عشاء آل شحرور- بيروت: الخلاف السياسي بين السنّة والشيعة

كلمات 14 مايو 2009 0

في رواية قديمة ان بيروتيا من آل العيتاني ذهب الى السيد محمد حسن الأمين في صيدا وقال له “أنا مختلف مع أشقائي ، واريد أن أتشيع”، فسأله السيد الأمين “لماذا؟” فقال له “نكاية بأشقائي”، فأجابه السيد الأمين “ياابني لازم تفكر بالموضوع لأن هذا الأمر جدي، ولا يجوز أن تتسرّع ، لذلك أطلب منك أن تعود الى بيتك وتراجعني بعد إسبوع”، وهكذا كان ، عاد الى صيدا بعد إسبوع وقال للسيد الأمين “لقد إتخذت قرارا نهائيا بأن أتشيع” فقال له السيد الأمين “حسنا، قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد ان محمد رسول الله” ثم توقف ، فقال له هذا الشاب “وماذا بعد؟” فأجابه السيد الامين “خلص إنتهينا، لقد أصبحت شيعيا الآن وماذا تريد أكثر”.

ان من يقول انه لا توجد مشكلة في البلد بين السُنة والشيعة يكون إما مخطئا وإما انه يبالغ، أنا أقول هناك مشكلة، ولكن هل هي فعلا مشكلة بين السُنة والشيعة أم أنها مشكلة في السياسة؟ يعني ما الفرق عندي إذا كان هناك شخص من إخواننا المسلمين الشيعة له طريقته بالتصرف الديني، أو الإلتزام الديني ، وما تأثير هذا الأمر على حياتي أنا؟ ذلك لا يؤثر عندي في شيء، والعكس تماما، صلب الخلاف في حقيقته ومضمونه سياسي وليس دينيا، ويتم توظيفه في الدين، لكي يستنفزوا الناس، لكي يظلوا واقفين على قدم واحدة.

هناك مشكل أكبر من لبنان وليس فقط على قياس لبنان، وأكبر من لبنان لأنه مشروع يتعلق بالسياسة في المنطقة، فهناك من يقول انه يجب ان نمشي بالتسوية والسلام، ولكنهم لا يجدون من يرد عليهم ، ولكنهم مسترون في هذه المقولة وهم منذ 14 سنة يقولونها، ولكن لا يتجاوب معهم أحد. ومع ذلك هم مستمرون في قولها كل يوم ولا يعترفون بأن هذه السياسة لم توصل الى مكان وأنهم فشلوا، وطبيعتهم لا تسمح لهم بأن يعترفوا بهذا الفشل، لأن همّهم الأساسي المحافظة على أنظمتهم وليس ممارسة سياسة السلام ، لأنهم لو ارادو ممارسة سياسة السلام لكانوا قاموا بضغوط أكثر وأكثر وتصرّفوا بحدّة أكثر تجاه إسرائيل، وربما كان من الممكن أن نرى نتائج غير التي نراها اليوم، لأن إسرائيل في فترة ابوعمار سلّمت بأقل مما حصل اليوم، هي سلّمت بالحجارة ووقعت مع ابوعمار إتفاقا، لم ينفذ منه الكثير ، ولكن ابوعمار عاد كما قال في العام 1973 بأنه سيقيم دولة حتى لو أعطوه شبرا من الأرض.

وهناك سياسة ثانية تقول انه يجب استعمال الوسائل العسكرية المتاحة بوجه إسرائيل. أنا شخصيا من أول الناس الذين أيدوا هذه السياسة كتابة وشفاهة، ولكن هل هذه السياسة سليمة؟ أنا حتى اليوم مع هذه السياسة خاصة بعد الإنتخابات الإسرائيلية الأخيرة، لم يعد هناك من مجال لمناقشة هذا الموضوع. والواضح ان “حزب الله” في لبنان وحركة “حماس” في غزة ، هما الوحيدان اللذان استطاعا فرض وقف إطلاق نار على إسرائيل سواء أعجبنا ذلك أو لم يعجبنا، فهذه حقائق ووقائع نراها ونلاحظها كل يوم، وبالتالي لا يكفي أن تقول انها لا تعجبني أو أنني لا أصدقها، لكنها صحيحة، حقائق صحيحة، ولكن هذه السياسة مشكلتها انها ملحقة أو تابعة أو ترعاها سياسة في المنطقة مُختلف عليها ، ليس لأسباب دينية، إنما لأن كل الأنظمة التي تضم رعايا من نفس طائفة هذه الدولة ، بدأوا يتصرّفون وكأنهم مجتمع منفرد وليسوا جزءا من الدولة التي يعيشون فيها ، على عكس ما كان يقول سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين والإمام الصدر ردّ الله غيبته.

