“عيون بيروت” – لبنان على خط الزلازل السياسية

مقابلات تلفزيونية 23 نوفمبر 2007 0

س – نبدا من قراءتك للمرحلة المقبلة، خاصة وانه تم تأجيل جلسة اليوم لانتخاب رئيس للجمهورية؟
ج- بصرف النظر عن موعد عقد الجلسة، نحن نعيش اليوم، فترة تاريخية شبيهة الى حد ما، بالفترة التي سبقت إتفاق الطائف بدون أحداث أمنية كعام 1989، هناك مبادرة دولية كبرى يقوم بها الإتحاد الأوروبي والرباعي العربي: مصر، الأردن، السعودية والإمارات ، وبموافقة أميركية وبدعم روسي، كل هذه القوى معنية بإجراء الإنتخابات الرئاسية في لبنان، ليس فقط من اجل هذه الإنتخابات ، بمعناها الرمزي، الإنتخابات الرئاسية تعني إستمرار الهدنة التي نعيشها اليوم، والتعايش بشكل طبيعي، وعدم إستعمال وسائل العنف بالمخاطبة أو بحياتنا اليومية.

س- هذا يعني تأجيل للملفات؟
ج – ليس تأجيلا، لا توجد ملفات يتم تأجيلها، هناك هدنة نعيشها، ننتظر خلالها تغيّر الوضع في المنطقة، نحن جزء من منطقة ، ودائما أقول في كتاباتي، لبنان يعيش على خط زلازل سياسية بسبب الظروف المحيطة به، والأزمات المحيطة به، والمشاكل المحيطة به، والآن أعتقد ان الكثيرين سيستغربون عندما أقول، ان وضعنا أحسن بكثير من أوضاع دول محيطة بنا، لسبب او لآخر، نحن نحاول الآن الخروج من مشكل ربما غيرنا بدأ يدخل بمشاكل ، الفرق بين 89 والآن، انه سنة 89 كانت سوريا مكلّفة بالتسوية من خلال لملمة القوى المتخاصمة في ذلك المكان، ونذكر ان هناك أشخاصا قُتلوا، والدكتور جعجع دخل السجن والعماد عون ذهب الى المنفى، وكل القوى التي واجهت التسوية، أو القوى التي حاولت رفض التسوية في ذلك الحين دفعت ثمنا غاليا جدا.

نحن نعيش الآن نفس الظروف السياسية مع الفارق، وهو فارق كبير، إننا والقيادة السورية نتعرض للمساءلة: من يقف في وجه التسوية؟ القيادة السورية وكل القوى اللبنانية تتعرض لمساءلة كبيرة عربية ودولية، في حال رغب أحد منهم الوقوف بوجه التسوية ، وسيدفع ثمنا كبيرا من سيستمر في معارضة هذه التسوية حتى النهاية. وبكل وضوح من يقف بوجه هذه التسوية سواء في إيران أو في سوريا أو في لبنان سيدفع ربما ليس الآن، ربما بعد شهر أو شهرين، ثمنا غاليا بسبب موقفه هذا.

س- ما هو هذا الثمن بتقديرك؟
ج- هناك وسيلة من وسائل المعالجة لكل دولة ولكل وضع، أنا لا أعرف ما هو حجم العقوبات الدولية، ولا أعرف ما هو حجم إمكانية الضربات، لا أملك تصوّرا واضحا ومحددا لنوعية العقوبات التي ستأتي على القوى التي ستقف بوجه هذه التسوية. لذلك نلاحظ أن هناك تدّرجا في قبول التسوية داخل القوى السياسية اللبنانية بشكل أو بآخر.

باعتقادي ستجري الإنتخابات الرئاسية، وسيُنتخب رئيس جمهورية طبيعي وعادي ، يشبهنا مثلنا مثله، معتدل متوازن منطقي عاقل، وكل الذين سمّاهم سيدنا البطرك فيهم هذه الصفات. هذه الإنتخابات قد تحصل بعد يومين أو بعد أسبوع ربما أو عشرين يوم، ولكن بتقديري ربما ستجري بعد أقل من عشرين يوم.

