عشاء آل الرفاعي – بيروت: مسكون ببيروت

كلمات 12 مايو 2009 0

يغمرني الفرح كلما إجتمعت مع أهل بيروت. هناك من يسكن في بيروت، أما أنا فمن الناس المسكونين ببيروت. أنا مسكون ببيروت، مسكون بأهلها وبأخلاقهم وباستقامتهم وبصمودهم قبل كل شيء.

لقد اعتقد الكثيرين انهم استطاعوا أخذ بيروت عندما نزلوا الى الشوارع بالسلاح ، ولكنهم لم ينتبهوا انه إذا كانوا قد أخذوا الشوارع لساعة أو ليوم أو يومين أو ثلاثة، فهذا لا يعني أبدا انهم يستطيعون أخذ القرار السياسي. لأن القرار السياسي موجود بصمود كل واحد منكم، القرار السياسي موجود بإيمان كل واحد منكم، القرار السياسي موجود بقدرتكم دائما على ان تكونوا أهل دولة وأهل سلم وأهل مدينة، لكن بذات الوقت عند الضرورة تستطيعون أن تقولوا لا ، دون أن تحملوا السلاح وبدون أخذكم الى المحل الذي لا ينبغي ولا يجوز أن نذهب اليه، وهي فكرة التخلي عن الدولة وبالتالي يستفزونك أول مرة، وثاني مرة وثالث مرة، لكي تأخذ قرار التخلي عن الدولة وامتلاك سلاح ذاتي يخصك.

أنا برأيي لا يوجد واحد الآن، لا يعرف جلب السلاح، وشبابنا ما شاء الله ليسوا قلائل، وإذا قصدناهم سنجدهم أمامنا، ولكن هل هذا هو المطلوب؟ هل المطلوب أن نتخلى عن فكرة الدولة، ونتجه باتجاه فكرة الميليشيا والشارع؟ أنا لا أعتقد ان الرئيس الشهيد رحمه الله، عمل كل هذه السنوات وقُتل بهذه الطريقة لكي نتحول الى مجموعة من الناس العاديين، الذين يتجاوزون ويتراذلون وينزلون الى الشارع، بدل أن يعتمدوا على دولة تحميهم.

قد يقول لي أحدكم ان هذه الدولة لم تؤمن حمايتي في ذاك اليوم، والجيش قصّر في المكان هذا وفي هذا الشارع، كل هذا صحيح، ولكن هذا لا يدفعنا الى التخلي عن استمرار المطالبة بالجيش، وهذا لا يدفعنا الى التخلي ولا لحظة عن إيماننا الجامع بحياتنا بالدولة ، وأي كلام آخر هو إعطاء فرصة جدية للآخرين لكي يجرونك الى ملعبهم الوسخ.

نحن لا يمكن ان نذهب الى الملاعب الوسخة، لأننا نعرف قيمة الدولة ونعرف قيمة السلم ، وإننا إذا طالبنا في يوم من الأيام سنصل الى ما نريده، لأننا نتمتع بالصبر وبقدرة المطالبة ، وبقدرة الإصرار على الوصول الى المكان الذي سعينا جميعنا للوصول اليه، منذ عام 1990 حتى اليوم.

لا شك انكم سمعتم الكثير خلال الاسبوعين الماضيين وشاهدتم على التلفزيونات، ضباطا يخرجون من السجن بعد أربع سنوات ، كانوا متهمين بالمشاركة بالإغتيال ، ولكن هناك صورة قصّرنا نحن والإعلام بأن نراها، الصورة الحقيقية لما حصل ، أنه لأول مرة في تاريخ المنطقة تعقد محكمة دولية من أجل اغتيال فردي بمحاكمة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري. هذه المحكمة لا سابقة لها بالمعنى الفردي، لأن المحاكم الدولية تعقد عادة عندما يكون هناك جرائم جماعية، أو تصفيات لشعوب أو لأعراف وغيرها، ولكن هذه المحكمة هي الوحيدة في التاريخ، التي عُقدت من أجل اغتيال شخص، أو عدد من الأشخاص من شهداء 14 آذار منذ 14 شباط 2005، حتى أشهر سابقة.

لكن الواضح ان الآخرين يريدون أن يقولوا لنا، ان الأمر الذي صمدنا وقاتلنا من أجله لن يحصل ، بدليل ان هؤلاء الضباط خرجوا من السجن ، ولكن هذا غير صحيح.