المهم على عكسهم تماما، هم يسبّبون مشاكل ، ولكي أكون صادقا وصريحا مع من سمعنى أو قرأني سابقا، أقول يسبّبون مشاكل مع المجتمعات العربية وليس مع الأنظمة، وبالتالي المشكلة أصعب ، فلو كنت تتسبب مثلا في مشكل تكون نتيجته أن تستقوي مجموعة من المصريين، على سبيل الإفتراض، للقيام بانقلاب فهذا جيد، ولكن عندما تكون هناك مجموعة صغيرة تستقوي فقط لتقول انها غير تابعة للدولة الداخلية، وانها تتبع لدولة رعاية بعيدة، فهذه مشكلة يلزمها وقت لكي تُحل، وبرأيي انها لن تصل الى خواتمها، لانه في النهاية سيجلس الجميع ويتكلمون سياسة، ولكن لا أعرف كم نكون قد استنفدنا من القدرة على التفاهم حتى نصل الى ذلك الوقت.

وضعت ثلاثة عناوين حقيقية وواقعية للخلافات التي بدأت بجدية منذ العام 2005:
العنوان الأول الذي حصل خلاف عميق حوله، هو المحكمة الدولية، وأنا هنا لا أريد الدخول في تفاصيل ما حدث ولماذا حدث كذا وكذا، ولكن ما أريد أن أقوله ان موضوع المحكمة إنتهى ولم يعد مفيدا الخلاف حوله أو الإتفاق عليه، ولو استمرينا أشهرا وأشهرا نختلف عليه أو نتفق عليه، فإن ذلك لن يغيّر في الأمر شيئا، فلماذا مازلنا نضعه على الطاولة؟ وما الفائدة من ذلك؟ من يريد أن يتوجه بالخطاب الى أي كان، عليه أن يخاطب رئيس المحكمة الدولية، وبالتالي ماذا يستفيد إذا خاطبني أنا، أو خاطب أي شخص آخر، فلا أنا باستطاعتي تغيير رأي رئيس المحكمة الدولية ، ولا الآخر يستطيع ذلك. إذاً يجب رفع هذا الموضوع عن الطاولة ، هذا الموضوع الذي عشنا معه أربع سنوات، ثم وصلنا الى المحكمة ، وبالتالي كل البلد مُلزم باتخاذ هذا الأمر بعين الإعتبار، وأنا لست مسؤولا عن تنفيذ قرارات المحكمة. أولاً لأنه لم تصدر القرارات بعد، وثانيا إذا كان هناك من تنفيذ فهذه ليست مسؤولية الموجودين هنا، وليست مسؤولية الناخبين. هذه مسؤولية اناس آخرين ، وفي النهاية نحن نحمّل أنفسنا مسؤولية قرار لا نستفيد لا في دعمه ولا في رفضه. ربما قبل سنتين كان ممكنا أن يكون ذلك مفيدا، أما الآن فلم يعد له أي مُبرر، فلماذا مازال موضوعا على الطاولة، وكأنه بدأ بالأمس.

لقد خرج الضباط الأربعة من السجن، البعض إعتبر نفسه انه انتصر ، والبعض اعتبر نفسه انه انهزم، ولكن هذا غير صحيح وذاك غير صحيح.

أولاً، هذا ليس انتصارا ، وأين وجه الإنتصار فيه؟ هل لأن المحكمة أخلت سبيلهم، هذا جيد، ولكن نحن دائما ننسى ان رئيس لجنة التحقيق الدولية هو الذي أوصى بتوقيفهم أول مرة، ولكنهم يقولون ان هناك دورا للقضاة اللبنانيين في استمرارية توقيفهم. أنا لست قانونيا، على كل حال الآن خرج الضباط وانتهى الأمر، وبالتالي على ماذا نستمر بالنقاش ما دام لم يعد لنا أي دور لا بالمحكمة ولا بموضوع الضباط يجوز استغلاله.

هناك نص لسماحة السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير ، يتناول فيه موضوع الضباط يقول فيه ان هذه المسألة لا نريد بسببها الشماتة بالجمهور الآخر، وهذا حصل بعد الإحتفالات التي حصلت عند خروج الضباط، وبعد ان شارك نواب الحزب في هذه الإحتفالات وكأنها تحرير للأسرى في إسرائيل، مع ان الأمر لا يستاهل كل هذا. جيد لكن أنت تعرف ان هذا الإحتفال رغم أحقيته من وجهة نظرك ، لكن لا يستاهل كل ما جرى ، وبالتالي هذا أمر مستفز، ماذا ستستفيد منه؟ وبالتالي هل تفتش عن عناوين نتفق عليها أو عناوين نختلف عليها.