س- بتقديرك ان هذا الزخم العربي والدولي سينجح؟
ج- لا يستطيع إلا أن ينجح، هناك قرارات دولية كبرى مُتخذة، تستند الى هذا التصرّف من قبل القوى الدولية والعربية.

س- لماذا تعثرت الى اليوم هذه التسوية؟
ج- أي تسوية يحاول كل طرف أن يأخذ منها أكثر مما يحق له، وهذا طبيعي، ولكن في النهاية وبكل وضوح ،لا يمكن ان يأخذ أكثر مما يحق له.

الواضح ان التسوية الأخيرة ليس اللبنانيين من وقف بوجهها، لا الجنرال عون كما يُقال، ولا “حزب الله” كما يُقال ويُكتب، وباعتقادي ان الصراع الحقيقي مع هذا المسعى الدولي والعربي يتم في دمشق وطهران. دمشق تعتقد بأنه لا يزال بإمكانها الإستفادة أكثر من هذه العروض، ومحاولة تحسين شروطها بشكل أو بآخر، لكي تطلب في الوقت المناسب من حلفائها، وتحديدا الحزب، طرح وجهة نظرها. وإيران ايضا تريد ان يتم الإعتراف الدولي والعربي بشكل حاسم ونهائي، من قبل هذه الدول التي تعمل على التسوية، عربا وغربا الإعتراف بدورها، وحصلت أمور تفصيلية ، فلاحظنا ان وزير الخارجية السوري ذهب الى طهران وإجتمع بوزير الخارجية الإيراني، وإذا بالفرنسيين يوفدون مبعوث وزير الخارجية كوسران لكي يقابلهم، فإعتبروا ان ذلك أقل رتبة ممن قد يستقبلوهم، فأرسلوا إليه رسالة بألا يأتي، بإنتظار أن يطوّر الفرنسيون مستوى إتصالهم.

س- أن يأتي برنار كوشنير؟
ج- لا أعرف ما هو المطلوب، ولكن ربما المطلوب صدور بيان يجمّل ما صدر عن الرئيس الفرنسي ساركوزي ووزير خارجيته كوشنير بشأن الملف ، هذا الموقف الحاد جدا تجاه إيران ، وربما أمر آخر على الطريقة الدبلوماسية، ولكن هذا الشيء سيحصل، والمفاجأة كانت ان الرئيس الفرنسي تصرّف بطريقة لا أقول بدائية، ولكن بسيطة جدا، وكأنه يفكر بأن يتصل بالرئيس الأسد فيقول له “انه يمون على “حزب الله” ولا أمون على المسيحيين” فيطلب هو الجنرال عون وينتهي كل شيء، هذه تصرفات صبيانية . المسألة أكبر بكثير ومعقّدة، وبالتأكيد السوري لن يعطي مفتاح الحل على الهاتف، لأنه إما ملزم بموقف إيراني لايستطيع الخروج منه، وأما يريد ثمنا أكبر لما يحصل عليه حتى الآن

س- ممن سيحصل على هذا الثمن، هل من الفرنسيين أم الأميركيين؟
ج- في كل الأحوال من يقوم بالوساطة الآن من عرب وفرنسيين تم تكليفهم من قبل الأميركيين، وهم لا يقومون بذلك رغبة منهم.

وباعتقادي رغم كل الكلام الذي يُقال، مؤتمر انابوليس المقرر عقده في 27 والذي لا أعرف مبرر عقده، ولا مبررات حضوره لغير الفلسطينيين الذين لهم علاقة بالموضوع، رغم كل الكلام، لا أعتقد ان السوري يرغب في الذهاب الى انابوليس، وتكون أزمة الرئاسة في لبنان قد إنتهت، لأن له رغبة أن يناقشه أكبر عدد من الدول المشاركة في المؤتمر.

