فخامة البطريرك ..

مقالات 06 مارس 2006 0

استمعت إلى البطريرك مار نصر الله بطرس صفير مرات عدة. ليس عن بُعد ولكن في القاعة الكبيرة التي يستقبل فيها البطريرك زواره كبر شأنهم أم صغر. كنت أرافق الرئيس الشهيد رفيق الحريري في كل زياراته إلى بكركي المقر الشتوي للبطريركية وإلى الديمان المقر الصيفي حيث الكنيسة اللبنانية الوحيدة المرسومة أسقفها بريشة الرسام اللبناني صليبا الدويهي. كان الرئيس الحريري يعلم بعقله الحسابي بعد السياسي والوطني أن الاستثمار اللبناني المنتشر في جميع أنحاء العالم والذي تزيد أرقامه عن الأصفار الستة لن يعود للعمل في لبنان دون أن يسمع كلاما مطمئنا وهادئا من سيد بكركي. ليس لأنه لا يثق بالطبقة السياسية الحاكمة فقط، بل لأنه لا يطمئن إلى حاله وماله ما لم يسمع الدعوة من البطريرك صفير شخصياً وتحديداً. إذ أن المطلوب عودتهم مالاً ورجالاً هم من المسيحيين.
قد يبدو في هذا الهدف تصغيراً لحركة الرئيس الحريري في اتجاه بكركي ولكنه كان المدخل لكثير من الحوارات السياسية الوطنية التي جمعت بين قدرة الاثنين البطريرك والرئيس الحريري على فهم بعضهما لما لا يريدان قوله.
نصل إلى بكركي في كل مرة يتقدمنا الدكتور داوود الصايغ الذي أطلقت عليه لقب “سيدنا” لكثرة معاشرته للمطارنة ورجال العلم والدين في الإكليروس المسيحي. أو يكون في انتظارنا هناك فرحاً بمجيء الرئيس الحريري الى المعقل الديني للموارنة في لبنان. يستقبلنا على المدخل الخارجي أبونا ميشال عويط سيد التوقيت والابتسامة الفرحة. يرافقنا الى المدخل الداخلي حيث الدرج الذي يصعد الى الطابق الأول.
على مدخل الصالون الكبير يقف البطريرك مستقبلاً ضاحكاً بقدر ما تسمح الظروف، دقائق وينتهي التصوير وسط السلامات والقفشات المتبادلة بين سيد الدار وضيفه. ينظر البطريرك إليّ ويسألني عن أحوالي. لم أنتبه مرة إذا استعمل لقب “الأستاذ” دون اسمي فنبّهني الرئيس الحريري بأن أنام باكراً كي أصحو باكراً وحاضراً. ضحك البطريرك ودخل في حديث ساعات النوم التي يحتاجها الإنسان. يتقدم أبونا عويط معلناً بدء الخلوة بين الحريري وصفير بيديه. إذ يكفي أن يشير الى الصالون المجاور للقاعة الكبيرة حتى نفهم جميعاً أنه حل موعد الخلوة.
يقف البطريرك من على كرسيه. يتقدم ضيفه يسحب مفتاح الجناح الخاص من سلسلة فضية تزين جيب جبته اليمنى. يفتح الباب ويقدم ضيفه الكبير عليه ثم يغلق الباب.
تنتهي الخلوة. يخرج الاثنان مبتسمين دون تكلف. يسحب البطريرك مرة أخرى سلساله الفضي ليغلق الباب بعد خروجه. كنت أسميها غرفة الأسرار إذ لا يدخلها إلا الضيوف الكبار. يقال فيها ما لا يقال في أي قاعة أخرى من قاعات بكركي. أول المستكشفين لما حدث في الخلوة بعينيهما المتوثبتين اثنان. الأول أبونا عويط الذي يبدي حرصاً جدياً على وده تجاه الرئيس الحريري شخصياً وسياسياً. الثاني “سيدنا” الدكتور صايغ الذي يريد أن يعرف قبل غيره نتائج مسعاه وجهده.
حين تتضمن الزيارة دعوة إلى الغداء وغالباً ما حدث ذلك كان ثلاثة من الأحجام الكبيرة يتعرّفون بشكل لطيف إلى معنى التقشف وفوائده. أصحاب الأحجام الرئيس الشهيد والدكتور صايغ وأنا.
