عودة العروبة إلى أهلها ..

مقالات 13 نوفمبر 2006 0

انحنى سعد الحريري يوم الجمعة الماضي أمام ضريح والده ليضع مسوّدة مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي المخصصة لمقاضاة من اغتال والده رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري.
تعوّد الحريري الابن الانحناء امام والده. لذا، فالانحناءة ليست جديدة على العلاقة بين الابن ووالده. كنت أشاهده منحنياً مقبّلاً يد الوالد كما يسميه عند وصوله من السفر، ولدى مغادرته الى السعودية، حيث كان يقيم متابعاً اعمال عائلته.
كانت عينا الوالد يغشاهما البرق واللهفة حين يسمع صوت سعد قادماً من السفر. كانت عينا الابن يغشاهما الشغف حين يلتقي والده محاطاً ببعض العاملين معه، يراجع ورقة او يناقش أمراً.
أخيراً صار في يد سعد جواب دولي يحمله الى الضريح ويقول لقد وعدتك ووفيت. صار الآن دور القضاة كي يتولوا الإجابة عن بقية الاسئلة. الكثيرون يعتقدون ان الحريري الابن يخوض معركة سياسية من خلال المحكمة يغيّر فيها الموازين ويثبت انه قادر على تحمل مسؤولية التقدم الى الامام، لا العيش في الماضي. آخرون ينظرون الى موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي على أنه عنوان سياسي شعبي يعوّض لسعد ما يقول الآخرون انه فقده من دعم شعبي.
في عائلته، يستطيع أشقاؤه وزوجة والده السيدة نازك وعمته السيدة بهية ومن حولهم، يستطيعون ان يتباهوا بأن سعد صمد في وجه الأعاصير السياسية رغم طراوة عوده ووضع حقهم في معرفة من اغتال كبيرهم رفيق الحريري واقفا امام العدل المختلط ليسمع الحكم عليه.
انبهار الابن بأبيه
كل هذا صحيح. لكنني رأيت في صورته امام ضريح والده انها استمرار لعلاقة انبهار الابن بأبيه، وعشق الأب لابنه الحامل ثقلَ أسلوب عمل وطبائع بلد لا يستسيغها من كان مثله في اوائل العشرينيات من عمره.
بدا الحريري الابن كأنه قطع الشوط الاول من سباق طويل فأخذ لنفسه قسطاً ولو ضئيلاً من الراحة لا الاطمئنان، الى نتيجة السباق الكامل. إذ ان المشاركين الرئيسيين في هذا السباق ومنهم سعد لا يتركون وسيلة من وسائل التنافس المشروعة وغير المشروعة إلا ويمارسونها طمعاً بتحقيق رغباتهم في الفوز بالمقعد السياسي الاول للنظام الغائب عن لبنان.
اول المشاركين المُطالب بالتغيير السياسي، فضلا عن الحكومي، الامين العام ل حزب الله السيد حسن نصر الله القادم من الجنوب حيث حقق حزبه نصراً عسكرياً على الجيش الاسرائيلي ما زال حديث العالم.
لم ينتبه السيد نصر الله او لم يرد الاعتراف بأن ما تحقق في الجنوب هو موضع نزاع مع قوى اساسية سياسية في لبنان، وبالتالي فإن اندفاعه نحو ترجمة انتصار الجنوب في الداخل أمر غير ممكن عملياً مهما بلغت قوة الاندفاع. لذلك وجد نفسه امام المأزق، فما كان من وزراء حزبه إلا الاستقالة بعد ان اصر الرئيس السنيورة على عقد جلسة لمجلس الوزراء اليوم لإقرار مسوّدة المحكمة ذات الطابع الدولي.
لم ينتبه السيد نصر الله او لم يرد الاعتراف بأن مقابلته الاخيرة على تلفزيون المنار تسببت بحالة من التعبئة لدى القوى المناوئة لسياسته، لا سابق لها. كما انها أوصلت جمهوره الى تعبئة لا حدود لها.
لكن جمهورَين معبَّأين في مواجهة بعضهما البعض لا يصنعان تسوية يحتاج اليها حزب الله ، كما تحتاج اليها ايضا قوى الرابع عشر من آذار.
الحد الأقصى لفريق السلطة
وصل السيد نصر الله في حديثه الى الحد الاقصى الممكن من الاتهامات لفريق السلطة كما سماه، من دون ان ينتبه او لم يرد الاعتراف الى أن القوى التي يتحدث عنها هي نفسها الشريكة له وللقوى المتحالفة معه في حكومة الوحدة الوطنية التي ينادي بها. فكيف للقدرة على هذا الكمّ من الخيانة على حد توصيفه، ان تجلس جنبا الى جنب مع هذا القَدْر من الوطنية التي يفترض ان تنتج عنها حكومة الوحدة.
