عشــاء البيـــــال- بيروت: المسيحيون يعني الاستقلال، والمسلمون يعني الديمقراطية

كلمات 31 مايو 2009 0

منذ عدة أيام صرّحت من على باب مطرانية الروم بعد مقابلة سيدنا المطران عودة، ان كل صوت مسيحي يساوي عشرة أصوات، لأني أريد ان أكون نائبا عن لبنان وليس نائبا لطائفة من لبنان.

بالأمس ، رويت قصة صغيرة سمعتها من حكيم عجوز رحمه الله، كان يقول لي “يا ابني هذا الإستقلال مسؤولية المسيحيين” فكنت أسأله ولماذا ليس من مسؤولية اللبنانيين؟ فأجابني “لأننا نحن المسلمون تاريخيا كلما سمعنا بمشروع وحدة عربية نركض وراءه وهم يرفضونه، وبالتالي يردوننا ويردّون أنفسهم “، وأضاف قائلا: “لكن الديموقراطية والحرية مسؤولية المسلمين” ايضا سألته لماذا؟ فاجاب “لأنه لولا التنوّع في لبنان كان بالإمكان بكل سهولة أن يكون لبنان بلدا ديكتاتوريا مثل أي بلد عربي آخر”. هذا التنوّع حقق لنا الحرية والسيادة والإستقلال بالتأكيد طوال الأربعين سنة الماضية.

هناك من اعتقد انه أخذ من سيادتنا ومن إستقلالنا ومن حريتنا ، منهم دول ومنهم منظمات ومنهم أفراد، ولكن بالنهاية كانوا كالذي يشد ويشد على قبضته ثم يفتحها فلا يجد فيها شيء، كل الذين مروا على لبنان وعلى بيروت شدّوا على قبضتهم إعتقادا منهم انهم إستطاعوا أخذ المدينة أو أخذ قرار البلد أو سياسة البلد أو عقول الناس. صحيح لقد حصل هذا الأمر قليلا، ولكن كم كانت مدته سنة، سنتين، ثلاثة، أربعة وفي النهاية أصبحوا جميعا خارج البلد، ونحن استمرينا، ما زالت المدينة ومازالت السيادة ومازال الإستقلال ومازلنا صامدين على عكس ما كانوا يتوقعون.

أنا إذا أردت أن أعمل حزورة على التلفزيون كنت سأسأل كل واحد أن يسمّي لي ثلاثة مواقع للحواجز السورية في البلد، ولكن بالتأكيد لن نجد أكثرمن ثلاثة بالألف من يتذكر هذه الحواجز والباقي بالكاد يتذكرون حاجزا واحدا، وهذا بعد 30 سنة من وجود الجيش السوري، فكيف بالنسبة للبقية التي دخلت بيروت؟

هذه أوهام ، ومن لا يعرف لبنان، لا يعرف ان صيغته مركبة وكأنها صيغة كيميائية تم تركيبها في المختبر، فأي نقطة زيادة ستخرّب وأي نقطة ناقصة توقف الماكينة.

كثيرون يعتقدون ان هذا البلد أو هذه المدينة على الأقل بسيطة وسهلة ، يستطيعون احتلال شوارعها وتغيير رأي الناس وإلزامهم برأيهم، وأن يضعوا جدول أعمال لحياتهم متى ينامون ومتى يأكلون، ان الذين قاموا بهذه الأعمال قاموا بها ظلما وعدوانا ، ولكن ما استطاعوا ولا مرة أخذ عقل المدينة ، هم أخذوا شوارعها وجدرانها وربما أخذوا بعض البيوت أيضا، ولكن ولا مرة أخذوا عقل المدينة أو قرارها أو سيادتها أو إستقلالها.

