سنة أولى اغتيال: هل تصالحت مع ذاتك؟

مقالات 13 فبراير 2006 0

استبقت الرابع عشر من شباط بزيارة. لم تكن الى منطقة السان جورج حيث انفجار الوجع المزمن لا يزال صامدا شاهدا على ما لا قدرة للبنانيين على تحمله. ولا الى قريطم حيث الفراغ السياسي يملأ غرف القرار في كل الطوابق. “جرت الزيارة قبل عودة سعد الحريري ليل أول من أمس الى مقره السياسي”. ولا الى مجدليون حيث منزل العائلة تملأه السيدة بهية بحضورها الهادئ. المطمئن. الواثق، من قدر الله وقدرته. صحيح أنها بعيدة او “مبتعدة” عن القرار السياسي في بيروت لكنك تشعر معها بأنك تجالس ثوابت الشهيد رفيق الحريري تاركة يومياته لغيرها ينعمون بها او يغرقون فيها.
لا فرق مع ان نسبة الغرق أكبر. يزداد الغطاء على رأسها التحاما مع إيمانها فلا تعود تعرف أيهما قبل الآخر. تمسك بأمورها في مدينتها صيدا إمساك الكيميائي بميزانه. تعرف المقادير بعقلها قبل ان تراها بعينها وتزنها بميزانها فتتطابق المقادير مع الرؤية وينتصب الميزان دقة.
لم أذهب الى الضريح في ساحة الشهداء قاصدا. بل قصدت جامع محمد الأمين مستكشفا. آخر عمارة رفيق الحريري. أليست الحضارة عمارة كما يقول ابن خلدون.
عمارة إيمان. لو قصدها رفيق الحريري لتنتظر شهادته لما التقى المسجد مع الضريح كما حدث. لحق حظ الحريري به ودعاء الامهات حتى الذراع الأخير من موقع ضريحه.
كان يقول مازحا: موتوا بغظيكم، أينما ذهبت أشعر بالود في عيون الامهات. يضحك اكثر ويضيف. وزني يشعرهم بالأمان.
دخلنا الدكتور نزيه الحريري “مبتكر” فكرة الضريح في ساحة الشهداء وأنا الى المسجد. نزيه طبيب علمه رفيق الحريري ان يكون كبير المدققين في هندسة الآخرين. وأراده منهياً للأعمال التي لا تنتهي إلا بدقة وذوق. زميله في الزيارة كاتب سياسي علمه رفيق الحريري الغرام في ترميم العمارة القديمة في السرايا الكبير حيث أنهى نزيه ما بدأه منذر الحسيني المدير السابق للأوجيه. ثالثنا واضع خرائط الجمال الداخلي للمسجد كما فعل في السرايا الكبير المهندس نبيل الددا. اخطأنا بعدم دعوته للزيارة السابقة للرابع عشر من شباط الى العمارة الاخيرة لرفيق الحريري.
لا ينبهر كلانا، نزيه وأنا، بما نراه من الفن الاسلامي. بل يتنافس الدمع في مآقينا. ما الذي أتى بنا الى هنا. كنا نأتي برفقته الى السراي الكبير. كان يرسلنا معاً او أحدنا لندقق في زاوية لا تعجبه تذكرها ليلاً. كان. كان. كان.
تشتبك الصور في ذاكرتي. صائب بك سلام رحمه الله يتجول مع الرئيس الحريري في السرايا الكبير وهو يقول: “الله يبيض وجهك يا رفيق”. يكرر الجملة دون انقطاع وهو ينتقل من قاعة الى اخرى. يشير الشهيد الحريري إليّ ويقول لصائب بك: هذا هو المحرض الأول لهذا المشروع.
يتماسك الدكتور نزيه قبل ان أفعل أنا. ويبدأ الحديث عن الحجر. الإضاءة. الألوان. الرسوم. القاعة الخارجية. القاعة السفلى. متحف الوضوء. يتحمل اقتراحاتي بتعديلات طفيفة. كل ما في الداخل اختاره رفيق الحريري بالتفصيل الممل. دافئ من الداخل. حميم بعكس شكله الخارجي.