بالعودة الى كلام السيد حسن نصرالله عن قضية الضباط، فهو يقول في نصّ الخطاب: “ختاما أني أقدّر كل المشاعر المتناقضة التي عاشتها فئات لبنانية مختلفة يوم الأربعاء، كل أناس لهم ولديهم مشاعرهم، ونحن نحترم هذه المشاعر ، فمن جهة كان من الواجب الإحتفال بالضباط وبعائلاته، لكن بالمقابل نحن نحب أن نتوجه الى المشاعر الأخرى ونقول يا إخواننا ، يا أحباءنا، يا أعزاءنا لا نريد لا حادثة شماتة من أحد ، ولا حادثة تصفية حساب مع أحد، ولا حتى حادثة التوظيف الإنتخابي، فكلنا يعرف في لبنان انه إذا خربت الدنيا أو عمرت لن يؤثر ذلك على الإنتخابات في 7 حزيران.

لقد أجرت إذاعة النور مقابلة معي بعد خروج الضباط، وأخذت معي كل أحاديث نواب الحزب، وقرأت للمذيعة هذا النص وسألتها: من يلتزم بهذا النص أكثر أنا أم نواب الحزب؟ فإذا كان هذا النص مُلزم أنا أرى ان نواب الحزب لم يلتزموا به، فقالت لي “معك حق”. أنا لا ألتزم بهذا النص لأنه يُلزمني، لأن ما يُلزمني هو السلام الأهلي قبل كلام أي مرجع سياسي، والسلم الأهلي بالنسبة لي عنوان لا أتخلى عنه في أصعب الظروف. أنا لا يهمني السلم الأهلي في الظروف الحسنة، ولكن في الظروف الصعبة السلم الأهلي والناس التي تعيش مع بعضها البعض بالنسبة لي هي أولوية على أي أمر بأي شكل من الأشكال.

إذاً المحكمة صارت وراءنا ولم يعد التعاطي معها مفيدا، لا بالرفض ولا بالقبول، وهناك أشهر طويلة بعد لكي يصدر القرار الظني، وبالتالي نحن نبدو كمن يجلد نفسه كل يوم.

العنوان الثاني الذي أريد أن أتناوله هو ان هناك خلافا على سلاح المقاومة وهذا صحيح. في العام 2006 أنا إعتبرت انه عندما تكون إسرائيل على الأرض اللبنانية لا يوجد مجال أبدا لمناقشة أي أمر سياسي أو شخصي أو طائفي سوى عنوان واحد، كيف نستطيع الصمود أكثر بوجه إسرائيل؟ وأنا كتبت ذلك وقلته على التلفزيون، ولكن كان هناك حدّة وحدّة وحدّة وتغيير بالمواقف من قبل البعض، فحيال ذلك كنت أمزح مع بعض الزملاء في الجريدة ، وأقول لهم هؤلاء الناس عاجزون عن فعل أي شيء، فلماذا تشتكون منهم وتفكرّون بهم، دعوهم يتكلمون مهما شاؤوا. كل القوى التي رفضت مسألة سلاح المقاومة ، أنا أدّعي انهم لا يستطيعون ولا في لحظة القيام بأي شيء، ولا لحظة اقتنعت بأن أي جزء من القرار بهذا الموضوع موجود في يدهم، إذاً لماذا افتعال المعارك وافتعال المواقف، وما الذي يدفعك للصعود الى أعلى مستويات الصراع السياسي؟ بينما الآخر الذي تخاطبه عاجز عن القيام بأي شيء ، وبالتالي لماذا تأجيج الصراع ؟ فإذا كان ذلك من أجل كسب جماعتك وبيئتك ففي كل الأحوال هذا تحصيل حاصل، وعلى العكس من ذلك يجب عليك البحث عن عناوين تستطيع من خلالها أن تكسب المزيد من الناس، وليس أن تبحث على تأكيد موالاة أو تأييد أو دعم أهل لك، لا بأس أن تهتم بهم وتصونهم ولكن السعي دائما يجب أن يكون باتجاه البحث عن المزيد من الإجماع على ان هذا السلاح موجه الى إسرائيل، وفقط على إسرائيل وعلى اللبنانيين جميعا أن يلتزموا الحفاظ عليه، إنما ضمن إطار دولة يعيش فيها الجميع، فالناس لا تستطيع أن تعيش في نظام المقاومة ، وبالتالي يجب أن يعيش هؤلاء في إطار الدولة الواحدة من جهة، ومن جهة يجب أن نتفق على سلاح المقاومة.