عندما أتى المحقق لأول مرة الى بيروت ، قالوا لن يكون هناك تحقيق ، ولكن تم تشكيل لجنة التحقيق. بعد ذلك أتت لجنة التحقيق الأولى، فقالوا هذا المحقق الألماني ديتليف ميليس رذيل يفتعل القصص ويخترع الروايات، وهو ليس دقيقا في تحقيقاته، ولن تكون هناك لجنة أخرى. ولكن ما حصل انه تم تشكيل لجنة تحقيق أخرى، وأتت الى بيروت وإستكملت التحقيقات ، ولكن قالوا ان رئيس اللجنة رجل علمي “لبس الروب الأبيض ونكش الرمل قرب السان جورج”، وتحقيقاته لم تصل الى نتيجة.

أيضا ما حصل انه تم تشكيل لجنة ثالثة، وعندما قالوا لن تكون هناك محكمة، وهذه اللجنة لن تتحول الى محكمة، ولن يتحول رئيسها الى مدّع عام أيضا، ما حصل ان المحكمة تشكلّت وتحوّل رئيس اللجنة الى مدّع.

هذه الأمور كلها لم تحصل بسبب مجموعة من الناس، ولكن بفضل صمود أكبر عدد من اللبنانيين، ولكن أكثر الذين صمدوا وصبروا هم أهل بيروت، لأن هذه المدينة شعرت بأنها طُعنت، ولكن تبيّن مع الوقت اننا لم نفقد إيماننا بالدولة، ولم نفقد إيماننا بالجيش، ولم نفقد إيماننا قبل كل شيء بالسلم الأهلي، لأننا لا يمكن أن نعيش خارج إطار الدولة، ولا يمكن أن نعيش تحت فكرة الإنتقام، لأننا أهل عدل ولسنا أهل ثأر، نحن أهل الحق وليس الإنتقام، وبالتالي هذا العناوين الرئيسية التي نفكّر بها أي الحق والعدل والاستقرار، من الواضح انه اصبح موجودا على بر الأمان، وأصبح من الواجب أن نتوجه بصمودنا الى أمكنة أخرى، لحماية خياراتنا التي عشنا عليها وتعبنا عليها خلال هذه السنوات، والتي دفعنا ثمنها دما غاليا من الشهداء وأولهم الرئيس، ثم لحق به العديد من الصحافيين والسياسيين والاصدقاء، رحمهم الله جميعا.

لقد إعتقد البعض لفترة ان كلمة لبنان أولاً هي تخل عن عروبتنا، ولكن هذا غير صحيح، لبنان أولاً هي مسؤولية وطنية أولاً، ومسؤوليتنا أولاً يجب أن تكون تجاه لبنان وطننا، ولكن هذا لا يعني أبدا اننا تخلينا عن عروبتنا، ولا يجوز في أي لحظة من اللحظات الإعتقاد، ان لبنان هو التخلي عن العروبة، نحن اختلفنا بمشاعرنا وأعلنا ذلك مع النظام السوري، هذا صحيح، واتهمناه سياسيا باغتيال الرئيس الحريري، ولكن العروبة لا تسكن في دمشق فقط، هي تمر بدمشق، ولكن تكمل طريقها الى كل العالم العربي، وهذا جزء أساسي من تاريخنا ومن تراثنا وحقيقتنا وهويتنا، ولا يجوز للحظة ان نشعر اننا نستطيع التفكير بالتخلي عن هذا العنوان، لأن التخلي عن هذا العنوان يدفع الآخرين للإعتقاد بأننا تخلينا أيضا عن حقنا كعرب، بأن يكون للفلسطينيين المشرّدين في كل دول العالم، دولة وهذا غير صحيح، لأننا لم نتخل عن هذا الحق، ولم نتخل عن العمل من أجل هذا الحق.

