صاحب القداسة.. الحوار..

مقالات 05 يونيو 2006 0

انهالت الاتصالات عليّ تعليقاً على ما ورد في مقالتي الاسبوع الماضي تحت عنوان ماذا حدث للسمع السياسي السعودي؟
توزعت الاتصالات الى ثلاثة أنواع. الأولى مشجعة ومتحمسة لما كتبت دون مغالاة وهذه عادة أصدقائي دائما. هذا إذا اتصلوا.
الثاني محاورة هادئة. متّزنة. مصححة لما تعتقد انه خطأ من وجهة نظرها. ومتقبلة للحوار قاعدة للتفاهم حول الوقائع التي وردت في المقال وهذا موقف حزب الله.
الثالث يحذر من غليان يسود عقل قراء يجعلهم يضعون سوء النية متراساً لفهمهم.
الدكتور نسيب حطيط مهندس منتسب الى حركة أمل كما أوضح لي زملاء في السفير إذ لم ترد صفته في رده. كتب جواباً على مقالتي أنشر نصه كما ورد:
رداً على مقالتي الاستاذ نهاد المشنوق في جريدة السفير بعنوان الطائفة النووية بتاريخ 1/5/,2006 في عين العاصفة الايرانية بتاريخ 22/5/,2006 رأيت من واجبي الوطني ان احاور الاستاذ المشنوق في ما كتبه خصوصاً أن التغيير الذي ضرب مؤسسات البلد السياسية والاعلامية والاقتصادية والرسمية لتتماشى مع مرحلة سياسية جديدة، ولكنها تتأرجح بين قاعدتين على اساس انها (صوت الذين لا صوت لهم) اي الكلام بالنيابة عن المكتوم صوته أو غير القادر على البوح فيما يجول في فكره لتوصل السفير هذا الصوت او الفكرة على أنها سفير ، وليست صاحبة قرار، أي انها ممثل لفكرة وليست صانعا للفكرة. بالعودة للاستاذ نهاد المشنوق الذي يحب الرباعيات في المقال الدوري في أسفل الصفحة الخامسة.
الأشد غرابة هو عنوان المقالة الأولى الطائفة النووية حيث إن العنوان يأتي معاكساً للسياق العام، فعادة ما تكون الدول نووية ولا تكون الطوائف ، وكأن الطوائف تنسج بين الخاص او طائفة اسلحة الدمار الشامل ليسلب من الطائفة فكرها وثقافتها وفقهها ويحشرها في خانة العسكري الذي يثير الرعب والخوف الى تجاوز الانظمة وغيرها من المعاهدات ليعلن هذا العنوان أن الطائفة هي المشكلة مع سلاحها. ففي لبنان تكون المشكلة مع الطائفة المقاومة ولا بدّ من نزع سلاحها ليحول لبنان من بلد عربي الى بلد هجين يُصنع على الطريقة الاميركية ليتحول لبنان الى نموذج ديموقراطي. على الطريقة الاميركية التي لا تعترف بنتائج اي انتخابات ديموقراطية الا اذا كانت لمصلحتها السياسية، وما عدا ذلك كالانتخابات الفلسطينية وغيرها فإنها باطلة ولا بد من معاقبة المواطنين على خياراتهم التي تؤمن مصالحهم الوطنية من خلال العقوبات الاقتصادية وغيرها.
وتتحول الطائفة المقاومة عالمياً الى مشكلة عالمية عبر تخصيب اليورانيوم لامتلاك الأسلحة النووية، وهنا يتحرك السيد بنفسه لأن المشكلة اكبر وأصعب من ان يكلّف بها أحداً من أتباعه من الدول الحليفة، ويسخر مجلس الامن ووكالة الطاقة الذرية وكل المؤسسات الدولية لحصار الدولة النووية في العالم الثالثة المتمرّدة على الإدارة الاميركية لنزع سلاحها، وكل هذا من اجل أمن ومصلحة الدول العظمى إسرائيل المغتصبة.
والأشد غرابة والأكثر استهجاناً أن البعض يسلط الضوء على الطائفة النووية ويغمض عينه عن الدولة النووية إسرائيل ليصوّر الخطر بين قومه أن العدو بين ظهرانيكم من طائفة هي جزء من كل هو الإسلام وأن الخطر لا ينبع لا من السيد الأميركي ولا من ربيبته إسرائيل ولا من الاتباع.
