فلسطين دائماً…. قمة الثلث زائداً واحداً… ( 2\2 )

مقالات 25 مارس 2008 0

يحرص العاهل الاردني عبد الله بن الحسين منذ ثلاث سنوات على ان يكون الصحن اللاقط للمقبل من الاحداث الى منطقة الشرق الاوسط، ليس لأنه يتابع أكثر من غيره من الحكّام العرب التطورّات في المحافل الدولية، بل ايضا لأنه يُقدم على الحديث عن المستجدّ قبل زملائه في النظام العربي الواحد. فعل ذلك حين كان أول من تحدث عن الهلال الشيعي في منتصف العام 2005 فأثار حوله عاصفة من التعليقات المستنكرة للتعبير الذي استعمله. لكنه لم يتراجع. اكتفى بالقول انه من السلالة الهاشمية التي يقدرها المسلمون على اختلاف مذاهبهم وإن وصفه الهلال الذي يبدأ في ايران ويكمل نحو العراق وسوريا ولبنان، هو وصف سياسي لا مذهبي.
حدث ذلك في الوقت الذي لم تكن فيه الادارة الاميركية قد فقدت أملها بالتواصل السياسي مع ايران في موضوع التخصيب النووي ولا مع سوريا في الحوار حول الصراع العربي الاسرائيلي.
يستطيع العاهل الاردني اليوم ان يقول بكل بساطة ان الصراع في المنطقة يدور حول عنوانه القديم ليس بالمعنى المذهبي، بل بالمعنى السياسي خاصة بعد انضمام حركة حماس الفلسطينية الى الهلال العتيد. ذهب العاهل الاردني في الاسابيع الأخيرة الى واشنطن في زيارة هي الثانية خلال اقل من سنة، ليلقي كلمة امام كلية وودرو ويلسون للشؤون العامة والدولية في جامعة برنستون، حذّر فيها من مقدار المخاطر التي سوف تتعرّض لها منطقة الشرق الاوسط ما لم يتم تحقيق اتفاق سلام نهائي بحلول نهاية العام .2008 الجديد في رأي عبد الله بن الحسين ان الدول العربية التزمت بالاجماع مبادرة سلام لا سابق لها. حدّد العاهل الاردني مواقع رفض السلام بثلاثة:
الأول: في اسرائيل من يعارض أي تحرّك نحو حل النزاع. وهناك سياسيون لا يريدون تحقيق السلام مع الفلسطينيين، كما انهم يرفضون حل الدولتين. وأنا أخالفهم الرأي. فأمن اسرائيل لا يمكن ان يعتمد الى ما لا نهاية على الاحتلال وجدران الفصل والقوة العسكرية. ان الأمن الحقيقي لاسرائيل سيتحقق عندما تغدو جارا تعيش بين الجيران، واقتصادا بين اقتصاديات، وشعبا بين شعوب، تعمل معا لتحقيق الاهداف المشتركة.
الثاني: في أميركا، هناك ايضا من يعارض اي انخراط اضافي. وهناك من يقول ان ما يجري في المنطقة لا شأن لاميركا به. وأنا أخالفهم الرأي حيث يعلم الجميع ان أهم الانجازات التي تحققت في تاريخ صنع السلام في الشرق الاوسط، تمت عندما دفعت الولايات المتحدة الاميركية بمفاوضات السلام قدما حتى اوصلتها الى غايتها.
الثالث: لا بد من التأكيد أن أي نصر يحققه أعداء السلام والحرية والاستقرار والاعتدال لا يمكن ان يعدّ خياراً. وإذا ما فوّتنا الفرص المتاحة اليوم، فسيتعرّض السلام لنكسة ربما تمتد عقودا. وسيستمر المتطرفون في العمل. وسيلحق الضعف بقوى التغيير الايجابي. ولن يقف الانقسام عند حدوده بل ربما يتعمّق الى مرحلة أكبر. وقد تتزايد عملية التشكيك في مدى فاعلية الغرب والتزامه. وهذه الامور جميعا سيكون لها نتائجها لا على منطقتي فحسب، ولكن على العالم ايضا .
