صندوق “ولاّدة الافكار”

مقالات 14 يناير 2008 0

تعرّفت اليه المرة الاولى منذ 27 عاما متحدثا في العروبة، صادقا، مقنعا، مقاتلا في ندوة اقامتها واحدة من آخر قلاع العروبة في العالم العربي.
وصل في حدته وهو الشاب آنذاك الى التخصص في التقصير السعودي تجاه العرب والعروبة والتقصير هنا تعبير ملطّف جدّا عما كان سائدا في تلك الايام.
استهواني اندفاعه في الندوة ومعه آخر من المنتدين هو الدكتور علي الدين هلال الاستاذ الجامعي المصري والوزير لاحقا في حكومة بلاده ولو متأخرا جدا عما كان متوقعا له. حسن الطلعة. كثير التعابير. منفتح على الحداثة. لائق. ينقصه ما هو شائع عن تلقائية خفة الدم عند المصريين.
الأول غسان سلامة لبناني من كسروان لمّاع في أفكاره، حاد في حركته، صارم في ادارته، لا تنقصه الرفعة في الكلام لاصابة هدفه ولو عن بعد.
أكبرهم سنا وان لم يكن ثالثهم مصري ايضا، هو سعد الدين ابراهيم. استاذ العلوم السياسية في الجامعة الاميركية في القاهرة، والمصري الاكثر قدرة على احداث اكبر قدر ممكن من الفوضى الاعلامية أكانت منه او عليه. تخصّص في دراسة الاقليات في العالم العربي وتنقّل بين مراكز الدراسات في بيروت وعمّان ثم فتح مركز مراقبة تنمية الحرية والديموقراطية في مصر بعد ان راهن طويلا على قوى رئاسية سياسية مصرية، ثبت متأخرا أن مزاجها أقوى من حرصها على على أصدقائها. فاستبدل الانتماء الى الفساد السياسي بالشكوى منه فصار السجين السياسي المصري الاميركي الاشهر في السنوات العشر الاخيرة بتهمة قيامه وحواريي مركزه بمراقبة انتخابات يريد السلطان ان يمنع كل من يعمل على اظهار عدم نزاهتها.
المكان: تونس. الزمان: 1980 .ندوة يقيمها مركز دراسات الوحدة العربية الذي يرئسه آخر رئيس لجمهورية العروبة هو الدكتور خيرالدين حسيب ويديره ولاّدة الافكار الدكتور غسّان سلامة.
بين الحضور الكاتب طفل العروبة الاغرّ محاضرا للمرة الاولى في حياته.
منذ ذلك الزمن لم أنقطع عن متابعة أفكار الدكتور سلامة، الذي كان انهى دراساته العليا في باريس، لينتقل بعد التدريس في جامعات بيروت الى العاصمة الفرنسية ويستقر حيث العلماء يستقرّون، استاذا للعلوم السياسية في جامعة السوربون وفي معهد باريس للدراسات السياسية. ويقضي اجازته الصيفية في فلورنسا حيث يدرّس العلوم المتوسطية في معهد سياسي هناك.
هذا في العلن، أما بالفعل فقد كانت له دائما كرسي المستشار، رسميا بعض الاحيان وغير ذلك كل الاوقات، في جامعة الدول العربية، وفي الامانة العامة للأمم المتحدة، وفي كل حدث عربي ولبناني.
بين ندرة من اللبنانيين جعل سلامة من علمه وايمانه بعروبته هماً عاماً معنيا بالعمل العربي المشترك والعين الدولية الجامعة لما يدور من احداث في العالم.
يقول احد اصدقائه عنه انه وجد حيزا بين واقعية مقدمة ابن خلدون التي يحفظها عن ظهر قلب وتنظيرات ساطع الحصري، وجد حيّزا من الوقت لتأليف العديد من الكتب المرجعية السياسية، وصولا الى كتابه الاخير كيف تعيد اميركا تشكيل العالم ، بعد أن اكتمل عقد تطوّعه في العمل العام بنجاته من التفجير الذي اتى على مقر الامم المتحدة في بغداد ، حيث كان في قلب العمل على انقاذ بلد عربي يراه يتهاوى امام عينيه، وعلى امتار قليلة من الموت الذي طال زملاء له وأصدقاء.
لا يعرف عنه الكثيرون انه واحد من الذين ساهموا في صياغة تفاهم نيسان عام 1996 ، والذي ذاع صيته بانه الصيغة الادق لعمل المقاومة في مواجهة المحتل مع حفظ حق المدنيين في الحياة وعدم استغلال منازلهم مسرحا للاشتباك او مقرا للانطلاق. ولا يذكر احدا عنه انه ساهم عن بعد وبتواضع في صياغة اتفاق الطائف ولو بسطر واحد عبر اصدقاء مشتركين مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
غمره تواضع العلماء حتى وهو وزير الثقافة في لبنان، التي جعل منها منبرا للسياسة الخارجية، فقال بالفرنسية ادق ما يقال حين صار ناطقا باسم القمة الفرنكوفونية التي عقدت في بيروت، وتحدث بأجمل ما في اللغة العربية حين صار متحدثا في القمة العربية المنعقدة في العاصمة اللبنانية، فكان لا بد من ان تصيبه شظايا السم الأمني العربي على لبنان.
غلبت عليه سمعة المحترف في صناعة القرارات الدولية فاصابه منها اسوأها في العام ,2005 حين أقر مجلس الامن الدولي القرار 1559 الداعي والمنفّذ للخروج العسكري السوري من لبنان.
لو تغلّبت كسروانيته على عروبته لفاخر بهذه الصياغة، اذ ان منها وفيها شعبية تكلّل رأس الجبل في لبنان. لكنه لم يفعل. اصرّ على تقدّم عروبته على كل ما يفعل. جعلها نبراسا ومتراسا لعمله اينما حل ومهما فعل. فتجاهل ما يقال واستمر في التقدّم.
قابلته منذ ايام في باريس. وجدته فرحا، متّقدا، متحمسا كأنه في ايام نجاحاته الاولى. يتحدث عن صندوق للثقافة والفنون يشرف على نشاطه ويترأس مجلس امنائه ويؤكد متعمّداً انه الصندوق العربي للثقافة والفنون، ويضيف: لو انكفأ وزراء الثقافة العرب فستبقى الثقافة العربية واحدة.
يروي سيرة الجوائز التي منحها الصندوق بعد سنة من تأسيسه مثل الحالمين الكبار. واحدة لفرقة موسيقية من الصعيد المصري. وأخرى لمؤلف من المغرب العربي. وغيرها.
انتصر غسان سلامة بعروبته على كل ما يقال. تجاوز من اتهمه الى حد الغاء الاتهام والمتّهمين بكسر الهاء . صار لولاّدة الأفكار صندوق عروبة حديثة يحتوي ولا يُحتوى….