“عيون بيروت” – حربٌ باردة في لبنان

مقابلات تلفزيونية 17 أغسطس 2007 0

لبنان منذ عام 1957، فترة ما يمكن تسميته بحلف بغداد والقومية العربية في ذلك الحين والصدام الذي حصل بينهما، لم يشهد أزمة مماثلة للتي يعيشها الآن. لبنان الآن يعيش وسط حرب باردة مُعلنة وصريحة ، اطرافها محدّدة. وهناك إشتباك بين هذه الأطراف بشكل عنيف سياسيا، وفي بعض الأماكن أمنيا، مثل العراق وغيره، وبالتالي ما بين تجربتين وسياستين في المنطقة حتى الآن، لم يظهر من منهما قد يحقق تقدّما جديا أو أن يخسر، وبالتالي هذا الكلام يقصد منه السياسة الأميركية في المنطقة ومن معها، والتحالف السوري- الإيراني و”حزب الله” ومن معه، إذا كان هناك من أحد معه كل هؤلاء هم اليوم ضمن صراع أكبر بكثير من مقررات السياسيين اللبنانيين على الوفاق. لذلك إذا لم يحدث شيئا كبيرا في المنطقة ، هناك إستحالة على التوافق في لبنان، والحد الأقصى الذي كان ممكنا أن نحلم أو نرغب به أو نسعى إليه، والذي كان الرئيس نبيه بري دائما يتحدث عنه، هو الكلام عما يمكن تسميته بصيانة الهدنة اللبنانية، كيف يمكن صيانة الهدنة اللبنانية دون التعرّض لانفجار ، وهذا ما تدور حوله كل المساعي التي نقرأها كل يوم في الصحف والتي يظهر في بعض الأحيان أنها غير عملية ، وفي بعض الأحيان غير منطقية وبعض الأحيان في توقيت غير مناسب، وبالتالي ليس صدفة أن يأتي امين عام الجامعة العربية ووزير الخارجية الفرنسي، والمسعى السعودي خلال شهر أو ستة أسابيع، وكل هؤلاء لم يحققوا أي تقدّم جديد، وهذا دليل عن مدى حجم الأزمة وليس دليلا على مدى رغبة الآخرين في حلحلة الموضوع.

س- تعتقد ان المشكل في الخارج ونحن نعيش ترددات هذا ، وما هو هذا الشيء الكبير؟
ج- نحن نعيش مرحلة من أصعب مراحل الإنقسام في المنطقة وسط مشكل كبير.

س- ما هو الشيء الكبير الذي تحدثت عنه، والذي ممكن أن يحدث في المنطقة ، هل هو حرب أوتسوية ولمن تميل؟
ج- كلاهما أمر كبير إذا كان هناك من حرب فهي أمر كبير، ولكن خسائرها أكبر على الجميع، وإذا كان هناك من تسوية فهي كبيرة وأرباحها للناس ستكون أكبر. أنا أعتقد ان هناك إستحالة لإجراء تسوية في المنطقة من الآن ومن فترة طويلة.

س- يعني أنت تميل أكثر الى إمكانية نشوب حرب؟
ج- ان طبيعة الأمور التي تحدث في المنطقة تجعلني أميل لهذا الإحتمال وإمكانية حصوله. وهنا هذا لا يعني تأييد هذا الإحتمال، القوى المعارضة للسياسة العاقلة أو العادلة أو المعتدلة في المنطقة قوى تعتقد انه باستطاعتها أن تصمد لمدة سنة أو أكثر بقليل وخلالها ستتغير الإدارة الأميركية، وأصبح هناك مجال للتفاهم على الكثير من الأمور مع الإدارة الأميركية الجديدة، بصرف النظر إذا كان هذا التوقع صحيحا أم لا، ولكن هم يراهنون عليه بشكل واضح وصريح.

س- إذاً علينا أن ننتظر لبنانيا ماذا سيجري في المنطقة؟
ج- علينا أن نحاول قدر الإمكان، ومطلوب من كل اللبنانيين الدفع بإتجاه صيانة الهدنة التي نعيشها، لأن التفكير بحل كبير هو تفكير مبالغ به.