لن يفتتحه الرئيس الحريري كما هو مقرر إذ إن الرابع عشر من شباط هو موعد رحلته التي لن يعود منها. استوجبت الرحلة ألف كيلوغرام من الديناميت. عرف المخطط للجريمة ان حجمه المعنوي لأمّته يستوجب هذا القدر من المتفجرات.
أروي للدكتور الحريري كيف كنت أقول للرئيس الشهيد في كل مرة أذهب معه للصلاة ظهر يوم الجمعة ان له ثوابين في صلاتي، الاول انه يذكرني بما لا أفعله دائما. الثاني أنني أصلي صادقا مستغفرا وليس كما يفعل هؤلاء، مشيرا الى رفاق وأصدقاء فنغرق في الضحك.
نخرج من السحر في المسجد الى الوجع في الضريح. نقرأ الفاتحة عن روح الرئيس الحريري. ننتقل الى أضرحة رفاقه. ترى صورهم تشتعل حزناً. ثم تهدأ شوقا لهم فرداً فرداً. يغادر الدكتور نزيه “الموقع” كما هي تسمية المهندسين. أبقى لأقرأ للرئيس الحريري رواية صغيرة عنوانها “سنة أولى اغتيال”.
في الرابع عشر من شباط في السنة الماضية انفجرت شاحنة في منطقة السان جورج محملة بألف كيلوغرام من المتفجرات فأودت بك وبالكثير من رفاقك ومنهم الدكتور باسل فليحان.
لف الخوف الوطن بكامله. أتى الى قريطم من لم يدخله في حياته. تولى وليد جنبلاط القيادة العملانية منذ اللحظة الاولى.
طال القلق العالم العربي. انفجر الغضب في العواصم الدولية.
مشت بك جنازة الى حيث أنت الآن لم يشهدها تاريخ لبنان وربما المنطقة العربية ما عدا جنازة جمال عبد الناصر. المسؤولية الأولى. الصرخة الأولى، القول الأول: سوريا مسؤولة عن اغتيالك ورفاقك.
رمّم وليد بك هيكلاً سياسياً مؤقتاً سمّاه 14 آذار. اليوم الذي نزل فيه جميع اللبنانيين الى ساحة الحرية حاملين العلم اللبناني وحده منددين بالاحتلال السوري ومطالبين بخروج الجيش السوري من لبنان.
في نيسان خرج الجيش السوري بموجب القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي.
بايع أهل الأمة والجماعة سعد وريثاً سياسياً لكم. حمل جرحه وخاض الانتخابات النيابية متحالفاً مع وليد جنبلاط و”حزب الله” وسمير جعجع الخارج من السجن مخاصماً العماد ميشال عون الذي عاد من المنفى بعد 16 عاماً وسليمان فرنجية في الشمال.
اكتسح وريثك السياسي مع حلفائه المناطق التي خاضوا فيها الانتخابات. حقق للمرة الأولى أكثرية نيابية طاغية في مجلس النواب. حاول نسخ هذه الاكثرية في الحكومة الاولى التي شكلها وزير ماليتكم الدائم فؤاد السنيورة فلم يستطع. أخذ الشيعة ثمن تحالفهم الانتخابي بالكامل بعد انتخاب نبيه بري رئيساً مرة أخرى لمجلس النواب ومقاعد الشيعة كاملة في مجلس الوزراء. لم يكتمل انقلاب الرابع عشر من آذار في مكان آخر أيضاً إذ إن رئيس الجمهورية بقي في بعبدا دون ان يستطيع، بالتحالف مع حزب الله وحركة امل، الحصول على الثلث المعطل في مجلس الوزراء كما كانت الحال ايام الوجود السوري في لبنان.
اشتد الصراع السوري مع مجلس الأمن الدولي. بدأت القرارات تصدر تباعاً عن مجلس الأمن الدولي بشأن التحقيق الدولي في جريمة الاغتيال وتطورات هذا التحقيق.