نخرج ضاحكين من الزيارة. استعمل أنا تعبير “مننيقولولي” أي “يقولون لي” باللهجة الكسروانية التي حافظ على بعض مفرداتها البطريرك صفير رغم اتقانه لست لغات. درج سيد بكركي على استعمال هذه العبارة للإشارة إلى أنه لا يتبنى تماماً ما يقوله ولكنه ينقل كلام الناس. استعمل أنا التعبير للتأكيد على أن ما يندرج تحتها فيه من الحقيقة أكثر من الكلام المباشر.
حدّد البطريرك للبنانيين والمسؤولين السوريين موعدين. أولهما أسبوعي حين يلقي البطريرك عظته في كنيسة بكركي محدداً بلغة عربية منحوتة بدقتها الاتجاه السياسي لشكاوى جمهوره طوال الأسبوع. الموعد الثاني هو الاجتماع في أول يوم جمعة من كل شهر لمجلس المطارنة الموارنة. جعل منهم مجلس قيادة سياسياً. يصدرون بياناً شهرياً من أكثر النصوص السياسية حدة في أي موضوع يتناولونه.
الموضوع الأول والدائم الصدارة منذ العام 1990 حتى خروج الجيش السوري من لبنان في نيسان من السنة الماضية هو الوجود السوري الأمني وتأثيره على حياة اللبنانيين سياسياً واقتصادياً وأمنياً.
للوهلة الأولى ظهر البطريرك صفير وكأنه يريد حفر الجبل بإبرة، وهذا ليس غريباً على من لديه صبره وطول أناته. إنما قبل ذلك من يملك إيمانه بما يفعل. ظن من استمع إليه في البدايات ومن قرأ بيانات مجلس المطارنة أنها غيمة حدة تزول. تبيّن مع الوقت أنه راكم من الثوابت السياسية والوطنية في عقول اللبنانيين ما لم يستطع أي من السياسيين فعله مهما علا شأنه ومهما كبر دوره واتسع جمهوره.
لذلك حاول السوريون عبر وسطائهم المتغيرين والمتبدلين أن يصلوا إلى عقله دون نتيجة. لكنه كان دائماً يعطي الانطباع للوسيط وزيراً كان أم نائباً أم ضابطاً أم رجل أعمال أنه يستمع إليهم باهتمام المتفهم لما يقولونه. ثم يبسّط الأمور إلى حد القول ما فائدة الزيارة إذا كان الوسيط حاملاً لدعوة.
يشكر الوسطاء على الكلام اللطيف الذي يُسمعونه إياه نقلاً عن المسؤولين السوريين. يعتقدون أنهم حققوا غايتهم فإذا به في أول مناسبة يعود إلى موقفه ذاته. نريد عودة لبنان سيداً. حراً. مستقلاً. صديقاً لسوريا الدولة من الند إلى الند.
يشعر بأن الوسطاء بدأوا يؤثرون على مطران أو أكثر. على رئيس رهبنة أو أكثر. يلزم المطارنة بالمشاركة في القرار السياسي عبر مجلسهم الشهري ثم يلزمهم بالقرار طالما أنهم مشاركون فيه. ويتخذ تدابير إدارية تمنع جنوح رؤساء الرهبانيات من التفرد في حركتهم السياسية. لا يتغير. لا يتبدل. لا يتراجع. مهما اشتدت الضغوط. وضع نصب أعينه أن صفحات التاريخ لا تعترف ببطريرك يخذل قناعات رعيته أولاً وشعبه في بلد مثل لبنان. فقرر أنه البطريرك السادس والسبعون والكاردينال الثالث بين البطاركة الموارنة فلماذا يترك صفحات التاريخ للمتخاذلين؟
حفر بالإبرة جبل الكلمات والقناعات فعاش إلى أن رأى ما يريده ولولا قلة من صعوبات لاكتمل عقد رؤيته السياسية أمام أعينه.
كل هذا وصالونه مفتوح للجميع. يسمع الهمسات. يستمع إلى الخطابات. يرحّب بضيوفه من السياسيين ولأن كلاً منهم يحمل الجواب على أسئلته التي يعرف هو أجوبتها سلفاً.