نحن قاتلنا وقاومنا لسنوات طويلة، الى ان وصلت الأمور الى مكان حتمت علينا الوقوف على أولويات بلدنا، ولكن لا يعتقدن أحد ان المقاومة بدأت بالأمس، وتنتهي غدا. المقاومة بدأت منذ زمن طويل، واستمرت ومازالت مستمرة حتى الآن، في لبنان موجودة وفي فلسطين ما تزال موجودة، وبالتالي لا يجوز إضاعة البوصلة بين اهتمامنا ببلدنا والقول إننا تخلينا عن عروبتنا وعن إهتمامنا الأول والأساس بالقضية الأولى عند العرب، وبالتالي لا يجوز هذا الكلام، لأن هذا الكلام سيسمح للآخرين الإدعاء بأنهم يحملون علم فلسطين، وانهم يقاتلون من أجل فلسطين، ونحن نجلس جانبا ، لكن هذا غير صحيح نحن لم نجلس جانبا ، فقد قاتل كل واحد منا في بيته، وكل واحد صمد في منزله في تموز 2006 ، كان كأنه يقاتل ، إذاً كان هناك صمود بوجه الجيش الإسرائيلي ، فنحن جميعا جزء من هذا الصمود، ولا يجوز أن نتخلى عنه ولا يجوز إعتبار ان غيرنا يملكه وأننا لا نملكه ، ولا يجوز ان يعتقد الآخرون انهم يحملون علم فلسطين، وإننا تخلينا عنه ، ولا يجوز أبدا أن يعتقدوا ان بيروت بتاريخها، وبعروبتها وبصمودها وبإسلامها وبمدينيتها تتخلى عن القضايا العربية الكبرى، لكي يدّعي أشخاص معدودون انهم يستطيعون أخذ هذا العلم والتقدّم به الى الأمام، بينما نحن نتفرج عليهم.

نحن لا نتفرج عليهم بل نحن شركاء في كلمة الحق، نحن شركاء بالسلم الأهلي، ونحن معنيون بقيام دولة لبنانية مسؤولة عنا جميعا، نحن لا نطالب بدولة لنا فقط أو للبيروتيين فقط، نحن نطالب بدولة لكل اللبنانيين، ولكن هذه المطالبة يلزمها حماية والحماية عدّة أنواع. الحماية الأولى انه بصمودكم وتأكيدكم على كلمة الحق تساعدوننا على الأمور الأساسية.

هناك جوانب إيجابية ، وهناك جوانب سلبية في اتفاق الدوحة، ومن إيجابيات هذا الإتفاق انه تم إنتخاب رئيس للجمهورية، وتم تشكيل حكومة برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة وعادت الأمور الى حد ما ، الى مجراها الطبيعي.

أما الجانب السلبي فهو الإختراع الذي خرجوا به، المسمّى بالثلث المعطّل. هذا الثلث المعطّل إذا كان من أجل المقاومة فأنا مع الثلث المعطّل، ولكن إذا كان من اجل الرذالة على الناس، أقول لن يكون هناك ثلث معطّل، وإذا كان من اجل تعطيل أشغال الناس لا للثلث المعطّل.

أنا أقول ذلك وأكرره دائما لأن هذا عنوان أساسي للمرحلة المقبلة بصمودنا وبحركتنا السياسية، مهما كان نوع السلاح، لن يوقّع أحد منا على أي تنازل سياسي اسمه ثلث معطّل أو غير ثلث معطّل، نحن نلتزم فقط بالدستور نصا وروحا، ولا يوجد أي كتاب آخر يمكن أن نناقش فيه، ومن يملك كتابا آخر لا يمكن أن نتحدث معه.

نحن نفتش عن عناوين وفاقية ، ولا نفتش عن خلاف مع أحد، ولكن من لا يريد عناوين وفاقية، نحن لا نستطيع خدمته ، ولا نستطيع أن نبحث له عن عناوين خلافية، ولا يمكن أن نوقّع له على عناوين خلافية، وإذا كان هذا التوقيع من حقنا فنحن لن نوقّع عليه.

صحيح ان السلاح يستطيع أخذ الشارع والبنايات ومداخل البنايات، وفي فترة من الفترات كان هذا السلاح يقاتل الجيش الإسرائيلي، ولكن ما من مرة وقعوا في مشكلة إلا ورأيناهم يركضون من أجل سطرين في البيان الوزاري، واللذين يعطيان اللبنانيين حق مقاومة الإحتلال الإسرائيلي لأية أراضي لبنانية، ولكنهم ينسون دائما ان أول شخص أمّن لهم الشرعية هو الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 1996 ولكنهم يتذكرونه مرة وينسونه 99 مرة لأنهم يعتبرون ان شرعيتهم يحميها السلاح، وهذا غير صحيح، وهم يحاولون ان يقولوا لنا ذلك، أو يحاولون أن يقولوا لنا ذلك، وهذا أيضا غير صحيح، وبدون هذين السطرين كل هذا السلاح لا قيمة له، وكل هذا السلاح ليس له حماية ، وكل هذا السلاح ليس له العمق الآمن الذي شاركنا به جميعنا في تموز 2006 ، واستقبلنا كل الناس في بيوتنا وفي مدننا وفي قرانا وفي مدارسنا، ولم نتصرّف أبدا على اننا على خصومة مع أي كان.