القبول بالتراجع عن الهدنة هو خطر كبير ، لذلك على الناس أن تعمل على إستمرار صيانة الهدنة عبر الضغط على السياسيين الذين تنتمي إليهم ، وإذا نظرنا الى العرب أو الأجانب فإننا نستنتج من طريقة كلامهم عن لبنان ورغبتهم باستمرار الهدنة ، نكتشف ان لديهم في بعض الأحيان رغبة أكثر من السياسيين باستمرار هذه الهدنة، في وقت بدا واضحا الآن ان كل الإدارة السياسية اللبنانية مرتبطة بشكل أو بآخر بالنزاع الخارجي بنسبة أو بأخرى، وبالتالي يتصرفون على هذا الأساس . وأنا أعتقد انه لا توجد أي جهة سياسية في لبنان تستطيع أن تقول انها ليست متورطة، أو انها ليست متحزبة لقوى من قوى الصراع الخارجي.

س- هذه الهدنة التي تتحدث عنها، هل هي نوع من توافق سعودي- إيراني على عدم الذهاب الى فتنة في لبنان؟
ج- للحقيقة ان أهم مسعى قام به السعوديون بداية، خاصة الإدارة السعودية الحالية ، أي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، هو ممارسة سياسة الإنفتاح على الجميع في الوقت الذي كان الجميع يصنفه في الموقع المعادي لإيران، وإذ فجأة تبيّن بأنه قادر على التحاور مع إيران بسهولة وببساطة وبصدق، لأنه نُقل كلام جدي عن طبيعة المحادثات التي جرت بينه وبين الرئيس الإيراني، وتبيّن ان هذه المحادثات التي بدأت في كانون الثاني الماضي عقب أحداث الجامعة العربية حققت نجاحا كبيرا للطرفين، ولكن كان من الواضح ان المبادرة والراغب والمتحمس لهذا الأمر ، هو العاهل السعودي، والكل يعرف ان هذا التصرّف قد ساهم في وضع حد بشكل إستراتيجي من إمكانية خسائر لا تعوّض في الحياة اللبنانية اليومية.

س- هل إستمرار هذا التفاهم الإيراني- السعودي على الهدنة في لبنان يحصّن هذه الهدنة، وماذا عن سوريا؟
ج- بالتأكيد يحصّن هذه الهدنة ولكن دعني أقول ان تعبير التفاهم كبير ، أنا أرى ان هناك حوارا جديا وصريحا بين الطرفين، وهناك مصلحة لإيران كبيرة في الأمور التي يتحاورون من أجلها، وأيضا هناك مصلحة كبيرة للسعوديين وأكيدة بكل الإيجابيات التي يتحاورون من أجلها. لذلك إستطاع الطرفان السعودي والإيراني الوصول الى عملية صيانة وضبط للوضع في لبنان منذ عشرة أشهر وحتى الآن بشكل ممتاز، نحن لا ننتبه الى هذه الأمور لأننا نعتبر ان كل ما حصلنا عليه يصبح ملكنا. ولكن للحقيقة لقد قام السعوديون بدور ممتاز في هذا الإتجاه وحققوا نتائج جدية، لذلك تجدهم لا يركنون ، وتراهم في حركة دائمة بالموضوع اللبناني، بصرف النظر عن وقائع العرقلة التي تواجههم كل يوم. وأنا أستغرب بعض الأحيان عندما أسمع تصريحا سعوديا عن لبنان، أو حركة السفير خوجة وأسأل نفسي : هل طرأ أمر أنا لا أعرفه أو عناصر لم تكن متوفرة؟ ولكن هم لا يتعبون من المحاولة، ولا يبدّلوا رغباتهم وإتجاهاتهم في الوضع اللبناني.

قد تكون هناك آراء متعددة بسياستهم في لبنان أو بإسلوب سياستهم في لبنان، ولكن هذا لا ينفي أبدا من أن لديهم رغبة جدية بالوصول في أي لحظة من اللحظات ، ومهما كلّف ذلك من جهد ومن مال ومتابعة لشيء في حدّه الأدنى، صيانة الهدنة وفي حدّه الأقصى، تسوية رئاسية.

