، وبالتالي انا بحاجة لمشاركة جميع القوى، أما إنك بصدد الحكم، فالحكم أداة تنفيذية ، بمعنى ما أهمية أن تكون كل القوى السياسية في الحكومة، وعندئذ من يحميني من هذه الحكومة، أنا كمواطن من سيحميني؟.

س- حضرتك عشت كثيرا مع الرئيس الحريري، لو كان اليوم حيا، كيف كان سيتصرّف أزاء هذا الوضع، وإزاء تسييس هذه الذكرى بهذه الطريقة؟
ج- أنا لا أرتاح لصيغة السؤال “لو كان موجودا” هو أو غيره ، لأنني أعتبر ان لكل شخص مرحلته، وكل ظروف تفرض على الشخص كيف يتصرف ، وبالتالي لا يمكن ان نضع أمامنا إفتراضا، مفاده: لو كان فلانا موجودا كيف كان سيتصرّف.

السؤال هو هل الناس الموجودين الآن يتصرفون بشكل صحيح أم خطأ ، والسؤال بطبيعة الحال هو مراجعة سياسية لما حصل منذ إغتياله من 2005 حتى اليوم، هكذا تكون الأمور أقرب للواقع وأكثر عملانية.

أنا أعتقد ان الرئيس الحريري إغتيل من أجل إزاحته من أمام مشروع سياسي كبير قادم الى المنطقة، هناك من يقول إنه مشروع سوري- إيراني، او مشروع “حماس” أو المشروع الإسرائيلي، أي ان هناك عدّة تسميات لهذا المشروع المقبل على المنطقة، ولكن من الواضح ان الرئيس الحريري أُزيح من أمام تقدّم مشروع كبير.

س- يبدو أنك إستثنيت المشروع الأميركي؟
ج- أبدا، طبعا المشروع الأميركي أيضا، وسيكون لي كلام عن المشروع الأميركي ، لكن ما أريد أن أقوله، ان الرئيس الحريري كسدّ كبير، عنده إمكانيات شخصية وعامة، رئيس وزراء لبنان وعنده إمتداد عربي ومعارف في كل أنحاء العالم، ليس من السهل تمرير مشروع سياسي بوجوده، إضافة الى ان عمره صغير يساعد، وقدرته على الحركة مشهود له بها ، يستمر في العمل من الثامنة صباحا حتى الثانية عشرة ليلا ، وأعتقد ان لهذه الميزة علاقة بعناصر نجاح العمل.

إذاً الرئيس الحريري أُزيح كسد من أمام هذا المشروع، وهو لم يقتل ثأرا لخطأ إرتكبه في السابق كما يحصل عادة. ان القتل السياسي الحديث يقوم على القتل من اجل منع الشخص من القيام بدور مستقبلي وليس الثأر من الماضي.

أنا كنت أراجع الكثير من المحطات من الـ2005 حتى اليوم لأسباب مهنية طبعا، إكتشفت أمورا أساسية:
أولا: الواضح ان المشروع الذي إغتيل الرئيس الحريري من اجله لم يتحقق، وان قوى 14 آذار التي بدأت بمشاركة التيار العوني في ذلك الحين، إستطاعت منع هذا المشروع من أن يتحقق. وللدليل على ذلك سأروي هذه القصة: ” أنا إلتقيت السفير الأميركي جيفري فيلتمان مرة على الغداء، وقال لي انه في 13 آذار 2005 أرسل تقريرا الى حكومته يقول فيه ان الجيش السوري لن ينسحب ، وان قيادة 14 آذار لن تحشد كما يعتقد وان حكومة الرئيس عمر كرامي لن تستقيل”. هذا كلام قاله السفير الأميركي وليس أحد آخر، وهو كرر هذا القول في حديث علني لصحيفة “الحياة” في وقت من الأوقات. ولكن كل ما توقعه فيلتمان لم يتحقق، فإنسحب الجيش السوري، وسقطت حكومة الرئيس كرامي، وكُلّف السنيورة وشُكّلت حكومة وإستلمت البلد بشكل جدي.

أما بالنسبة لما قاله الاستاذ غسان بالنسبة لعدم إشتراك التيار الوطني في الحكومة، ان قرار عدم إشراك التيار الوطني الحر في الحكومة قرار دولي وليس قرارا لبنانيا، وسأكون صريحا في هذا الموضوع الى الآخر، وأنا هنا أتحدث عن معلومات وليس عن رأيي. هذا قرار دولي تم إتخاذه لعدم وجود هذه القوة السياسية داخل الحكومة، ولبّت الطلب أوسع مجموعة من الأطراف اللبنانية.