يبدو من الكلام الذي ورد في المحاضرة الملكية، ان محادثات عبد الله بن الحسين مع الرئيس الاميركي لم تأت بنتيجة جديدة تجعله متفائلا بمحادثات السلام المتقطعة بين السلطة الفلسطينية والحكومة الاسرائيلية. كذلك الامر مع المرشح الجمهوري والسيناتور جون ماكين الذي استقبله فور عودته من العاصمة الاميركية. لذلك ذهب العاهل الاردني الى الأبعد في موقفه السياسي حين صرّح بأن فشل مباحثات السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين سيزيد طموحات ايران في المنطقة، التي اختطفت بسياستها الفصائل الفلسطينية.
****
لم أقرأ في كلام العاهل الاردني سواء في المحاضرة او في التصريحات اللاحقة رغبة في المواجهة. بل على العكس يبدي الملك عبد الله بن الحسين تأكيده مرارا وتكرارا ان حل المسألة الفلسطينية هو المفتاح الرئيسي لاستقرار منطقة الشرق الاوسط. وبدون هذا الحل لا تتعرّض دول المنطقة فقط الى اضطرابات لا تنتهي، بل ان السياسة الاميركية لا تظل قادرة على الاحتفاظ بصداقاتها مع دول المنطقة، كما في السابق اياً كانت المظاهر التي تحيط بزيارات كبار المسؤولين الى العواصم الصديقة لسياساتها.
وكالة مهر الايرانية لم تقرأ التصريحات الايرانية بهذه العين، بل وجدت في ما قاله العاهل الاردني مناسبة لاتهامه وسلالته بأقصى الاتهامات التي كانت رائجة في السبعينات بحق والده.
لا يعلم مسؤول الوكالة الايرانية غير الرسمية بالتأكيد مدى جدية التنسيق في العلاقات الثنائية بين الرئيس السوري والعاهل الاردني. وان كان عبد الله بن الحسين لم يعبّر عن خيبة أمله من نتائج زيارته الى واشنطن فهو حاول بالتأكيد فتح قناة حوار بين العاصمتين الاميركية والسورية فلم يستطع. وكذلك فعل بين المرشح الجمهوري جون ماكين والرئيس السوري فلم يوفّق أبداً. اذ ان السناتور ماكين أكد استمرار بلاده على موقفها تجاه سوريا حتى تراجع القيادة السورية عن سياستها في المنطقة وأولها بالطبع لبنان.
إذاً سقط مبكرا الرهان السوري على التسوية مع الادارة الاميركية الجديدة في حال فوز السناتور ماكين في انتخابات الرئاسة الاميركية وهو الأرجح.
لم يكن من الضروري سؤال ماكين عن موقفه فهو لم يترك مناسبة منذ وصوله الى المنطقة الا وأشار فيها الى موقفه الحاد الذي يتجاوز فيه حتى مواقف الرئيس الاميركي الحالي من سوريا وإيران. حتى انه أصدر بيانا دعم فيه ثورة الأرز التي وقفت في وجه الارهاب الايراني والسوري.
****
واكبت زيارة ماكين الى المنطقة، جولة لوزيرة الخارجية الاميركية كوندليسا رايس على القاهرة وتل أبيب ورام الله. صادفت جولة الوزيرة الاميركية ثلاثة تطوّرات:
الاول اعلان تل ابيب وقف هجماتها على قطاع غزة مؤقتا بانتظار ما ستسفر عنه جولة رايس والاتصالات الجارية في القاهرة بشأن الصواريخ المصنوعة محليا. الثاني الاعلان عن انتهاء زيارة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الى بغداد بعد توقيعه تسعة اتفاقات مع حكومة نوري المالكي الاميركية.
الثالث الاعلان عن صدور قرار ثالث عن مجلس الامن قضى بفرض عقوبات اضافية على طهران تتضمن حق تفتيش السفن المتوجهة من وإلى إيران.
كذلك جال نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني على دولٍ في المنطقة في الاسبوع الماضي ليعطي الانطباع بأن ما حدده القرار الأميركي من سياسات لا زالت مقرّرة، وليسمع زعماء مصر والسعودية والاردن وإسرائيل مخاوفهم من التمدد الايراني.
كيف يمكن لقمة عربية ان تعقد في مثل هذه الأجواء، اضافة الى السؤال عن احتمال نجاحها في حال عقدت في دمشق؟
هناك نظريتان حول السياسة الاميركية المستجدّة في الشهور التسعة الاخيرة من ولاية الرئيس بوش.
