“على الهواء” مع الدكتور عبد المنعم سعيد – الهلال الشيعي السياسي و”سد” رفيق الحريري: الشهادة هي الثمن

س- ما هي حكايتك مع الرئيس رفيق الحريري؟
ج- أنا سمعت الإخوان الذين تكلموا عن موضوع العلاقة مع سوريا، وموضوع العلاقة مع النظام ، وأنا لا أعتقد أبدا أن الرئيس الحريري كان شريكا في النظام الأمني ، فالذي يتابع الأمور بشكل دقيق، يعرف ان هذا الموضوع كان أساس صراع يومي في حياة الرئيس الحريري.
أما النقطة الثانية، بأني تكلمت بعد خروج الجيش السوري ، فأيضا غير صحيح، لأنني قلت انني تكلمت بعد خروج الرئيس رفيق الحريري رحمه الله من الحياة، وليس خروج الجيش السوري.

والأمر الثالث الذي سأرد فيه على المتصل الأخ فادي ، بأني ولا مرة كنت جزء من هذا النظام، ولا مرة كنت على خلاف شخصي مع أي رئيس من رؤساء الأجهزة الأمنية، كان هناك خلاف سياسي بين فكرتين مختلفتين تماما عن بعضهما ، فكرة النظام المدني وفكرة النظام العسكري، سواء عند الرئيس الحريري الذي كان يوجّهني ، وأنا لم أكن أملك آراء خاصة أو سياسات خاصة أنفّذها على حساب الرئيس الحريري. بالعكس، كان هناك خلاف هو يتبناه ويصارع من أجله ويقاتل ، ولم يتوقف عن هذا القتال لحظة واحدة، طوال 12 أو 13 سنة التي مارس فيها الحكم في لبنان، وهو إنعاش النظام المدني ، والحفاظ على النظام المدني، وتقوية هذا النظام، وأنا لا أستطيع القول أنه حقق الكثير في هذا المجال، ولكن بالتأكيد انه كان يحارب دائما.

س- أفهم من كلامك أنه كان هناك قوتان: قوة تحاول أن تتجه الى شكل عسكري، وقوة أخرى تحاول أن تتجه الى شكل مدني، وأنت كنت في فترات طويلة ولسنوات طويلة جزء فاعلا في هذه العملية، ربما المتصل الأخ فادي يقصد بكونك شريكا في هذا النظام، بهذا المعنى؟
ج- أنا كنت أحد المحاربين ، وأحد المقاتلين في مسألة الدفاع عن النظام المدني.

س- ما هو تعليقك على موضوع شماعة الإنسحاب السوري؟
ج- طبيعي، أولا: هذه ليست شماعة سورية، الوجود العسكري والأمني والسياسي السوري هو كان الأول والفعّال طوال الـ15 سنة الماضية في الحياة السياسية اللبنانية، وهذه ليست شماعة مفتعلة، هذه حقيقة واقعة يعرفها كل الناس، وكل الذين يتعاطون بالشأن العام، سواء الصغار منهم أو الكبار، أو الوزراء أو الرؤساء، لم يكن الوجود السوري السياسي القائم على الوجود الأمني مسألة سرية في لبنان، كانت مسألة معلنة وتتم كل الأمور حولها ، حتى هناك بعض العواصم العالمية عندما تريد شيئا من لبنان، كانت تذهب الى دمشق وتناقش المسألة التي تريدها حتى تصل الى حل سريع لتنفيذ ما تريده في لبنان.

س- إلا تعتقد ان اللبنانيين أنفسهم شاركوا في بناء هذا الوضع؟
ج- هذا قرار ساهموا به وكانوا شركاء به، ولكن ليس كل اللبنانيين، هناك نظام سياسي نشأ بعد إتفاق الطائف ، إلتزم هذه السياسة السورية القائمة على الأمن، أو على التوجهات السياسية، وإستمر هذا النظام حتى مقتل الرئيس الحريري.