على كلٍ، لنرجع الى النقطة الثانية المتعلقة بالمحكمة: في كانون الأول 2005 إغتيل الصديق والزميل الآباتي جبران التويني ، في اللحظة الأولى لاغتياله كان واضحا ان المطلوب عدم إتخاذ قرارات بشأن المحكمة الدولية ، عندما إنسحب الوزراء من الحكومة تدريجيا ، بمعنى انهم “حردوا وعادوا”.

مرّت سنة ثانية. وفي 23 تشرين الثاني إغتيل الوزير الشاب الشيخ بيار الجميل ، في ذلك الحين كنت في الولايات المتحدة في “معهد واشنطن”، وكان روبرت ساتلوف ودنيس روس وكبار الباحثين الأميركيين موجودين، وأُدخلت ورقة بأن الشيخ بيار قد إغتيل. عندها وقف روبرت ساتلوف وهو أحد كبار الباحثين اليهود الأميركيين، وقال “الآن إنتهت حكومة الرئيس السنيورة” فوافقه الرأي دنيس روس . وكان هناك أيضا سعوديون، مصريون وكويتيون في الجلسة، وكلهم إعتبروا إن هذا إستنتاج طبيعي ونتيجة طبيعية لإغتيال الوزير الجميل.

في هذا الوقت وقفت وقلت لساتلوف “أبدا هذه الحكومة لم تنته”، فسألني لماذا؟ فقلت له “سأروي لك نكتة ، لكن لا تعتبرها مرجعا: الرئيس السنيورة عنيد، واعتقد في رقبته دين تجاه الرئيس الحريري لن يتركه طالما هو على قيد الحياة يتعلق بالمحكمة تحديدا”. وإلى أن انتهت الخلوة وحين عودتي الى لبنان كان ساتلوف يودعني قال لي “إن شاء الله تكون محقا”.

إذاً قُتل الوزير الجميل، وإستمرت الحكومة ولم يكن أحد يصدّق ان هذه الحكومة ستستمر، وأنا أعرف وزراء في الحكومة معرفة شخصية، لم أصدّق ولا لحظة أنهم سيستمرون داخل الحكومة بعد إغتيال الوزير الجميل، ولكنهم صمدوا وإستمروا.

أنا كتبت عن الرئيس السنيورة انه كان مفاجأة بالنسبة لي، ولم أتوقع ولا لحظة انه سيتحمل كل هذا الضغط، ويجلس في السرايا طيلة سنتين ، في غرفة وفي مكتب من اجل تحقيق صمود

س- أليس قرار الصمود قرارا دوليا؟
ج- طبعا، كان هناك دعم عربي ودولي للرئيس السنيورة ولكن هذا كله لا ينفع إذا لم يكن مصمّما على الصمود.

س- لكن بالنتيجة هناك دعم؟
ج- أنا أسأل هل الدكتور جهاد أزعور معني بهذا الدعم العربي والدولي، لكي يصمد في السراي سنة ونصف أو سنتين من أجل المحكمة الدولية؟ ما حصل ليس سهلا ويجب ألا نبّسط الأمور، إنسانيا الذي حصل كبير جدا وغيّر النتيجة السياسية.

إذاً المحكمة تحققت، ولأول مرة يعلن قاضٍ في لبنان هو شكري صادر في مؤتمر صحفي من باريس، ان المحكمة شكّلت وإنتهت والأسماء عند الأمين العام، وكل التفاصيل الإجرائية، وأعلن السعوديون، الكويتيون والإماراتيون أنهم سيسدّدون ما يتوجب عليهم لإنشاء هذه المحكمة.

س- ما هو دور المحكمة بالنسبة للبنان، هل سيعزز فرص المصالحة أم سيكون موضوع آخر للتفرقة؟
ج- لا بد إلا وأن يعزز المصالحة، لأن هناك موضوعا شئنا أم أبينا ، عاجلا أم آجلا يجب رفعه عن الطاولة لأن المحكمة لم تعد من إختصاصنا.