بلغت القرارات المتعلقة بلبنان ستة قرارات منذ سنة حتى الآن. لكن سوريا بقيت على موقفها. وصل الصراع حد القرار بتحويل لبنان الى جمهورية جنازات. جورج حاوي. سمير قصير. جبران تويني. الشهداء الاحياء مروان حمادة والياس المر ومي شدياق.
صمد وليد جنبلاط في المختارة مقتحماً كل المواقع السياسية التي تواجهه، أولها النظام السوري وآخرها “حزب الله” وبينهما أطباق سياسية أولى يتناولها وليد بك في المناسبات.
غاب سعد الحريري عن لبنان لمدة ستة اشهر وعاد أول من أمس. عاش خلالها في جولات مكوكية سياسية بين الرياض والقاهرة وباريس وواشنطن. إلا أنه كان مثقلاً بالأحمال السياسية التي تأتيه من لبنان مرة عبر خصومه ومرات عبر حلفائه. إذ تبيّن أن الاكثرية الطاغية النيابية عبء أكثر منها ربحاً سياسياً له. ووحدانية التمثيل عند أهل الأمة والجماعة تزيد الخصومة حدّة بدل أن تزيد صاحبها نفوذاً.
ظهر أن الملفات الاستراتيجية تقع في دائرة المحظورات. أولها العلاقات السورية اللبنانية التي شهدت تدهوراً متبادلاً لا حدود له. وثانيها سلاح المقاومة الذي يريد تحرير لبنان دائماً حتى لو لم يعد محتلاً من إسرائيل.
عاد سعد الحريري وفي جيبه عنوانان، الأول لبنان أولاً والثاني الحوار، وهو عنوان اطلقه الرئيس بري قبل أسابيع.
ولكن الحوار بين من ومن؟
دخلت مصر والسعودية والجامعة العربية ممثلة بأمينها العام على خط الحوار بين لبنان وسوريا. فكانت الإهانة من نصيب الامين العام. وطال السعودية حدة رافضة من وليد جنبلاط وإنكار للمبادرة من الرئيس السنيورة، واتهم سعد بعدم رغبته في تسهيل الدور السعودي. الآن يسعى ثلاثتهم الى ترطيب الاجواء مع العاهل السعودي. يؤكد سعد يومياً وكذلك السنيورة ان السعودية لا تأتي إلا بالخير.
لا يجوز لوم رئيس الحكومة ولا جنبلاط او الحريري بالمطلق. فقد كان واضحاً أن الدور العربي محايد بين طرف معتدى عليه هو لبنان وطرف معتد هو سوريا، فكيف يطلب منهم الترحيب بالحياد من أهلهم.
هل تصدّق يا دولة الرئيس أن هذا ما حصل مع السعودية؟ المهم أن القوى السياسية اللبنانية اعتبرت هذا التطور اختراقاً سورياً في الجسم العربي والاول من نوعه منذ اغتيالكم. إذ إن البعض يعتقد أن ورقة العلاقات بين بيروت ودمشق هي الورقة الاخيرة في يد لبنان للضغط على النظام السوري وخاصة الاعلام الفضائي.
نسيت أن أبلغك ان صديقك القديم السيد عبد الحليم خدام خرج من سوريا معلناً انشقاقه وتمرده من بيته في باريس. وانه كان الضيف الاول للاعلام العربي حتى صدور قرار سعودي بوقف ظهوره على الشاشات العربية الفضائية.
الاختراق الثاني من وجهة نظر الغالبية هو الاتفاق السياسي الذي اعلن بين “حزب الله” والتيار الوطني الحر والذي سقطت منه الكلمة المفتاح للحياة السياسية اللبنانية وهي اتفاق الطائف، مما أعطى الاتفاق طابعاً أقلوياً يدعمه النظام السوري.
لم تأت عودة العماد عون من فرنسا بعد 16 عاماً من فراغ. بل جاءت نتيجة قرار نفذته الادارة السياسية والقضائية اللبنانية السورية في حينه، وهذا يستوجب في العلم السياسي خطوطاً عريضة لاتفاقات كانت مطروحة على الساحة اللبنانية منذ العام 1976. وهو تحالف الاقليات إلا ان الرئيس حافظ الأسد كان دائماً رافضاً لهذه الأفكار أياً يكن مصدرها.