س- هناك لاعب دائم في الحياة السياسية اللبنانية، وهناك ايضا لاعب جديد دخل الى الحياة السياسية اللبنانية. اللاعب الدائم كما أعتقد هو السيد وليد جنبلاط، واللاعب الجديد الذي دخل بقوة الى الحياة السياسية اللبنانية هو الشيخ سعد الحريري، ما هي رؤيتك لكل من هذين اللاعبين السياسيين؟
ج- الأستاذ وليد جنبلاط هو الزعيم الأخير في لبنان، حتى لقب لاعب هو قليل جدا عليه. لا لاعب في لبنان من زعماء، هناك لاعب واحد منتشر بطريقة أو بأخرى إسمه وليد جنبلاط، وهو قام بدور عظيم بعد إستشهاد الرئيس رفيق الحريري.

أذكر أني دخلت الى منزل الشهيد في قريطم بعد ساعة ربما من إستشهاده، ووجدت قاعة الطعام مليئة بسياسيين من مختلف المشارب والإتجاهات، وكلهم منشغلين لا يعرفون ماذا يفعلون، الوحيد الذي أمسك بالعلم، وتقدّم أمام الجميع هو الأستاذ وليد جنبلاط، أخذ على عاتقه تلوين وتجهيز الوضع اللبناني كله في كل إتجاهاته، وبكل مفاهيمه السياسية أن ينزل الى الشارع إستنكارا لإغتيال الشهيد رفيق الحريري.
الأستاذ وليد جنبلاط فعل أكثر من ذلك، وهو في الطريق شارك فلان ووعد فلان، وتحالف مع فلان، لم يترك شيئا إلا وفعله للوصول الى 14 آذار، وهذه حركة شعبية ما كان يمكن لأحد أن يقودها، أو أن يبادر الى حمل العلم ويتقدمها ، سوى الأستاذ وليد جنبلاط.

العنوان الثاني الذي لا بد من التأكيد عليه هو ان الخلافات السياسية التي كانت منتشرة هنا وهناك ، السيدة بهية الحريري، إستطاعت بخطابها في يوم 14 آذار، أن تعيد الأمور الى نصابها السياسية التي كان يسير عليها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهذا النصاب جاء في خطابها بشكل ممتاز، حتى أنني قلت من باب المزاح، أنه لولا خطاب السيدة بهية لكان الضريح سُرق سياسيا.

الضيف الجديد الداخل على عالم السياسة اللبنانية الشيخ سعد الحريري، أولا، أنا شهادتي فيه مجروحة لأنه عزيز عليّ بشكل خاص وجدا، وعلاقتي به علاقة مودة وحب قديمة، ولكن ظروف مجيئه الى السياسة أسوأ من ظروف مجيء والده. أولا، لأنه قادم الى السياسة من نفس الأرضية ، عاش في السعودية، وتعلم الكثير من الصبر ومن التهذيب السياسي، وهذه أمور نحن لا نعرفها كثيرا في لبنان، أي القواعد الثابتة في التعامل السياسي السعودي، ولكن في نفس الوقت خرجت سوريا من القاعدة التي أتى بها والده، من القاعدة الفرنسية-السعودية ، ودخلت الولايات المتحدة بديلا منها، وبذلك أصبح وضعه أمتن في السياسة الداخلية والعالمية. داخليا: له رصيد كبير جدا جدا جدا من والده، وبسبب وفاة والده، ليس فقط من والده، وهو عنده رغبة وإستعداد وقوة على العمل العام ستظهر ربما بعد سنة أو سنتين، أسهل بكثير مما يعتقد الآخرون الذين ينظرون إليه أنه شاب في الخامسة والثلاثين من العمر، ولكنهم نسوا أنه بدأ العمل ربما عندما كان عمره 21 سنة ، وخلف والده في واحدة من أهم شركات المقاولات في السعودية، حقق نجاحا كبيرا في هذا المجال، رغم سنه الصغير.

