عناوين كبيرة لأوهام صغيرة..

مقالات 16 يناير 2006 0

دخل وزير الخارجية السعودية الأمير سعود الفيصل الى الإليزيه يوم الاثنين الماضي ليجد ورقة ما سمي “بأفكار جدّة” على طاولة الرئيس الفرنسي جاك شيراك وقد خطط بعضهم على أسطرها بألوان مختلفة. لكل لون معنى وعلى جانب الأسطر تفسيرات بالفرنسية. اللون الغالب على الأسطر هو اللون الأحمر أي علامة الخطر. لم يجد الدبلوماسي العربي “الأعرق” ان من المناسب سؤال الرئيس الفرنسي عن مصدر الورقة. كان يعتبرها حتى هذه اللحظة نصاً سرياً على ورقة بيضاء، لا عنوان على صدرها ولا توقيع في أسفلها وبالتالي فهي لا تلزم أحداً من المعنيين بها بشيء لا في الشكل ولا في المضمون.
ثلاثة أطراف تملك هذا النص. أولا السعودي طبعا. الثاني وزير الخاجية السوري فاروق الشرع. الثالث رئيس الوزراء اللبناني الذي كان يستكمل فريضة الحج في “منى” مخاطبا ربه أن يسهل أمره واللبنانيين جميعا للوصول الى هدأة استراحة. إذ ان بر الأمان ما زال بعيدا عن حكومته وعن بلده رغم حركته السياسية التي تحظى بكثير من التأييد لتوازنه نصاً ومضموناً. كذلك حصل رئيس كتلة المستقبل النيابية سعد الحريري على نصها خلال لقاءاته المتكررة مع وزير الخارجية السعودي.
عاد الوزير السعودي الى “حضرة” الرئيس الفرنسي متجاهلا هذه التفاصيل، أو محاولا على الأقل. بدأ الرئيس الفرنسي بالكلام عن خطورة هذا النص وعدم صلاحيته كمدخل لتهدئة العلاقات اللبنانية السورية، شارحاً البنود المتعلقة بالتشاور الدبلوماسي والتنسيق الأمني.
425 نُفذ بالكامل
أخذ شيراك على بند التشاور الدبلوماسي ذكره للقرار 425 الذي يعتبره مجلس الأمن الدولي منفذا بالكامل مع انسحاب الجيش الاسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة وقيام الأمم المتحدة برسم ما سمي بالخط الازرق بين اسرائيل ولبنان. أكمل بالقول ان مزارع شبعا التي تقول الحكومة اللبنانية بلبنانيتها أمر يحتاج الى ترسيم للحدود بين سوريا ولبنان وليس الى العمل على تنفيذ القرار 425.
في الجانب الأمني كان الرئيس شيراك واضحا حين قال ان التجربة اللبنانية السورية الأمنية لا تشجع على وضع الأمن اللبناني تحت بند التنسيق بل بالتزام سوريا وقف عمليات الاغتيال والتخريب التي تقوم بها لوضع اللبنانيين في “سلّة” الخوف الدائم.
الخيار سوري في الترسيم؟
اعتبر الرئيس الفرنسي أيضا ان ترك الباب مفتوحا دون تحديد زمني في موضوع ترسيم الحدود بدءا من الجنوب يترك الخيار في يد الجانب السوري وكذلك الوقت. أما تبادل التمثيل الدبلوماسي فله صيغة واحدة معترف بها لدى كل دول العالم فلماذا البحث عن صيغة لبنانية سورية.
كان واضحا ان البند الثالث من ورقة الاقتراحات السبعة السورية هو الذي سبّب بعض الحدة في كلام الرئيس شيراك، إذ كيف يمكن الطلب الى الاعلام اللبناني وقف حملاته مما يعني منعه من ممارسة حقه الحر بعيدا عن الضغوط السياسية من أي جهة أتت:
“أين التزام سوريا بلجنة التحقيق الدولية؟ لدى أجهزتنا الأمنية معلومات مؤكدة عن تسريب سوري لتنظيمات إسلامية متطرفة الى لبنان. فضلا عن تهريب الأسلحة الدائم. هل هذا كله يعني رغبة سوريا في علاقات طبيعية مع لبنان؟”.