كل مجموعة لبنانية وحتى عربية مرّت بمرحلة مراهقة سياسية إعتقدت فيها أنها ملكت الأرض والسماء والبحر والطرقات وكل الأشياء ، ولكنهم لا ينتبهون ولا مرة ان من لا يحقق إجماعا بين اللبنانيين لا يمكن أن يسترد أيا كان السلاح وأيا كانت الجهة التي وراء هذا السلاح. هذه تجربة جرّبها المسيحيون والمسلمون، والآن يجرّبها بعض المراهقين من فرقة من المسلمين الذين يعتقدون ان الكلام الكبير يحقق لهم كوابيسهم، كما أسميها وليس أحلامهم.

وهناك فريق من المسيحيين أيضا يجرّبها اليوم، ولكن كل هؤلاء لا يريدون قراءة التاريخ، ولكن على الأقل عليهم أن يقرأوا من الـ1975 حتى اليوم حيث اعتقد الكثيرون انهم ملكوا الأرض والسماء والبحر، ولكن بعد ذلك اكتشفوا انهم لا يمتلكون أي شيء ، ولكن هناك ناس سبحان الله، يحبون أن يتعلموا من حسابهم ولا يحبون قراءة التاريخ.

أنا عندما قلت أني أريد أن أكون نائبا عن لبنان بأصوات المسيحيين والمسلمين، كنت أقصد بالمسيحيين الذين أقرأ عنهم وأعرفهم أهل الحضارة والحداثة والعلم والثقافة والتنوّع، وأهم شيء انهم أهل المعرفة، لأن المعرفة أغلى ثروة للإنسان اللبناني، هذه المعرفة التي جعلت اللبناني المتعلم والأمي والمثقف وغير المثقف والمسلم والمسيحي جعلته يذهب الى مجاهل افريقيا وينجح.

شعب لبنان لديه دولة موجودة ، بينما هناك شعوب ليس لها دول ولا هوية ولا جنسية ولا أرض، نحن لا نعاني من مشكلة وجود، بل نحن موجودون كدولة ثابتة وأكيدة رغم كل سنوات الحروب ، موجودون كشعب نتمتع بالإعتراف بنا من كل دول العالم ، ومع ذلك نسبة الهجرة عندنا عالية ، ولكن الأعلى من هذه النسبة ، هي نسبة نجاح المهاجرين ، هذا النجاح لا يأتي فقط لأن اللبنانيين أذكياء بل لأن صيغة لبنان هي صيغة تحدي لكل الظروف المحيطة به لكي تنجح وهي صيغة تحدي لكل الإعتداءات عليه التي لا تغيّر رأيك ، وهي صيغة تحدي لكل الإحتلالات التي تدخل الى بلدك ولكن ولا مرة تحتل عقلك أو تحتل قرارك.

هذه الصيغة التي قلت ان عنوانها الرئيسي هو المسيحيين ومن يخالف هذا القول يكون لا يعرف لبنان ولا يعرف لماذا نشأت جامعاته ، ولا يعرف لماذا تطوّرت مستشفياته، ولا يعرف لماذا تعدّدت لغاته، وأنا أتصوّر ان الأمي عندنا يعرف ثلاث لغات، وهذا الشيء غير موجود في أي مكان بالعالم العربي.

نحن موجودون الآن في هذا المكان بدعوة وجّهت على الهاتف ، ولكن أريد أن أقول لكم انه في سوريا مثلا إذا أراد أحدهم طبع بطاقة دعوة ، عليه إستئذان المخابرات لأنه ممكن أن يكون في هذه البطاقة “كود” يتوزع على الناس.

نحن لا نقدّر أهمية حريتنا ولا أهمية إقتصادنا الحر الذي يفتح أمام كل الناس فرص النجاح ، وهذه الفرص مفتوحة أمام الجميع وليس أمام من هم على علاقة بالنظام فقط كما هو الحال في سوريا والعراق ومصر، وفي معظم الدول العربية، حيث المسموح فقط لمن له علاقة بالنظام، بالعمل وجني الأموال.

الأهم من ذلك هذا النظام الذي يقول الجميع انه لا يعجبهم فيه تداول للسلطة وليس قائدا للأبد. نحن البلد العربي الوحيد الذي لا يوجد فيه رئيس ثابت ، ففي كل الدول العربية أما أن يكون حاكما وإما أن يكون في القبر ، ولا مكان ثالث له ليجلس فيه.