أنا لا أحب العودة الى الماضي، ولكن ما حصل في 7 أيار هو جرح لن يعيش كثيرا في ذاكرتنا، لأن هذا الجرح لن يتكرر ، ولن يتوسع ، ليس بقرار من أحد ولكن بقرار من صمودكم وإصراركم على ان كلمة الحق هي الأقوى في المواجهة السياسية، لا توجد مواجهة سياسية دخلوا فيها وربحوها من العام 1996 حتى اليوم، أنا عايشت تفاهم نيسان ، فلولا إصرار الرئيسين رفيق الحريري رحمه الله، والرئيس نبيه بري في ذلك الحين لما كان حصل هذا التفاهم.

أعود وأقول يجب أن نقرر، هل نحن أهل ثأر، فإذا كنا أهل ثأر سنقضي عمرنا نأخذ بالثأر، ولكن هذا لن يوصل الى مكان، لأن الثأر الحقيقي الذي يوصل الى نتيجة هو ان ننجح في تحقيق الفكرة التي نعمل من أجلها، الثأر الحقيقي هو أن نجد الدولة وهي تقوى يوما بعد يوم، ونحقق أفكارنا يوما بعد يوم، هذا هو الثأر الحقيقي. وليس الثأر بأن نرد على كل من شتم بشتيمة، لأنه لو كان خصومنا يعرفون بالثأر السياسي، لكانوا ربحوا علينا بالمنطق ، ولكنهم لم يربحوا علينا ولا مرة في المنطق. ومن يربح بالمنطق لا يحتل الشارع، ومن يربح بالعقل لا يعتدي على الناس، ومن يستعمل المنطق لا يشتم مواطنيه.

كل هذه الأمور لم تكن لتحصل، لو كان هناك عقل ومنطق وفكر، أو حتى قدرة على المواجهة السياسية عند الآخرين. الحمد لله نحن لا نستطيع الإدعاء اننا خسرنا بالسياسة، ولكن نستطيع الإدعاء بأنه بعد 8 حزيران لن نقبل خسارة أي شيء موجود ضمن الدستور بالدولة اللبنانية في رئاسة مجلس الوزراء، وفي رئاسة الجمهورية، وفي كل المؤسسات الدستورية المعنية بحياتنا وبتفاصيلها وبأساسياتها.

سؤال من احدى الحاضرات: ما الذي يمنع أن يكرروا 7 أيار؟
ج- للحقيقة لاشيء يمنع ذلك سوى محاولات، وربما لن نجد الجيش ولا الدولة التي تحمي في ذلك الوقت .
أنا لا ادّعي بأنني أو من أنتمي اليهم سيحملون السلاح وينزلون الى الشارع، وإذا تصرّف أحد بهذه الطريقة، فأنا سأكون ضده، وأنا كنت ضده قبل ذلك، وسأكون ضده الآن .

ماهي أهمية 7 أيار ؟ لـ7 أيار معنيان: اولاً لها معنى الجرح وهذا صحيح، ولكن لها ايضاً معنى التوقيع السياسي الذي حصل في الدوحة .

أنا أقول الآن ان كل السبعات بدون التوقيع السياسي لامعنى لها، ولا يستفيد منها أحد، بالتالي ماهي أهمية كل الحروب إذا لم يكن هناك توقيع سياسي؟.

أنا ادّعي انني اتحدث نيابة عن سعد الحريري دون أن أسأله، وأن أتحدث نيابة عن وليد جنبلاط دون أن أسأله ايضاً، نحن اتخذنا قراراً بأننا لن نوّقع على أي تنازل سياسي أياَ كان السلاح، وأياً كان حامل هذا السلاح في كل السبعات في كل الأشهر وفي كل السنوات .