وجد الأمير سعود أنه يجب التدخل في الحديث ولو مقاطعة لإيضاح نقاط غابت عن ذهن الرئيس الفرنسي أولها وأهمها ان هذه الورقة “لقيط” على حد تعبير الوزير غازي العريضي:
أولا: ليست ورقة سعودية ولم توافق على ما جاء فيها. لو كان الامر كذلك لحملها الى الرئيس شيراك بدلا من أن يجدها على طاولته.
ثانيا: هذه ايضا ليست ورقة سورية. هي أفكار مكتوبة على ورقة بيضاء يأخذ منها لبنان ما يريد. يعدّل فيها المسؤولون اللبنانيون ما يعتقدون أنه في مصلحتهم. يناقش مضمونها الطرفان اللبناني والسوري. إذا اتفقا كان الخير الذي نريده. إذا لم يحصل الاتفاق فلا قيمة للورقة ولا فائدة في مضمونها.
ثالثا: إن السعودية ومعها مصر حريصتان على استقرار سوريا وضمان نظامها. وقد سمعت ما يؤكد ذلك في الموقف الفرنسي ايضا. هذا لم يتغير ولن يتغير. ونحن ومصر نحاول تحقيق ذلك دون الانتقاص من أمن لبنان وسيادته واستقلاله واستقراره.
رابعا: الحوار هو العنوان الأساسي للسياسة السعودية. تدعمها مصر في هذه السياسة. إذا كان هناك من سياسة اخرى تحقق استقرار البلدين “سوريا ولبنان” غير الحوار، فنحن حاضرون للاستماع الى أي مقترحات نقرر بعدها مدى فعالية هذه المقترحات لتأمين استقرار البلدين.
خامسا: لقد عرضت هذه المقترحات على رئيس الوزراء اللبناني وعلى السيد سعد الحريري وكان لهما الكثير من الملاحظات التي لا بد من أخذها بعين الاعتبار في حال الجلوس الى طاولة حوار لبنانية سورية.
سادسا: الموقف السعودي محدد بدقة في البيان السوري السعودي المشترك الذي ينص على تأكيد البلدين ضرورة الانسحاب الاسرائيلي من الجولان السوري المحتل الى خط الرابع من حزيران يونيو 1967، ومن مزارع شبعا اللبنانية وفق مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت عام 2002. وفي موضوع العلاقات اللبنانية السورية أكد الملك عبد الله على تعزيز وتقوية العلاقات في جميع المجالات بما يحفظ مصالح البلدين وأمن المنطقة.
سابعا: نحن أكدنا للجانب السوري موقفنا الحاسم من التعاون مع لجنة التحقيق الدولية وفخامتك تعلم مدى الحرص السعودي والعلاقة الشخصية التي تربط الرئيس الحريري رحمه الله بالقيادة السعودية. ولكننا ومصر نبحث في شكليات الاستماع الذي طلبته لجنة التحقيق من رئيس دولة عربية هو الرئيس الأسد، على ان لا تؤثر هذه الشكليات على مجرى التحقيق.
ثوابت السياسة السعودية
لم يكن باستطاعة الرئيس الفرنسي إلا تقدير المطالعة التي قام بها الدبلوماسي العربي »الأعرق«. فهو يعرف الصلة الوثيقة التي ربطت بينه وبين الرئيس الحريري والتشاور الدائم والاحترام الخاص الذي كان يكنه الرئيس الشهيد للأمير سعود الفيصل.
في كل زيارة الى السعودية كان الرئيس الحريري يحرص على الاجتماع الى الأمير سعود والتشاور معه في كل الاوضاع والاستماع الى تقديراته للتطورات العربية والدولية. بدأت هذه العلاقة الخاصة منذ منتصف الثمانينيات وتوثقت خلال الجهود السعودية لعقد مؤتمر الطائف واستمرت الى ان وصل وزير الخارجية السعودي في اليوم الثاني من اغتيال الرئيس الحريري الى العزاء في قريطم فكان المسؤول السعودي الاول الذي أعلن عن باب منزل الشهيد ان هذه الجريمة لن تمر دون عقاب.
