“على الهواء”مع الدكتور عبد المنعم سعيد – ما بعد زلزال الاغتيال

ضيوف الحلقة نهاد المشنوق ونواف الموسوي

ج- لقد جرت الإنتخابات النيابية في لبنان في وقت سريع جدا بعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان الذي أحدث حالة من عدم التوازن السياسي والأمني ، وبالتالي حصلت هذه الإنتخابات تحت هذه الضغوط، ووفق قانون تمت الإنتخابات على أساسه عام 2000 وهو قانون بالمناسبة سمعته سيئة، ولا يؤدي إلا الى ما أدى إليه من إشتباك سياسي دائم بين مختلف الأطراف.

أعود وأكرر ان وجهة نظري تقول أنه ربما تتغير النتائج الآن في لجنة الحوار، لكن أعتقد أن هناك مصلحة للمتحاورين، وربما أكثر من مصلحة هناك تفاهم بين المتحاورين بأن يرموا كرة إنتخابات رئاسة الجمهورية الجديدة الى البطريرك صفير الذي تصرّف طوال هذه المدة بعقلانية ممتازة وقادر على الجمع بين مختلف الأطراف.

س- هذه معلومات أم تحليل؟
ج- جزء معلومات وجزء تحليل.

س- هل ترى ان هناك إمكانية لإجراء إنتخابات نيابية مبكرة كما يقترح السيد نواف الموسوي؟
ج- أنا أعتقد ان الوقت لا يسمح ولا المنطق يسمح ولا الوضع السياسي الآن يسمح بإنتخابات مبكرة، وبعدها إنتخابات رئاسة الجمهورية. ورأيي إن إنتخابات رئاسة الجمهورية ستتم في مجلس النواب الحالي، ويكون جزء من الإتفاق الجدي والمبرم هو وضع قانون إنتخابي جديد وإجراء إنتخابات مبكرة على أساسه.

نحن نريد إستباق الأمور، أنا أرى ان السيد نواف يفترض من القوى السياسية الحالية أن تسلّم الآن بإجراء إنتخابات نيابية مبكرة، قبل إنتخاب رئيس جمهورية جديد مختلف عليه، ومختلف على دوره السياسي مع أغلبية عظمى من اللبنانيين.

مع إحترامي للجنرال عون ولـ”حزب الله” ولكن لا الجنرال عون ولا “حزب الله” ينزلان الى الشارع يوميا لسؤال الناس رأيهم بالرئيس لحود.

س- إذا كان هناك أغلبية شعبية عظمى لماذا لا تذهبون الى إنتخابات نيابية مبكرة؟
ج- أنا أتكلم كلام منطقي وواقعي، الواقعي والمنطقي يقول بوضع قانون إنتخابات جديد يتفق عليه جميع الأطراف، ويكون عادلا وعاقلا، أهم من أن يكون عادلا أن يكون عاقلا، يأخذ بعين الإعتبار الخصوصية اللبنانية، ويأخذ بعين الإعتبار مسائل أخرى. مثلا أنا شخصيا مع النسبية دون شروط، ولكن حسب أي دوائر وما شابه.

لا أعتقد انه من المفيد الغوص بالتفاصيل، ولكن المبدأ هو وضع قانون إنتخابات ومن ثم إجراء إنتخابات يسبقها إنتخاب رئيس جديد.

الأستاذ نواف يقول انه لا وجود للمشاركة الآن، ولكن في نفس الوقت هو يطلب من قوى الأكثرية الموجودة في الحكومة ما لا يملكون. هم لا يملكون سلطة فعلية في البلد، ولا يملكون إدارة فعلية في البلد.

س- يقول الأستاذ نواف الموسوي ويصر على أن هناك فريق في لبنان يقول أنا أقرر ، ما رأيك؟
ج- يبدو ان الأستاذ نواف مصر على هذا الرأي، وأنا مازلت على رأيي بأنه لا يوجد في لبنان أي فريق يستطيع عمليا أن يقول أنا أقرر، يستطيع قول ذلك ربما في الإعلام، على التلفزيون، ولكن لا يستطيع تنفيذها فعليا ولا في أي مجال إداري أو سياسي. لذلك أنا قلت ان الحل الطبيعي هو العودة الى مجلس النواب ، وطالما ان مجلس النواب هذا جرى على قاعدة قانون إنتخابات سبّب أزمات سياسية أكثر ما سبب تمثيلا سياسيا للناس، فإقترحت كإقتراح ، وليس أكثر إنتخاب رئيس جمهورية جديد خلال شهر أو شهرين، في أي وقت يرتأوا بعد إختياره. وقبل ذلك إقرار قانون إنتخاب جديد والإتفاق على موعد مبكر لإجراء الإنتخابات.