قد يُقال لي اننا سنتوجع وسندفع ثمن هذا الموقف، فلا مانع من ذلك وهذا أفضل من أن ندفع ثمنه مرتين، مرة بالرذالة ومرة بالتوقيع السياسي .

التوقيع لن يحدث، لذلك أنا أستطيع القول ان 7 أيار لن تتكرر . القهر الحقيقي هو التوقيع ولكن الانتصار الحقيقي هو ان تقول لن اوّقع، لأن أي تفكير آخر يجرنا الى الملعب الثاني الذي لا علاقة لنا به، والذي هو ليس انطباعنا وليس من أفكارنا، إلا إذا قررنا فجأة اننا تخلينا عن الدولة، ولكننا لا نتخلى عن الدولة، لأن مشروعهم هو دفعنا للتخلي عن الدولة وعن القضاء . مشروعهم هو التعاطي مع المحكمة الدولية بالمفرّق، بمعنى أن يقولوا يوم الاثنين انها جيدة ويوم الثلاثاء مشكوك فيها، ويوم الاربعاء خائنة، أما نحن فمشروعنا هو مشروع الدولة ومشروع الثقة المطلقة بعمل المحكمة الدولية، اياً كانت تقاريرها أو نتائجها أو أحكامها، لأنه لايمكن لنا أن نعيش بدون مرجعية قانونية ودستورية تحمي أولادنا ومستقبلهم .

إحتلال الرصيف أو البناية لا يحمي المستقبل، ولا يحمي كرامة الناس، وهذا كله كلام فارغ ينتهي بعد عدّة ايام أو بعد عدّة اسابيع أو بعد عدّة أشهر، ولكن المهم الا يأخذوا توقيعنا لأنهم عندما يأخذون التوقيع يحققون كل ما أرادوه .

أعود وأقول هم يريدوننا أن نشك بكل شيء بين أيدينا، بكل ورقة بكل دستور بكل قضاء بكل محكمة دولية .

على كل حال هذا لا يغيّر موقفنا، وبالعكس نحن منفتحون على كل ما هو ضروري أن نقوم به وما يؤسس لدولة مدنية تعيننا وتحمي حقوقنا وتؤمن مستقبل أولادنا، قد تتأخر أو قد تتعب أو تبدو بعيدة ولكننا لن نتراجع . نحن لا نملك خياراً آخر، لا نملك إلا خيار كلمة الحق والدفاع عن فكرة الدولة المعنية فينا، والتي تحمي مستقبلنا وتؤسس لكل ما له علاقة بحياتنا .

أنا أعرف ان هذا الكلام ليس انتخابياً، وأنا أعرف أن أتكلم بالكلام الكبير كلام العضلات، ولكن هذا الكلام لن يوصل الى نتيجة .

لذلك لم يعد هناك ضرورة لأن نتكلم كلاماً كبيرا، إنما الضرورة هي أن نتطلع الى سعد الحريري باعتباره الصامد الأول، وليس باعتباره المقاتل الأول، هو الصامد الأول والمدافع عن كل ما نفكر فيه، من خلال مجموعته السياسية وقدرته على المواجهة السياسية مع كل الاطراف، يجب أن نكون جميعاً داعمين لفكرة الصمود، وليس لفكرة الهجوم، يجب أن نقتنع بأن السلم الأهلي لايتم إلا عبر الحوار، وبالتالي من يرفض الحوار الإثنين سيقبل به الأربعاء، ومن يرفضه الأربعاء سيقبل به الجمعة، لأن هذا ليس خيارنا، فحسب بل هو خيار الآخرين، وإذا أرادوا البقاء في لبنان فلا خيار أمامهم سوى الذهاب الى الحوار، لأن الخيار الآخر غير متوفر وغير موجود .

لا يمكن ان نصدّق ان اياً كان يستطيع ان يغلق على نفسه، لذلك من يريد العيش معنا يجب ان يتحاور معنا، وأن يقبل بشروط نتفاهم عليها طالما، اننا لا نفتش إلا عن عناوين التفاهم مع الآخرين، لا عن عناوين الحروب مع الآخرين .