س- يقول الرئيس السابق لجهاز مكافحة التجسس في فرنسا أيف بونييه في حديث لإحدى المجلات “أنه اصبح من الصعب اليوم معرفة من إغتال الرئيس الحريري، لأنه بعد ثلاث سنوات لا يمكن العثور على أدلة”.
ج- ليس من إختصاصي مناقشة المسألة التقنية والأمنية ، أما في السياسة فما أقوله ان المحكمة نشأت، وهناك قرار ظني سيصدر في حزيران المقبل، يحدّد ما إذا كان هناك متهمون وما هي الأدلة ، هذا ليس من إختصاصي ، ولكنني أستطيع أن أقول إستنادا الى إستنتاجات وليس معلومات ان هناك أدلة، وهناك قرار ظني جدي يتضمن معلومات جدية وتفاصيل جدية ، دعينا لا نستعجل الأمور، ونترك الأمور الى حينها. أما هل سيكون ذلك جزءا من صراع داخلي لاحقا؟ أنا أقول ممكن أن يكون الآن كذلك، ولكن لاحقا حتى الصراع نفسه لن يُفيد.

س- ما هو سبب التصعيد الكلامي لدى قوى 14 آذار، عشية الذكرى الثالثة لاغتيال الرئيس الحريري، ورأينا التصعيد الكلامي فجأة من قريطم الى المختارة الى معراب؟
ج- برأيي ان النائب سعد الحريري لم يصعّد، لأنه إذا دققنا في الكلام الذي قاله، هو لم يتعرض لا من قريب ولا من بعيد لأي طرف لبناني، وبالتالي هذا ليس تصعيدا، ربما هو له رأي بالمسألة السورية- الإيرانية قاله مرة واثنين وثلاث، ولكنه لم يتناول لا “حزب لله” ولا “أمل” ولا التيار الوطني الحر ولا أي معارض بأي كلمة قالها.

أنا أرى ان كلام الشيخ سعد الحريري واضح ومحدّد وتعمّد أن يقوله . هو خاطب اللبنانيين جميعا وإختلف مع المشروع السوري – الإيراني علنا، وبالتالي انا لا أرى فيه تصعيدا، أنا أرى فيه ربما حقيقة سياسية ورغبة بالتعبئة لا أنكر ذلك، وبالتالي لا نستطيع في الذكرى الثالثة لإغتيال والده أن نطلب منه أن يضع عقله على الطاولة، إنما أن يضع خطابه ليحشد الجماهير على أساسه، وهو تصرّف على هذا الأساس، لكن بحكمة وتعقّل وبكلام موزون ومتوازن، بما يتعلق بخطابه لجميع اللبنانيين.

أما ما قاله وليد بك برأيي هو تعبير حاد جدا ، إعتراضي على طريقة وليد جنبلاط.
أولا : انا لا أوافق على ما قاله.
ثانيا: أنا لا أتحمس لما قاله
ثالثا: أنا لا أعتبره قاعدة لأي حوار سياسي، ولا أعتبره يتضمن أي عنوان سياسي جدي، وبالتالي كلامه عن صعوبة أو إستحالة العيش مع الآخرين، لا يقرره هو ولا الذين يقصدهم يستطيعون أن يقرروه.

س- من يقرره؟
ج- يقرره الناس، لنكف في حديثنا عن القول بأن هناك شخصا ما يستطيع إلغاء الناس، وأنه لا يريد العيش مع نصف مليون لبناني. أنا ارى في هذا الكلام علاقة بالتعبئة وعلاقة بموقف حاد.

وللحقيقة أنا لم أقابل وليد بك بعد، ولكن من الواضح ان هذه الحدة والقسوة في كلامه تستند الى معلومات محدّدة لم يعلنها، ولكنه لمّح إليها بمسائل الإغتيال والأسماء، وكأنه يملك معلومات جديدة عن لبنانيين ربما، ساهموا في إغتيال أو أكثر.

برأيي يجب ان نفرّق بين خطابه في بعقلين وكلامه في بيروت ، وأنا أعتقد ان عنوان حركته هو التعبئة الى درجة الجنون، لأن قوى 14 آذار تتصرّف وكأن تظاهرة الغد في الذكرى الثالثة باعتبارها عن حق أو عن باطل ، أنا لا أوافق على ذلك، ولكن هم يعتبرونها عن حق أو باطل إنها تعبّر بأكثر قدر ممكن عن تمثيلهم السياسي.

س- وماذا عن المال السياسي الذي يستعمل لحشد الجماهير؟
ج- بصراحة، أنا أسأل من هو الذي لم يدخل بمشروع المال السياسي ، أنا لا أتحدث عن أفراد ولكن عن مجموع القوى السياسية، كلها دخلت في مشروع المال السياسي.