لم يعد جائزا اعتبار الناس أنها لم تعد منتمية لدولة بسبب الخلاف على موضوع السلاح، وهذا غير صحيح. سأروي لكم رواية سمعتها من مسؤولين كبار في الدولة وفي الحزب، وأنا متأكد منها: ففي اليوم التالي لصدور القرار 1701 كان هناك ثلاثة وزراء هم: مروان حمادة، نايلة معوض واحمد فتفت يصرحون ويقولون نريد نزع السلاح ونريد كذا وكذا، فكنت أنا دائما أضحك من هذه الأقوال، وأقول ما بال هؤلاء، هل يعيشون في عالم آخر لأن ما يقولونه غير واقعي؟.

بعد ذلك قام سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بزيارة رئيس الحكومة، وقالوا له في ما يتعلق ببند سلاح المقاومة الوارد في القرار 1701 يوضع على الرف ويمنع تنفيذه، وبالتالي عندما يقول هؤلاء السفراء هذا الكلام فما فائدة الكلام الآخر، وعلى ماذا سأتكلم، هل أستطيع مناقشة سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن؟ أو أستطيع إقناعهم ؟ هذا أمر كبير عليّ ، أو اني أستطيع جرّهم الى المشكل لا أنا أصغر من هذا بكثير، وبالتالي لا يعتقد أي كان انه يستطيع نقل دول وان ينزع دولا ويضع دولا فقط، لأنه جهة سياسة وبضعة شوارع في البلد.

لبنان هو البلد الوحيد الذي نسمع فيه ان فلاناً صديق لروسيا مثلا، هذا الكلام غير صحيح، فكيف يمكن لمواطن أن يكون صديقا لدولة، لأن الدول هي التي تصادق بعضها البعض، ولكن لبنان هو البلد الوحيد الذي يُقال فيه: فلان صديق لسوريا مثلاً ، كيف يصح هذا الأمر، فسوريا دولة وفيها جيش وأمن ووزارات ورئيس جمهورية ورئيس حكومة.

على كل حال، لقد كان واضحا منذ اللحظة الأولى في العام 2006 ان الكلام عن نزع السلاح هو كلام لا مضمون له ودفعنا ثمنا كبيرا مقابل كلام ليس له مضمون فعلي ولا جدي ولا واقعي، ولا يستطيع أيا كان تنفيذه مهما يكن، وبالتالي هذه المسألة لا يمكن حلها إلا بالرضا والقبول.

إنما السؤال: هل باستطاعتنا ان نناقش في ما بيننا وأن نفتح هذا الموضوع بالذات في إطار حوار ، ضمن إطار دولة ؟ أم اننا نفتش عن ان هذا عنوان إشتباك يومي؟ لذلك يجب أن نتفق على هذه المسألة.

لقد سُئلت منذ عدّة أيام عن الثلث المعطّل فكان جوابي أنني أدّعي وأستطيع أيضا ان أتحدث نيابة عن غيري بأنني لن أوقّع أي قرار رغم كل السلاح، ورغم كل أنواع الضغوط لن أوقّع ، وهذا الأمر الوحيد الذي أستطيعه وهو ألا أوقّع، ولكن الموضوع ليس هنا.

إذا كان الثلث الضامن يتعلق بسلاح المقاومة تحديدا، فأنا من الثلث الضامن وليس المعارضة، أنا أسأل منذ متى أصبح موضوع المقاومة لا يهم كل اللبنانيين، أو يهم فريقا معيّنا فقط، هذا الموضوع يهّم كل اللبنانيين وهو كل تاريخهم وكل كتبهم وكل كلامهم ، ودفعوا ثمنا كبيرا وخربوا بلدهم من اجل هذا الموضوع في فترة الوجود الفلسطيني، ولكنهم لم يندموا لذلك لماذا ينبغي أن يكون الثلث المعطّل مع أي من جهات معنية مباشرة بالخلاف السياسي في البلد، ولكن يصح أن يكون الثلث المعطّل مع جهات معنية بالوفاق السياسي، وبالتالي لم يعد اسمه الثلث المعطّل ولا الضامن يصبح اسمه سياسة وطنية تفتش عن عناوين إجماع، وتعمل بالحوار للوصول الى هذه العناوين.