نحن نظلم أنفسنا عندما نقول ان هذه الصيغة لم تقدّم لنا شيئا، وهذا غير صحيح، لأن هذه الصيغة أعطتنا الكثير ، وأنا أقول ان هذه الصيغة هي ضوء في منطقة كلها ظلام، ولكن نحن دائما بسبب طموحاتنا وبسبب ثقافتنا وبسبب انفتاحنا نعتقد ان هذا الأمر قليل علينا. أنا دائما أجد صعوبة في إقناع من أتحدث إليه أن لا يقول لي مثلا في فرنسا يفعلون كذا وفي انكلترا يفعلون كذا، وبالتالي هذا الشخص يتصوّر بشكل طبيعي ان أي لبناني ناجح أو أي لبناني طامح أو أي لبناني حالم انه جزء من أوروبا الحديثة، فيكون جوابي له أنت جزء من عالم عربي ما تزال الحريات فيه صفر، واقتصاد حر مسموح فقط لجماعة الدولةـ وما يزال الرئيس فيه قائدا الى الأبد الى ان يقضي الله أمره.

وهذه كلها مزايا في لبنان ، وأعطيت للبنان أولاُ بسبب المسيحيين ولكنها لم تُعطى لكي يكون المسيحيين طائفة تحدي، وبالتالي لا يجوز رغم كل هذه الصفات المتعلقة بالثقافة والحداثة والعقلنة والمعرفة والإنفتاح على الغرب والنجاج في التجارة ، لا يجوز أن يتحوّلوا الى مجموعة تحدي ، ولا يجوز أن يتحوّلوا الى مجموعة إصطفاف أو حروب إقليمية.

بالأمس قلت لإخوان اجتمعت بهم، أني ناقشت كل القيادات المصطفة والداخلة في حوارات، والداخلة في حروب داخلية بهذا العنوان، وأنا كتبت عن هذا الأمر وقلت ذلك على التلفزيون منذ سنة وسنتين وثلاثة، ولا علاقة لهذا الكلام بالإنتخابات.

أنا طبعا على صلة قديمة بسيدنا البطريرك وعلى صلة أكبر بالمطران عودة وبالمطران مطر ، وعلى صلة وحوار أكثر مع الدكتور جعجع وقبله الشيخ بشير ، وأيضا كنت أناقش الجنرال عون في هذا الموضوع من عشرة أشهر ونصف.

لذلك أنا أعتبر ان الحوار هو الوسيلة الأصح وليس بالضرورة أن أوافق عى هذه السياسة أو تلك السياسة، ولكن مهمتي ان أكون صادقا مع نفسي لدرجة أن أتوجه الى الشخص مباشرة لأقول له أنت تأخذ الناس الى الهاوية، وأطلب منه ان يشرح لي لماذا يفعل ذلك. ربما هناك شيء لا أعرفه، وهل يعقل أن تحوّل كل العناوين المضيئة بتاريخ المسيحيين في لبنان الى اشتباك مع الأكثرية بالعالم العربي ؟ وما هي الحكمة من ذلك؟ وما هو هذا الكتاب الذي تقرأ فيه وأنا لا أعرفه؟ وهل يعقل انه في كل الصراع السياسي القائم منذ أربع سنوات حتى اليوم أن لا تجد إلا سوريا وإيران لكي تزورهما؟ أنا لا أمانع في أن تزورهما ولا أمانع إذا كان عندي صفة في المستقبل لكي أزروهما، ولكن لا يكفي ان أزروهما فقط ، يجب أن ازور غيرهما من الدول وأناقش غيرهما وأتحاور مع غيرهما لأن هذه هي طبيعة المجموعة المسيحية في لبنان التي هي ليست مجموعة تحدي أو مجموعة صراع، بل مجموعة توازن ومجموعة حضارة ومجموعة تمدّن ، وليس مجموعة دخول في الإشتباكات إذا اختلف فلان وفلان، أو إذا أختلفت إيران والسعودية فتكون مع السعودية أو مع إيران، أو إذا إختلفت سوريا ومصر فتكون مع سوريا أو مع مصر.