س- هل ترى انه سيستطيع خوض هذه المعارك القادمة بطريقة أسهل أم أصعب؟
ج- في الحالتين أعتقد انه سيقوم بما يجب أن يقوم به وأكثر، لكن هو يحتاج فقط الى بعض الوقت لكي يتأقلم ، فعندما يكون عندك إستعداد ورغبة، كل ما تحتاجه هو بعض الوقت للتأقلم، بما يحيط بك من ألاعيب وسحرة السياسة اللبنانية، لذلك دعنا نعطيه القليل من الوقت، وسيكون قادرا على القيام بالكثير.

سؤال موجّه من الدكتور عبدالمنعم سعيد – الأهرام: ما قاله السيد نهاد المشنوق لصيحفة الحياة، عاكس لكثير من الحياة السياسية العربية من جانبين: من ناحية لدينا جانب نستطيع أن نقول عليه ملاحظات، يعني عندنا زعيم كبير هو الزعيم رفيق الحريري توفى، وأصبح لدينا الآن أحد مساعديه المقربين، يتحدثون عنه وعن قرب ليعطونا عن هذا العالم من القيادات كيف يتخذ القرارات، وكيف يتفاعل . وعادة من هنا يتكون التاريخ، هنا لا بد أن يكون هناك مجموعة مساعدين، لا نجد مركز بحوث، لا نجد علاقة مع جهاز للمعلومات، وهنا يعتمد السياسي العربي على أشخاص، على صلاته بأشخاص كيف كان الرئيس الحريري يتعاطى مع هذا الموضوع؟.
ج- أولا، أود أن أجيب على الدكتور عبدالمنعم ببساطة كلية، وهو أنه كان هناك مركز دراسات بسيط ومتواضع، مسؤول عنه الدكتور داوود الصايغ، وهو أستاذ جامعي كبير، وكان صلة الوصل الصادقة للرئيس الحريري مع الفاتيكان ، ويشارك فيه الدكتور رضوان السيد أحد كبار علماء الأمة، كما أنا أسميه شيخ الطريقة الحريرية، وكنا نطلب في كل موضوع محدّد دراسة من مركز دراسات متخصص في المسألة التي نريدها.

سؤال من عبد المنعم سعيد: ماذا قصد الأستاذ نهاد المشنوق في المسألة السعودية العائلية التي وردت في حديثه لصحيفة الحياة؟
ج- أنا لم أقصد في حديثي عن المسألة العائلية السعودية، انه تعلّم من السعودية هذه الأطماع العائلية والوراثة العائلية، أنه تعلّم من السعودية الصبر والقدرة على التعاطي مع الناس وإحتوائهم، بطريقة أو بأخرى، إحتضانهم وحل المشاكل دائما بطريقة سلمية، هذه مزايا في الحياة السعودية ، ولكن ليس هناك أي تشابه بين موضوعي الأطماع السعودية الوراثية والعائلية وهذه المزايا.

أما في لبنان فمن الطبيعي ان هناك وراثة عائلية في السياسة، ولكن هذه سببها أنه في لبنان لا توجد أحزاب جدية، هناك عائلات سياسية تراكم مع الوقت زعامات، وهناك بيوت في لبنان تعمل في السياسة مثلا منذ مئة سنة ولا يعملون شيئا آخر، وبالتالي يراكمون من الحزبيات والعصبيات لهم ،وكأنهم يعيشون جميعا في الريف، والى حد ما العائلات اللبنانية السياسية بسبب عدم وجود نظام أحزاب ، وبسبب قوانين الإنتخابات المتغيّرة دائما في لبنان، وهذه واحدة من العلل وليست واحدة من الحلول.

أنا أعترف ان هذه مشكلة فعلية في لبنان، ولكن ايضا إذا أردت نقل الحديث الى التحدث عن الشيخ سعد ، فهو ايضا حديث عصري ومتنوّر، يعني لم يأخذ فقط الجانب السعودي بالذي تعلمه، بل أخذ أيضا الجانب الغربي العصري الحديث، وكل ما يحتاجه هو أن يتعلّم بعض التفاصيل اللبنانية.