النظرية الاولى تقول ان الادارة قرّرت اعادة توجيه المسار وتشكيل اولوياتها على ضوء استهدافها إيران وحلفائها طبعا. اذ ان رأي الادارة الاميركية هو ان اهم النتائج الاستراتيجية التي جاءت بها حرب العراق هي تقوية مكانة ايران، حيث يراقب البيت الابيض بامتعاض العلاقة الوثيقة القائمة بين ايران وحكومة نوري المالكي التي سيطر عليها الشيعة . وقد تمت مناقشة الاستراتيجية الاميركية الجديدة بخطوطها العريضة بشكل علني. ففي شهادة أدلت بها وزيرة الخارجية كوندليسا رايس امام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس في شهر كانون الثاني الماضي قالت رايس ان هناك اصطفافا استراتيجيا جديدا في الشرق الاوسط، وبعد ان ميّزت رايس بين الاصلاحيين والمتطرّفين، اشارت الى ان الدول السنية تعتبر مراكز للاعتدال في حين ان ايران وسوريا و حزب الله تقف على الطرف الآخر من الحد الفاصل ثم أضافت تقول ايران وسوريا اختارتا طريقهما وكان خيارهما هو زعزعة الاوضاع .
أهم اللاعبين وراء عملية اعادة توجيه المسار هم نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني ومساعد مستشار الامن القومي اليوت ابرامز والسفير الاميركي في الامم المتحدة زلماي خليل زاده.
يصف سيمور هيرش في مجلة نيويوركر الاستراتيجية الجديدة بأنها تحوّل هائل في السياسة الاميركية. أما فالي نصر الزميل الاقدم في مجلس العلاقات الخارجية الاميركية ومؤلف كتاب صحوة الشيعة فيرى ان هناك جدلاً داخل الحكومة عن ايهما يعتبر الخطر الأكبر: ايران ام الراديكاليون السنة.
مارتن انديك، سفير اميركا السابق في واشنطن مدير مركز سابان لسياسة الشرق الاوسط في معهد بروكينغز، يعتقد ان الشرق الاوسط سائر قدما الى حرب باردة سنية شيعية ويرى ان البيت الابيض قد لا يكون مدركا تماما للمضامين الاستراتيجية للسياسة الجديدة … فالبيت الابيض في نظره لا يكتفي بمضاعفة الرهان على العراق انما هو يضاعف الرهان ايضا على امتداد المنطقة، ومن شأن ذلك ان يقود الى تعقيدات جمة لا سيما ان كل شيء بات مقلوبا .
مستشار الامن القومي ستيفن هادلي اقترح على الادارة ان تحاول عزل المالكي عن حلفائه الشيعة الاكثر راديكالية عن طريق بناء قاعدة له بين صفوف الاكراد والسنة المعتدلين. لكن الاحداث حتى الآن تشير الى سير الامور في الاتجاه المعاكس.
ينقل هيرش عن فلينت ليفربت المسؤول السابق في مجلس الامن القومي لا مصادفة هناك ولا مفارقة في الاستراتيجية الاميركية الجديدة بشأن العراق، فالادارة تحاول ان تبرهن ان ايران اكثر خطرا على المصالح الاميركية في العراق من المتمردين السنة، وهذا كله جزء من حملة استفزازية لزيادة الضغط على ايران على امل ان يصدر رد فعل من الجانب الايراني يفتح الباب امام الادارة الاميركية لتوجيه ضربتها لايران .
باتريك كلاوسون، المدير في معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى، يعتبر التعاون السعودي مع البيت الابيض اختراقا بالغ الاهمية، وهو يرى ان السعوديين يدركون انهم اذا ما ارادوا من الادارة الاميركية ان تقدم عرضا سياسيا اكثر سخاء للفلسطينيين فإن عليهم اي السعوديين ان يقنعوا الدول العربية بأن تقدّم عرضا سياسيا اكثر سخاء للاسرائيليين. كلاوسون قال إن المقاربة الدبلوماسية الجديدة تظهر درجة حقيقية من الجهد والعناية . ويتساءل كلاوسون: من الذي يتعرض لمجازفة اكبر نحن ام السعوديون، ان السعوديين يحتضنوننا في وقت تدنت فيه مكانة اميركا في الشرق الاوسط الى الحضيض. وعلينا ان نكون ممتنين لذلك .