كان الرئيس الحريري محيطاً بكل جوانب الصورة البطريركية. لكنه لم يترك جهداً لتمتين العلاقة بالبطريرك. ليس لأنه يشعر دائماً بأنه قادر على التفاهم معه فقط. بل لأن شعوراً بالذنب ظل يرافقه لسنوات طويلة سببه موقف البطريرك من اتفاق الطائف. اتخذ البطريرك موقفاً حاسماً في تأييد المسعى العربي والدولي الذي حقق اتفاق الطائف. وكان يحث رعيته في كل مناسبة للكلام على دعم الاتفاق. بل أكثر من ذلك كان يشكر أي مسعى عربي داعم لهذا الاتفاق وعلى رأسها السعودية. بدا للبطريرك أن هذا الاتفاق فرصة لا تعوّض لإنهاء الحرب في لبنان وإيجاد صيغة سياسية تحفظ العيش الوطني في لبنان.
لم يكن البطريرك في هذا الموقف لبنانياً فقط. إنما تصرف على أنه مسؤول عن المسيحية المشرقية التي تعتبر لبنان ميزان حرارتها أينما وجدت وأياً كان وضع استقرارها.
خالف رعيته وجمهوره والغالبية العظمى من المحيطين به لكنه لم يتراجع. دخل عليه في بكركي فريق الجنون العوني مهيناً له وللبطريركية. كل ما فعله أنه انتقل إلى الديمان في الشمال حيث زاره المستنكرون. بقي على موقفه. حفظ للدكتور سمير جعجع تعقله في هذه المرحلة وتأييده لاتفاق الطائف.
ذهب ميشال عون إلى المنفى. قابله بعد سبع سنوات في باريس. ذهب سمير جعجع إلى السجن بتهم مفتعلة ومركّبة على حد قوله. لم يترك قضيته يوماً واحداً. كان هذا الموضوع يجعله أكثر صراحة وحدة في مواجهة المسؤولين دون أن ينسب كلامه الى شكوى الآخرين. تحكّم الاتفاق الثلاثي المعقود في دمشق في العام 1985 بين نبيه بري ووليد جنبلاط وإيلي حبيقة بالتحالفات السياسية التي وصلت الى الحكم مع الرئيس الياس الهراوي. وبقي الطائف في الأدراج. وسط صمت سعودي وأميركي وقدرات سورية غير محدودة.
علم البطريرك أن لعبة الأمم لا تأخذ في الاعتبار مسألة الوفاء والالتزام بالعهود بل أن ميزان القوى هو الذي يتحكّم بالصغار من الدول والأفراد كما بالكبار. إلا أنه لم يغيّر من عنوان “الطائف” مدخلاً للسلام والازدهار حتى الأمس.
لذلك راكم الشعور بالذنب عند الرئيس الحريري فهو الأقرب إلى العائلة السعودية المالكة وهو رئيس وزراء لبنان القادم تحت بند اتفاق الطائف. لكن هذا لم يجعله يدخل في نفق الوساطة بين دمشق وبكركي فهو يعلم أن الطريق مسدود في الاتجاهين. وخاصة ان صديقه نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام يتحدث بحماقة ورعونة حين يكون الحوار حول موقف البطريرك صفير.
فصل الحريري رحمه الله بين حواره مع بكركي وبين علاقته بالقيادة السورية. صحيح أنه انضم في هذه العملية إلى فئة غير القادرين من وجهة نظر بكركي ولكنه بقي على رغبته في تمتين العلاقة مع سيد بكركي رغم كل الظروف. ورغم كل الانتقادات التي تعرّض لها من قبل السيد خدام بسبب هذه العلاقة.
اعتمد الرئيس الحريري سياسة أخرى للرد على الموقف السوري. صار يذهب إلى الفاتيكان كمن يذهب الى منزل صديق. كان الاستقبال الحار والكلام الودي والحوار الجدي مع مساعدي البابا يوحنا بولس الثاني يذهل اللبنانيين بعد ذهول من رافقه في معظم هذه الزيارات وأنا منهم.
طبعاً في الفاتيكان أيضاً يتقدمنا “سيدنا” الدكتور صايغ حيث صداقاته تنتشر في القاعات الخيالية الجمال. ويناديه البابا باسمه بعد لقب الدكتور بالإيطالية.