وردا على سؤال عن مسألة إلصاق تهمة الخيانة بكل من يراد إبعاده، وهل ما زال هذا الأسلوب متبعا؟
ج- أريد أن اقول ان هذا الأسلوب لم يعد فعالا كما كان في البدايات، والآن مسألة الخيانة أصبحت الى حد ما نكتة بين الناس، وليست أكثر من ذلك. وأذكر عندما كنت في باريس ان صديقا جاءني وقال لي ، عليك أن تشكر الله إنهم إتهموك بالخيانة، لأن أحدا لن يصدق ذلك، ولو إتهموك بشيء آخر لربما وجدوا من يصدق هذا الإتهام.

س- هل يمكن أن تحدثنا عن سبب إبعادك الى باريس؟
ج- فجأة إتخذ قرارا سياسيا وعلى أعلى المستويات في لبنان وسوريا، يقول بأنني يجب الا أستمر في موقعي وفي عملي ، وربما في بلدي، وأنهم إعتبروا ان وصول النظام العسكري في عام 1998 الى الحكم في لبنان، هو وصول حالة لا يجوز أن يعكّرها شخص مثل نهاد المشنوق، وبالتالي نُفّذ هذا القرار بسهولة وببساطة، وأنا إخترت في ذلك الحين أن أُنفى الى مصر فضحكوا ، وقالوا انه يريد أن يذهب الى أصدقائه. وقلت ما المشكلة أن يكون لشخص أصدقاء من مصر وخاصة صديقك وصديقنا الأستاذ عمادالدين أديب، أستاذنا الكبير.

س- على نفس الخط كيف كانت سوريا قلقة من رفيق الحريري وتعتبر أنه ضلع أميركي في المنطقة؟
ج- قبل أن أجيب على هذا السؤال، أريد أن أؤكد للسيد عبدالمنعيم سعيد أن هناك مؤسسة دراسات أنا أعطيتها طابع البساطة والتواضع، لأنها بحجم شخص وليس على حجم مؤسسة مثل مؤسسة الأمن القومي.
النقطة الثانية: هي أن الوجود السوري في لبنان بدأ فعليا لتحقيق السلم في لبنان، وقد حقق ذلك وهو حقق جزء كبيرا من السلم الأهلي الذي تنعّم به لبنان منذ العام 1990 حتى اليوم، ولم يكن الإحتلال كما سمّاه هو السبب في هذا السلم، ولكن خلال هذا الوقت ركّبوا نظاما أمنيا له ليس طابع سياسي، بل له غطاء سياسي من كل المؤسسات سواء في مجلس النواب أو في الجيش أو في القضاء، أو في مجلس الوزراء، أو في كبار الموظفين، هذه طبيعة النظام الذي أُنشيء مع الوقت، بدءا من رئاسة الجمهورية حتى آخر الناس.

النقطة الأخيرة التي أريد أن أناقش الدكتور عبدالمنعم فيها هي مسألة السُنة ، فأنا أسميهم تجاوزا أهل الأمة، كما تعلّمت أن أسميهم، وأنا نسيت في حديثي للحياة أثناء تسمية رؤساء الوزراء، نسيت إسم الدكتور سليم الحص الذي فُجرت سيارة لإستهدافه صبيحة يوم العيد، حيث كان يذهب لإصطحاب سماحة المفتي الى صلاة العيد.

أنا قلت ان الخلافات العربية الدائمة تؤدي الى خسارة السُنة سياسيا وخاصة اللبنانيين في كل الأحوال، وقتل زعمائهم ، فإذا كان سبعة زعماء قد قُتلوا في خمسين سنة بمعدل واحد كل تسع سنوات، بشكل أو بآخر، رغم ان بعضهم قد نجا من السيارات المفخخة، ليس هناك من تفسير لذلك سوى أنهم مستهدفون، هم مستهدفون فعلا، وإلا ما تفسير ما يحدث؟ هم مستهدفون في دورهم السياسي.

قبل أن يأتي رفيق الحريري، لم يكن هناك أي دور سياسي سُني لمدة 15 سنة، وليس لمدة 15 أسبوع، وكانوا مرة بسبب غرامهم السياسي بمصر يدفعون ثمن ذلك ، ومرة بسبب غرامهم السياسي بالهاشميين يدفعون ثمن ذلك، ومرة بسبب علاقتهم الحميمة بسوريا يدفعون ثمن ذلك.