س- لقد تحدثت في فترة سابقة عن الأداء السعودي، كيف ترى هذا الأداء اليوم في المنطقة، وكنت قـد وجهت إنتقادات بناءة طبعا، وكان فـي مضمونها حرص على دور المملكة؟
ج- أنا لست مع رأيك القائل ان فيها حرصا ، بل أنا أقول فيها رغبة أو إستدراجا ، أنا كتبت في هذه الفترة عن السمع السياسي السعودي طبعا هم تحركوا بعد ذلك ، ولكن ليس بسبب مقالاتي ، وباعتقادي ان مناقشاتهم في فترة من الفترات، وحدوث الحرب في لبنان مع ما يعني ذلك من تجربة سياسية وعسكرية ، كانت ممكن أن تؤدي الى مشكل في المنطقة ، لولا الإحاطة السعودية السريعة لها في لبنان، بمعنى نتائجها والإحاطة الأسرع لنتائجها في الخارج، عبر المجموعة الإسلامية التي تم تشكيلها بسرعة وبشكل مفاجىء، وهي ماليزيا، أندونيسيا، باكستان، السعودية، مصر والأردن، وتحركوا أيضا عربيا عندما ذهبوا الى القمة العربية في آذار الماضي، حيث أكدوا على مبادرة السلام العربية مرة جديدة.

كل هذه الحركة السياسية المستمرة التي لا تتوقف، هي دليل حرص ودليل تفهّم لطبيعة التغيّرات في المنطقة، ودليل رغبة بأنه على الأقل فصل الوضع اللبناني عن الوضع في المنطقة، وهذا يشكّّل عملا ممتازا بالنسبة للبنان والعرب ، لأن الوضع في لبنان لم يعد وضعا لبنانيا، بل أصبح وضعا عربيا أيضا ، والدليل على ذلك الحرب ونتائجها والتصرّف السياسي اللبناني ونتائجه في كل الدول العربية، لذلك نرى إستمرارية في حركة السعوديين ، وهذه تجربة يخوضها الملك عبدالله بعد 17 سنة من الغياب عن السياسة الخارجية.

منذ سنة 1990 بعد الطائف، تراجع السعوديون الى الداخل لأسباب كثيرة منها مرض الراحل الملك فهد وأمور أخرى، ولكن الآن بعد 17 سنة ذهبوا في كل الإتجاهات وفي المحاولات نجحوا في مكان، ولم يستطيعوا في مكان آخر، وهم يخوضون صراعا جديا ليس من السهل أن يفوزوا في كل الأماكن، ولن يقبلوا الخسارة في كل الأماكن، هذا الصراع أظهر في وقت من الأوقات، ان الإدارة السياسية السعودية إدارة شابة ونشطة، بعدما إعتقدنا جميعا بمن فيهم أنا، إنها إدارة هرمة وغير قادرة على المبادرة، ولكن تبين العكس وإنهم قادرون على المبادة والتحرك والإيجابية وعلى التأثير، وذهبوا الى موسكو وواشنطن وأقاموا علاقات خاصة بالرئيس الروسي وعلاقات ملحّة ومتابعة وضاغطة مع إدارة الرئيس بوش المتعبة في العراق، وقاموا بحركة عربية واسعة وحركة إسلامية، وأعتقد انهم جهّزوا المسرح الكبير للكثير من الأمور التي لم تظهر حتى الآن والتي ممكن أن تساعد وتدعم التسوية، كما هو الرأي السعودي الذي أعلن عندما أبلغ الملك عبدالله، الرئيس الإيراني بأنه “لا يوجد أمر مُلّح وعاجل في تخصيب اليورانيوم بعد عشر سنوات مثلا، وبالتالي لماذا تعرّض بلدك للخطر وتعرّض المنطقة ايضا”.

وباعتقادي ان كل هذه التحركات السعودية هي نوع من تحضير المسرح، أما لخلق ضغوط كافية ومناسبة ويتصرّف الإيراني والأميركي بعدها على قاعدة التسوية، واما لاحتواء نتائج أي ازمة عسكرية ممكن أن تنشأ.