ربما سيبدو كلامي هذا غير واقعي ، وفيه الكثير من البراءة والطوباوية، ولكن من يملك حلاً آخر فليرشدني إليه، وكذلك من لديه قدرة أخرى او إبتكار آخر فليرشدني عليه، لكي نذهب معه بهذا الإتجاه، ولكن لا يجوز أن نبقى غير قادرين على أن نبتكر أو أن نناقش وأن نبقى في مكاننا. سأكون صريحا معكم لأقول ان حصة المسيحيين في القرار اللبناني لم تعد تنطلي على أحد، وبالتالي كل كلام يصدر عن أي جهة مسيحية يتعلق بمسألة استراتيجية في البلد لا قيمة له، ولا يمكن تنفيذه، قد يستطيع أيا كان أن يقف ويقول كلاما أكبر مما يٌقال عندما يخاطب جمهوره، ولكن هل يستطيع حماية كلامه أو تنفيذ؟ لا أظن ذلك. برأيي ان هناك مسألتين لا نستطيع اليوم الإتفاق عليهما:

الأولى: اننا لا نستطيع ان نتفق على ان الحوار أمر طبيعي للناس، وليس من الضروري ان يتحول كل موضوع الى اشتباك، والأفضل أن نتحاور على هذا الموضوع مهما لزم الأمر من وقت، لأن ذلك أفضل من أن يسبب ضررا ، فلا بأس أن يجلسوا ويتحاوروا شهر أو شهرين أو ثلاثة وستة وسبعة، إنما الموضوع يجب أن يكون بأولويات أفقية وليست عامودية. هناك أولوية للثلث المعطّل للحفاظ على سلاح المقاومة هذا جيد، ولكن لا يمكن لنا أن نناقش ثلثا باعتبار ان هناك مشكلة في تعيين محافظ بيروت مع انه دائما هناك خلاف على تعيين محافظ بيروت منذ أيام بشارة الخوري، ولا توجد حكومة في تاريخ لبنان حاولت إجراء تعيين إلا ووقع مشكل في البلد، فلماذا إثارة إشتباك اليوم وكأنه إشتباك بين طائفتين رئيسيتين. وبالتالي لا يمكن وضع سلاح المقاومة مقابل بعض التعيينات ومقابل أربعة ضباط خرجوا من السجن ، وأن نأتي ونقول ان الجمهور الآخر لا يهمني ، ولكن الجمهور الآخر حاول في يوم من الأيام أن يقول انك لا تهمه، وهذا الموضوع كان مدار نقاش عميق بيني وبين وليد جنبلاط، ولكن في النهاية فإن أي خطاب لبناني لا يأخذ بعين الإعتبار ان هناك جمهورا آخر يستمع اليه، ويجب أن يكسب منه ولو شخصا واحدا يكون خطابا لا يسعى الى مزيد من الوطنية، ولا للبنان، ليس كثيرا علينا ان يخصص زعماء طائفة معينة ربع ساعة أو نصف ساعة لمخاطبة جمهور طائفة ثانية، وهل لم يعد أمامهم أي عنوان للإتفاق عليه؟ وهل وقّعوا على التذكرة تقول انه ممنوع أن يتفاهموا ؟ هذا غير صحيح.

هذا الإشتباك الدائم لم يوصل الى نتيجة، والدليل على ذلك انه لا يمكن لأي كان أن يدّعي انه خلال الأربع سنوات التي ضيعناها استطاع أن يحقق كل ما كان يسعى إليه، وكل ما حصل ان كل واحد استطاع ان يحقق الجزء الذي يسمح له الوضع اللبناني بتحقيقه، ولا أحد يستطيع أن يقول انه أخذ ثلثي ما أراد أن يحققه ولا حتى نصف ما أراد أن يحققه، بالكاد حقق ثلثي ما اراد أن يحققه، لأن كل واحد منهم لديه مشاريع سلطة كاملة غير خاضعة للمناقشة، ولا للمحاسبة ولا للتفكير ولا للحوار.

أنا أقول هذا الكلام وأنا أعلم ان معظم الموجودين هنا مستقلون، قد تكون عندهم عاطفة تجاه سياسي معيّن ، ولكن لديهم القدرة على التفكير والقول هذا صحّ وهذا خطأ.

أنا حاولت أن أكون كذلك في الكتابة وفي الشفاهة، ولطالما اختلفت مع أقرب الناس مني لأنهم كانوا يعتبرون منذ اللحظة الأولى ان رأيي خارج الإجماع ، لا أدري إذا كان بعد ستة أشهر يكون الحق معي فهذا شيء آخر، ولكن خلال ستة أشهر من النقاش كنتُ خارج الإجماع، ولكن ليس هذا هو الموضوع، فالمهم من يستطيع أن يستمر وأن يصمد خلال الأشهر الستة هذه وألا يشمت وأن يعتبر أي تغيير هو لصالح البلد وليس لصالحه.