أنا لا أعترف بأن هناك قوة سياسية في لبنان تستطيع أن تقول أنني قررت أو سأقرر، هذا الخلاف الأساسي مع الأستاذ نواف، هو يتصرّف تجاههم على أنهم هم أصحاب قرار. أنا أعتقد أنهم ليسوا أصحاب قرار، هم أصحاب رأي، وهذا الرأي يتداولونه في بعض الأحيان بطريقة مزعجة أو ربما بصوت عالي أو بمضمون حاد، ولكن هذا لا يعطيهم الحق ولا القوة ولا الفعل بأن يكون القرار السياسي ملك يدهم فقط، والقرار الوحيد الذي إتخذته الحكومة اللبنانية في غياب توافق عليه في ذلك الحين، هو قرار المحكمة الدولية، والمحكمة الدولية أصبحت من المسلّمات أو المحكمة ذات الطابع الدولي.

أما القول أن الحكومة أخذت قرارات مخالفة لقوى سياسية أخرى إستراتيجية وأساسية، فأنا لا أوافق على هذا التوصيف إطلاقا، هم غير قادرين على إتخاذ أي قرار بدون توافق . لبنان بلد ديموقراطتيه توافقية وليست عددية، إذا كان هنا من إتفاق سياسي، فهذا الإتفاق السياسي يستطيع حماية نفسه بإمتداده عبر جميع القوى السياسية، ولا يستطيع حماية نفسه بالعدد، وهذا العدد نفسه ماذا أقّر في مجلس النواب؟.
س- هل لك أن تحدّد لنا هوية لبنان ، وهل يكون منصّة للمشاريع الأميركية، أم تتحدث عن هوية عربية؟
ج- أنا أستغرب السؤال بالأساس، لأن لبنان غير مُهيأ لأن يكون منصة للسياسة الأميركية حتى لو بعض اللبنانيين رغبوا ذلك، فلبنان غير مُهيأ وغير قادر على القيام بهذا الدور ، هذه هواجس موجودة عند بعض الجهات السياسية التي تحمّل نفسها أكثر مما تحتمل ، وتريد أن تدفع عن آخرين أكثر مما تملك، وبالتالي لا توجد مشكلة فعلية بتحديد هوية لبنان، ولا أحد يستطيع أن يعمل من لبنان منصّة أميركية، هذه أوهام يستطيع الواحد أن يتوهم بها ويقول لدي رغبة بأن أجعل من لبنان ومن سياسته منصّة أميركية لضرب سوريا، أو لضرب المقاومة، أو لضرب أي قوة سياسية أخرى.
أعود وأقول هذه أوهام، لبنان دولة عربية ملتزم بخياراته الإقليمية، لا يستطيع أن يكون غير ملتزم بخياراته الإقليمية، لا أحد في لبنان يملك مشاريع إنتحارية.

س- أستاذ نواف الموسوي يتحدث عن مجموعة من المبادرات العربية التي تم إحباطها ما رأيك؟
ج- أنا والأستاذ نواف شركاء في هذا الموضوع، وأنا تابعت الموضوع لفترة وكتبت عنه، ما من شك هذا الأمر حدث سواء ما يتعلق بمبادرة الجامعة العربية، والذي قام بهذا الدور تحديدا ولنسمي الأشياء بأسمائها، الوزير مروان حمادة، أو المبادرة السعودية التي حاولوا الإلتفاف عليها رئيس الحكومة الأستاذ فؤاد السنيورة والوزير حمادة ربما، وربما آخرين مثل الدكتور سمير جعجع حتى الأستاذ وليد جنبلاط أيضا.

ولكن كل هذه القوى متوهمة بأنها تستطيع أن تمنع تقدّم حركة عربية دبلوماسية باتجاه لبنان، لبنان أصغر من المشاكل المحيطة، ودوره أن يلم نفسه ويحاول قدر الإمكان أن يلعب دوره الإقليمي الطبيعي الذي يأخذ بعين الإعتبار مصالحه مع الدول المجاورة له، وأي كلام آخر وأي خوف آخر بأن يكون لبنان غير ذلك، أيضا وهم وليس صحيحا.