س- لماذا إستهداف الدور السعودي دائما في لبنان؟
ج- طبيعي ، وأنا لا أستغرب من النظام السوري أو من حلفائه أو أصدقائه في لبنان أن يقولوا هذا الكلام عن الدور السعودي، وسوريا نظاما وتاريخيا منذ 30 أو 40 سنة حتى اليوم، تعتبر ان لها اليد العليا في تقرير السياسة في المنطقة العربية، وإذا وجدت ان هناك أي تصرّف لا يناسب سياستها فهذا سبب للهجوم عليها، ولكن هذا لن يغيّر في شيء ، وبالعكس أنا أعتقد انه يكشف في طبيعة النظام السوري ما لا يقبله أحد، وهذه السياسة ليس لها جمهور ولا مؤيدين ، لأن الصراع لا يتعلق بالكلام الذي يُقال بالصراع العربي- الإسرائيلي، بل يتعلق بدور يقول نائب الرئيس السوري فاروق الشرع المتخصص بالشمت وبالأوصاف البشعة بمخاطبته للآخرين، هو قال ان الدور السعودي مشلول فهذا أولا غير صحيح، وثانيا إذا كان مشلولا فهذا القرار من السعودية، وبالتالي إحترنا، إذا تحركت السعودية مشكلة وإذا لم تتحرك مشكلة.

على كل حال، ما أريد قوله ان هذه الإدارة السعودية او الملك عبدالله بن عبدالعزيز تحديدا هو أكثر ملك ، لكي أستعمل تعبيرا دقيقا، أكثر ملك مُتفهم لطبيعة النظام السوري ولقدراته ولرغباته منذ 50 سنة أيام الملك سعود بن عبدالعزيز، وبالتالي الملك عبدالله تغلب عليه الصفة العربية وتفهّمه للنظام السوري هو التفهم الغالب على طبعه، وتدخله في المسألة العائلية السورية هو التدخل العربي الوحيد الذي أعطى نتيجة، وخلّص العائلة من خلافات ومشاكل وما شابه. فإذا كان الملك عبدالله غير قادر على أن يفهم عليهم بالسياسة، أو غير قادر تلبية ما يعتقد أنها رغبات غير طبيعية لهم، فلا أظن ان هناك أحدا في السعودية سيستطيع أن يفهمهم.

أنا أعتقد ان الملك عبدالله وهذه ليست معلومة إنما إستنتاج، أعتقد أن العاهل السعودي إٍستنفذ كل الوقت قبل أن يقرر سياسة المواجهة السياسية مع سوريا، كما حدث في البيان الذي صدر اليوم، هذا دليل ان السعوديين سئموا من هذه السياسة ومن هذه الطريقة.

باعتقادي ان هذه السياسة المتّبعة من قبل سوريا ليست جديدة، ولكن في السنوات الأخيرة ما عادت تعطي نتيجة وهم يستمرون في هذه السياسة رغم معرفتهم بأنها لن تعطي نتيجة، ورغم معرفتهم بأنه بعد الكلام الذي قاله الرئيس الأسد في خطابه عن الملك عبدالله وإضطراره للذهاب الى السعودية وحضور القمة وتقديم إعتذار علني، ويؤكد على إعتذاره علنا أمام الجميع، لا بد أنهم سيجدون مناسبة للإعتذار عن الكلام الذي قاله فاروق الشرع. هذه سياسة سورية قديمة ومريضة لن توصل لأي نتيجة، لا بالنسبة للذي قالها ولا لمن قيلت عنه، لأن الوصف أولا غير صحيح، وبالتالي إذا كانت السياسة السعودية اليوم قائمة على عدم الموافقة على السياسة السورية في المنطقة، فهذا لا يعني أن هناك شللا في الدور السعودي، إنما هذا يعني ان هناك خلافا سياسيا، لكل من السعودية وسوريا وجهة نظر في هذا الخلاف يتعلق بدور إيران في المنطقة.

بكل بساطة، لماذا تصّعب الأمور، ودعنا نقول ان الدور السعودي في فلسطين وفي لبنان وحتى في العراق، ولو عن بعد هو دور بكل بساطة، دور جامع بين الأطراف وليس دورا إلغائيا لباقي الأطراف، حتى في عز الخلاف الأميركي- السعودي حول حركة “حماس” في فلسطين كانت السعودية ملحّة ومصّرة أن يتم الإتفاق بين السلطة الوطنية و”حماس” على الأرض السعودية.