س- ورد في إحدى المحطات الفضائية خبر يفيد، ان الولايات المتحدة سحبت الدعوة الموجّهة الى سوريا ولبنان، نقلا عن مصدر مصري جاء هذا النبأ؟
ج- في كل الأحوال إذا سحبوا الدعوة، فأعتقد انهم يكونوا قد خدمونا، لأني أستغرب أن يحضر لبنان وسوريا مؤتمرا من هذا النوع، وأستغرب أكثر بكثير أن تشارك السعودية في مؤتمر من هذا النوع، لأنه لا يوجد أي مبرر لكي تعطي لإسرائيل أي ورقة من الأوراق التي مازالت بين يديك.

ما أريد أن أقوله، ان ما حصل في حرب تموز مازالت مفاعيله قائمة، ومن يعتقد ان إسرائيل قد شفيت مما حصل لها، يكون مخطئاً جدا، فلماذا إذا نذهب الى انابوليس ؟ لنقدّم لها المزيد من الهبات، والمزيد من الفرص بالتطبيع في مؤتمر لا يمكن ان يؤدي الى شيء. فالإدارة الأميركية في آخر أيامها والإدارة الإسرائيلية مريضة، وإدارة فلسطينية مربكة بوضعها الداخلي. أنا أستغرب كل الإستغراب ، كيف أن كل هذه القوى المسماة قوى الإعتدال ، وفي ظروف مثل هذه الظروف بمن فيهم ملك الأردن، أستغرب كيف لا تقف أمام التطرّف وليس على يمينه أو يساره أو ورائه وتقول أبدا نحن لا نجتمع مع الإسرائيليين.

س- الآن هناك تصريح للامين العام للجامعة عمرو موسى وبجانبه الأمير سعود الفيصل يقول فيه، ان الذهاب الى انابوليس لا يعني التطبيع؟
ج- هذا مستحيل، وغير ممكن، هذا كلام غير خاضع للتفسير الدبلوماسي، بل يخضع للتفسير الشعبي، ولا أعتقد ان هناك من سيحمل كتبا في أصول التطبيع، للتفتيش على بنود تخدم الحضور السعودي أو الإماراتي أو غيره في هذا المؤتمر.

هذه الصورة لأي مسؤول سعودي أو إماراتي أو لأي مسؤول عربي، حتى السوري تبّرع بما لا يجوز التبّرع بها، وقبل كل هؤلاء لبنان، أكبر خطأ ترتكبه الحكومة اللبنانية بالمشاركة بأي صورة من الصور بهذا المؤتمر.

س- البعض يرى بالمشاركة العربية في هذا المؤتمر، تعبيرا عن القلق من النفوذ الإيراني؟
ج- التعبير عن القلق من النفوذ الإيراني، لا يبرر الجلوس مع الإسرائيلي، وعندما تجلس مع الإسرائيلي للتعبير عن هذا القلق، فسيحصل العكس ويكبر هذا القلق.

س- ما تعليقك على الرغبة بالعيش عند اللبنانيين التي شاهدناها في هذا التقرير؟
ج- هذا ليس بجديد فإرادة الحياة عند اللبنانيين ولا مرة أُصيبت بشكل جدي، مازالت قوية في نفوسهم إرادة الحياة، الإستمرار بالعلم والتطّور بكل المجالات والهجرة ، ونحن نخاف من الهجرة. لكن أنا أعتقد ان الهجرة يأتي من بعدها جيل أحسن من الذي سافر، فإرادة الحياة والعلم والرغبة بالمعرفة والتطور موجودة لم تغب عن لبنان منذ 30 سنة، وإلا كيف مازال هذا البلد مستمرا بغير إرادة أهله، وبإرادة مجتمعه الأهلي وليس بإرادة الدولة.

س- هل تتخوّف في مكان ما من الوضع الأمني؟
ج- باعتقادي ان الخطوط الأساسية للخوف الأمني غير متوفرة ، والواضح ان كل القوى السياسية عندها من الضوابط الخاصة والخارجية، ما يكفي لضبطها وعدم فلتان الأمور.