ماذا يعني لي الثلثين أو النصف زائد واحد ، هذا الأمر لا يعنيني شخصيا وأنا لم أقبل ولا مرة بالنصف زائد واحد ، لا بل عارضته وعلنا ، وحاضرت في صور وفي بنت جبيل وفي طرابلس وفي إقليم الخروب، ولا مرة كنت مع النصف زائد واحد وكان رأيي دائما انه لو كان النصف يقولون بالنصف زائدا واحدا يجب ألا يكون إنتخاب الرئيس إلا بالثلثين، وبالتالي كيف يمكن لهذا الرئيس أن يأتي في إطار إنتخاب قد تكون طائفة كبيرة بكاملها ضد إنتخابه ، وبرأيي هذا جنون وليس إنتخابا، ومع ذلك دفعنا الكثير ثمن مسألة النصف زائد واحد، ودفعنا أكثر ثمن الإعتصام، ودفعنا أكثر وأكثر ثمن الثلث المعطّل، ودفعنا أكثر وأكثر وأكثر، ولكن كل ما هو حاصل في النهاية لا يستاهل هذا الثمن الذي دفعناه ولا يستاهل هذا الثمن الذي دفعناه من أجل التقدّم لملليمترات في الوضع السياسي، بلدنا غال جدا فلماذا نستخف به بهذه الدرجة؟ ولماذا نحمّله أكثر من طاقته وأكثر من طاقتنا؟ ولماذا تكلف كل طائفة لبنانية نفسها بمهام أكبر من البلد؟ فهذا يريد حل الصراع العربي-الإسرائيلي، وذاك يريد إقامة وحدة عربية والآخر يريد تخليص إسرائيل من مشاكلها.

ما أريد أن أقوله انه يجب البحث عن عناوين وفاقية لنناقشها، ومن لا يناقش عناوين وفاقية يكون كمن يفتش عن فراغ، وليس عن مشكل لأنه لا يستطيع هو تقرير المشكل ، لأن المشكل في المنطقة أكبر بكثير من أي طرف لبناني بمفرده أن يقرره أيا يكن. إذا كان ممكنا، نتفق على عناصر رئيسية، وأنا لا أقول إجماعا، لا يوجد شيء يحقق الإجماع ، وبالتالي ليس من الضروري أن نبحث عن إجماع، ولكن إذا كان باستطاعتنا تحقيق تفاهم رئيسي على موضوع سلاح المقاومة فلماذا لا نستطيع مناقشة بقية المواضيع؟ ولماذا كلما تمسّك أي طرف بموضوع يرفع صوته ويعتبره أما الويل والثبور وعظائم الأمور إذا لم ينفّذ هذا الموضوع، وفي نفس الوقت إذا نُفّذ بالنهاية ، تكون النتيجة لا شيء يحرز لكل هذا النقاش.

لقد شاهدنا بالأمس ما حصل في مجلس الوزراء، وكل هذا النقاش والتصويت ورئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء حول ثلاثة موظفين يمكن للدولة أن تمشي بدونهم سواء كانوا موجودين أو غير موجودين.

أعتقد ان موضوع المجلس الدستوري هو أهم من بقية المواضيع، وهو موضوع جدي أكثر، ولكن لا يمكننا أن نجلس ونناقش موضوع المجلس الدستوري ، وكذلك كيف يمكن إجراء الإنتخابات بدون المجلس الدستوري، عيب هذا الأمر ، عدا أنه مخالف للنص، هذا أمر معيب والمسألة ان الأكثرية حظيت بمرشحين إضافيين في مجلس النواب، وبالتالي المعارضة تريد إثنين إضافيين في مجلس الوزراء، أنا لن أقول صح أو خطأ، ولكن هل يعقل أن تكون هذه المواضيع لا يمكن الحوار حولها، ولا يمكن الوصول الى نتائج فيها.

هذا الكلام لا يجوز، هذه المسائل تطال مصالح الناس اليومية ، وتطال حياتهم في كل يوم وتطال حقوقهم، هذا غير مقبول، فكيف يمكن أن تقول للمواطن أن يذهب ويصوّت بغياب مجلس دستوري يحمي الناخب ويحمي المرشّح.

أنا أقول هذه المسائل تجاوزت حدود الخلاف الطبيعي ، مع اننا عندما ندقق في هذه المسائل نجد أنها بسيطة جدا ولا تستاهل هذا الحجم الكبير، ولكن للأسف تعوّدنا أن كل الأمور يجب ان تكبر وتكبر وتكبر.

ما أريد أن أقوله الآن لا خيار آخر أمامنا سوى الحوار، ولنبحث عن عناوين حوار وعناوين إتفاق، وألا نتركهم يجرونا الى معركة لا نعرف أولها ولا نعرف آخرها، ولكن نعرف انها مُستفزة لنا وغيرنا، وبالتالي نذهب اليها ودائما.. دائما لا يمكن تحقيق أي شيء.