كانت المقالة الأولى قنبلة إعلامية دخانية تحاول جلب الأنظار إلى عدوّ موهوم بعدما كنا نسمع بالحدود الجنوبية والتوتر القائم عليها، فبدأت ثقافة التغيير في لبنان تعلن عن التوتر على الحدود الشرقية للبنان، ولتعلن أن العقيدة القتالية للبناني ان العدو من ورائكم وهو سوريا، بل زاد بعض الأكثر ذكاء ان انتبهوا لأن المشكلة ليست سوريا بل ايران النووية، فعندما تسقط ايران تسقط سوريا وتسقط المقاومة في لبنان، فبدلاً من ان يُضيع الوقت لنزع سلاح المقاومة في لبنان لإسقاط النظام في سوريا بعد فشل المحاولات المتكررة منذ أكثر من عام، فليُركز الجهد والضغط على اساس المشكلة الطائفة النووية والعاصفة الايرانية، وكلاهما واحد ليتكامل الاغتيال الاعلامي لطائفة من المسلمين مع الاغتيال اليومي في العراق، مستكملاً الاغتيال المنظم من قبل الصهاينة لأكثر من خمسين عاماً في الجنوب والذي لم يتوقف إلا بفعل المقاومة التي يحاول البعض حصرها في طائفة أو حزب ليسهل اغتيالها وتجميع الخصوم حولها وحصارها مع أن المقاومة في لبنان هي فعل تراكم واستمرارية لنضال أحزاب وأفراد وهيئات ومؤسسات وعلماء طوال أكثر من قرن. وقد حاول الإمام المغيب السيد موسى الصدر ان ينظمها فتعرض لاغتيال النهج عبر الاختطاف الذي نفذه النظام الليبي.
وازددتُ استغراباً عند قراءتي المقالة التي تتهم الاخوة السعوديين بفقدان السماع السياسي عن تحذيراتك السياسية التي تنبّه من الخطر الداهم المتمثل بالملف النووي الايراني وتداعياته المستقبلية بتهديد أمن منطقة الخليج وصولاً للتحذير من الحوار السعودي الايراني، الذي تجزم بشأنه أنه سيعطي الإيرانيين ما يريدون ولن تستطيع السعودية أخذ شيء، لأنه ليس في جعبة الايراني ما يعطيه لتعود وتتوسع في التحليل والاستنتاج لغسل دماغ القارئ العربي بأن الخطر الحقيقي في هذه المنطقة هو الانتفاضة السياسية للشيعة على المستويين الشعبي المقاومة في لبنان والرسمي على مستوى الدولة الايرانية والنهوض الشيعي في العراق، لتعلن واعتقد أنه ليس عن سابق تصور او تصميم، بل لخطأ في التحليل والاستنتاج بأن عدو المرحلة للعالم العربي هو الشيعة الذين تارة تسمّيهم الطائفة النووية وتارة العاصفة الايرانية وتارة يغلب عليهم الهلال الشيعي في وقت يعلن فيه الزرقاوي حربه عليهم قتلاً وسيارات مفخخة، من دون مسّه بالاميركي المحتل.
لكن، في الحقيقة، تملكني الشعور بالارتياح لموقف صديقك السعودي على الخط الآخر عبر الهاتف، وكما تقول أنت إنه أقفل الخط من دون جواب، فإما مستنكراً لما تقول وإما يأساً من النقاش معك.
د. نسيب حطيط
لم يترك عضو حركة أمل لي زاوية في ما كتب تساعدني على تجنب الرد عليه. فهو يبدأ رسالته الى الناشر بأنه يسعى الى إقفال منافذ الخطأ دون أن يدقق وأداً للفتنة على حد تعبيره فيما كتب وما إذا كان النص الذي يستند إليه وارداً في مقالتي اللتين ذكرهما. ثم يعطي نفسه حق الجائز والمطلوب وحق التحريم لكلام سياسي على أنه من باب المكروه من الكلام في وجه الحلال.
أولا: لا صفة له تعطيه حق الفتوى في الحلال والحرام في النص. إذ ان نصه ليس فقهاً سياسياً بل هو نص عدائي من النصوص العادية التي تقرأها صباح كل يوم ولا يقتنع بها أحد. ليس بسبب طائفة كاتبها بل بسبب إعلان نفسه مسؤولا أكثر من غيره عن طائفته، غيوراً عليها، مدافعاً عن حقوقها الدولية والمحلية. دون بذل أي جهد لإضافة جديد من حيث المعلومات أو الأفكار أو الابتكار الذي يحتاج اليه الواقع السياسي لمنطقتنا.
كيف يسمح مهندس لنفسه بأن يلبس عِمّة غيره ويُدخل الحلال والحرام في النص السياسي حتى لو لم يعجبه أو لم يوافق عليه؟ ألا يعطي باستعماله هذه الوسيلة الظلامية الحق للآخرين ومن الطوائف الاخرى سواء أكان على رأسهم عِمّة وعلى جسدهم جِبّة وفي أوراقهم نسب شريف أم بدون هذه العِدّة كلها؟ فيكون قد فتح عليه وعلينا باباً من الريح لا يصمد أمامها حتى قلمه، دون غيره من الأقلام المستقلة الحرة.