زار الرئيس الحريري الفاتيكان أربع مرات خلال خمس سنوات أي قبل زيارة البابا الى لبنان.
العارفون يؤكدون أن الرئيس الحريري ساهم مساهمة جدية في شرح فوائد زيارة البابا الى لبنان. إذ كان يعتبر زيارة هذا البابا التاريخي ستسبب دون شك، حالة انتعاش سياسية لدى المسيحيين الذين ما زالوا يشعرون بالإحباط منذ مقاطعتهم للانتخابات في العام 1992 وفلول زعمائهم وكادراتهم بين المنفى والسجن والهجرة المتزايدة.
حققت الزيارة غايتها. ظهر الفرح واضحاً على محيا الحريري وزوجته وعائلته حين كانوا ينظرون الى ساحة الشهداء حيث احتشد مئات الآلاف من اللبنانيين للاستماع إلى البابا يصلي فيهم.
كان البطريرك يقف الى جانب البابا بقامته القصيرة إنما المطمئنة الى انتصابها وتمثيلها الصادق لكل الجماهير التي احتشدت في أماكن عدة من لبنان. إذ وصلت الرسالة من البابا الى الجميع. لبنان رسالة. السلام غايتها ومنتهاها.
كان البطريرك يريد لرعيته أن تسمع هذا الكلام من البابا ليتأكدوا بأنه يقودهم نحو الطريق الصحيح لمستقبلهم. وأن مشاريع العنف والتقوقع التي يدعو إليها آخرون لا تؤدي إلا للخراب.
وقّع البابا الإرشاد الرسولي الذي اعتبر المؤشر الأساسي في حركة الكنيسة المارونية المقبلة في لبنان. إذ أخذ الإرشاد في الاعتبار مقررات السينودس الكاثوليكي المشرقي.
أضيفت بهذا الإرشاد نقطة الى رصيد البطريرك صفير رغم عدم التزامه بما ورد فيه عن أنه لا يمكن الدمج بين الكنيسة بحكم مهمتها وصلاحيتها وبين الجماعة السياسية بأي حال من الأحوال.
اعتبر البطريرك أنه كما أن للبنان خصوصيته كذلك لبطريرك أنطاكية وسائر المشرق مسائله الوطنية التي لا يستطيع لها تجاهلاً.
بعد زيارة البابا ظهر أن زعامة البطريرك صفير على رعيته ثبتت دون نزاع وأن انتشاره الوطني تحقق دون جدال.
ازداد ارتباك النظام السياسي في لبنان تجاهه وكذلك في سوريا. إذ لم تحقق كل الوساطات إقناعه بالذهاب الى سوريا لاستقبال البابا القادم في زيارة رعوية الى دمشق.
بدأ البطريرك يراكم تصعيداً في مواقفه السياسية بحدة صارمة. صار يصدر مع مجلس قيادته من المطارنة ما سمي بنداءات مجلس المطارنة وهي لهجة أعلى من البيانات الشهرية.
تجاوز المحظور في العام 2000. أشرف على إنشاء هيئة سياسية مباشرة بدأت بسمير فرنجية وفارس سعيد ونسيب لحود ثم ضمّت كل السياسيين المسيحيين المعارضين للوجود السوري. سميت هذه الهيئة بلقاء قرنة شهوان وترأسها المطران يوسف بشارة الأقرب الى عقل البطريرك صفير.
أخذت هذه الهيئة دورها في الحياة العامة بشكل جدي ومثابر. وباتت بياناتها من علامات الحركة السياسية أسبوعياً. لم يرتبك البطريرك من اعتراض مسيحيين آخرين على غطاء الكنيسة لهذه الاجتماعات. بعد أن أضيف الى حضوره المحلي، انتشار دولي لافت. أينما ذهب يستقبل كرؤساء الدول. في باريس. في واشنطن. في القاهرة. في النداء الذي سبق تكوين لقاء قرنة شهوان أعلنت بكركي عبر مجلس قيادة المطارنة في نداء استثنائي جاء في خلاصته ان الوجود السوري مسؤول عن كل مشكلات لبنان. لم يترك النداء تعبيراً إلا واستعمله. هيمنة. إذلال. امتهان. حرمان. انتخابات ظالمة. فقر مدقع.