س- أنا أستطيع أن أتكلم عن مجموعات لم يدخل المال السياسي في مشروعها، ولا يحرّكها عنصر المال وهي، كتلة الإصلاح والتغيير؟
ج- أنا لست في لجنة الرقابة على المصارف، ولا أسمح لنفسي أن اقول من داخل هذا المشروع ومن خارجه، ولكن هذه المسائل تأخذ جدلا في السياسة.

س- دعنا نتوافق ان هناك إستعمالا واسعا للمال السياسي يجب أن يتوقف؟
ج- ما عندي شك في ذلك، ولكن دعينا نتكلم بدقة وأن نفرّق، بين المال السياسي الذي يأتي لمجموع اللبنانيين ويطال مجموع اللبنانيين، وبين المال السياسي الذي يأتي لمشروع سياسي فقط، يتعلق بمشروع سياسي له قاعدته العسكرية وجهازه الأمني، وجزء كبير من طائفة واحدة.

فعندما يقول سعد الحريري، بأنه وعائلة الحريري يتبرع بـ52 مليون دولار للشمال، لنفترض ان هذا مالا سياسيا، ولكن هذا المال، يتم توزيعه إنمائيا في مناطق يقطنها كل اللبنانيين.

س- هل سيوزّع هذا المال في ما بعد ، لأنه بعد الإنتخابات سمعنا أصواتا تقول ان المال لم يصل؟
ج- هذه الأموال رُصدّت لمشاريع محدّدة، وإستلمتها جهات وبلديات وليس الأفراد ، وهي رُصدت لمشاريع إنمائية كالمدارس وغيرها.

بالعودة الى ما قاله الأستاذ غسان ، أنا أريد أن أناقشه في نقطتين أثارهما:
أولا: في ما يتعلق بقانون الإنتخابات، أنا أرى انه لا يمكن أصلاح أي نظام سياسي في العالم بدون إصلاح إنتخابي.

إن موضوع قانون إنتخابات عام 2000 هو موضع خلاف كل اللبنانيين وكل القوى السياسية إستفادت منه. ولكن من إستفاد من هذا القانون، إشتكى منه، والذين خسروا أيضا إشتكوا منه، لذلك دعنا لا نستمر في إعتباره علاقة نعلّق عليها مشاكلنا، فهذه مرحلة مرت وإنتهينا منها.

أما بالنسبة للحلف الرباعي في تلك الإنتخابات، فأنا أعتبر ان هذا الحلف بالسياسة قرار كبير أدّى غرضه، هناك قرارات تتخذ في لحظة من اللحظات، لا يكون سببها نكاية بحق الآخرين إنما سببها تثبيت السلم الأهلي في فترة صعبة جدا ، وفيها دم رفيق الحريري على الأرض، والحلف الرباعي كان مطلوبا أن يتم وكان ضروريا، ولكن هو صيغة سياسية أدت غرضها وإنتهت.

س- لكن نتائج الإنتخابات لم تترجم في وقتها، بهذه المشاركة التي كانت مستحبة لإعادة تكوين السلطة، وبناء الوحدة الوطنية بعد إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وكان يفترض أن تترجم بحكومة وحدة وطنية تضم جميع القوى، ودعنا نتذكر انها أبقت التيار الوطني الحر في خارجها؟
ج- هناك فرصتان أضاعهما لبنان في إعادة هيكلة وضعه اي ما يسمّى بالوحدة الوطنية:
الأولى : إغتيال الرئيس الحريري
الثانية: حرب تموز
حصل زلزالان كبيران ولكن بنتيجتهما لم نستفد بتعزيز وتمتين الوحدة الوطنية.

س- ما هو السبب؟
ج- السبب هو الخلافات السياسية وعدم إستعداد أي قوة سياسية، وخاصة بعض قوى المعارضة التي قررت إنها صاحبة مشروع سياسي في البلد، والآخرون أميركيون وعملاء إسرائيليين وقتلة وزعران الخ..