أنا أقول بأنه لا بد من إيجاد صيغة عربية تقوم على تفاهم مصري- سعودي، بدعم أهل الأمة هؤلاء، أما سياسا أو غير سياسي، أو على الأقل تحييدهم ، فإذا كان لا أحد يستطيع حماية زعمائهم طوال هذه السنوات فما العمل ، ماذا نستطيع أن نفعل؟.

س- متى بدأت علاقة الرئيس الحريري بسوريا، ولماذا كانت هذه العلاقة دائما فيها إحساس بعدم الإطمئنان؟
ج- أعتقد ان العلاقة بدأت منذ ربما 20 سنة في منتصف الثمانينات، كان خلالها الرئيس الحريري يُنسّق بين سوريا والسعودية وبعض الأطراف اللبنانيين، على كل الإتفاقات أو اللقاءات السياسية التي عُقدت في ذلك الحين، لوقف الحرب الأهلية التي كانت دائرة في لبنان، وأنشأ صداقات شخصية مع عدد من كبار المسؤولين السوريين، وإستمر على هذه الصداقات حتى وفاته.

س- لماذا قلت ان سوريا قررت إغتيال الرئيس الحريري سياسيا؟
ج- أنا قلت هذه الكلمة بكل بساطة للأسباب التالية: الرئيس الحريري تعايش مع النظام السوري سياسيا منذ تكليفه العام 92 حتى العام 98، تاريخ إنتخاب العماد لحود رئيسا للجمهورية اللبنانية، وبعد ذلك بدأت تعتري الأمور تعقيدات أصعب وأصعب وأصعب الى أن أُخرج الرئيس الحريري من رئاسة الحكومة عام 98، وبقي سنتين خارج الحكم يسعى فيهما الى توسيع قاعدته الشعبية بكل الإتجاهات، وفي كل الأماكن، حتى جرت إنتخابات عام 2000، وحقق نصرا سياسيا كبيرا، وان مدينة بيروت كانت لأول مرة في تاريخها قد أعطته قيادتها دفعة واحدة وكاملة، إذ نجحت لائحته كاملة في مدينة بيروت.

بعد عام 2000 بدأت التوترات السياسية بالعلاقات بين الإثنين، خاصة وأنه تم تكليفه برئاسة الحكومة بعد النجاح البرلماني الذي حققه، فبدأت التعقيدات تظهر جليا بعد يوم من تكليفه، حيث بدأ التعاطي يزداد صعوبة يوما بعد يوم، إذ أنه لم يكد يعقد أي إجتماع إلا وكان إجتماعا حاميا ، والكلام فيه كبير ومتوتر.

س- ماذا تقصد بالكلام الحامي والمتوتر؟
ج- أقصد ان الإدارة السياسية التي كان يمسك بها الرئيس حافظ الأسد، التي كانت دائما تعتمد التعقل والحوار والإقناع، وكان دائما يحصل على ما يريده. ولكن مع رحيل الرئيس حافظ الأسد تغيّر أسلوب التعامل، أصبح هناك مجموعة في كل مفاصل الدولة السورية، في الصف الأول بشكل أو بآخر معادية للرئيس الحريري، وهذا جعل إمكانية التفاهم على أي أمرسياسي دون تناوله شخصيا، ودون تخوينه ودون توجيه الكلام الحاد المباشر له، كان أمرا مستحيلا وما كان ليتم.

رحمه الله، بقي على هذا الأمر منذ العام 2000 حتى إستشهاده، ولكن في نفس الوقت هو أنشأ شبكة واسعة جدا جدا من العلاقات العربية والدولية ، والإنتشار الداخلي بشكل كاسح في كل المناطق التي يُفترض ان فيها ناخبيه في كل لبنان، فقلت عندها إنه إكتمل النصاب السياسي لقتله، وعندما تقاطع شخصا هو رئيس وزراء لبنان لمدة خمس سنوات ، تقاطعه سياسيا ولا يجد أي منفذ سياسي لتسهيل أموره في لبنان، ويختلف مع رئيس الجمهورية مع كل جلسة لمجلس الوزراء، ويختلف مع حلفاء سوريا على كل عنوان من العناوين السياسية، ماذا تكون النتيجة؟ لقد كانت النتيجة إنه إكتمل النصاب السياسي لقتله.