إذا جمعنا النصوص المتعلقة بسلاح المقاومة قد تبلغ عشرة كتب معارِضة، وإذا جمعنا النصوص المؤيدة تبلغ أيضا عشرة كتب، ولكن الكتب العشرين مجتمعة لا تؤثر في شيء عند أي طرف سوى المزيد من التعبئة. إذا أرادوا التعبئة فلا بأس، ولكن ليس بالضرورة أن تكون التعبئة دائما سلبية، أو دائما ضد الآخر، وأن يكون هناك دائما ضد ، نشتبك معه.

سأروي لكم رواية شخصية، فقد ذهبت بعد حرب تموز الى الضاحية، قابلت أشخاصا في الشوارع كانت تقبلني بسبب كلام قلته على التلفزيون أو مقال كتبته لأنني كنت في موقع سياسي مخالف تماما للسائد في ذلك الحين، باعتقادي إذا ذهبت اليوم الى الضاحية ، ممكن ألا أجد أحدا ليُسلّم عليّ، كيف يمكن أن يحصل هذا الأمر، فأنا لم أتغيّر وبالتالي ماذا حصل وما هو الموضوع الذي إختلفنا عليه؟

لقد سألتني المذيعة في إذاعة “النور” كيف قلت عن إحتفال إطلاق الضباط انه إحتفال حقد ؟ فأجبتها بما يلي ” في عز عز 14 آذار ، وفي أواخر الـ 2006 وأوائل الـ2007 كان لي مقابلة على التلفزيون مع مارسيل غانم، وكتبت مقالا بعنوان “الثأريون” تناولت فيه أعز أصحابي بأشد قسوة ممكنة”. وأضفت قائلا للمذيعة “أنا لم أقبل هذا التصرّف من أعز أصحابي، فكيف لي أن أقبل من غيرهم مثل هذا التصرّف ، وليس من الطبيعي أن تطلب مني شيئا لا أستطيع تحمّله”.

على كل حال، هناك خلاف ثالث يتعلق بآلية الحكم: الدكتور ابراهيم يعرف انه بعدم التنمية نحن متساوون، وربما هناك رابح أقل أو خاسر أقل، ولكن في الحالتين نحن الإثنان خاسران ، وبالتالي هناك مناطق تتنافس مع بعضها البعض بالفقر وبالحرمان وبالعوز، إذاً لا مّبرر لأحد أن يدّعي انه مظلوم والآخر إستفاد . برأيي ان الجميع مظلومون، ولكن الفرق ان في هذه المنطقة يوجد 900 ألف مواطن وفي تلك المنطقة 922 ألف مواطن ليس أكثر، هذا أولاً.
ثانيا: نحن لم نجرّب آلية الحكم، وهناك إتفاق اسمه الطائف ، أنا أدّعي انه أخذ بعين الإعتبار حاجات كل المجموعات اللبنانية بدقة فائقة.

نحن عشنا خمس سنوات مع الرئيس بري من العام 1993 حتى العام 1997 بالحكم المجلسي ولم نعتبر ذلك مسألة طائفية، وأنا واحد من الناس، كنت على خلاف معه ولم أعتبر هذا للحظة إنها مسألة طائفية، هناك خلاف على الحكم ، ومن سيحكم وليس من هو طائفته أحسن أو من يصلي أكثر هذا غير صحيح، المسألة هي من يحكم أكثر ، هم يختلفون على من يحكم أكثر، فلماذا أضع نفسي في صف من يستطيع أن يؤذي أكثر، ولكن طالما أنا قادر أن تكون عندي ثوابت بالمواضيع الرئيسية، بتفكيري وبتصرّفي لا أُزيح عنها أيا كان الوضع فعلي أن أكون في السليم وألا أخطئ.

ليس صحيحا ان هناك مشكلة في آلية الحكم ، الصحيح ان هناك أزمة مفتعلة حولها إعتقاد من جهات معينة أنه بواسطة هذه الأزمة تستطيع أن تحقق عودة لبعض الصلاحيات القديمة. لسنا نحن من خرّب الوضع المسيحي ، بل من خرّبه هو قتالهم في ما بينهم، وما خرّبه أيضا انهم كانوا مرة يتحالفون مع السوريين ومرة يطلقون النار على السوريين، نحن نسينا ان الجيش السوري دخل الى لبنان بطلب من الجبهة اللبنانية، ونسينا ان الإنقلاب حدث من الجبهة اللبنانية على الوجود السوري، ونسنيا ان القوات والعونية كسّروا بعضهم وكسّروا مناطقهم وكسّروا أهلهم قبل الطائف بعدّة أشهر، والسوري لم يترك أي مجال من المجالات لإشعال الخلافات بينهم، ولم نكن نحن للحظة طرفا في هذا الأمر، وبالتالي من يقول ان المسلمين أخذوا أي شيء أو تسبّبوا بأي أذى أو أخذوا أي شيء من الصلاحيات المتعلقة بالرئيس المسيحي بالتأكيد لا يعرف تاريخ البلد.

