” صقور” المستقبل.. أو “البدل عن الضائع” في زمن “الغيبة الحريرية”

قالـوا عنه 29 ديسمبر 2011 0

الفرق كبير بين “يوم الغضب” وبين “مهرجان طرابلس” الخافت النبرة. لم تتغيّر المشهدية الحريرية كثيراً بين التاريخين. الفارق الأساسي الوحيد أن “المستقبليين” باتوا اكثر تقبلاً لغياب “الشيخ سعد” عن الشاشة. باتت البدائل تعوّض عليهم “الأصيل”. ليس في الامر مكابرة. ثمة من عمل من داخل “التيار الازرق”، ليل نهار، ليبقى “الشيخ حيّ فينا”.
يومذاك، أطلقت “ساحة النور” أكثر من نجم مستقبلي في عالم “التحريض” على طريقة غوبلز. استعرض النجوم عضلاتهم، ثم انصرف كل واحد منهم لاحقاً ليدير، بالمفرّق وعلى طريقته، دفة تعبئة الشارع المحبط والمصدوم. هدّد محمد كبارة، صبيحة ذاك اليوم الأسود، “بمواجهتكم بصدورنا واجسادنا لنسقط مخططاتكم”. حمل سمير الجسر على التصرّف “الاستكباري” لما يعكسه من “نشوة القوة”، وتوجه الى نجيب ميقاتي محذراً “انهم يخبئون لك من الظروف والمطالب ما لا تستطيع تحمّله”. خاطب مصطفى علوش “أشرف الناس” وأودعهم سؤال المرحلة “هل سيصبح لبنان المقر الصيفي للوليّ الفقيه؟”. محمد سلام بشّر باستفاقة “المارد…ّ”. واوكل مهمة منع “حكومة العملاء” من أن تحكم “الى شارع عمر وأبو بكر وعثمان وعلي”.
تعثّر التكليف ثم التأليف، لكن القافلة الميقاتية انطلقت من دون أن تتأثر بتهويل الخصوم. لم تصدق الكثير من تنبؤات الجنود الزرق في “يوم الغضب”. لم يضطر كبارة الى خوض تلك المواجهة المنتظرة بالسلاح الابيض. وخابت آمال الجسر طالما ان ابن طرابلس هو الذي فاجأ “حزب الله” بـ”الثوابت والمطالب” وليس العكس. ولم يشهد علوش على تحوّل الضاحية او الجنوب الى مقرّ صيفي للوليّ الفقيه. وكان على سلام ان يتأكد بالعين المجرّدة ان الفتنة المذهبية خط أحمر بتوقيع داخلي واقليمي ودولي…
مع ذلك، قام “المستقبليون” بواجبهم على أحسن وجه. ابدعوا في الحفاظ على النار مشتعلة لشد عصب جمهورهم. على رأسهم امين عام “تيار المستقبل” احمد الحريري. الشاب المندفع والمتسلّح بخطاب ناري تصعب مقارنته مع بقية الجنود في معركة “استعادة السرايا”، طالما انه مدرج قبل اي شخص آخر على لائحة “ورثة” الحريرية السياسية. يأتي في المقام الثاني فؤاد السنيورة. هو ايضاً “حالة خاصة جداً”. هو الصقر المستقبلي الاول لكن ليس على المنابر ووراء الميكروفونات انما خلف الكواليس وفي الغرف المغلقة. ثم تكرّ السبحة. الثقل التجييشي الأساسي في الشمال.
لكن نهاد المشنوق، وحده، يعدّل الميزان من موقعه البيروتي. الرجل يغرّد خارج السرب المستقبلي تماماً. لا ينطق رسمياً باسم “التيار الازرق” . كل ما يصدر عنه ينسب الى نهاد المشنوق ونقطة على السطر. انتقاده للسعودية بسبب تأخر حسم موقفها من الازمة في سوريا ثبّت هذا المنحى “الاستقلالي”. حتى ان اسلوب انتقاد قيادة “المستقبل” له على تجاوزه الخط الأحمر اختلف عن ذاك الذي طبع لملمة مخلّفات “خطيئة علوش” مع السعوديين. هو مطلق شعار “حكومة جسر الشغور”. وآخر جرعة معنويات قدّمها لشارعه، تبشيره بحتمية اقامة المنطقة العازلة ومطالبته الصريحة والواضحة، والتي لم يسبقه اليها اي من زملائه في المعسكر الازرق، بتوجيه ضربات عسكرية جوية لسوريا بقرار من مجلس الامن لحل الازمة نهائياً.
لا يمكن الحديث عن “الثوار”، من دون التوقف عند “بطولات” خالد ضاهر. للرجل “انجازات استثنائية” لا يمكن اغفالها، يختلط فيها الامني بالسياسي. من الضنية في العام 2000 الى مخيم نهر البارد، و7 ايار، الى حلبا ثم “يوم الغضب”، عبر الإيعاز الى مناصريه باقتحام مكتب محمد الصفدي وإحراق سيارة النقل المباشر التابعة لمحطة “الجزيرة”، الى اتهام مرافقه الشخصي بإطلاق النار على منزل منسق “ندوة العلماء المسلمين” الشيخ عبد السلام الحراش في بلدة عيات العكارية خلال افطار رمضاني ما ادى الى مقتل الشيح بسام المحمود، وصولاً الى ما يحكي عن علاقاته المتينة مع “الاخوان المسلمين” في سوريا.