نأتي الى لبنان، نفس الأمر، الدور السعودي في لبنان دور جامع وليس مُفّرقا، والسفير السعودي يوميا يقوم بعشرات الإتصالات للتهدئة والنصيحة بالتروي وبالهدوء . بالأمس كنت على مأدبة عشاء في منزل السفير السعودي حيث كانت توجد نصف شخصيات البلد هناك، وبين المدعوين خمسة مرشحين للرئاسة، فالدور السعودي هو دور وفاقي ضنين بالوضع الإقتصادي وبالهدوء وبأمن اللبنانيين.

س- لقد كتبت تقول ان الـ15 سنة ما بين 1990- 2005 والتي شهدت هدؤا في لبنان كان ثمرة التوافق السعودي- السوري؟
ج- أنا لم أقل توافق سعودي- سوري، إنما قلت تغاضي سعودي عن السياسة السورية في لبنان، بمعنى ان إتفاق الطائف بعد إقراره تُرك لمدة 15 سنة يُنفّذ على الطريقة السورية وكانت النتيجة ما وصلنا اليه اليوم.

س- الرئيس بري يقول اليوم، بضرورة إتفاق الـ “س.س” كيف سينعكس هذا التفاهم؟
ج- باعتقادي ان الرئيس بري يعتبر ان على كل من السعودية وسوريا، أن تمد أجنحتها ورغباتها الى أطراف أخرى خارج القاعة التي يدور فيها الحديث على إفتراض ان السوريين يستطيعون التكلم مع الإيرانيين و”حزب الله” من جهة، وربما حلفاء آخرين لهم في لبنان، والسعوديوين يتكلمون مع الفرنسيين والفرنسيون مع الأميركيين، وحصلت محاولة مؤخرا هي المؤتمر الإقليمي التي دعت اليه فرنسا ، وذهب ساركوزي والتقى بوش في مزرعة والده بأميركا لمناقشته في هذا الموضوع ، فتبين عدم موافقة اميركا على حضور إيران وسوريا في مؤتمر من هذا النوع للبحث في الموضوع اللبناني، وباعتقادي ان هذا النوع من المؤتمرات لن يعقد.

س- كيف يمكن أن ينعكس اليوم هذا الإنفجار في العلاقة السعودية- السورية بعد البيان بالأمس، وبعد تصريحات فاروق الشرع على الوضع في لبنان؟
ج- السعوديون أعقل وأوعى من أن يتركوا الأمور تصل الى طبيعة الإنفجار ، أعتقد انهم يقومون بمواجهة سياسية محدودة وحادة في نفس الوقت ولا يوجد شيء إسمه إنفجار.

س- نلاحظ أن الوضع في بلد يسوده الجمود ، لا توجد تحركات سياسة لا تواصل بين الأطراف ، برأيك هل هؤلاء الأطراف جميعا في مأزق؟
ج- طبعا، هم ليسوا في مأزق فحسب، إنما هناك قوى غائبة عن الوعي ، ولكن في كل الأحوال الواضح الآن ان “حزب الله” والعماد عون لديهم رغبة بتسوية ما قائمة على توسيع الحكومة ، ولكن يظهر من تصرفاتهم الآن بأنهم يقصدون من وراء هذا التوسيع، الإمساك بالقرار داخل مجلس الوزراء في حال حصول فراغ رئاسي وعدم التوافق على الرئاسة.

وفي نفس الوقت، نشعر ان وليد جنبلاط مُتردد والدكتور جعجع رافض، فجنبلاط مُتردد لأنه يعرف أكثر طبيعة السياسة اللبنانية وطبيعة العلاقات العربية.

أما سعد الحريري أنا أرى انه في جو تسوية في اللحظة الأخيرة، إذا فتحت الأبواب في ظل الإقبال على الترشح للرئاسة من قبل مسيحيي 14 آذار ، إذ رأينا ان ثلاثة أعلنوا ترشيحهم في يوم واحد وأعرف واحد منهم إلتقيته قال لي “انه لم يكن ينوي الترشح، ولكن عندما علم بترشح من قبله أثناء توجهه الى عين التينة ، أعلن ترشحه هو أيضا من نفس المكان.

أما الرئيس فؤاد السنيورة فهو مُتشدد في موضوع توسيع الحكومة، وبالتالي في ظل هذه المواقف المتباعدة، أعتقد ان هذه القوى غير مستعدة الآن للتغيير، إلا ربما في اللحظة الأخيرة حيث من الممكن إلزامهم بشيء ما، بشكل من أشكال التعديل الذي يؤدي الى صيانة الهدنة.