نحن قبلنا معهم بالمناصفة في الطائف باعتبار ان نستند على بعضنا، نحن اعتبرنا ان هذه المناصفة تحقق المزيد من السلم الأهلي، وبالتالي لا يجوز أن تكون جزءا أساسيا من أي إشتباك يقع في البلد، لأنه بذلك تعرّض نفسك لمحرقة لست مضطرا لها، وفي نفس الوقت لسنا من تسبّب بها، ونحن لم نكن ولا مرة سببها منذ 1976 وليس منذ الآن، ولا مرة كان المسلمون سببا جديا بالصراع المسيحي، ومع ذلك كل النقاش يدور حول صلاحيات لا اساس لها من الصحة.

عل كل حال، أنا لست من الرأي الذي يقول ان هناك خلافا جديا وعميقا حول آلية الحكم، نعم هناك خلاف سياسي يأخذ ما يريده من القرارات ويُلبسها للخلاف ، وليس العكس لأن الطائف لم يُنفّذ. نحن نفذنا ترجمة سورية للطائف منذ العام 1990 حتى الـ2005. وبعد الـ2005 كان عندنا حكومة، انا أول من قال عنها غير ميثاقية ولكنها دستورية ، فالدستور شيء والميثاق شيء آخر، وهذه الحكومة لم تتخذ أي قرار سياسي استراتيجي. أنا راجعت كل القرارات التي اتخذتها الحكومة بعد خروج الوزراء الشيعة ، فلم أجد انها اتخذت قرارا جديا أو استراتيجيا. وللمناسبة نحن دائما نتذكر ان الوزراء الشيعة خرجوا من الحكومة، مع ان هناك وزيرا مسيحيا ايضا خرج من الحكومة هو يعقوب الصراف.

على كل حال، أنا لا أقول ان تصرّف الحكومة في ذلك الوقت كان ميثاقيا ولكنه كان دستوريا ، وكل علماء الدستور يؤكدون ذلك، وكل محبي البلد يؤكدون انها غير ميثاقية لأن هناك طائفة بكاملها خرجت منها.

ثم استمر النزاع حتى وصلنا الى نزاع جديد في 7 أيار ثم جاء اتفاق الدوحة وتم انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة ، وبالتجربة تبيّن ان الثلث المعطّل غير عملي وغير ممكن. الديموقراطية الطبيعية تكون في ان تأخذ الأكثرية برأي المعارضة بعين الإعتبار لا أن تتجاهلها وكأنها غير موجودة ، خاصة إذا كانت بنسبة عالية، ولكن هذا الأمر يلزمه الكثير من الترفّع لكي تستطيع الوصول اليه.

اليوم يتحدثون عن الديموقراطية التوافقية ، ماذا تعني الديموقراطية التوافقية؟ الديموقراطية التوافقية تتم بين شعب فيه أعراق وأجناس مختلفة ولغات مختلفة مثل سويسرا، وبالتالي ما علاقتنا بهذا الموضوع، فليس لدينا لغات ولا أعراق ولا أجناس، إذاً قولوا ان هناك خلافا سياسيا واجلسوا وتناقشوا لحل هذا الخلاف، ثم أعيدونا الى الأمور الطبيعية.

الطبيعي أن يقر مجلس النواب سياسة الحكومة التي تنفذ سياسة مجلس النواب ، وهذا هو الأمر الطبيعي البسيط. وما دام هناك أكثرية في مجلس النواب فهي التي تقر هذه السياسة، والحكومة أيا تكن هذه الحكومة عليها تنفيذ هذه السياسة. أما إذا استمرينا في هذا الصراع فإني لا أرى انه بإمكاننا الوصول الى أي نتيجة.

أنا أريد أن أقول لكم ، أنا لست معتمداً عليكم بالتصويت فقط، إنما أنا أعتمد عليكم بأن تكونوا دائما جزءا من الناس الذين يفتشون عن عناوين حوار وعناوين تلاقٍ وعناوين وفاق حتى لو بدوتم كالطائر الذي يّغرّد خارج سربه، ولكن هذه حالة مؤقتة لا تستمر لأنه لو لم يكن الحق مع هذا الطائر لما كنت واقفا أخطب فيه.

شكرا على حضوركم وممنونكم جدا، خاصة لأبو علي والدكتور ابراهيم وللسيد خليل وللجميع، كلكم أخوة وأحباء وإن شاء الله نلتقي وتكون الأوضاع أفضل، وأريد أن اقول لكم كل ورقة منكم في صندوق الإنتخاب غالية بمثل عشرة اوراق من غيركم.