إذاً الثقة متوفرة بكثرة في موقف الوزير السعودي لكن القلق على وجه الرئيس الفرنسي إن لم يكن التوتر لم يختفِ مما حدث في جدة رغم مطالعة الأمير سعود.
للسعودية وجهة نظر أخرى في “حوار جدة” إذا صح التعبير. القيادة السعودية الجديدة دبلوماسيا وسياسيا لا ترى ان العلاقات بين الدول تقوم على قواعد ردود الفعل اللبنانية، بل إن لها أصولاً وأعرافاً لا يجوز تجاوزها حتى لو كان الشهيد الذي يجري التحقيق في اغتياله واحداً من إخوانهم مثل الرئيس الحريري. وان الأحكام في العلاقات بين الدول لا تؤخذ بأشكالها الظاهرة منها بل بنتائجها النهائية التي لم تظهر بعد. لذلك أظهرت السعودية حساسية فائقة تجاه تسمية تحركها بالمبادرة. إذ أن المبادرة تفترض السعي لجمع الأطراف والمشاركة في النقاش وتعديل النصوص وهذا كله لم يحدث. ما جرى هو الاستماع الى الطرفين المعنيين وتسجيل ذلك في الذاكرة السعودية الى أن يحين وقت جوجلتها وإعادة صياغتها بناء على طلب الطرفين أنفسهم.
الذي أعطى الانطباع المعاكس هو الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس الأسد الى مدينة جدة السعودية بعد حديث طويل عن سوء العلاقات بين البلدين.
نجاح الوساطة المصرية
تمت الزيارة بعد وساطة قام بها الرئيس المصري حسني مبارك مع الملك عبد الله. ألحّ الرئيس المصري على عودة العلاقات الطبيعية بين سوريا والسعودية خاصة بعد تصريحات العاهل السعودي الى صحيفتي “الحياة” و””الشرق الأوسط” عن الرسائل الثلاث التي تلقاها من الرئيس الأسد رافضا الاستجابة إلا بعد وقفة مع النفس. ثم جاء تظهير تصريحات نائب رئيس الجمهورية السوري السابق عبد الحليم خدام في الإعلام السعودي.
تفهّم الملك الطلب المصري. اتصل بالرئيس الأسد هاتفيا. قطع الأمير سعود الفيصل إجازته الطبية في فرنسا. إذ ان الجانب السوري “يتشاءم” من مساعي الأمير بندر بن سلطان الذي قام بنفس الدور مع الرئيس العراقي صدام حسين قبل إسقاطه أميركيا. استقل الطائرة في الثانية من بعد منتصف الليل من العاصمة الفرنسية يرافقه السفير السعودي في لبنان عبد العزيز خوجه ووصل الى دمشق في الثامنة صباحا. بدأ بالحديث مع الوزير السوري فاروق الشرع في المطار. قابل الرئيس الأسد وأكمل طريقه الى جدة حيث وقف الى جانب الملك عبد الله ليستقبله بعد ظهر اليوم نفسه.
تصر المصادر السعودية على القول ان المحادثات في دمشق تناولت العلاقات الثنائية، وان الامير سعود الفيصل أكد للرئيس الأسد أن الملك عبد الله لم يكن شخصيا على علم بحديث السيد خدام الى تلفزيون “العربية” ولا عن أحاديث المسؤول السوري السابق في “الشرق الأوسط” و”الحياة” وأنه صدرت التعليمات الى وسائل الاعلام السعودية أو الممولة سعودياً بوقف بث أو نشر تصريحات خدام أو غيره من الشخصيات التي تحمل على النظام السوري.
الحوار هو الحل المصري
انتصر العنوان المصري “الحوار هو الحل” خلال الساعات القليلة التي استغرقتها زيارة الأسد الى جدة، تخللتها خلوة ثنائية كما هي العادة بين العاهل السعودي والرئيس السوري.
كان الرئيس مبارك يتابع على الهاتف نتائج القمة الى ان جاءه الرئيس الأسد مباشرة من جدة الى شرم الشيخ حيث استكمل البحث في عناوين كثيرة، ليس بينها العنوان اللبناني على عكس ما يعتقد اللبنانيون.