هذه النظرية القديمة الجديدة قائمة على تحالف الأقليات لمواجهة الأكثرية. وهي إن بدت للحظة الاولى انها مصدر قوة للمنضوين تحت لوائها إلا انها تضع نفسها في قلب صراع غير محسوم النتائج. حتى لو بدا أن إيران تدعمه.
يقول وليد جنبلاط إنه لا يندم على شيء بقدر ندمه على انه كان في فترة من الفترات جزءاً من هذا التحالف ومتفهماً لضرورته. يمكن القول من الآن إن هذا الاتفاق لا يحسّن أبداً في صورة العماد عون مرشحاً لرئاسة الجمهورية. كما ان الاتفاق نفسه لا يقدّم حماية إضافية لسلاح المقاومة. أما إذا كانت الانتخابات النيابية المقبلة هي الملعب لهذا الاتفاق فمن قال ان قانون الانتخابات الجديد يؤكد الضرورة لمثل هذا الاتفاق؟
بدأت القصة في الثامن من آذار الماضي حين دعا “حزب الله” لتظاهرة في ساحة رياض الصلح المجاورة لساحة الشهداء. حشد فيها مئات الآلاف من مناصريه ومؤيديه وحشد فيها كل سياسته المؤيدة لسوريا دون التخلي عن التحقيق في جريمة الاغتيال. تكرّر ذلك مرات ومرات منذ سنة حتى الآن. كنت اعتقد ان الثامن من آذار كان حفلاً وداعياً للجيش السوري. لكن المناسبات اللاحقة والمتكررة أوضحت ان ما يجري هو استدعاء للوجود السياسي السوري على الأرض اللبنانية.
لم يكن سهلاً إقناع قوى الرابع عشر من آذار بأن تركيبة لبنان لا تسمح للعدد بأن يقرر مسار السياسة اللبنانية. وإن سمح العدد لفترة تقصر او تطول فإنها لا تستمر. كلاهما، الأقلية والأكثرية، تقبض على يدها وتشد وتشد اكثر ثم تكتشف انها تمسك بالأوهام.
حدث ذلك على المقلب الآخر لقوى 14 آذار. حين انسحب الوزراء الممثلون لحركة أمل وحزب الله من مجلس الوزراء في المرة الاولى لرفضهم استنكار ما جاء على لسان الرئيس بشار الأسد من تحقير للرئيس فؤاد السنيورة. وفي المرة الثانية حين طرح على بساط البحث إنشاء محكمة ذات طابع دولي وتوسيع نطاق التحقيق الدولي ليتجاوز جريمة اغتيالكم. ومن ثم عودتهم في تسوية أقل ما يقال فيها انها تؤكد المؤكد.
في هذه الفترة استمر عمل مجلس الوزراء كأن أحداً لم ينسحب. واستطاع الرئيس السنيورة ان يتجنب مواجهة المجتمع الدولي في التسوية اللفظية التي أجراها.
كان واضحاً في ازمة سياسية استمرت لأسابيع ان حسن الادارة السياسية التي اتبعها الرئيس السنيورة هو الذي حمى الأكثرية وليس عددها. وأن خسارة الاقلية لم يكن سببها قلة العدد بل سوء الادارة السياسية للموضوع نفسه.
لكن هذا غير متوافر دائماً. لا حسن الادارة عند هذه الجهة ولا سوء الادارة عند الجهة الاخرى. خاصة ان هذه الحسابات العددية ناتجة عن قانون انتخابات فصله المرحوم اللواء غازي كنعان على قياس قوى سياسية محددة والتزم الجميع به نتيجة ضغوط دولية لإجراء الانتخابات في موعد محدد.
هذا مع العلم بأن الانتخابات الاخيرة افقدت الاكثرية قوى سياسية مسيحية من لقاء قرنة شهوان لها ثقلها المعنوي المميز مثل نسيب لحود وفارس سعيد لا يعوضها التحالف مع “القوات اللبنانية”، مما افسح في المجال لتمثيل شبه أحادي للعماد عون في الساحة المسيحية.