من السهل القول ان المشروع السياسي الاميركي والفريق الحاكم في لبنان قبل عدوان تموز، يريدان إحكام السيطرة على السلطة وتعيين رئيس جمهورية يتلقى تعليماته من السفير الاميركي لتنفيذ الشق الاسرائيلي من القرار .1559
من السهل قول ذلك. لكن كيف يمكن إثباته؟ لو كان لهذه القوى القدرة على الرغبة او التفكير في هذا الاتجاه لكان شيئا منه تحقق. لكنهم لم يفعلوا في الوقت الذي كانت فيه قدرتهم على التنفيذ اكبر بكثير من الآن، وترددوا في الاقل من ذلك وهو صعود المتظاهرين الى قصر بعبدا، وفصلوا بين تشكيل الحكومة والتعامل مع رئاسة رئيس الجمهورية لمجلس الوزراء وبين النقاش السياسي حول انتخاب رئيس جديد للجمهورية. اي انهم قبلوا بفصل العملي عن السياسي. فأين هم من القدرة على التغيير؟
الفصل السابع متأخراً
إذا كانوا غير قادرين بقواهم الذاتية، على حد تعبير السيد نصر الله، ويعملون على مجيء قوات متعددة الجنسيات تحت الفصل السابع الى لبنان، كما طرحوا في الوثائق التي تتحدث عن استراتيجية دفاعية، فما الذي منعهم؟ مجلس الأمن الدولي، أم حضور وزراء الحزب لجلسات مجلس الوزراء؟
لا هذا ولا ذاك. بل عدم وجود رغبة لديهم من هذا النوع وعدم موافقة دولية مفترضة على أفكار من هذا النوع. بل إن سعد الحريري يقول ويكرر أنه سعى لدى كل العواصم الدولية التي زارها لترك سلاح حزب الله الى الأطراف الداخلية تتفاوض بشأنه وتقرّر ما يناسبها للتصرف بموجبه. وهناك عدة تصريحات أميركية وأوروبية تؤكد ذلك، بسبب مسعى الحريري، أو لأسباب أخرى تقرّرها الدول نفسها.
لا أعرف مَن مِن الفريق الحاكم الذي تجرأ على إبلاغ الحزب بثلاثة شروط لوقف الحرب المدمرة، وهي:
1 – القبول بمجيء قوات متعددة الجنسيات تحت الفصل السابع لتنتشر في لبنان، وليس على الحدود الدولية مع فلسطين المحتلة.
2 – تسليم سلاح المقاومة في كل لبنان.
3 – تسليم الأسيرين، أو إطلاق سراحهما بلا قيد ولا شرط.
ما يعرفه الجميع أنه كان هناك مشروع فرنسي أميركي مشترك ينص على ما يشبه الشروط الثلاثة. لكن رئيس الحكومة رفض هذا المشروع وعمل ما بقدرته واتصالاته للوصول الى القرار1701 .
لم يُفكّر الرئيس السنيورة للحظة بهذه الشروط، والرئيس نبيه بري شاهد وداعم وشريك ومفاوض على عكس هذه الشروط.
لقد عُقد اجتماع استثنائي في منزل الرئيس بري مع الحاج حسين خليل، المعاون السياسي للأمين العام للحزب، وفجأة وصل الرئيس السنيورة من دون موعد. وحين دخل مكتب رئيس المجلس لم ينتبه الى ان الحاج حسين هو الذي فتح له الباب بعد أن كان مغلقا من الداخل. فإذا بالسنيورة يُفاجَأ بعد ثوان من دخوله بأن الحاج حسين هو الذي كان واقفا وراء الباب.
تناول البحث الذي لم يدم أكثر من ربع ساعة ورقة العمل التي حملها ديفيد ولش مساعد وزير الخارجية الأميركي وسلمها الى الرئيسين بري والسنيورة.
الرئيس السنيورة رفض ورقة العمل الأميركية لوقف إطلاق النار قبل وصوله الى حد أن وزير الدفاع الياس المر نقل عن ولش قوله إن مفاوضات السنيورة ستؤدي الى تدمير لبنان.
الرئيس بري كان أكثر رفضا للفصل السابع مظلةً لعمل قوات الطوارئ الدولية برغم أن ولش حاول تشجيعه بالقول إن الرئيس السنيورة وافق على “البند 9,6” ، مازحاً.