الرئيس الأسد يريد من السعودية ومصر العمل للحصول على ضمانات دولية اولها من واشنطن بأن النظام السوري ليس هدفاً محدداً للإسقاط سواء عبر لجنة التحقيق الدولية او عبر اي وسيلة عسكرية.
الجواب إن لا أحد يستطيع ان يعطيه هذه الضمانات. كل ما تستطيعه السعودية او مصر هو السعي الصادق شرط التعاون المطلق مع لجنة التحقيق الدولية وتسهيل العلاقات السورية اللبنانية بما في ذلك الأمن وترسيم الحدود وتبادل العلاقات الدبلوماسية.
لا تفيد هذه العناوين في الغرب فقط بل إنها تساعد في تصليب موقف عربي جامع يدعم سوريا في علاقاتها المتوترة مع الغرب. التعبير الفرنسي جاء على لسان الرئيس شيراك “إن عودة سوريا الى المجتمع الدولي رهن بتغيير سلوكها”. التعبير العربي جاء على لسان مسؤولين مصريين وسعوديين بأن التعاون مع لجنة التحقيق هو الذي يحفظ النظام.
لا يبدو على الرئيس السوري انه قبل او رفض مقترحات صداقاته العربية. بل تمهّل كما هي عادته ليشاور. مَن؟ الرئيس الايراني احمدي نجاد يقوم بزيارة قريبة الى سوريا نقلاً عن مصادر في الخارجية السورية. عندها يحصل التشاور مع الرئيس الحليف، إلا أن اسلوب الرئيس الايراني في التعامل مع أزمته النووية مع الغرب لا يوحي بالتفاؤل بطريقة التعاطي السوري مع لجنة التحقيق الدولية ولا مع لبنان.
الرئيس مبارك لم يكتفِ بلقائه مع الرئيس الأسد بل دعا الرئيس فؤاد السنيورة الى اجتماع في شرم الشيخ.
فوجئ الرئيس السنيورة بأن الرئيس الأسد لم يسلّم الرئيس مبارك نسخة من ورقة “حوار جدة”. بل إن الرئيس شيراك هو الذي اتصل بالرئيس مبارك مترجماً له ما جاء في الورقة مرة بالانكليزية وأخرى بالفرنسية. مما جعل التقاطه لما جاء فيها ليس دقيقاً، مما جعله يسلّمه نسخة في حوزته مع تعليقاته عليها.
بدا واضحاً أن الرئيس المصري يريد من الورقة تحسين العلاقات بين دمشق وبيروت والباقي خاضع للمناقشة. ما عدا التحقيق في اغتيال الرئيس الحريري إذ إنه ليس مهمة لبنانية او عربية.
الأعلام الحمراء من باريس وواشنطن
بدا واضحاً للرئيس المصري بعد لقائه الأسد والسنيورة أن الجو ليس مهيئاً بعد لاستئناف المساعي على الخط السوري اللبناني. ليس لأسباب تتعلق بالعاصمتين اللبنانية والسورية فقط. بل لأن الأعلام الحمراء رفعت في واشنطن وباريس ولبنان في وجه “أوهام” عبرت عنها وزيرة الخارجية الاميركية برفض اي صفقات او تسويات تقوّض التحقيق. أما الرئيس شيراك فعبّر على طريقته ان زمن التدخلات والإفلات من العقاب ولّى. في الوقت نفسه كان العماد ميشال عون ووليد جنبلاط وسمير جعجع والكتلة النيابية لقوى 14 آذار يعلنون رفضهم “لحلول الخارج”. يرافقهم بيان خطي من السفير الاميركي في بيروت يرفض فيه اي صفقة او تسويات تقوّض التحقيق.
ما هي هذه الورقة غير المعنونة وغير الموقعة التي أثارت هذه العاصفة من “الأوهام”؟ كيف وصلت إلى مكتب شيراك قبل وصول وزير الخارجية السعودي؟ لماذا لم يسلّم الأسد نسخة منها إلى مبارك في شرم الشيخ؟
نبدأ من السؤال الثالث. الرئيس الأسد على الأرجح لا يريد الاعتراف بما جاء في الورقة. اعتبرها مجرد أفكار للتداول لا تلزمه ولا تلزم غيره. وبالتالي لا ضرورة لتسليمها لأحد. طالما أن الرئيس مبارك سمع سلبية الموقف الفرنسي منها، وكذلك وزير الخارجية السعودي، فضلاً عن الموقف اللبناني.