س- سياسا أو جسديا؟
ج- سياسيا طبعا، وأنا غير مؤهل ولست قاضيا لكي أقول جسديا، فأنا أناقش في الجانب السياسي في الموضوع.

س- ماذا تقصد بإكتمال النصاب السياسي لقتله؟
ج- بمعنى انه اصبح مكسورا سياسيا، داخل لبنان ، وأصبح متهما بهذه الكمية الكبيرة والفظيعة من العلاقات التي أنشأها وأصبحت شعبيته الداخلية مخيفة، لكل من يتعاطى في الشأن العام في لبنان أو في سوريا، وأصبحت شعبيته السُنية ممتدة في العالم العربي، في كل مكان، وأنت تعرف انه في مصر أصبح من الأصدقاء الحميمين للقيادة السياسية في مصر منذ سنوات طويلة، كذلك بالنسبة لفرنسا والفاتيكان.

سأروي رواية بسيطة تعطي فكرة عن الحجم الذي وصل اليه، فقد دخلت مرة معه الى إجتماع مع الرئيس البرازيلي في البرازيل، ففوجئت ان رئيس البرازيل يطلب منه أن ينصح في كيفية تسويق سندات الخزينة البرازيلية، إستنادا الى تجربة سندات الخزينة اللبنانية.

أيضا ذهبت معه الى المانيا، وكان في إستقباله المستشار هيلموت كول، وقد إستدعاني المستشار كول، وقال لي ما هو رقم الهاتف الخاص الموجود على مكتب الرئيس الحريري؟ أنا طبعا إرتبكت وقلت له سأحضر لك الرقم بعد قليل وآتيك به، ولكن للحقيقة ليس هناك من رقم خاص له على مكتبه، ولكن المستشار الألماني يريد إقامة علاقة مباشرة معه دون المرور بأي قناة من القنوات الدبلوماسية.

فالرئيس الحريري أنشأ شبكة من العلاقات لاحدود لها في كل مكان وفي كل عاصمة ، في واشنطن، في الفاتيكان، في القاهرة، في السعودية، في باريس وفي المانيا. أعتقد ان المرحوم الرئيس الحريري أخذ حجما لم يعد ممكنا تحمّله لأي جهة لها أي مشروع في المنطقة.
كذلك في لبنان إستطاع أن يكون له حضوره وإنتشاره في شمال لبنان، في بيروت وفي جبل لبنان حتى الآن هو الى حد ما، ودون مبالغة يحكم لبنان من ضريحه، فليس هناك أي تصرّف سياسي في لبنان دون الأخذ بعين الإعتبار رأي الرئيس الحريري به وهو في ضريحه.

س- إذا اردنا وضع قائمة من واحد الى ثلاثة، من هم الناس الأكثر إنزعاجا من هذا الحجم؟
ج- بالتأكيد في الدرجة الأولى سوريا، وفي الدرجة الثانية سوريا وفي الدرجة الثالثة سوريا.
إنما ليس هذا الموضوع، أنا أريد أن أسأل الدكتور عبدالمنعم عن مسألة محدّدة لأنني أعتقد ان إغتيال الرئيس الحريري لها علاقة بمشروع في المنطقة ولا علاقة له بالعلاقات السورية – اللبنانية، برأيي المتواضع هذا تسخيف للموضوع، وتسخيف لإستشهاد الرئيس الحريري، هناك مشروع سياسي في المنطقة، قُتل الرئيس الحريري بسببه، ما هو هذا المشروع، أنا أعتقد بكل تواضع ان هذا المشروع هو ما تحدث عنه الملك عبدالله الثاني، هو الهلال الشيعي وليس الشيعي بالمعنى الديني ، بل بالمعنى السياسي.

======