صــلاة الغــائــب

مقالات 18 أبريل 2007 0

لم يكن الرئيس الشهيد رفيق الحريري يعلم وهو يختار ما اختاره في قاعتي الاستقبال في السرايا الكبيرة أن إحداها أو كلاهما ستتحولان الى مصلى سياسي وإلا لكان أخذ هذا الاستعمال في الحسبان فخفف من وهجها وقلل من زينتها.
وحين طلبتُ منه رحمه الله أن أكون ممثلاً للحكومة اللبنانية في مشروع تجديد السرايا الكبيرة، لم يخطر في بالي أن الأسقف التي تعبتُ على اختيار خشبها من دمشق والرخام الملون الذي تعب عليه الأرثوذكسي نزيه نجم، والخشب الجميل، ووروده الكبيرة على الواجهات تخفي الحديث من المواد المستعملة. والطراز الشرقي على الأبواب العالية المواجهة لبعضها البعض التي عمل عليها مروان خياط.
لو علمنا جميعاً بما سيحدث بعد ذلك في هذه القاعات لاستغفرنا الله لما فعلناه من ذوق يهدف الى الصورة الأنيقة لرئاسة مجلس الوزراء. وليس مراضاة للمصلين ولا لربهم “أستغفر الله” لأنه ليس بحاجة الى مراضاة عبيده.
تحولت القاعة في ظرف سياسي عصيب بعد محاصرة السرايا الكبيرة الى مكان صلاة، أمّ المصلين فيها المفتي الشيخ محمد رشيد قباني.
سمع الرئيس السنيورة من الاعتراض ما جعله يستعجل الأمر بإقامة قداس عن نفس الوزير الشهيد بيار أمين الجميل. فإذا بالنكد السياسي يعود الى ما اعتقدت أنه غاب عنه. فتصبح صلاة الجمعة صورة على شاشات التلفزيون في القاعة الشرقية نفسها إنما بإمامة مفتي صور السيد علي الأمين.
أولاً: رئاسة مجلس الوزراء هي ملك لكل اللبنانيين ومقر للشخصية التي اختارها نواب الأمة رئيساً لحكومتهم، كما أن المبنى يضم منزلاً لرئيس الوزراء مما يسهّل على من يريد الصلاة أن يؤديها بإيمان الخاشع وبخفر الراكع. وليس على الشاشات.
ثانياً: إن الصلاة ليست جزءاً من النكد السياسي بل هي وسيلة من وسائل راحة الروح وطمأنينة القلب. وإذا كانت ساحة رياض الصلح قد أصبحت مكانا للصلاة بإمامة الشيخ فتحي يكن في وقت من الأوقات. فليست رئاسة الوزراء هي المكان الصالح “للردح” الإيماني المنتشر بين المعارضة والموالاة.
ثالثاً: خلط النكد السياسي برموز الدولة يأخذ من الرموز ولا يعطي لنكدهم نكهة. مسؤولية رئيس الوزراء هي الحفاظ على هذه الرموز ما خصه منهم وما خص غيره. وخصوصاً أنه يشكو من تخلي الآخرين عن رمزية مسؤوليتهم.
رابعاً: الرئيس السنيورة حائز بتفوق على رضا الله ورضا الوالدين، إيمانه أكيد وصلاته دائمة، لذلك فحاجته ليست ملحة ولا مستعجلة لطلبها مشاهرة في رئاسة الوزراء.
خامساً: تكرار الصلاة في الموقع ـ الرمز يؤكد أن فعل الإيمان هذا إنما يتم عن روح الغائب. الغائب هنا هي الدولة الرمز…