أما كيف وصلت إلى مكتب الرئيس شيراك، فهناك عدة روايات. أولها ان ثمة من حصل عليها ليلة عودة الرئيس الأسد إلى دمشق، وتمّ تسريب نصها إلى أفراد. أحدهم تولى إيصالها الى السفير الفرنسي. أكمل السفير الفرنسي مهمته بترجمتها وإرسالها إلى الاليزيه وإلى أصدقائه في لبنان الذين تولّوا تنظيم الحملة عليها.
الرواية الثانية معاكسة. إذ إنها تقول إن الرئيس الفرنسي تلقى النص من السعودية من أصدقاء له هناك غير سعوديين. وتولّى الرئيس إرسالها إلى سفيره في بيروت لتوزيعها.
أيّهما أصحّ؟
لا يمكن تأكيد أي منهما. إلا أن المؤكد التسريب فعل مفعوله السلبّي على الحوار السوري اللبناني من جهة، وهذا ليس أولوية الآن. وعلى العلاقات السعودية مع أصدقائها اللبنانيين وهذه أولوية في الحسابات اللبنانية.
سيّد الحوار الوزير غازي العريضي مارس هوايته بامتياز هذا الأسبوع متنقلاً بين دارة العماد عون ومقر سمير جعجع في الأرز ومنزل الرئيس امين الجميل. اختصر بعد عودته من زيارة سريعة إلى السعودية الحديث عن “حوار جدة” بالقول إن الورقة لقيط نرفض مضمونها. وإن السعودية تسعى دائماً وفي كل المراحل إلى حماية وحدة لبنان والحفاظ على استقراره.
الدور الاستكشافي السعودي
صار واضحاً، إذاً، أن السعودية أرادت فتح حوار وليس التزام نتائج مسبقة؛ لذلك رفض السفير السعودي في لبنان “الحكيم” الدكتور عبد العزيز خوجة تسمية حركته السياسية مع زميله المصري حسين ضرار في بيروت بالمبادرة.
بقي الخوجة مصرّاً على رفض تسمية “المبادرة” حتى بعد عودته من السعودية حيث شارك في المحادثات حيث لزم الأمر، وفضّل اعتبار دوره استكشافياً.
الأمير سعود الفيصل ينفذ سياسة مليكه القائلة بتحسين العلاقات السعودية السورية بحيث يصبح المثلث السعودي المصري السوري قادراً على الحوار فيما بينهم من جهة. ومع أطراف أخرى بينها لبنان، غير أن ذلك لا يعني المساومة على القرارات الدولية المتخذة في مجلس الأمن الدولي في اي حال من الاحوال. فكيف إذا كان القرار يتعلّق بلبنان الدولة العزيزة على السعودية؟ لا يستوعب الزعماء اللبنانيون طبيعة هذه السياسة ولا أسسها. البعض يأخذ عليها هدوءها غير المطمئن للبنانيين الممسكين بالجمر السوري. الآخر يعتقد أن زيارة الرئيس الأسد إلى السعودية اختراق للموقف العربي والدولي العازل لسوريا؛ لذلك استنفرت واشنطن وباريس، هناك أيضاً مَن يعتقد بإمكانية تحسين الشروط السعودية لإتمام زيارة الرئيس السوري فلماذا الاستعجال؟ ولماذا إغلاق الإعلام على المعارضة السورية؟ ربما من الضروري القول إن اللبنانيين يتوقعون الكثير من السعودية؛ لذلك جاءت الصدمة بقدر الأمل. لا زال الدور السعودي في اتفاق الطائف ماثلاً في ذاكرتهم. وهم يعتبرون أنفسهم في حالة حرب سياسية وأمنية مع سوريا تفترض سرعة في الحركة غير متوفرة حتى الآن في الدبلوماسية السعودية. أو أنها موجودة لكننا لا نراها.
كل هذه المبررات لا تستوجب ردود الفعل اللبنانية العشوائية المبنية على أوهام صغيرة إن كان فيها ضرر، فهو لن يأتي لا من السعودية ولا من مصر.