أنا أقول ان طبيعة المسيحيين في البلد ان يكونوا عنصر توازن، لأن وجودهم دليل على ان هذا النظام فيه اطمئنان وفيه استقرار وفيه حقوق وفيه حريات كثيرة، هذا بلد فيه تلفزيون خاص، وهذا فيه صحيفة عمرها مئة سنة، في وقت لا نجد في العالم العربي أو حتى في الشرق الأوسط صحيفة مستمرة عمرها مئة سنة، والصحيفة ليست بمعناها البسيط ، بل الصحيفة التي معناها كمساحة لكي تعبّر فيها عن رأيك بحرية والتلفزيونات الخاصة بدأت في لبنان.

اليوم أنا كنت في مبنى تلفزيون “ال.بي.سي” قالوا لي ان عمر التلفزيون أصبح 24 سنة، في وقت نجد انه في كل الدول العربية لا يمكن استمرار تلفزيون لمدة 24 سنة يتحدث فقط عن الطبخ أو تلفزيون للتسلية ، وأنا أقول كلامي هذا النابع من تجربة، وأنا لي أصدقاء في مصر والعراق وغيرها لا يحلمون حتى الحصول على تلفزيون للتسلية يستمر 24 سنة. وهذا دليل على مدى عمق هذه الحريات والسيادة والإستقلال وتداول السلطة في نفوسنا، ودليل على مدى مناعتها.

هناك من يعتقد انه لم تعد المناعة موجودة في هذا البلد، ولكن أنا أستطيع أن أقول لكم انه لو سافر أي واحد منا الى الخارج، وجلس ووضع خريطة المنطقة أمامه سيجد ان المناعة اللبنانية بالحد الأدنى من توافق اللبنانيين، مازالت أقوى بكثير من أي دولة عربية تعتقد انها تمسك بكل العالم، ولكن نحن لا نصدّق هذا الأمر لأننا نطلب أكثر وأكثر وأكثر.

كل الأنظمة العربية قائمة على مبدأ القائد الذي يمنع على أي كان مجادلته أو مناقشته أو أن يقول له رأيه.

لقد أتى على لبنان رئيس جمهورية لمدة تسع سنوات، قال الجميع انهم لن يستطيعوا التنفس في عهده، وأنا لم تسنح لي الفرصة معاصرته لأنني كنت منفيا في تلك الفترة بين باريس والقاهرة عام 1998، وأنا أقصد بكلامي الرئيس لحود. ولكن مع مرور السنة من عهده أصبح يحق لكل اللبنانيين أن يقولوا رأيهم به.

كل رئيس اعتقد انه يستطيع أن يأخذ حقنا بالحرية أخطأ ، هو أخذ كل وقته ولكنه أخطأ واكتشف انه لا يستطيع أن يأخذ منا أي شيء.

كل قوة عسكرية دخلت الى لبنان اعتقدت انها تستطيع أخذ قرارنا وأيضا أخذت كل وقتها، ولكن في النهاية تبيّن انها لم تأخذ منا أي شيء. وأيضا هناك قوى لبنانية اعتقدت انها تستطيع أخذ القرار وتستطيع منع الناس، تستطيع أن تفرض على الناس جدول حياتهم اليومية ، كذلك هؤلاء أخذوا وقتهم واكتشفوا في ما بعد انهم لم يأخذوا شيئا ، وبالتالي لا يستطيع أي كان ان يأخذ شيء بدون التوافق مهما كانت قوته ومهما كان سلاحه ومهما كانت الدول التي تسانده .

الآن نجد أمامنا تجربتين:
– تجربة تقول كوني أنا زعيم، صوتي عالي وأستطيع شتم الناس ، وأستطيع التحدث عن الكبار بطريقة مهينة ومبتذلة وغير سياسية. إذاً أنا الزعيم القوي الذي يستطيع استرداد حقوق المسيحيين.