ثانيا: في مسألة نزع سلاح المقاومة. لا بد من قراءة سياسية لا علاقة لها بالطائفية في هذا الموضوع. وإلا فإننا نكون نعمل على نزع الشرعية اللبنانية عن هذا السلاح وتحويله الى أداة عاطلة عن العمل في وجه اسرائيل التي لا تزال تحتل جزءاً من أرضنا. لقد حاولت منذ سنة أن أتجرأ في الدفاع عن الوظيفة السياسية لسلاح المقاومة في تنظيم العلاقات اللبنانية السورية حين كانت اللغة السائدة غير ذلك تماماً. ولا أعرف أحداً كتب باللغة العربية دفاعاً عن المشروع الأميركي.
غير ان للبنان خصوصيته. فإذا لم يفرّق المؤيد للسلاح بين انتمائه الديني وبين وظيفته السياسية سيجد نفسه معزولا في زاوية من زوايا الصيغة اللبنانية التي لا تحتمل ولا تعترف بالالتصاق بين الانتماءين مهما بلغت قوة هذا الطرف أو جبروت تلك الطائفة.
إذا كان حزب الله لا يعتبر نفسه حركة تحرر وطني، المنتسبون إليها من الشيعة، فإن سلاحه وقدرته تصبح من الهشاشة بمكان ولا يعود قادراً على حماية نفسه. واعتبار حزب الله تنظيماً شيعياً من بين مهامه تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة فهو شكل ديني لا مكان دائما له في الصيغة اللبنانية. ولا حق له في استثمار التحرير تمثيلا نيابيا ووزاريا وإداريا في الدولة التي يعيش وسلاحه في كنفها. إذ ان كل الطوائف الاخرى ومؤسساتها ستصطف في مواجهة الفرقة الدينية وليس حركة التحرر.
ثالثا: لماذا التهرّب من الكلام الواقع الذي يقول إن هناك مشروعاً ايرانياً سياسياً له قواعد في منطقة الشرق الأوسط وتحالفات دولية في أمكنة اخرى. وان لهذا المشروع قواعد انطلاق تبدأ في طهران لتكمل طريقها الى بغداد ثم الى دمشق ومن العاصمة السورية الى لبنان. كذلك الى أفغانستان.
هذا مشروع جدي وحقيقي وله ما له وعليه ما عليه. وان آخر ما يتطلع اليه هذا المشروع هو اكتساب الصبغة الشيعية. إذ ان كثيرا من الشيعة ملزمون به. وان طموحه هو الوصول الى أهل السنّة والحصول على تأييدهم. وإلا فلماذا الحوار السعودي الايراني؟ ولماذا زيارة الرئيس أحمدي نجاد الى أندونيسيا البلد الاسلامي الأكبر في العالم حيث استقبل على انه المتحدي القادر على مواجهة السياسة الاميركية؟ ولماذا التحالف مع حركة حماس والجهاد الاسلامي في فلسطين؟
ما الخطأ في استعمال تعبير الطائفة النووية إذا كان عنوان الصراع الدولي مع ايران هو ملف التخصيب النووي؟ هل ينتقص هذا من فضائل الشيعة أو يزيد في سيئاتهم؟
أنا أكتب عن المسألة الشيعية على أنها عنوان سياسي لمرحلة معينة من تاريخ المنطقة وليس على أنها دين غريب عليّ أود معرفة مكنوناته وأساليبه فأرفضه أو أقبله.
ماذا يمكن تسمية تقاطع المشروع الاميركي مع المشروع الايراني في أفغانستان والعراق؟ تحالف ديني؟ أم تبادل مصالح يعطي فيها كل مشروع للآخر ما يحتاجه.
إن تنامي المشروع الايراني في المنطقة وتردد الحركة السعودية حقيقة واضحة دون تحريض مني أو من غيري. ايران تموّل منظمات سياسية وعسكرية في لبنان والعراق وفلسطين وأفغانستان. بينما السعودية تأخذ جانب الحذر في كل خطواتها وتلغي التمويل من قاموس مفرداتها ربما اعتماداً لمبدأ التطوع .
الى جانب الدعم المالي والسياسي تقدم ايران نفسها سياسياً بعناوين جذابة. الصراع مع السياسة الاميركية في كل مكان متاح وحسب الضرورة.