الاجتماع الرباعي
لم يدم الاجتماع الرباعي بعد انضمام النائب علي حسن خليل إليه أكثر من ربع ساعة، إذ أُدخلت ورقة للرئيس بري فيها أن تلفزيون العربية أعلن نبأ الاجتماع مما يعرض المجتمعين للخطر بوجود المسؤول السياسي في حزب الله . غادر عندها الحاج حسين مقر الرئاسة الثانية وانفض الاجتماع.
هذا الاجتماع وغيره من الاجتماعات، والتنسيق مع الرئيس بري، جعلت الشريك السياسي ل حزب الله يعلن من صور ان هذه الحكومة هي حكومة المقاومة السياسية. فكيف أصبح رئيسها فجأة منفذا للمشروع الأميركي؟
لقد تجاوز الرئيس السنيورة والقوى الأساسية المتحالفة معه أصعبَ امتحان يمكن أن تمر به حكومة توافقية، فإذا بنقاطه السبع تصبح محور الحركة السياسية الدولية بموافقة وزراء الحزب وحركة أمل . فما الذي تغيّر الآن حتى تصبح الحكومة تحتاج الى ثلث ضامن أو معطل أو مشارك، ورئيسها يوضع في مربع الخيانة؟
هل يعتقد الأمين العام للحزب أن تهديد الحزب باعتبار قوات الطوارئ الدولية قوات احتلال في حال تعرضها لسلاح المقاومة، هو الذي منع مشروع القوى الحاكمة المشارك للأماني الأميركية والإسرائيلية، من التنفيذ؟ أم أن الضمانات التي أعطاها الحزب لقوات اليونيفيل هي التي حققت الأمن والاستقرار في الجنوب؟ الجواب ببساطة أنه ليس هناك من قرار دولي بنزع السلاح، وليس هناك من دول جاهزة لإرسال قواتها لتنفيذ مثل هذه العملية.
هذا قبل الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان حيث حققت القوات العسكرية للحزب الكثير من علامات التقدم العسكري. فكيف يمكن بعدها الاعتقاد أن هناك أفكارا لدى قوات دولية لنزع سلاح المقاومة؟
توقعات أم افتراضات؟
إذا كانت كل هذه توقعات أو افتراضات، فماذا عن الافتراض بأن خطف الجنديين الإسرائيليين لن يتسبب بأكثر من عملية محدودة ويمكن احتواؤها. فإذا بها حرب استمرت 33 يوما ودمرت ما أرادت الوصول إليه من منشآت عامة وخاصة؟
التمثيل السياسي الصحيح في الحكومة يكون في إدخال التيار الوطني الحر إليها أو إلى غيرها من الحكومات التي تُشكَّل هذا إذا تشكلت واحدة مختلفة ، أما الوحدة الوطنية فليس شرطا تحقيقها داخل الحكومة فقط بل في كل مجال.
لا يستطيع حزب الله الشكوى من قدرته السياسية داخل الحكومة ومن التأثير على مجرى قراراتها بصرف النظر عن عدد وزرائه داخلها. لذلك، فإن الحديث عن التعطيل ليس له مستمعون، ولا تجميل الثلث المعطل بعد ذلك الى ثلث ضامن، حيث كل طرف يبحث عن ضمانة من الآخر، ولا المشاركة التي اقترحها الرئيس بري غائبة فلمَ افتعال الاجتهادات؟
الحدث السياسي المهم الوحيد بعد المحكمة ذات الطابع الدولي هو انتخابات رئاسة الجمهورية بعد عشرة أشهر من الآن. وليس للحكومة أي دور مفصلي في هذه الانتخابات إلا إذا كان مقررا أن الانتخابات لن تحدث وستتحول الحكومة مجتمعة الى مالئة لفراغ رئاسة الجمهورية. عندها، لماذا الافتراض أن القوى الحاكمة ستسلم ثلثها المعطل منذ الآن؟
إذا كان العكس هو الصحيح، فالبراغماتية السياسية تقول بالقبول بتسليم الثلث الى المعارضة. إذ إن انتخابات رئاسة الجمهورية تتم من ضمن تسوية داخلية عربية دولية. وعندها لا تأثير للأثلاث الثلاثة داخل مجلس الوزراء.
لم يرد السيد نصر الله أو لم يرد الاعتراف بحالة الرعب التي أصابت اللبنانيين نتيجة تحديده لموعد النزول الى الشارع. إذ إن الغطاء السوري الإيراني الذي يلتحف به حزب الله ، غطاء طارد، بقدرته تشجيع مشاريع الهجرة الى الخارج. فكيف إذا كان الحزب حاملاً لانتصاره في الجنوب في شوارع بيروت وفي ذاكرة من يرى عشرات آلاف الصواريخ التي يملكها.