أنا أريد أن اقول للدكتور عبدالمنعم ان لبنان جزء من المجتمع الدولي، لبنان دولة مؤسسة في الأمم المتحدة وفي الجامعة العربية، وهو جزء من المجتمع الدولي، وهذه مسألة غير خاضعة للنقاش ، حتى المقاومة أو سلاح المقاومة الذي يعتبره الدكتور عبدالمنعم خارج هذا الإطار، كان جزء أيضا من تفاهم دولي حصل في نيسان 1996.

س- أنت تتكلم عن وهم ووهم متبادل ، ولكن ما حدث لم يكن وهما ، ما حدث كان إبطال وإفساد لمبادرات عربية حقيقية لم تكن وهما؟
ج- ما حدث هو إعتداء من قوى سياسية إستطاعت تأجيل الموضوع، لكنها لا تستطيع أن تلغيه، ولا تستطيع أن تلغي فعاليته،ولا تستطيع أن تلغي قدرته، أنا لا أنكر انه حدث إعتداء على المبادرة العربية ، ولا أنكر انه حدث إعتداء على الامين العام المحترم جدا الاستاذ عمرو موسى، ولكن أنا أقول ان قدرة الذين عارضوا أقل بكثير مما أعتقدوه هم حتى ، وتبيّن في وقت لاحق خلال أسابيع قليلة ان المبادرة العربية تجددت والكل إلتزم بها، والكل تصرّف على أن هذا هو الأمر الطبيعي. لذلك دعنا لا نذهب بوهمهم حول قوتهم . أنا حين قرأت قصة الامين العام للجامعة ، إعتبرت نفسي معنيا الى درجة الرد على كل المعنيين بهذا الرد، ولم أعتبر انهم جهة سياسية تستطيع أن تمنعني كمواطن، ليس أكثر من القدرة على الرد عليهم.

س- الأستاذ نواف الموسوي يسأل هل ان من عطّلوا المبادرة العربية فعلوا ذلك بوحي من أنفسهم فحسب، أم ان هناك من في باريس ومن في واشنطن حرّض بهذا الإتجاه؟
ج- السفير الفرنسي هو الذي حرّض بعض القوى السياسية على هذا الموضوع، ولكن ماذا كانت النتيجة؟ أنا يهمني النتيجة لأنه بالنتيجة تعطّلت المبادرة لأسابيع ثم إنطلقت.
أنا متأكد ان الوضع السياسي اللبناني ووضع لبنان الجغرافي ، لا يسمح لهم إلا بهذه الخيارات، لبنان بطبيعته وبدستوره وبقراره يمنع خروج أي طرف عن السير الطبيعي لخياره العربي والإعتراف بدوره الإقليمي .

أما بالنسبة لما قاله الدكتور عبدالمنعم عن قانون الإنتخابات، فإنه لا يجوز خرق مبدأ دستوري ، جاء على أساسها هيكل سياسي إسمه مجلس النواب ومجلس الوزراء، مع إحترامي لرأي الدكتور عبدالمنعم، أنا أقول نحن نعيش إشتباكا سياسيا يوميا، وسنبقى نعيش هذا الإشتباك الى حين نهاية ولاية المجلس الحالي.

س- لكن لبنان لا يستطيع أن يعيش دون إشتباك سياسي كل يوم الآن أو في المستقبل؟
ج- موضوع الإشتباك السياسي المطروح حاليا يأخذ شكلا سببه نتيجة الإنتخابات، وهو الأكثرية العددية والأقلية العددية التي لها تمثيل سياسي كبير، فهذين منطقين متضاربين لا يمكن أن يتفاهما مع بعضهما البعض.

س- كلمة أخيرة ماذا تقول؟
ج- أريد أن أقول في ما خص سلاح المقاومة، هذا السلاح لا يستطيع أن يكون في يد هذه المجموعة التي قامت بعمل مجيد دون إجماع لبناني، خاصة بعد إنهاء فترة تحرير مزارع شبعا وتحرير الأسرى.
إن حصول إجماع لبناني على هذا الأمر سيحتاج الى وقت طويل، والى حوار أطول والى مفهوم جديد في مسألة النزاع العربي- الإسرائيلي وكيفية قراءته ، لأن قيام الدولة يفترض أيضا أن قرار الحرب والسلم يكون داخل الدولة ولا يكون خارجها ، وهذه الأمور كلها يمكن بحثها بإيجابية ضمن الحوار.
=======