س- جاء في حديث للبطريرك صفير مع جريدة السفير، انه مع تعديل الدستور لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ماذا تقول؟
ج- أنا قرأت حديث البطريرك للسفير، وباعتقادي ان طبيعة السؤال هي التي فرضت الجواب، بمعنى انه عندما تقول لشخص بمسؤولية البطريرك صفير إذا كان تعديل الدستور ينقذ البلد، فمن الطبيعي أن يكون جوابه أنا أريد إنقاذ البلد مهما كان الثمن.

س- هل ترى ان صحيفة السفير تُنظم حملة العماد سليمان للرئاسة؟
ج- لا، ولكن أعتقد ان في ذلك شيء من البراعة المهنية المبالغ فيها، ولكن واضح امام كل من يتعاطى بالشأن العام في لبنان، انه ليس هناك تعديل للدستور ولا أي سبب يأتي بموظف كبير أيا كان حجمة الى رئاسة الجمهورية.

س- نحن نرى ان هناك جو أميركي جدّي يعارض هذا الأمر؟
ج- ليس فقط جو أميركي ، أيضا هناك جو عربي جدّي، وباعتقادي ما من أحد مستعد لتكرار تجربة الرئيس لحود العسكرية مرة أخرى، مع الفارق الكبير بين الرئيس لحود والعماد سليمان الذي إستلم قيادة الجيش نتيجة ظروف سياسية معينة ومحدّدة، وهو منذ سنتين ونصف حتى اليوم يقوم بدور عاقل ومسؤول تجاه القضايا التي واجهها ، منها تظاهرة 14 آذار وتظاهرة 8 آذار، ومؤخرا الدور العظيم الذي يقوم به الجيش في مخيم نهر البارد، ولكن هذا لا يعني ابدا ان ما يحدث الآن لا بد من اثمان سياسية له ، هذا كلام يحصل دائما ، وكل قائد جيش حر أدخل بشكل او بآخر في نفق الترشيح لرئاسة الجمهورية، ولكن تجربة الرئيس لحود علّمت اللبنانيين والعرب والدوليين انه يجب عدم تكرارها أبدا في لبنان ، أكرر مع الفارق الكبير بين لحود وسليمان.

س- نلاحظ ان حركة الترشح للرئاسة ملفتة، والجنرال عون بالأمس حدّد عناوين برنامجه الرئاسي، ما رأيك بذلك؟
ج- أنا أعتقد ان كل من لديه رغبة في الوصول الى رئاسة الجمهورية يحق له أن يرشّح نفسه، ولكن هو يعرف انه لن يصل الى الرئاسة ، هناك الكثير من المرشحين يعرفون تماما أنهم لن يصلوا، ويعرفون ان الظروف السياسية والوضع في المنطقة لا تسمح بذلك، والإنتخاب في لبنان لا يتم على أساس الإستفتاء الشعبي.

باعتقادي ان كل الذين يعلنون ترشيحهم اليوم لن يصلوا الى رئاسة الجمهورية وهم يعرفون ذلك، ولكن من حقهم أن يترشحوا.

اليوم في لبنان كل طائفة هي أسيرة عنوان من العناوين:
الموارنة الآن والى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا أسرى لرئاسة الجمهورية.
السُنة منذ سنتين ونصف تقريبا دخلوا على الأسر وأصبحوا أسرى المحكمة الدولية.
الشيعة دخلوا ايضا على أسر جديد وأصبحوا أسرى سلاح المقاومة.
وبالتالي كل طائفة كلّفت نفسها بأسر وأصفاد تربط بها جمهورها ، ومن يخرج يُعتبر خائنا ويستحق القتل.

س- نلاحظ ان حركة الترشيحات في 14 آذار كثيرة، برأيك هل هي مُربكة لفريق 14 آذار أو تعكس تضعضع في صفوفهم، خاصة بعد رسالة النائب جنبلاط الذي قال “خائن من يسعى الى تسوية وسيحكم بالإعدام المعنوي”؟
ج- في الحقيقة انا إستهجنت وإستنكرت التعبير الذي إستعمله وليد بك، حول موضوع فرض الحُرم على من أعرف من هو هذا المجرم المهدّد بهذه العقوبات، هل هو بسبب ترشيح فلان لرئاسة الجمهورية أو الى طبيعة أخرى للحقيقة، أنا لا أملك معلومات واضحة، ولكن التعابير أيضا تعابير شمولية.