الجلاء العربي
بالأمس، بعد استقالة وزراء حزب الله وحركة أمل ، استنفرت الخطوط الجوية العربية وعلى رأسها السعودية والكويتية وزادت عدد رحلاتها الى خمس يوميا لإجلاء رعاياها الموجودين في لبنان وإعادتهم الى بلادهم.
من السهل القول إن الرئيس السنيورة استعجل بعقد مجلس الوزراء لإقرار المحكمة ذات الطابع الدولي، لكن ما هو خياره الآخر وسط هذه المطاحنات السياسية التي يُعرف لها أول ولا يُعرف لها آخر.
المحكمة ذات الطابع الدولي عنوان سياسي يغطي مساحة أكبر بكثير من جمهور رفيق الحريري بين اللبنانيين، إذ هي عنوان لإمكانية الاقتصاص من مجرمين قاموا بعملية اغتيال رئيس وزراء أسبق للبنان، ما يشجع الناس على أن هناك اقتصاصا من مجرمين أياً كان وضعهم السياسي.
كذلك تعتقد الدول العربية المعنية بعملية الاستقرار في لبنان، إذ هي بطبيعة رغبتها وتصورها تشجع على المغامرة الدستورية في انعقاد مجلس الوزراء من دون موافقة رئيس الجمهورية لإقرار المحكمة ذات الطابع الدولي، مع العلم بأن هناك ثلاث فتاوى دستورية بأن لرئيس الجمهورية الحق في الاطلاع على جدول الأعمال وليس الموافقة على مضمونه.
أما الدول الأعضاء في مجلس الأمن التي صوتت على قرار إنشاء المحكمة، فإن لسفرائها في بيروت من الحماسة ما يكفي لعقد المحكمة وليس لإقرارها فقط. إذ إنه لا بد من أن تكون بُذلت جهود جبارة لم يُفصح عن مضمونها حتى الآن لإلغاء الاعتراضات الروسية وحصرها بعدم صلاحية هذه المحكمة لمحاكمة الرؤساء.
تبقى سوريا ..
تبقى سوريا. هل يريد الحزب رد جميل الإمدادات العسكرية خلال حرب تموز بالخروج من حلبة المحكمة؟ كذلك حركة أمل التي لا يريد رئيسها نبيه بري أن يسجل على سياسته أنه فض شراكته السياسية مع حليفة حزب الله ؟
إن متابعة بسيطة لتنفيذ القرار 1701 في الجنوب بموافقة سوريا وإيران و حزب الله ، تفترض معرفة أن قرار المحكمة ذات الطابع الدولي لا يقل أهمية عن القرار الأول. فلمَ المكابرة هنا والموافقة هناك؟
في المجلس المركزي العاشورائي السنة الماضية قال الأمين العام ل حزب الله ان جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري كارثة وطنية كبرى، ولا يمكن أن تكون حدثا عابرا في تاريخ لبنان ولا في تاريخ شعب لبنان ولا في تاريخ المنطقة. كل مَواطن القلق صحيحة وحقيقية. لكن الأهم والأخطر أنه يجب أن نعترف كلبنانيين جميعا بأن هناك انقساما وطنيا داخليا حادا بين اللبنانيين حول قضايا استراتيجية وأساسية ورئيسية. ولا أحد يستطيع أن يدعي أن الإجماع الوطني حول هذه المسائل معه .
عاشوراء المقبلة..
ماذا تغيّر منذ ذكرى عاشوراء الماضية حتى الآن؟
الانقسام لا يزال على حاله. الفرق الوحيد أن هناك انتصارا عسكريا محققا ومؤكدا موضوعا على فوهة الطاحونة السياسية اللبنانية، في الوقت الذي ألغت فيه تركيا والهند صفقتي دبابات ميركافا مع إسرائيل بسبب الهزيمة التي لحقت بالدبابات الإسرائيلية في جنوب لبنان على يد حزب الله وصواريخ لاو الروسية المعدلة.
العماد ميشال عون يعرف كل هذه الحقائق وأكثر. لذلك فهو يتحدث برصانة في جلسات الحوار والتشاور، على حد وصف الرئيس بري.
هو يعلم أن النخبة الاقتصادية اللبنانية المسيحية متضامنة معه منذ أمد طويل، وهي لا تسعى للتظاهر ولا لتعطيل الدورة الاقتصادية.