أنا أقول نستطيع إسترداد الحقوق بالتفاهم، ولو كان بالإمكان استردادها بدون تفاهم لكانت حصلت في لبنان إنقلابات كثيرة، ولكن لبنان لم يشهد ولا مرة أي إنقلاب منذ 66 سنة حتى اليوم لم يشهد سوى إنقلاب واحد علماني ولم ينجح.

لبنان ليس بلد إنقلابات ولا يمكن ان تأخذ حقك فيه بالقوة أو بالإعتداء على الآخر أو شتم الآخر. قد تستطيع أن تعتدي وتشتم وتفكر كما تريد، ولكن بالتأكيد لن تصل الى ما تفكر به.

أنا سأقول لكم كلاما قلته للمعنيين بهذا الكلام ، وقلته في العام 2007 حيث لم تكن هناك إنتخابات ولا فكرة إنتخابات.

هذه تجربة تقول اني أريد أخذ هذه الحضارة وهذه الثقافة وهذا العلم وهذا الإنفتاح وهذه المعرفة وهذه الطبابة الحديثة، وهذه العصرنة وكل هذه المزايا أريد أخذها الى المشكل لكي أحرقها .

من يعتقد انه بصوته العالي وبشتمه الناس يستطيع استرداد حقوق أيا كانت هذه الحقوق ، وبصرف النظر عنها إذا كانت كلها حقوق أو بعضها حقوق أو بعضها خلاف ، المهم انه يريد أخذ الناس الى اشتباك تحت شعار انه يريد استرداد حقوقهم.

أنا لم أعرف احد انه منذ العام 1943 حتى اليوم استطاع أن يحصّل أي شيء بالإشتباك، ولكن هناك ناس لا يحبون القراءة ولا يحبون التعلّم ، بل يريدون ان يدفعوا من جيوب اهلهم ومن جيوب بيئتهم وطائفتهم لكي يتعلموا ولكن يكون الوقت قد فاتهم.

-التجربة الثانية هي تجربة عسكرية، كل يوم صباحا يستيقط اصحابها على كابوس ان هناك مؤامرة ولكن أذا سألت أين هذه المؤامرة ومن يستطيع القيام بها؟ يقولون كانت هناك مؤامرة بأن البعض يريد استقدام قوات أجنبية ثم يعودون ويقولون ان الرئيس الحريري لم يكن يقبل بتشكيل حكومة بدون ان يكون له فيها الثلث المعطّل ، وان هذا الأمر كان مدار نقاش بين الرئيس الحريري والسيد نصرالله. أنا أقول هذا الكلام صحيح، لأن الرئيس الحريري رحمه الله، كان يحتاج الى ثلث معطّل في الحكومة بمواجهة ثلثين للأمن السوري، وليس ثلثا من أجل تعطيل حياة الناس ومعاملاتها أو يومياتها او وظائفها.

منذ سنة كان النقاش يدور على ان الثلث المعطل هو لحماية سلاح المقاومة في وجه إسرائيل، ولكن تبيّن الأسبوع الماضي انه لتعطيل تعيين محافظ بيروت ، إذاُ الثلث المعطّل يقصد منه تعطيل حياة الناس وليس تعطيل المؤامرة، بل تعطيل يوميات الناس وحقوقهم وحاجاتهم والقرارات التي تتعلق بحياتهم اليومية.

ثم نسمع من يقول ان التصويت في مجلس الوزراء خديعة ، فكيف يمكن ان يكون خديعة ما دامت الخديعة تتم في السر ، بينما التصويب في مجلس الوزراء تصويت علني. بعد ذلك نسمع من يقول ان رئيس الجمهورية إفتعل هذه الخديعة ، ثم بعد ثلاثة أيام يقول هذا الرئيس عظيم لأنه دعا مجلس الدفاع الأعلى للإجتماع بسبب المناورات الإسرائيلية، فهل يعقل انه في ثلاثة أيام بعد أن كان خديعة اكتشف انه رجل عظيم؟ هذا دليل على التعامل مع الناس بطريقة المياومة، فكل يوم لك رأي بهؤلاء.