س- ولكن هذه معركة وطنية برأي النائب جنبلاط؟
ج- هذا رأيه الشخصي، ولكن هناك رأيا آخر يعتبر ان ما يخوضه هو معركة وطنية وآخرثالثا يعتبر ان الوطنية حق حصري له وآخر رابع له رأي آخر، لكن لنرجع الى الموضوع الأساسي ونقول 14 آذار إستنفدت غرضها في تحالف سياسي مرّ عليه سنتين ونصف يهدف الى أمور محدّدة : أولا هدف المحكمة، ثانيا هدف الحكومة وثالثا هدف رئاسة الجمهورية. الآن جاء إستحقاق رئاسة الجمهورية فكل الموارنة الكبار الذين يعتبرون أنفسهم مرشحين للرئاسة، أو مستحقين من 14 آذار أتخذوا خيارهم وذهبوا لى الترشيح، وهذا ليس مفاجئا، هذا تحالف ليس بالإمكان أن يستمر مدى الحياة بانسجام وتفاهم حول مسألة كل الناس عندها شهوة للوصول اليها.

أنا أفهم انه لا يوجد شهوة لسعد الحريري نحو رئاسة الحكومة، أو هكذا أعلم، وسمير جعجع لا يشتهي رئاسة الجمهورية ووليد جنبلاط ليس لديه شهوات تجاه أي أمر أكثر من التي حققها، فهؤلاء يمكن أن يستمروا في حلف فترة طويلة لأنه عمليا لا يختلفون على أي أمر إستراتيجي.

لكن أمام رئاسة الجمهورية إنفرط العقد الماروني داخل 14 آذار بسرعة، وهذا شيء أضاف الى طبيعته ما حدث في إنتخابات المتن حيث شعر بعض الموارنة بقوة وهمية والبعض الآخر بضعف كبير، فكان الطبيعي أن يذهب كل طرف الى مكان وأن يتخذ خياره.

س- هل سيجري الإستحقاق الرئاسي في موعده أم سيرجأ الى آخر لحظة؟
ج- أولا موعد الإستحقاق هو حتى آخر لحظة حتى 23 تشرين الثاني، وإذا كان هناك من تسوية ما فإنهأ ستحصل في اللحظة الأخيرة وأنا لا أعتقد انها ستحصل.

س- هل سندخل على حكومتين؟
ج- ليس بالضرورة ان يحصل ذلك، وأن يكون الفراغ الرئاسي سببا لمزيد من الدراماتيكية، ولربما يكون سببا للملمة الوضع بشكل او بآخر.

س- من سيتسلّم السلطة عمليا بعد الرئيس لحود؟
ج- بطبيعة الحال الحكومة، ولكن من المبكر الآن القول بأنه لن يحصل أي أمر سوى الفراغ الرئاسي ، لا بد من أن تكون صيغة ما توصل الى إستنتاج ما، لقرار ما، للملمة ما، من ضمنها توسيع الحكومة، ولكن الظروف السياسية الآن لا تشجع على القول بأن الإستحقاق الرئاسي سيتم ضمن المهلة الدستورية، إلا إذا حصلت تسوية، وإذا حصلت ستحدث في اللحظة الأخيرة في أواخر تشرين الثاني.

س- بالعودة الى الوضع الإقليمي والدولي، لماذا يرفض الأميركيون عقد مؤتمر إقليمي حول لبنان؟
ج- هناك صراع جدي بين الأميركيين والسوريين والإيرانيين ويرى الأميركيون انه لا يحق لسوريا وإيران الجلوس الى طاولة البحث حول الوضع اللبناني. الأميركيون يرون ان إيران دولة جارة للعراق وكذلك سوريا ، وبالتالي يحق لهما الجلوس على طاولة للبحث في الوضع الإيراني، ولكن لا يحق لسوريا وإيران بأي دور في الوضع لا بلبنان ولا بفلسطين.

======