اعتبر النداء أن خروج الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان هو الوقت المناسب لإعادة انتشار الجيش السوري تمهيداً لانسحابه نهائياً.
التقط وليد جنبلاط الكرة. فاجأ الجميع. دعا البطريرك لزيارة الجبل لإعلان المصالحة التاريخية في المنطقة المثخنة بالجراح منذ العام 83.
صعد البطريرك الى الجبل في آب من العام 2001. استقبال وحفاوة يشتهر بها سيد المختارة حين يريد. أعلن حلفاً معه حين سماه بعد رئيس الجمهورية في عظته في دير القمر “الزعيم الكبير. صاحب البيت الدرزي”. قبل أن يزوره في قصر المختارة ودعوته وأعضاء كتلته النيابية الى الغداء في مطرانية بيت الدين.
لم يعتبر البطريرك الزيارة مصالحة بل هي النسيان والغفران والتحوّل إلى حكماء وعقلاء نستفيد من أخطاء غيرنا وأخطائنا.
الخاسر الوحيد كان العماد لحود الذي خرج مهاناً من كنيسة دير القمر بسبب هتافات الحشود المعادية له وللسياسة السورية. فلم يجد رداً غير إعطاء الأوامر للأجهزة الأمنية باعتقال شباب المعارضة المسيحية. فكان السابع من آب تاريخاً حفر في ذاكرة معارضيه بكل هيئاتهم.
حتى جولة الجبل حقق البطريرك أربع محطات استراتيجية في مسيرته منذ العام 1990 حتى الآن.
الآن يواجه استحقاقاً جديداً. اغتيل الرئيس الحريري. جورج حاوي. سمير قصير. جبران تويني. محاولات اغتيال مروان حمادة. مي شدياق. الياس المر.
انسحب الجيش السوري. جرت انتخابات استناداً إلى قانون جائر بمشاركة العماد عون العائد من المنفى وسمير جعجع الخارج من السجن.
نتائج الانتخابات أعطت العماد عون الصدارة في التمثيل المسيحي. يعتبر نفسه الأحق في رئاسة الجمهورية. فكما للطوائف الأخرى ممثليها الحصريين كذلك المسيحيين.
قوى 14 شباط تضع الملف بين يدي البطريرك. كذلك الرئيس نبيه بري. يريدون منه إخراج العماد لحود وتسمية الرئيس الجديد. ما العمل؟
ليست المرة الأولى التي يمسك فيها البطريرك بالجمرة الحارقة بين يديه. فهو لا يستطيع إلا الاعتراف بالتمثيل المسيحي للعماد عون. غير أن رئاسة الجمهورية ليست مارونية بل لبنانية على حد قوله. ثم يصف الرئيس المقبل “له حضوره في طائفته وفي غير طائفته أيضاً. لأنه لن يكون رئيس طائفته وإنما رئيس اللبنانيين على اختلاف طوائفهم”.
لا حاجة للعودة إلى عنوان حديثه مع “السفير” في الشهر الماضي للتأكد من أن المواصفات التي يضعها للرئيس لا تنطبق على العماد ميشال عون. ولا حاجة لتذكير البطريرك بأن الرئاسة في لبنان لا تستند إلى أغلبية التمثيل المسيحي.
الرئاسة في لبنان دور وحكمة وشخصية الحَكَم بين اللبنانيين تتغلب فيها على أي اعتبار آخر. من يملك هذه المواصفات هو الذي يحمي التمثيل المسيحي في كل المؤسسات وليس العكس. خاصة إذا اعتبرنا “الطائف” هو القاعدة لرئاسة الجمهورية ولغيرها من المناصب الرسمية.
أما اعتبار الكتلة النيابية وتحالفاتها تحمي الرئيس على حد تعبير العماد عون فهذا مفهوم عشوائي وقديم لدور الرئاسة في لبنان.
إن التأسيس لمرحلة ما بعد الخروج العسكري السوري لا تفترض الاعتماد على أخطاء تلك الحقبة واعتبارها قاعدة للتأسيس عليها. وإلا ستكون النتيجة إصلاح الخطأ بخطأ أكبر. وهذا ما لن يسمح به البطريرك صفير. أليس هو فخامة بطريرك الاعتدال اللبناني؟