لكن إذا دققنا في كلمة خديعة نجد انها إعتراض على مبدأ التصويت ، بمعنى انه ممنوع أن تصوّت وليس لأنك مع أو ضد، لأن القرار الذي خضع للتصويت سقط ، وبالتالي عندما سقط هذا الإقتراح قالوا انها خديعة، والخديعة تعني انه ممنوع عليك أن تصوّت وممنوع أن تكون حراً في رأيك، حتى انه ممنوع إدراج عادة التصويت، ولو ان اقتراحك سيسقط.

أنا أستطيع أن أقول لكم انه بعد الإنتخابات لو لم يبق سلاح في لبنان وسوريا إلا ونزل الى الشارع، لن نوقّع على الثلث المعطّل.

نحن لا نملك سلاحا ، نحن أهل دولة حريصون على السلم الأهلي ونرغب في تفهّم حاجات الناس ونعرف ان الوضع في المنطقة أفاقه مسدودة نهائيا، ونعرف ان الإنتخابات الإسرائيلية انتجت مجانين.

نحن نعرف كل هذه الوقائع ونعرف اتخاذ الإستنتاجات والقرارات على أساسها، ولكن هذه القرارات والإستنتاجات نتخذها بسبب وطنيتنا وليس بسبب سلاح غيرنا ، ونتخذها بسبب قناعتنا وليس بسبب ان هذا يُفرض علينا.

أنا أعتقد انه قد يمضي وقت لكي يعترفوا بأن هذه المناعة في المجتمع اللبناني وفي صيغته وفي نظامه مازالت موجودة ، ولكن لن نسلّم ولا مرة بأن ما حصل في الدوحة سيتكرر تحت أي ظرف من الظروف.

أنا لا أقول هذا الكلام على حسابي فقط، أنا أستطيع القول ان هذا الكلام نقلا عن وليد جنبلاط وسعد الحريري اللذين ناقشتهما في هذا الموضوع وأعرف ان لديهما قرارا استراتيجيا لا عودة عنه بأن مساوئ الدوحة لن تتكرر.

هناك حسنات في اتفاق الدوحة منها إنتخاب رئيس الجمهورية والتعهد بعدم استعمال السلاح في الخلاف السياسي، ولكن هناك مساوئ فظيعة منها قانون 1960 الذي أعتقده شخصيا بأنه أسوأ قانون انتخاب ممكن أن يكون في لبنان، لأنه علّب كل الناس في علب مجهزة ولم يترك مجالا للتنفس أو للمشاركة أو للحوار أو المنطق.

هناك من اعتقد بأني إنزعجت عندما نقلت ترشحي الى الدائرة الثانية ، وهذا غير صحيح، أنا ترشحت في الدائرة الثانية لأني مقتنع تماما انها الدائرة الوحيدة التي تعبّر عن لبنان، حيث أعداد الناخبين مسيحيين ومسلمين متقاربة ، فيها اشتباك وفيها خلافات حول نقاط رئيسية. ولكن الدائرة الثانية كما أراها هي قاعدة لتحويل عناوين الإشتباك الى حوار، وهذا الحوار قد يطول أو يقصر ، وقد نتفاهم أو نختلف ، لكن في النهاية نحن مضطرون للوصول الى نتيجة إيجابية.

من لديه طريق غير الحوار أطلب منه أن يرشدني اليه ، ومن يعتقد ان الكلام الكبير والشتائم يوصل الى نتيجة فليدلنا على هذه النتيجة، ومن يعتقد انه بواسطة السلاح في الشارع يستطيع تغيير طبيعة النظام ايضا فليثبت لي انه يستطيع التغيير.