لكن كل هذه العناوين رغم جديتها هناك طريقة واحدة لحمايتها، تقضي بألا تتخلوا يوم 7 حزيران عن حقكم بأن تضعوا هذه الورقة في صندوق الإقتراع، لأنه عندما تتخلون عن حقكم بهذه الورقة ستعتادون على التخلي عن حقوقكم في أمور كثيرة أخرى، وبالتالي تحققون ما يريده الخصم وهو الخروج من فكرة المدنية والمدينة التي تعبّر عن نفسها بشكل سلمي صادق وصامد وصلب، وبين فكرة من يفرض نفسه بالقوة .

قوتنا نابعة من تاريخنا لا منذ الامس، وهذه مدينة عمرها مئات السنين ولقد اعتقد الكثيرون انهم أخذوها وجلسوا فيها، وأخذوا عقلها وقرارها، ولكن إذا أردتم أعود وأذكركم بأن الجيش السوري مكث في بيروت 30 سنة، وأعتقد انه اذا خرج الاثنين اصبح الثلاثاء وكأنه لم يكن موجوداً. وهذا يؤكد ان باستطاعة المدينة ان تدافع عن نفسها، والذي يعتقد انه اخذ قرارها الى المكان الذي يفكر فيه، يتفاجأ بانه يشدُ ويشدُ ويشد ثم يفتح يده ليجدها خالية .

هذه هي الصلابة والصمود،هذه هي الأفكار التي نستطيع الدفاع عنها، والتي نستطيع ان تخلق عندنا دافعاً ذاتياً داخلياً ، لاعلاقة له بالصوت العالي ولا بالكلام الجارح ولا بالعناوين المؤذية.

إذا أردنا ان نتصرّف كما يقولون “بدنا نبيع من بضاعتهم فهذه ليست تجارتنا”، لأن تجارتنا مختلفة تماماً، تجارتنا باللغة بالعلم وبالسلم الأهلي، وتجارتنا برغبتنا بالانفتاح على الآخرين، وبعروبتنا وبمسؤوليتنا عن حقوق الشعب الفلسطيني، وبالتالي نحن لنا لغة ثانية ولكن هي لغة الحق، والتي تحمي مضمون هذه اللغة طالما اننا نلعب في ملعبنا وليس في ملعب غيرنا، لأن ملعبنا هو العقل والمنطق والتفكير والمواجهة السياسية، وليس استعمال الكلمات النابية والشتائم، نحن لا نتصرف بطريقة الشتائم والسباب، وبالتالي لا تعتقدوا انكم لا تحرجونهم بصمودكم وبتفكيركم، ولا تعتقدوا انكم لا تضايقونهم بكلمة الحق، ولا تفكروا انكم بسطر في مقال لا يؤذيهم أكثر من عشرين مدفع وأكثر من نصف سلاحهم، حتى لا أقول كل سلاحهم ، لأن من يعيش خارج بيئته لا يعود محمياً، وبالتالي من سيحميه؟ السلاح لا يحمي، ما من منطقة في العالم احتمت بالسلاح إلا وكان هذا الأمر مؤقتا، لانه في مابعد سينشأ نظام يعيش فيه هؤلاء الناس، وإلا كيف سيعيشون، وبالتأكيد لا يستطيعون العيش لأنهم يحملون السلاح، ولا يستطيعون تعليم أولادهم لأنهم يحملون السلاح، ولايمكن ان يتطببوا لأنهم يحملون السلاح ، كل هذه الامور لا تحققها إلا الدولة وليس حامل السلاح مهما كبر سلاحه، ومهما كثرت أمواله، ومهما توسّع في الجغرافيا ، لابد ان يرجع الى جهة اسمها الدولة، هي الإطار لكل الناس لكي يجلسوا فيها .

الصراع الآن هو اين سيجلس كل واحد داخل الدولة وليس خارجها ؟ ماحصل في 7 أيار حصل لكي يأخذوا ” إجر كرسي” زيادة وليس ليخرجوا من الدولة، قاموا بـ 7 أيار اعتقاداً بأنهم يستطيعون الحصول على كرسي، ولكنهم حصلوا على “إجر كرسي” ماشي الحال، والمرة القادمة لن نعطيهم حتى ” إجر الكرسي” .

أعود وأذكّركم ما هي المدينة، هي الرقي هي الحرية هي القدرة على التعبير، هي الناس العاقلون الذين يؤلفون الكتب، كذلك هناك مجانين في المدينة، وفيها كل الناس وكل الأنواع وكل الأصناف، لكنها المكان الذي نشعر اننا جميعا نستطيع ان نتنفس فيه، وان نقول كل ما نفكر فيه، سواء أعجب الآخر أم لم يعجبه، لأنه بغير المدينة نصبح أهل ثأر، وعقل المدينة هو الوحيد الذي يحمينا، وهو الوحيد الذي يُحرج الآخرين بالتعامل معنا .