هل الحديث عن نفوذ ايراني يمتد ويمسك بتحالفاته حيث تصل قدرته هو حديث عن عدو أو تحديد لواقع سياسي؟
رابعا: اذا كان المقصود بهذه اللغة عن المشروع السياسي القائم على أغلبية من الشيعة والقادم من الدولة الشيعية الاولى في العالم. إذا كان المقصود تحريم تناول هذا الموضوع تحديدا وتحليلا فهناك الكثير من الشواهد في التاريخ اللبناني الحديث التي تقول ان لا قداسة لمن يتعاطى الشأن العام. أياً تكن صفته الخاصة. سوف أورد مثلا حدث في بداية السبعينيات حين تناول الرئيس اللبناني المسيحي سليمان فرنجية بابا روما. وأن نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام تولى تحريض سياسيين ووسائل إعلام لبنانية على تناول البطريرك صفير وقد قام كل من المكلفين بواجبه على أكمل وجه. وحين اعترض بعض مريدي البطريرك التاريخي قيل لهم ان على من يتعاطى في الشأن السياسي تحمّل نتائج عمله.
هناك الكثير من رجال الدين الشيعة الذين يضعون على رأسهم عمّة سوداء للدلالة على نسبهم الى شجرة العائلة النبوية وهناك الأكثر ربما ممن يسميهم أهل السنّة بالأشراف. لكن ما يميزهم عن باقي العباد هو عملهم. وفي ملف السيد حسن نصر الله من أعمال وطنية ما يجعله لا يحتاج الى لون عِمّته لكي تنتصر له الناس بالوسائل الطبيعية والديموقراطية السلمية.
أليس السيد حسن نصر الله المبدع في الحوار الى حد الإجماع على الخوف من تأثير تماسك منطقه على المجتمعين على طاولة الحوار؟
خامسا: ان اللغة الالغائية المنتشرة لكل الأفكار التي لا تناسب أهل القداسة هي تتمة أو مقدّمة طبيعية لما أقدم عليه مئات الشباب منذ أيام في بيروت احتجاجاً على المس الشخصي بالسيد نصر الله في برنامج بسمات وطن على L.B.C.. فلم يجدوا إلا سيارات المسلمين وأملاكهم للعبث بها.
لا يفهم أحد هذا الكلام انه تشجيع على المس بما سمّاه البعض بمقدسات المقامات. لقد بدأت الحرب اللبنانية بلغة إلغائية للآخر ثم ظهر انه ليس هناك من مكان للمقامات المقدسة في الصيغة اللبنانية. سبق لطائفة لبنانية إن ألغت كل ما عداها، فكانت النتيجة أن جاءت قوى اخرى لتلغيها وهكذا دواليك. ألم يُقل مرة لو دامت لغيرك لما وصلت إليك . إذا كانت المقاومة مقدسة على حد التعبير الشيعي فهل سيتم توزيع شهادات قداسة على الحزبين الشيوعي والقومي السوري اللذين قاما بعمليات انتحارية في وجه العدو الاسرائيلي.
سادسا: ان محاولة استنهاض الدور السعودي هي دعوة لقدرة عربية كبرى معتدلة لها مصداقيتها توقف حوار الأحقاد والثارات القائم بين بيروت ودمشق.
ألم يقل الرئيس نبيه بري ان الحوار بحاجة الى صديق على طريقة الزميل جورج قرداحي في برنامج من سيربح المليون . فذهب الى السعودية للحج والى مصر وبعدهما الى دمشق لإيجاد هذا الصديق.
لا يحتاج السعوديون الى نصيحتي لكي يأخذوا أمورهم بالتروي والهدوء ولا لاستحسان أسلوبهم في الحوار العاقل لإطفاء الحرائق السياسية والأمنية والطائفية المتنقلة من فلسطين الى لبنان الى العراق. أليس دعم الحوار بين حماس و فتح مهمة وطنية في مواجهة المشروع الاسرائيلي. فضلا عن المساعدات المادية.
ولكن أين هم؟ ما زلت على سؤالي بدلا من المديح للمملكة. ألا يعتبر السؤال قاعدة منطقية تفتش عن دليل حسي.
سابعا: المعلومات التي نشرتها عن حالات التشيع في بعض مناطق الشمال تعتمد على كلام لأكبر مسؤولين عربيين هما الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس حسني مبارك أمام ضيوف لبنانيين. إلا أنني اخترت عدم نسبة المعلومات إليهما تجنباً لإحراج الضيوف. هذا مع العلم أنني تلقيت بعد نشر المقال السابق اتصالات من مسؤولين أهليين في الشريط الحدودي تؤكد حصول حالات مشابهة في ثلاث قرى في منطقتهم.
ثامنا: لن أرد على التعابير الشخصية التي تناولتني في الرسالة.
تاسعا: الحوار هو الدواء الوحيد لكل هذه الأمراض. هو القداسة في الدين والدنيا.. هو الحسب والنسب والعِمّة السوداء أيضا..