كلاهما لا يحتاج لنصائح الزعماء اللبنانيين كي يعلم أن القرارات الدولية غير قابلة للمناقشة. كلاهما يعلم الدور الإيراني في المنطقة ويريان سبلاً لعلاجه لا نستطيع أن نطلب منهم تغييرها. كلاهما دعاة حل بالحوار تأتي سوريا إليه بورقة جدة أو بغيرها طالما ان التعديل ممكن ومتاح. فكما ان سوريا لا تستطيع أن تفرض على السعودية ومصر ما لا يريدانه. كذلك من حق اللبنانيين الثابت والأكيد رفض ما لا نريد القبول به.
هذا حصل في السعودية ولبنان سيتقدّم بهدوء وبسرية بتعديلات واضحة على الورقة السورية. بكل بساطة. توافق سوريا او لا توافق. هذا شأنها. لبنان يخاطب السعودية ويترك لها التقدير في المضمون وفي الوقت.
أما القول إن الحركة السعودية المصرية بالرغم من تحفظات مشروعة بأنها “الخارج”. فهذا وصف لا يمكن وضعه في إطار الحكمة أو العقل أو الوعي.
السعودية داخل. مصر داخل. سوريا ايضاً داخل بصرف النظر عن النظام الذي يحكمها.
نتشبث بالقرارات الدولية. ننسق مع الولايات المتحدة الاميركية. نشكر فرنسا على دورها. لكننا لا نخاف من دور عربي لا يزال في بدايات حركته. ننظر إليه بعين الرضا لا بعين التشكيك. نستقبله بالترحاب. لا نطرده لفظاً.
طالما أن لنا حق القبول والرفض. العرب أولى باحتضاننا. حتى لو كان هناك مَن يوزّع »التطمينات« بأن للنظام السوري أشهراً من العمر ويسقط. عندها نحضر أوراقنا للنظام الجديد في النزاع المستمر منذ 60 عاماً حتى الآن.
أين الصفقة؟
أي صفقة هذه التي نتحدث عنها كل يوم؟ بين مَن ومَن؟ سوريا؟ فرنسا؟ السعودية؟ مصر؟ إذا كان الرئيس السوري وشقيقه العقيد ماهر مطلوبين للاستماع إليهما من قبل لجنة التحقيق الدولية. والتحقيق جار مع اثنين من الضباط السوريين اليوم في فيينا. وهناك أنباء عن احتمال الطلب من سوريا توقيف احدهما او كلاهما. والوزير الشرع يحضر بذلة جديدة لجلسة الاستماع في جنيف. فأين الصفقة التي يجري الهجوم عليها.
التحقيق الدولي مسألة منفصلة تماماً عن مجرى الحركة السياسية، لبنانية كانت أم عربية. والحديث عن الصفقات يضعف الموقف الممسك بالتحقيق على انه خشبة خلاص لبنان. ما هي المصلحة الوطنية بطرح الامور بالطريقة التي تطرح بها؟
الاطمئنان عند الحريري
هل وحده سعد الحريري يعلم بأن القرارين 1595 و1636 أقرّا بإجماع أعضاء مجلس الأمن مما يغلق الباب على أي صفقة. وان عدم التعاون يعيد الملف الى مجلس الأمن.
ربما رفع العلم الفرنسي على منزل الدكتور سمير جعجع في الأرز حيث الثلج الساحر المنظر وذكريات الطائف الأليمة. او العلم الاميركي على منزل العماد عون في الرابية. او الانكليزي على منزل الشيخ بطرس حرب حيث عقدت اللجنة النيابية لقوى 14 آذار اجتماعها. الوصف هنا مجازي.
او ان المختارة تحوّلت الى “الآستانة” عاصمة السلطنة العثمانية. فمرّة يرفض سيدها الدور السعودي المصري ثم يعود فيرضى عنه. تليق زعامة الآستانة بالبك استناداً الى قول والده رحمه الله في كتابه “هذه وصيتي”: “علّمني حب الحقيقة أن أرى جمال التسوية”.
حتى التسوية لم تُعرض علينا بعد! فلماذا الحروب الكبيرة على أوهام صغيرة؟