اليوم شاهدت على التلفزيون رئيس الأركان السوري ومعه فريق من الضباط، وقد جلسوا على يمين رئيس الجمهورية بكل تهذيب وبكل لياقة، التقوا رئيس الجمهورية ثم صعدوا الى السيارات وعادوا الى دمشق، فاذا كانت العلاقات اللبنانية – السورية على هذا الشكل، فأهلاً وسهلاً. نحن لا يمكن ان ننكر للحظة على أي مسؤول تنفيذي بالدولة، سواء في الحكومة أو في الوظائف العامة الكبرى، ان يتعاطى مع سوريا بشكل يحفظ كرامة بلده، وضمن القنوات الرسمية ولا ان يكون فاتحاً على حسابه .

لبنان البلد الوحيد الذي يُقال فيه فلان صديق لدولة، لا يوجد شيء اسمه صديق لدولة لأن الدولة تكون صديقة لدولة، فقط في لبنان يُقال فلان صديق للدولة الفلانية، هذه كلمة كبيرة لا يستطيع أحد ان يتحملها. قد يكون لفلان هذا علاقة بمسؤول أو بوزير ولكن لا يمكن ان يكون صديق لدولة .

لذلك العدل الذي طلبناه بالمبدأ وصلنا اليه، والعقل الذي طلبناه بالمبدأ أصبح في المكان السليم والآمن واسمه المحكمة الدولية .

يبقى علينا ان نجتهد ونتعب ونركض ونقاتل بالكلام، ونواجه بالسياسة مثلما تصرّفنا بموضوع المحكمة الدولية، ولكن لهدف آخر، وهو إعادة بناء أو ترميم الدولة بما يحمي مصالح كل اللبنانيين، نحن لا نريد مصادرة مصالح الآخرين، ولا نريد حرمان الآخرين من حقوقهم، ولكننا لن نقبل أبداً تحت شعار ان واحدا يملك السلاح أو يعتقد انه يستطيع بالسلاح أن يأخذ أي شيء من حقوقنا، هذه مسألة إذا حصلت مرة في لبنان يكون ذلك حصل بالغلط، لأن ليس هذا هو لبنان، وفي لبنان لا أحد يستطيع ان يأخذ حقه بالقوة .

لو كان لبنان بلد إنقلابات لكان وقع منذ سنة 1943 حتى اليوم كل سنة إنقلاب، ولكن لا يمكن ان تقع في لبنان إنقلابات، لأن طبيعته وتنوّع شعبه وتنوّع ثقافاته وأهل المدن فيه لايفكرون بالإنقلاب .

نحن نور في منطقة كلها ظلام ، لبنان هو الدولة الوحيدة التي يمكن للناس ان تقول رأيها، ولبنان الدولة الوحيدة التي فيها صحف وتلفزيونات، ولبنان الدولة الوحيدة فيها تداول للسلطة وليس قائدنا الى الأبد .

في لبنان رئيس الجمهورية في أحسن الأحوال يمدّد له ثلاث سنوات، وبعدها يحزم حقائبه ويذهب الى بيته. هذه نعمة، ولا تعتقدوا ان هذا تحصيل حاصل، لأن كل المحيطين بنا من باكستان حتى صنعاء غير ذلك، فالكل قابع لا يريد أن يرحل، والكل يمنع الكلام ويمنع إبداء الرأي .

لا يوجد في لبنان سجون سياسية، نعم مررنا بفترة صعبة وسمعنا واحدا من الضباط يتفلسف على التلفزيون، وكأنه نسي كم زج اناسا في السجون بين عامي 1995 و2005 ، ولكن ها هو مثل الغبار إنتهى ولم يعد موجوداً، ربما بعد اسبوعين او ثلاثة سنسمعه يقول كلاماً لنتذكره ولكن سنتعوّد على ذلك، وبالتالي هذا الكلام لن يدفعنا الى ردّ الفعل، ولكنه لم ينجح بالقيام بأي شيء، كل ما في الأمر انه نجح عندما كان في السلطة بان يؤذي أكبر عدد ممكن من الناس، والآن خرج لاعطائنا دروسا بالسلام والأما ن وبالعدل وبالثقافة وبالآدمية.