عملياً، كان خالد ضاهر أول “الانتحاريين” الذين جاهروا بتغطية اول حراك مؤيد للثورة ضد النظام السوري ملاحقا ترتيباته اللوجستية من البريستول الى سن الفيل. والوحيد الذي رأى في العماد جان قهوجي “قائداً فاشلاً” حاملاً على “مخابراته الشبيحة”. ابن “الجماعة الاسلامية” برع كما غيره من “جنود الثورة” في كسب قاعدة جماهيرية واسعة في صفوف “المستقبليين”. يخاطب أمين عام “حزب الله ” بلغة “العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم”.
دأب ضاهر طوال الفترة الماضية على اتهام الحزب بتسليح مشايخ وجمعيات و”قبضايات الحارات” في طرابلس “باسم المقاومة”، وحمل أخيراً على كتفيه لواء قضية عدم التمديد لمفتي عكار أسامة الرفاعي الى جانب زميله معين المرعبي.
واذا كان ضاهر هو أحد الأذرعة الضاربة لـ”تيار المستقبل” في عكار، فإن محمد كبارة هو “ابو الشعبية” في طرابلس من دون اغفال الحيثية الذاتية للنائب السابق مصطفى علوش. الحسابات الطرابلسية الضيقة كادت ان تشطب اسم كبارة من لائحة المتكلمين في “مهرجان طرابلس”. زيارة الى مكتب سمير الجسر، زوج شقيقته، كانت كفيلة بتوضيح التباس ميل أحمد الحريري لعدم صعوده الى المنصة، فجاءت التسوية بوضعه على رأس لائحة الخطباء. كبارة الذي تنتشر صوره بكثافة في شوارع طرابلس له تاريخه “الحربائي” اللافت للانتباه.
للرجل “سجّل حافل” في يوميات “مرفأ طرابلس” ايام الوصاية السورية. “الكارتيل” الذي كان برعاية اللواء غازي كنعان كان كبارة أحد أركانه الاساسيين. ترشّح مرتين على لائحة عمر كرامي عامي 1992 و1996 ثم انخرط لاحقاً في التكتل الطرابلسي الى جانب محمد الصفدي والراحل موريس فاضل، ليحطّ اخيراً في حضن “المستقبل”.
برأي متابعين طرابلسيين، ليس “حزب الله” من يرعى انفلات “قبضايات الحارات” في ازقة طرابلس، بل محمد كبارة بالذات الذي يرعاهم ويؤمّن التغطية السياسية لارتكاباتهم ومخالفاتهم، وليس خافياً ان محمد سلام يساعده في صياغة خطاباته النارية. العارفون يرصدون حذره في التصويب على ميقاتي، او ذكره بالاسم احياناً كثيرة، في مقابل رفع منسوب الهجوم على “حزب الله” وبشار الاسد. حسابات 2013 النيابية تحضر هنا بقوة.
“ابو العبد الطرابلسي” ليس مجرد نائب. هو، بشهادة مؤيديه، قائد معركة إسقاط “ميليشيا حزب الله” في طرابلس وما بعدها. خبير انتخابي خدماتي من الطراز الاول استطاع ان يستثمر مخزونه الفائض في الاحتكاك المباشر مع مشاكل الطرابلسيين ليمرّر عبرهم خطاب التعبئة ضد “حزب الله” والنظام السوري. تستفزه مشاركة دول عربية في الحملات الدولية لمنع أجناس من الانقراض متسائلاً “هل دب الباندا اهم من الشعب السوري؟”.
يطمئّن سعد الحريري كثيراً الى وجود أمثال “أبو العبد كبارة” في طرابلس. البعض يذهب الى حد التأكيد بتكليف “الشيخ” له بمهمات محددة. هكذا قد يفهم مغزى مطالبته اللبنانيين بنجدة الشعب السوري “بأي شكل من الأشكال”. وفي مقابل سياسة “قطع الأيادي”، ينخرط كبارة في مشروع “كسر الأصابع وقلع العيون”. هو أبرع من غيره في العزف على الوتر السني الساخط وتأليبه ضد الآخر، معمماً “فوبيا” الضاحية في “قلعة المسلمين”…
لم يربك وجود موقفين متناقضين للرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة من مسألة اقامة مخيمات للاجئين السوريين في عكار، “مستقبليي” الشمال كثيراً. الاجتهاد مفتوح ولا من يحاسب. نائب عكار معين المرعبي واحد من هؤلاء. طالب صراحة بـ”منح اللاجئين بطاقات تعريف تمكنهم من التجوّل والتنقل” كإجراء تمهيدي، قرأه البعض، لإقامة مخيمات ثابتة. تلميذ مدرسة “الفرير” وخريج كلية الهندسة قد يكون من اكثر المستقبليين انسجاماً مع قناعاته، كما يقول المقربون منه. واكب رفيق الحريري وبقي مع سعد. وانخرط حتى العظم في معركة اسقاط حكومة ميقاتي “السورية – الايرانية” وازاحة “نظام الاجرام” في دمشق. تبنّى اتهامات فريقه السياسي بمسؤولية “حزب الله” عن اطلاق الصواريخ في الجنوب عن قناعة وليس مسايرة للموجة. نبرة هادئة تفيد ولا تضر داخل “التيار الأزرق”. تتخللها مواقف “حصرية” موقعة باسم المرعبي فقط ومنها اطلاق لقب “منتحل صفة” على المفتي محمد رشيد قباني، و”انشتاين عصره” على جبران باسيل، وعبر دعوته “لتحرير الجيش من سيطرة الضباط العونيين وضباط “حزب الله” عليه…!