طالما اني أحمل عنوان السلم الأهلي ومُصر عليه ، وطالما أني مُصر على بناء دولة، يقول البعض انها غير موجودة، لكنها برأيي موجودة وكذلك هذا التعميم السخيف بأنه لا يوجد قضاء مستقل، أنا أقول هذا غير صحيح، فهناك قضاة وهناك موظفين في الإدارة نزيهين و”أوادم” ويخدمون لناس بدون رشاوى وبدون فساد، وبالتالي هذا التعميم هو على طريقة هؤلاء الدكتاتوريين الذين يعتبرون ان كل شيء خطأ، الدولة خطأ ، القضاء خطأ ، قوى الأمن خطأ والجيش خطأ، بالتأكيد ان هناك شيء مما يقولونه صحيح، ولكن التعميم فيه ظلم حتى لو كان سبعة من عشرة، صحيح. لا يجوز أن تقول الكل سيء وان الكل لا يعمل ولا يلبي والكل فاسد.

كل هذا الكلام لكي يقولوا لنا ان هذا النظام وهذه الصيغة التي نؤمن بها هي كذبة ولكن هذا غير صحيح، لأنها حقيقة ولو لم تكن حقيقة لما كنا نجلس هنا الآن. ان نظرياتهم قائمة فقط على القوة لا منطق ولا حق ولا عقل ولا تروي ولا تمهل فقط كوابيس . كل يوم صباحا هناك كابوس ، لقد مرّ على البلد ناس من قبل كانوا يتصرفون بهذه الطريقة، وكانوا يوزّعون شهادات بالوطنية، وان هذا خائن وهذا وطني، ولكن لم يفعلوا شيء.

أنا أقول إذا كان الثلث المعطّل أو الضامن من أجل سلاح المقاومة ضد إسرائيل تحديدا أنا من الثلث الضامن.

أنا أقول ان السلاح لم يقرر أي شيء حتى الآن في لبنان، ولم يحقق أي تقدّم سياسي فعلي، فمن لا يستطيع أخذ عقل اللبنانيين الى الوفاق، لا يستطيع أخذ أي شيء ويكون كمن يأخذهم الى الخراب، لذلك أنا قلت دائما ان الحوار هو الوسيلة الوحيدة قد نهرب منها ونصعد ونهبط ونشتم ، ولكن لا بد ان نرجع لها لأنه لا يوجد أي حل آخر. كل تاريخ البلد على هذا الشكل، كل تاريخه فيه مجانين يصعدون ويصعدون الى السماء ثم ينزلون ويسألون أين هي هذه الطاولة التي سنجلس عليها للحوار.

أنا أعتقد انه خلال أشهر قليلة سنجد ان كل هذا الميزان السياسي المجنون الذي نراه اليوم غير موجود. أنا أريد ان اقول لكم انه بجهدكم وتعبكم وصبركم وصمودكم وبنزولكم الى الشارع كل سنة في 14 شباط و14 آذار خلال أربع سنوات حيث كان يعتقد البعض في كل سنة تنزلون انها آخر سنة، وإذ بالسنة الرابعة كان صوتنا أعلى من أول سنة، وأعتقد ان صوتنا سيكون أعلى بكثير في السنة الخامسة لأننا سنكون قد تأكدنا أو لمسنا بأيدينا ان المحكمة الدولية تحققت وان جهودنا وقتالنا في سبيلها لم يذهب سدى.

هذه المحكمة الدولية إنجاز كبير ، هناك من يقول ان هذه المحكمة ليست مُحقة دائما، فيوم الاثنين هي محقة والثلاثاء غير محقة، إذا أوقفت مسيحي غير مُحقة وإذا أوقفت شيعي غير مُحقة، هذا كله لكي يقولوا لنا ان المحكمة لم تتحقق ولكن هي تحققت.