أعود وأقول لكم هذه الورقة بصرف النظر عن المرشّح، هذه الورقة هي كرامتكم السياسية إذا تخليتم عنها سيطلب منكم ان تتخلوا كل يوم عن شيء جديد، عندما تنزلون وتضعون هذه الورقة في الصندوق تكونون بذلك تدافعون عن حقنا جميعنا بأن نقول رأينا، ونحن لا نملك وسائل كثيرة لنقول رأينا بواسطتها، نحن لا نملك أن نقول رأينا إلا بالحق وبالهدوء وبطريقة مدنية ومهذبة يحميها الدستور، وهذا التصرّف هو الوحيد الذي يحمي حقوقنا في كل المسائل الأخرى، بالدولة وبالسلم الأهلي وبالحوار، لأنهم يتمنون الا ننزل ونصوّت لكي يبدو ان هناك اناسا أكثر وأكثر يخرجون من فكرة المدنية والمدينة، والايمان بالدستور والصمود مع الدولة، وكلما تراجع صوت من أصواتنا في هذا الصندوق، كأنه يقول ان كل ماقاتلنا من أجله بدأ يتعب. ولكن أنا لا أرى ان هناك من تعب منكم بعد أربع سنوات ماشاء الله عليكم، لقد قاتلتم أربع سنوات ومازلنا جميعاً صامدين، وبالتالي لاتوجد أيام اسمها 7 او 8 ممكن ان تغيّر سياستنا أو أهدافنا .

أنا أكيد ان أخلاقنا العالية موجودة، ولكن هذه الأخلاق الحميدة والعالية، حمايتها تكون بألا نتخلى عن حقنا ، وحقنا السياسي هو أن تنزلوا يوم الإنتخاب بهذه الورقة .

سؤال من احدى الحاضرات عن انتخاب الرئيس بري لرئاسة المجلس ؟
ج- إذا قلت لكِ انهم لن ينتخبوه، سأكذب عليكِ، ولكن أريد أن أقول لك شيئا آخر، هذا لا يعني انه بالتأكيد سيُنتخب، ولكن لنفترض اننا سنقول لـ25 نائبا من أصل 27 قرروا انتخاب فلان من الناس لهذا المنصب، عندما سنقول لهم لا نريد انتخاب فلان، فبالتأكيد عندما نصبح 25 من أصل 27 ونقول اننا نريد سعد الحريري، سيقولون لنا نحن نرفض .

هذه هي السياسة كما هي لا توجد إختراعات، فلا يمكن ان ترفض غيرك، وغيرك لايستطيع ان يرفضك .

عندما نريد ممارسة هذا الرفض نمارسه في الإنتخاب بأن ندع الناس الذين ينتخبون الرئيس بري وحلفاءه ،ربما الى عدم انتخابهم. ولكن لا يمكننا فقط أن نعادي لأن هذا الشخص فلان .

طبعا هو أخطأ معنا وتراذل علينا ولم يترك شيئا بالسياسة أو بغير السياسة إلا ومارسه معنا، ولكن يجب أن نسجّل له انه مرّت أربع سنوات على سجن الضباط، ولا مرة تحدث عنهم او فتح سيرتهم بحرف .
هناك أمور كثيرة ستسجل ضده ولكن هناك أمور قليلة تسجّل له .
أنا لا أتحدث بهذه اللغة الآن بسبب الإنتخابات، فالإخوان هنا يعرفونني، هذا كان رأيي دائماً أنا من دعاة الحوار .

أهلاً وسهلاً بكم ، وإن شاء الله نلتقي في 8 حزيران، ونكون قد انتصرنا لندافع عن كل حق بدون تردد وبدون تراجع وبدون الإنغماس بلعبة نتسخ منها، وأن نبقى على نظافتنا وعلى صمودنا وعلى صدقنا وعلى قدرتنا بالوصول الى ما نريده . وبيروت دائماً دائماً دائماً كانت قادرة على أن توصل أهلها .

بدنا نفرح كلنا في 8 حزيران، بدنا نفرح بأدبية المدينة وبأخلاقها وبثقافتها وبانفتاحها وبمطاعمها ايضاً .
أهلاً وسهلاً بكم وشكراً لكم .