تعتمد عملية اعادة توجيه المسار العراق مسرحا لاستقرار السياسة الاميركية في المنطقة. اذ ان استقرار العراق يفقد سوريا ورقة من اوراق المساومة مع اميركا. اذا انه بين كل جيران العراق فإن سوريا هي الأضعف. فالسعودية لديها المال والقبائل والمقام العربي والمقام الاسلامي. الكويت تملك المال، وللأردن علاقات قديمة مع المجموعات السنية. ولتركيا ورقة الاكراد. اما سوريا فلا يتجاوز دورها وصول الاصوليين للقتال هناك. لذلك جاءت دعوة نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني الى العرب للعودة الى العمل السياسي داخل العراق.
***
النظرية الثانية تقول ان مهمة تشيني في المنطقة هي استكمال ما بدأه الرئيس بوش في زيارته الاخيرة الى الشرق الاوسط. فمهمة تشيني الحقيقية في المنطقة تمهد لحرب جديدة أكثر مما تمهّد لتسوية يمكن التوصل اليها قبل نهاية العام ,2008 فالادارة الاميركية تدرك انه لم يبق امامها سوى أشهر قليلة لحسم ملفات عديدة ما تزال مفتوحة في الشرق الاوسط وأن هذا الحسم لم يعد ممكنا الا بعملية جراحية كبيرة. ورغم ان الادارة الاميركية الحالية تدرك في الوقت نفسه انها عملية محفوفة بالمخاطر وربما تؤدي الى قتل المريض بدلا من شفائه، الا ان رؤيتها الايدولوجية لطبيعة الصراع في العالم وفي المنطقة تجعلها تصور لها عدم وجود بدائل اخرى أفضل او اقل كلفة. فكل البدائل الاخرى تعني ان عليها ان تسلم بخسارتها للحرب في العراق، وبأن هذه الخسارة تفرض عليها تقديم تنازلات لإيران، تتعلق بسلاحها النووي، ولسوريا، تتعلق بالجولان، و لحزب الله تتعلق بالمعادلة السياسية في لبنان، و لحماس تتعلق بالاراضي الفلسطينية المحتلة. ولانه ليس من المتصور منطقيا ان تستسلم هذا الادارة في كل هذه المواقع فالاحتمال الارجح ان تقامر بكل ما تبقى لديها من أرصدة.
من العلامات البارزة في هذا الاتجاه، ما نقلته صحيفة واشنطن بوست عن مسؤولين في وزارتي الدفاع والخارجية ان المدمرات الاميركية ستبقى على حدود المياه الاقليمية اللبنانية حتى انتخاب رئيس جمهورية في لبنان. وان هذه الخطوة تمّت بالاتفاق مع السعودية.
من الطبيعي وسط هذه الاجواء ان يأخذ عمرو موسى ببعض النصائح فيقترح تأجيل انعقاد القمة خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في دمشق وان يبذل جهدا سبق ان جرّبه مع الرئيس الأسد ولم ينجح بإقناعه بالتأجيل. خاصة بعد ان استعجل وزير الخارجية الليبي عبد الرحمن شلقم تحديد جدول أعمال القمة. ففي مؤتمر وزراء الخارجية العرب الأخير في القاهرة، وقف الوزير شلقم مستغربا النقاش السوري السعودي حول انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان وقال بصوتٍ عالٍ ان هناك احتلالا ايرانيا لأراضٍ عربية الجزر الثلاث ، وإن هناك سيطرة ايرانية تتوسع انطلاقا من سوريا.
ضحك الوزير الفيصل واقترح على موسى اصطحاب شلقم معه خلال زيارته المقبلة الى بيروت.
ما لم يحدث التأجيل، ستكون القيادة السورية بحسب الدوائر الأميركية قد حققت من القمة انعقادها فقط بثلث الرؤساء والملوك العرب من دول الصف الثاني والثالث وربما زائدا واحدا. وهو ما لم تستطع تحقيقه في الحكومة اللبنانية، لحلفائها.