ان الصورة الحقيقية للمحكمة ليست الإفراج عن الضباط ، إنما الصورة الحقيقية هي انه اصبح هناك محكمة جلست تحت القوس وفيها رئيس محكمة ومدّعي عام ومحامي دفاع. هذه المحكمة كانت حلما ولم يكن أحدا يصدّق ان هذا الأمر سيتم ، ولكنه حصل وتحقق ودفعنا ثمنه الدم والشهداء وأصدقاء ومحبين وزملاء لي ، ولكن كل هذا لم يكن ليتحقق لو المناعة الموجودة في كل واحد منكم التي لم يستطع لا السوري ولا اللبناني ولا القطري ولا أي جنسية استطاعت أخذ هذه المناعة.

أنا عادة لا أقول كلاما غير دقيق، ولم أكتب كلاما غير متأكد منه. أنا أريد أن أقول لكم انه بالتأكيد إن شاء الله نحن سننجح في الإنتخابات وسنفوز بالأكثرية، ولكن هذه الأكثرية لن تكون لاغية لأي كان ، لا توجد أكثرية لاغية في لبنان والتجربة التي عشناها أصبحت وراءنا.

هناك أكثرية فيها حلفاء لا مانع ان يأخذوا مسافة ولكنهم متفهمين وعقلاء ، وبالتالي كما انه لا توجد أكثرية لاغية لا يوجد أيضا ثلث معطّل، وهذه الصيغة الوحيدة التي بواسطتها يمكن أن يرجع جزء كبير من لبنان الى طبيعته. سوف نسمع أصوات عالية جدا، ولكن لا تنزعجوا ولا تتأثروا لأنهم في النهاية سيجلسون على الطاولة لأنه لا خيار آخر أمامهم. هم يعتقدون انهم قبضوا على الأرض والسماء ، ولكن عندما ينحشرون نراهم يركضون وراء سطرين في البيان الوزاري، هما “حق لبنان في مقاومة إحتلال أراضيه” مع انهم دائما يقولون انهم لا يهمهم النص ولا المكتوب ولا يهمهم الكتاب . ولكن بعد ذلك يركضون وراء هذين السطرين لأنهما يحميانهم ، وبالتالي يعارضون البيان الوزاري إذا لم يتضمن هذين السطرين، مع العلم انهم دائما يقولون انهم يستطيعون حكم مئة بلد مثل لبنان.

أنا أقول ان بيروت أصعب من المئة بلد التي تتحدثون عنها، ومن لا يصدّق ذلك عليه قراءة تاريخها من خمسين سنة حتى اليوم، وسيكتشف ان بيروت أصعب من المئة بلد التي تحدّث عنها، وأعصى من المئة بلد هذه، وأكثر حضارة منها وأكثر علماً منها لأنه بالتأكيد هو لا يتحدث عن مئة بلد فيها كل هذه المزايا، لأنه لا يستطيع ان يحكمها إنما باستطاعته ان يحكم بلدا ليس فيها حرية رأي و ولا سياسة ولا حرية عقل ولا تفكير ولا تعليم.

أنا أعتقد ان الكثيرين منكم لا يعرفون انه كان ممنوعا تعليم اللغات في مصر وسوريا والعراق، لأنهم يعتبرون انها مادة إستعمارية وحتى عشر سنوات مضت أو 15 سنة أصبح مسموحا تعليم اللغات في هذه الدول ، بينما نحن على الاقل منذ 1860 نتحدث لغتين.

أنا لن أطيل وسأقول لكم واؤكد مرة ثانية نحن سنربح الإنتخابات ، ولكن لن نلغي أحد، نحن أهل حوار وأهل سلم أهلي ، وأهل تفاهم. قد يأتون باكرا أويتأخرون، قد يغضبون أو يرضون، ولكن في النهاية سيأتون الى الطاولة التي تجلسون عليها، ومن حاول تجربة غير هذه الصياغة فليرشدني اليها.

أشكركم وأنا لن اضع الحق على غيري ولكني اعتبر ان تشريفكم يزيدني شرف ويزيدني لبنانية، لأني لا أقبل أن أكون نائبا إلا عن كل لبنان، وإن شاء الله في 8 حزيران سنحتفل بالعلم اللبناني.

======

.