الاختراق الثالث حصل منذ أسبوع في منطقة الاشرفية. حيث عبث اصوليون لبنانيون وسوريون وفلسطينيون بممتلكات الناس وكنيستهم تحت شعار التوجه نحو السفارة الدنماركية للاحتجاج على مطبوعة أساءت الى رسول الله صلى الله عليه وسلّم. هنا انكشفت قوى 14 آذار بعضها على بعض. تحمل وزير الداخلية مسؤوليته واستقال فجاء الدكتور أحمد فتفت وزيراً للداخلية بالوكالة ليظهر له ان مهمته الاولى وقف البيانات المتبادلة مع القوى الحليفة لتياره أي “المستقبل”.
كانت مهمة القوى الحليفة تأكيد مسؤولية سوريا عن المندسين في التظاهرة التي نظمتها دار الفتوى. وكان دور الوزير بالوكالة توضيح ان ما لديه من معلومات لا يدعم القول بمسؤولية سورية عن الخراب الذي تسبب به المتظاهرون في منطقة الاشرفية.
الجديد في الموضوع ما نقل عن قائد عسكري كبير في لبنان أنه تلقى اتصالاً من مسؤول عسكري كبير في دمشق قبيل الحادث يحذره فيه من تسهيل حركة الاصوليين فتكون النتيجة كما حصل في دمشق من إحراق للسفارتين الدنماركية والنروجية.
بصرف النظر عن المسؤولية الأمنية او السياسية فإن الاختراق الثالث كشف بوضوح ان فكرة الدولة اللبنانية القادرة الحاسمة القوية ليست ثابتة كمفهوم اجتماعي لحياة طبيعية للمواطنين. وبالتالي فإن توزيع المسؤولية على الجميع لا يظلم أحداً لا أكثرية ولا أقلية.
هذا لا يتعارض مع القول ان فكرة الوطن السيد المستقل راسخة في أذهان اللبنانيين جميعاً وان الخلافات التي نشهدها هي ذات طبيعة سياسية لا وطنية.
تعرف يا دولة الرئيس اكثر مني ان لبنان لا يعيش إلا بالاعتدال. بصراحة، الانتخابات الاخيرة لم تكن لا عادلة ولا معتدلة بصرف النظر عن الاشخاص الذين انتخبوا ومدى انتسابهم لفكرة الاعتدال. لقد دخل الثأر الى العمل السياسي اللبناني بحيث لم تعد تعرف من هو الظالم ومن هو المظلوم. وانتشرت الحدة بين السياسيين الى درجة بدا فيها كل حديث لسياسي كأنه يقف على منصة اطلاق صواريخ لا الإدلاء بتصريح. جرّتنا الادارة السياسية السورية الى منطق مماثل متبادل بين البلدين. لكنهم يتميزون بأنهم يطلقون عليك صاروخ الاتهام ثم يطالبونك بالاعتذار.
لذلك يبدو أن انتخابات جديدة تأخذ بالنسبية قاعدة ضرورية لإزالة هذه الحواجز الثأرية من الحياة السياسية بعد ان زال الحاجز السوري الذي كنت تقول عنه انه لا حياة سياسية مع الدور السوري الأمني في لبنان.
بهذه الانتخابات يكتمل انقلاب 14 آذار وينتخب رئيس جديد للجمهورية بدلاً من الرئيس المؤقت العماد اميل لحود الذي يتسلى بالمراسيم الوزارية باعتبارها رسائل عاطفية.
دولة الرئيس
أعلم أنني أرهقتك بالتفاصيل. وان الكلمة الوحيدة التي رسخت في ذهنك هي اتفاق الطائف. لماذا تجاهله؟ أين اهله عرباً ودوليين؟ أين اهلك الذين يستندون الى الطائف ميثاقاً للحياة اللبنانية السياسية والدستورية؟
منذ سنة وحتى الآن دخل أهل الأمة والجماعة في مراحل من الخسائر بدأت بك. فأصبحوا أهل السّنة. ثم انتقلوا الى تسمية الطائفة السنية. وإذا استمرت الامور على هذا المنوال فسيصبحون فرقة من فرق الإسلام.