لا أريد العودة إلى هذا الكلام، ولكن أريد أن اقول للدكتور غسان أمرين:
الأمر الأول: ورقة التفاهم بين التيار و”حزب الله” وقف بوجهها نصف القوى السياسية في لبنان، وأنا كتبت عدّة مقالات مؤيدة لهذه الورقة، هل كان ذلك إعجابا مني بالورقة؟ أنا أعتقد ان ورقة التفاهم في وقتها حققت جزءا كبيرا من الإستقرار في إتجاهين:
الإتجاه الأول، انه أتت بعد أحداث 5 شباط التي أثارها هؤلاء “الوطنجية”، الذين نظموا تظاهرة ضد السفارة الدانماركية ومارسوا تعدياتهم على الناس. فكانت هذه الورقة جزء للطمأنة بأن هناك قوة سياسية كبرى من مذهب معين، أو طائفة معينة متحالفة وهي ضمانة بعدم حصول أي خطر.

الأمر الثاني: انه لا يجوز تحت أي ظرف من الظروف، عزل “حزب الله”، ولا يجوز أن تتخذ كل القوى السياسية مُرغمة أو غير مُرغمة قرارا بعزله.

س- هل لأنه يملك السلاح أو العدد؟
ج- لأنه يملك جزء كبيرا من التمثيل السياسي في البلد. على كل حال ما أريد قوله أيضا ان ورقة التفاهم أدت غرضها.

س- هل المطلوب ان يعلن الطرفين، انه بما ان الورقة أدت غرضها، فرط هذا التحالف؟
ج- أبدا، أنا لا أقول هذا ، ودعيني أصحح، هذه ورقة تفاهم وليست تحالفا. هذه الورقة كونها بطبيعتها ورقة تفاهم بين قوتين سياسيتين محدّدتين، أدت غرضها وإنتهى مفعولها.

الخطوة التالية، هي إعتبار هذه الورقة منصّة للإنطلاق نحو القوى السياسية الأخرى، سواء بالحوار أو بالخلاف، أو بالتفاهم أو بالنقاش حول الأمور السياسية، ولتكف كل الجهات السياسية عن ممارسة سياسة العزل، التي كانت السبب في نشوب الحرب الأهلية عام 1975، عندما صدر قرار بعزل حزب الكتائب، وأنا لا أقبل تكرار التجربة بعزل “حزب الله” اليوم، على الأقل كمواطن لبناني.

أنا أعود وأكرر بأني لا أمثل أي جهة سياسية، ولا أُلزم أي جهة سياسية برأيي، أنا أتحدث بصفتي كاتبا سياسيا ومواطنا فقط.

إذاً هذه المذكرة أو الورقة أدت غرضها، كما أدى التحالف الرباعي في وقته غرضه بأنه صان السلم الأهلي، لأنه لم يكن بالإمكان حصول الإنتخابات بشكل طبيعي، وبدون ضربة كف، بدون هذ التحالف.

س- أبرز حدث اليوم هو إغتيال عماد مغنية في دمشق، أحد أبرز القادة العسكريين والأمنيين في “حزب الله”، وتزامن هذا الحدث عشية وصول وزير الخارجية الإيراني الى دمشق، ما دلالات هذا وإنعكاساته؟
ج- أنا أولا، لا أربط بين الإغتيال والزيارة، ولكن أنا أعتقد ان عماد مغنية هو اللبناني الأول في “حزب الله”، لأنه الوحيد الذي لا هواجس لديه بالثلث المعطّل والنصف زائد واحد والإنتخابات الخ..

أنا راجعت الكثير في ملف الشهيد عماد مغنية ، فوجدت انه أمضى كل حياته بعمليات ضد إسرائيل وأميركا، وهو متفرّغ لهذا الموضوع، ولا يضيع وقته بصغائرنا وتفاصيلنا، وقد حقق نجاحات لدرجة جعلت منه أسطورة أمنية أولا، وثانيا جعلت منه هدفا للقتل.

س- يُقال ان كل التدمير والقصف، الذي طال الضاحية الجنوبية أثناء حرب تموز كان يستهدفه؟
ج- بعد أن كان الشهيد عماد مغنية أسطورة، تحوّل بعد إغتياله الى مجموعة أساطير، وأصبح يُقال عنه كذا وكذا ، وممكن أن يُقال إنه فعل كل شيء ، وقد يكون هذا الأمر صحيحا وقد لا يكون ، ولكن بالتأكيد الى ما قبل حرب تموز، مارس هذا الشخص قناعاته بشكل واضح ومحدّد ، لم يُساوم ولم يصالح ولم يهتم بالشأن السياسي، فأنا أعتبر على الأقل ، ان هذا الشخص كان صادقا كل الوقت مع قناعاته، التي أدت الى إغتياله بالطريقة الفولكلورية اللبنانية. حتى الصورة تشبه صورة سيارة جورج حاوي، ولكن أكثر ضررا، حيث يبدو ان العبوة موضوعة تحت مقعده مباشرة.