س- هل تعتقد ان هناك نيات مبيتة عند الرئيس لحود، قد يفاجئنا بها قبل ذهابه الى منزله هذه الليلة؟
ج- لا أعتقد ان هناك خطوات جدية مضمرة لدى أحد، فكم سمعنا كلاما عن الحكومتين وعن الفوضى والنصف زائد واحد وما شابه، لقد جلدونا. وكلهم تصرّفوا معنا كمواطنين بمنطق الجلد السياسي ، مارسوا علينا كل أنواع التعذيب والتهديد بالفوضى، بالنصف زائد واحد الخ.. وبالنتيجة لم يبق سوى الأمور الطبيعية وهي ان رئيس الجمهورية يرحل، الحكومة تصرّف الأعمال، الى أن يتم إتفاق بين الفرقاء اللبنانيين، بواسطة هذه المبادرة الدولية والعربية لإنتخاب رئيس جمهورية جديد، ونقطة على السطر.

س- هل من علاقة أو مؤشر لبناني ما، يمكن أن يحدث في المنطقة أو العكس، بمعنى انه إذا تمت التسوية في لبنان، فإن منطق التسوية سيسود في المنطقة، وإمكانية عدم الحل في لبنان يؤشر الى ان منطق عدم الحل سوف يسود المنطقة؟
ج- لن يغادر منطق التسوية لا لبنان ولا المنطقة، نحن نعاني دائما من الثمن الذي نتعرّض له للوصول الى تسويات ، وليس الوصول الى الإنتصار أو الهزيمة الكاملة، دائما نحن نعيش في جو تسوية.
س- هل نستطيع أن نقول ان ميشال إده لم يعد في السباق الرئاسي؟
ج- أولا، ميشال إده ما زال موجودا لأننا مازلنا في لائحة البطرك، لم نخرج منها، ولا يجوز الخروج منها، لقد سمعت أثناء حضوري ان النائب سعد الحريري يقوم بزيارة البطرك صفير ، باعتقادي ان هذه خطوة حكيمة. وعلى كل حال النائب الحريري في الأشهر الثلاثة الأخيرة كان يمارس الى حد كبير، حسن الإدارة السياسية بتصرّفه وإتصالاته.

لائحة البطرك مازالت قائمة وهي الأساس، وعلى كل حال مهما قلنا عن ميشال إده فلن نعطيه حقه، فهو قيمة وطنية كبيرة وقيمة ثقافية عميقة، ومفكر قلائل بين العرب الذين يفهمون مثله عن المسيحية الشرقية، وماذا يعني المسيحيين في لبنان، وما معنى المسيحية بالنسبة الى الديموقراطية، لأنها إعتراف بالآخر والحوار مع الآخر.

أن يأتي ميشال إده رئيسا أو لا يأتي ، هذه مسألة أخرى، ولكن هذا لا يلغي ان هذا الشخص يملك الكثير من القيم غير المتوفرة عند غيره . من وجهة نظري وبرأيي، هناك شخصان يمكن أن يشكلا فرقا في الحياة السياسية إذا توليا الرئاسة، أولهما جان عبيد غير الموجود على لائحة البطرك الذي يملك الحيوية السياسية، والمعرفة العربية، والقدرة على التأثير فيها ويعرف من الصيغة اللبنانية كثيرا، مما يساعد على إضافة جديد الى الوضع الأمني، والأستاذ ميشال إده الذي يعرف أهمية لبنان وله من الصفات الشخصية والنزاهة والتعفف الذي يرضي الكثير من الناس.

س- ماذا بالنسبة لموعد الجلسة، التي حدّدها الرئيس بري في الثلاثين من هذا الشهر لإنتخاب رئيس؟
ج- باعتقادي ان هذا الموعد ليس موعدا عشوائيا من الرئيس بري الذي نراهن دائما على وطنيته ، قد تصعد وتهبط ، ولكن نحن نراهن عليها.

=======