جريمة اغتيالك لبننتهم الى درجة فقدوا معها إحساسهم بحجمهم. بطبيعة دورهم. بامتدادهم. بقدراتهم. انقطعوا عن عروبتهم على الحدود اللبنانية السورية ولم يجدوا بعد العرب الآخرين الذين يستطيعون الوصال الفعّال معهم.
هم ما زالوا الرواد في العلاقة مع قوى المجتمع الدولي في الغرب. بل باتوا اكثر كفاءة ومعرفة متطورة للعلاقات الدولية. حتى إن المجتمع الدولي كلفهم بإدارة لبنان في المرحلة الانتقالية وكذلك فعل العرب. انتشارهم طبيعي. اعتدالهم مطلوب. ليس بينهم وبين المجتمع الدولي القرار 1559 مثل الشيعة. ولا يعانون من مشاكل الأقليات مثل المسيحيين. فعل ذلك نجيب ميقاتي في حكومة الانتخابات وكذلك فؤاد السنيورة لكن بحدود لا تطمئن ولا تعيد الوهج للدور المطلوب.
ما زال الاقتصاد الذي هو مستقبل الحياة السياسية في كل دولة تسعى للتقدم الميزة الاساسية لمدنهم الساحلية حيث التجارة مقيمة بانفتاحها منذ مئات السنين.
قدرتهم على استيعاب الآخرين على حالها. لم تصبهم أمراض الأقليات ومخاوفها ومشاكلها. لم تسكن المؤامرة عقلهم. بينما هي متوفرة في عقول الآخرين منذ مئات السنين ولن تذهب بين ليلة وضحاها.
افترض المجتمع الدولي والقوى العربية الرئيسية ان السلطة الاستيعابية لا تتوفر إلا فيهم. خاصة إذا كان المدى العربي في متناولهم.
حتى في مسألة العلاقات اللبنانية السورية. حين يلوح في الأفق العربي دور مقبل للسعودية سيتبيّن انهم القوة الاساسية المطلوب التفاهم معها إذا لم تنقص نسبة اهلهم في سوريا عن 84 في المئة. كذلك الأمر بالنسبة لسلاح المخيمات الفلسطينية.
عروبتهم أكثر عقلانية وواقعية. بل اكثر تكيفاً واستيعاباً وحداثة. إيمانهم وإسلامهم أكثر قبولاً للآخر وتسامحاً. لذلك فإن الزعامة التي تنشأ في هذا الجو تكون اكثر تحرراً من مشاعر الخوف من “الآخر” المختلف. فهي تنتمي الى الجماعة المركزية في الأمة اي الى الغالبية، حسب قول الاستاذ في العلوم الاجتماعية الدكتور عبد الغني عماد.
هل اتحدث معهم أم عنهم؟
خسارة الزعيم لا تعني خسارة الحقائق.
كان يشاركنا أحلامنا. يصنع منها حقائق. يسمع منّا. نسمع منه. نسبقه في فكرة. يسبقنا في أفكار. لكنه تخطانا جميعاً. افتدانا بروحه.
ماذا نريد منه أكثر من ذلك؟
كنت أحدثك دائماً عن ضرورة “الآخر” في حركتك السياسية. الله وحده يعلم ما في الغيب. لم تقتنع. حمّلت سعد أكثر مما يحتمل ونحتمل معه ومنه.
هل اقتنعت الآن؟ هل تصالحت مع ذاتك؟
لو تعرف الظروف التي نعيشها ويعانيها سعد لما ترددت لحظة في ضرورة “الآخر” للأمة. بدا بالأمس في قريطم مستوعباً لكل ما يدور حوله.. ومتمايزاً عن الجميع.
عزيزي سعد
ما الذي أتى باسمك الى السطر. لا بأس. قد ترى في ما سبق حديثاً عن المستقبل أكثر مما هو رواية من الماضي.