الشيء الغريب وليس له تفسير حتى الآن، بالمعنى الأمني، انه كان موجودا في منطقة في الشام تضم الأجهزة الأمنية الإستخباراتية الرئيسية في سوريا.

س- إذاً هنا يطرح السؤال مَن المسؤول عن هذا الإغتيال؟
ج- بطبيعة الحال السلطات الأمنية السورية، ولكن هذه مسؤولية كل دولة تجاه أي شخص موجود على أرضها ، ولكن على من تقع المسؤولية المباشرة ؟ أنا لا أعرف.

س- ألا تعتقد ان هذا الأمر سيعرقل علاقات سوريا مع إيران؟
ج- العلاقة السورية مع إيران أعمق بكثير مما يُقال عنها، وحاجة الدولتين المشتركة لبعضهما البعض، وتفاهمهما والهدف الإستراتيجي الواحد أعمق بكثير. أنا أكيد انه ستصدر الكثير من الأقاويل من نوع: ان هذه هدية قدّمها النظام السوري لإمكانية التفاهم مع أميركا، خاصة وأن الشهيد مغنية مطلوب للقضاء الأميركي، ومطلوب من كل الأجهزة القضائية في العالم. أيضا سيُقال ان هناك خلافا سوريا- إيرانيا ذهب ضحيته عماد مغنية.

أنا أعتقد ان كل هذا غير صحيح ، ومن المبكر الحسم في هذا الأمر، والجزم في هذا الأمر، باعتقادي ان كل الروايات التي صدرت أو ستصدر تطال من رمز شهادته، هذا الرجل دفع ثمن أعمال من وجهة نظره، ومن وجهة نظري، ومن وجهة نظر الكثير من اللبنانيين والعرب، هي واجب على كل لبناني وعلى كل عربي، بأنه طالما إسرائيل موجودة في أرضك فأنت تقاتلها أينما كان ، وطالما هناك إدارة أميركية مؤيدة للسياسة الإسرائيلية، فمن الواجب ان تذكّرها بوجوب تغيير موقفها السياسي وعلى طريقته.

س- ماذا لو كانت إسرائيل وراء هذه العملية ، ألا يعتبر ذلك خرقا للأمن في سوريا، وبالتالي من يحمي قادة “حزب الله” و”حماس”؟
ج- أليست عملية القصف بالطيران التي قامت بها إسرائيل في دير الزور، كانت خرقا للأمن السوري؟.
لا يوجد أي إتفاقية أمنية تمنع إغتيال عماد مغنية بين أي جهة وجهة أخرى، فهو مطلوب لدرجة ان مكافأة قتله أوتسليمه أو القبض عليه بلغت 25 مليون دولار، هي دافع لأي جهة لكي تخترق أي جهة أخرى لتحقيق إغتياله، لأسباب سياسية وليس بسبب المكافأة، وقيمة المكافأة هي تعبير عن أهميته الأمنية.

ما من شك ان “حزب الله” باغتيال مغنية خسر عنصرا رئيسيا وأساسيا في أمنه، ومفهومه الأمني وإستراتيجيته الأمنية، طبعا هم سيقولون انهم مستمرون، وهناك غيره موجود بطبيعة الحال، هم مستمرون وغيره موجود، ولكن لا أعتقد أن أحدا يشبه أحدا آخر.

س- البعض يعتبر ان إنعقاد القمة العربية في دمشق ينعكس على الوضع في لبنان، والبعض يقول ان الوضع في لبنان سوف ينعكس على إنعقادها، ومن سيشارك فيها؟
ج- عمليا اني أعتقد، ان كل الأخبار والتحليلات تجعل من الصعب نجاح إنعقاد القمة في دمشق، وبالتالي إذا لم تحاول القوى السياسية والقوى الأهلية اللبنانية لملمة الحد الأدنى من الخسائر التي تصاب بها يوميا، وان تذهب الى الإنتخابات بالحد الأدنى من القرار اللبناني، باعتقادي ان عدم إنعقادها سيؤثر علينا سلبيا على الأقل بالمدى القصير ، ولكن على المدى الأبعد أرى ان الأمور ذاهبة باتجاه توازن مختلف في المنطقة، على الأقل خلال هذه السنة مما يسهّل على اللبنانيين التفاهم في ما بينهم.
======