غسان تويني: نائباً عن كل لبنان..

مقالات 19 ديسمبر 2005 0

إلغاء مؤقت للتواريخ المتشابكة. 14 شباط. 14 آذار. 8 آذار.
منعاً للجدل. حسماً للثرثرة. هرباً من الأوجاع الكلامية. إصراراً على الهدوء. بعيداً عن “تسلّط” الأكثرية الوهمية. أبعد من هيمنة “الأقلية” المتوهمة. حفاظاً على ما تبقى من سكون يلفّ المدينة. حفظاً لما تبقى من مخزوننا الإنساني. رفضاً لما نناله من ظلم يفوق قدرة البشر على التحمّل.
تأكيداً لمحبتنا لمدينتنا بشكل أفضل بعقلنا وروحنا على السواء. أن نحبها. نحبها بلطف وعنف في آن واحد.
من دون أن نستسلم للحظة يأس. نحافظ على إيماننا بالإنسان وبلبنان وبالمجتمع الدولي في سبيل أن يستعيد لبنان سيادته وسلامته.
لكي نتعلم كيف نمشي إلى جانب الموت ونسكن ذاكرته لكي ننجو يومياً من الاغتيال فننتظره من دون خوف ومن دون ملامة.
حتى يكون الحوار الصريح النقدي هو الخيار. أي حوار الحقيقة.
المقاطع الأربعة السابقة ذكرها رئيس الوزراء الفرنسي دومينيك دوفيلبان نقلاً عن جليلنا غسان تويني في حفل تقليده وسام جوقة الشرف الفرنسي برتبة ضابط في التاسع من الشهر الحالي.
لم يخطر ببال رئيس الوزراء الفرنسي أن جليلنا غسان تويني سيحتاج الى معاني كل تلك الكلمات التي قالها سابقاً في يوم وداع ولده الشهيد اغتيالاً جبران. لم يعلم السيد دوفيلبان أن جليلنا غسان سيضيف إليها كلام الكبار بالقول على جثمان ولده: “لا أدعو في مثل هذا اليوم الى انتقام ولا الى حقد ولا الى دم، أدعو الى دفن الأحقاد كلها مع جبران”. سبقه كلام نقله عن والده الى ابنه “وحدة فلسطين وعروبة لبنان وانتسابه الى القضية العربية”.
لكل هذه الأسباب وكل واحد منها سبب كاف، ندعو جليلنا غسان أن يكون نائباً عن كل لبنان، ممثلاً لعروبته. لحداثتها. لعصرنتها. لتقدمها. لقدرتها على المرور الى عصب الشباب الذين ما رأوا منها إلا صورتها الاسوأ.
من اجل لبنان أولاً وبالتأكيد. ولكن أيضاً من أجل إنقاذ سوريا فيقوم حكمها على التحرر والتعدد ليكون على صورة الأمة.
من أجل العراق حيث يتشظى الإسلام وتُدمَّر الأمة.
من أجل مصر حيث لا ينفك ثقل المشكلات يطفو على السطح من عمق التاريخ…
أخيراً وخصوصاً، من أجل دولة فلسطينية تستطيع وحدها أن تضمن السلام في القدس مدينة الله المستعادة والمشرعة على كنيسة الله، المنفتحة على الحب الإلهي: فتكف عن كونها معقلاً للكراهيات البغيضة حيث وحده الرعب المتبادل يملك اليوم الحق في المواطنة.
هذا كثير على جليلنا غسان؟
أبداً. هذا من كلامه رداً على رئيس الوزراء الفرنسي. فمن كان كلامه منه لا يجافيه فعلاً إذا طلب من أجل العمل عليه.
بيروتيته جميلة، مثل حلم المدينة. لا يؤاخذها على جمالها. لا يحاسبها على فتنتها. يعرف أحجارها القديمة كما يعرف نفسه.
أرثوذكسيته بيزنطية. بدا في كنيسته زميلاً للمطارنة. رفيقاً لبطركهم. عميقاً في إيمانه. وطنيته يحميها تاريخه. عروبته تسكن شعره الأبيض. دفء حضوره توزع على كل اللبنانيين هذا الأسبوع.
ينقل عن صديقه السفير الشاعر بالفرنسية صلاح ستيتية أن لبنان بلد صغير ذو قصة فريدة. قصة أنه يملك تاريخاً أكبر منه بكثير.
كذلك المقعد النيابي عن كل لبنان. مقعد صغير ذو قصة فريدة. جليلنا غسان يملك تاريخاً أكبر منه بكثير. لكنه بالتأكيد لن يرد طلبنا بأن يعطي جزءاً من هذا التاريخ للبنان ولمقعده النيابي.