هو يعلم أيضا أن قلقا كبيرا ساد أجواء ناخبيه المسيحيين الذين يقول دائما إنهم أعطوه 70 بالمئة من أصواتهم ، وأن قلقا كبيرا ساد قراراتهم وحياتهم نتيجة الاعتداء الإسرائيلي الأخير. بل يمكن القول إن تساؤلات جدية تُطرح بينهم حول مستقبل الأجيال الشابة منهم. وهذا ينعكس بطبيعة الحال على التحالف الذي يربطه ب حزب الله .
أيضا وأيضا، يعلم العماد عون أن العلاقات العربية التي بدأ بنسجها مع السعودية والكويت، والطبيعية لترشيحه لرئاسة الجمهورية، لا تشجع على منطق المواجهة المطروح على طاولة الشجار السياسي.
لذلك، بدا العماد عون على شاشة المنار في الأسبوع الماضي، دقيقا وحريصا في أجوبته، متجاهلا الاستفزازي منها، مؤكدا ثوابته من دون الاصطدام بالقوى المناوئة لترشيحه للرئاسة.
هذا لا يعني تخليه عن تحالفاته. لكن نصه السياسي أخذ الطابع المعتدل الهادئ مع الآخرين المعارضين له.
الإعجاب برمضان
سعد الحريري لا يلوم نفسه على مجرى سياسة المواجهة التي اعتمدها منذ شهر رمضان الماضي، بل يبدو أنه استذوقها ووجد فيها الكثير من الإجابات عن الأسئلة التي كانت تضج داخله منذ اغتيال والده في 14 شباط 2005.
أصبح أكثر إقداما في كلامه. يحدد الفكرة التي يريد قولها، لكنه يوزعها على عدّة جمل. فما عليك إلا أن تلتقطها من هنا وهناك لتصبح واضحة في ذهنك.
لا يلوم نفسه لأنه يعتقد أن سياسة كسب الوقت هي السياسة المعتمدة لدى حزب الله . لذلك أخذ من مسودة المحكمة ذات الطابع الدولي فرصة لمعاكسة هذا التيار، وذهب الى الحد الأقصى من الحركة لإقرارها في مجلس الوزراء، تاركا للرئيس بري مجموعة من الأزمات يعالجها عند عودته من طهران يوم الأربعاء المقبل.
لا يقنعه التأجيل ولا تأخذه الوعود السياسية إلى حيث لا يريد. هو يمثل طائفة اغتيل ستة من رؤساء وزرائها نظريا وعمليا منذ الاستقلال.
الرئيس رياض الصلح اغتيل في عمّان.
الرئيس رشيد كرامي اغتيل في طائرة هليكوبتر تابعة للجيش اللبناني.
الرئيس رفيق الحريري في انفجار 1800 كلغ من ت.ن.ت. في بيروت.
محاولتان لاغتيال الرئيس سليم الحص.
نفي الرئيس صائب سلام 15 عاما الى جنيف وعودته ليموت في سريره.
نفي الرئيس تقي الدين الصلح لأشهر قليلة الى باريس ووفاته هناك.
اغتيال المفتي الشيخ حسن خالد وغيره من رجال الدين والشخصيات.
كل هؤلاء يمثلهم سعد الحريري الآن، ولن تسنح له فرصة محاكمة أياً يكن للمرة الأولى في تاريخ استقلال لبنان، ويتركها؟
وأد الروح الثأرية..
من هنا، يمكن فهم اندفاعه واندفاع جمهور والده معه، إذ قد تحقق هذه المحكمة في حال انعقادها مشروعية سياسية له لا يمكن تحقيقها في فرصة أخرى أو حادث آخر، لا سمح الله. كما أن لهذه المحكمة أن تحقق انضباطا في استقرار لبنان لم يتحقق من قبل.
الأهم من ذلك كله، أن يصبح موضوع اغتيال الرئيس الحريري مسؤولية المحكمة فقط، فتخرج هذه الروح الثأرية من نفوس أهل السُّنة ويعودوا الى هدوء عروبتهم صادقين، كما ألحّ سعد الحريري في حديثه الى L.B.C على ضرورة التمسك بالعروبة وعدم الانجرار نحو لبنانية مبالغ فيها الى حد العداء للعرب تحت عنوان اتهام النظام السوري باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ما دامت المحكمة قادرة على القيام بما نص عليه قرار إنشائها، فلا بد من إخراج عملية الاغتيال من الحياة السياسية اللبنانية بعد أن كادت تصبح لغماً يومياً للممسكين بحقهم في المحكمة، وللمعارضين كذلك. هكذا، وبكل بطء، تعود العروبة الى أهلها عودة المهاجر، ولو الى حين، إلى أهله.
ولكن، من سيتولى التسوية لاحقا؟
عنوان السفير السعودي ما زال على حاله. من يدق الباب؟