سلطان الاعتدال

مقالات 16 أغسطس 2005 0

عرفت ولي العهد السعودي الامير سلطان بن عبد العزيز. التقيته مرة قبل سنوات طويلة في الدمام عاصمة المنطقة الشرقية من السعودية. كان يستضيف وزراء دفاع دول الخليج. كنت في السنة الاولى من عملي الاعلامي. انتدبني استاذي المرحوم سليم اللوزي الى السعودية. بلد لا اعرفه وليس من السهل التعود عليه لمن في سني آنذاك.
كنا ننزل في فندق يملكه آل القصيبي، افتتح حديثا. شعر الامير سلطان وزير الدفاع آنذاك بحَرجي. قربني منه باكثر مما يستأهل صحافي متدرب. اجلسني في مقعد غير بعيد عنه في المنصة الرئيسية التي تستعرض القوات العسكرية السعودية. قال لي ان ولده الامير بندر هو الطيار الذي ارعب الحاضرين بحركاته البهلوانية. اختلط الفرح بالقلق في قلب الامير سلطان يومها.
انتهى الاستعراض بعدما القى الامير كلمة شجع فيها على قيام ما يسمى اليوم مجلس التعاون الخليجي.
ذهبنا الى الفندق، لأفاجأ به مرة اخرى داخلا. قال لي انه نزيل الفندق لسببين: الاول لان منزله في طور التعديل والاصلاح وان سيدة لبنانية تشرف على هذا العمل.
السبب الثاني انه هنا قريب من ضيوفه يسهر على راحتهم وحاجاتهم. كان شغفه بالتعاون العسكري الخليجي شبيها بشغفه بالحديث عن ولده الامير بندر الذي تجرأ على طلب يد ابنة الملك فيصل زوجة له بنفسه ومباشرة من الملك رحمه الله.
ومن يعرف طباع الملك فيصل رحمه الله يعرف ان هذا الامر يحتاج الى شجاعة لم تتوافر لامراء كبار، فكيف بأمير شاب؟
مهنة الطيران تجعله قادرا على الغارات. فلماذا لا يستعملها في حياته الخاصة؟ قال لي ان ابنه الاكبر ضابط ايضا. وكان واضحا فخره بالاميرين خالد وبندر.
بقيت ثلاثة ايام في تلك الزيارة للمنطقة الشرقية من السعودية.
وفي اليوم الثالث استأذنته بالسفر. فقال: “تذهب معي اريك ورشة منزلي فتكون كأنك زرتني”.
اصطحبني في سيارته مع كل المرافقة والحرس وما ينتج عن ذلك من تشريفات عسكرية. وصلنا الى المنزل. اذكر انها فيلا صغيرة جميلة في واجهة صالونها مدفأة. المحت الى الامير ان طقس المنطقة لا يستوجب مدفأة. فأجابني: “هذه من اختراعاتكم انتم اللبنانيين”.
استأذنته مرة اخرى الذهاب الى المطار لاقتراب موعد اقلاع الطائرة. قال: “آخذك معي، انا ذاهب الى هناك لتوديع فهر بن تيمور وزير دفاع عُمان ونائب رئيس الوزراء”.
اصابني الذهول كليا، وهو يرافقني الى باب الطائرة. الى ان علمتُ انه ذاهب لوداع المسؤول العماني الذي ينتظره على باب الطائرة.
كان هناك كثير من اللبنانيين في الطائرة وقد فوجئوا بانني امشي الى جانب الامير سلطان. طمأنت من اعرفه، وهم قلة، ومنهم السيدة التي تعمل في منزل الامير مع ولدها، الى ان سعيه سيرا الى الطائرة هو لملاقاة المسؤول العُماني الذي صادف مقعدي الى جانبه واكمل من بيروت طريقه الى لندن.
المهم انني رأيت فيه الوالد المتلهف على اولاده. المضيف الذي يسهر على حاجات ضيوفه وراحتهم. الوحدوي الذي يريد ان يرى مجلس التعاون الخليجي قبل نشوئه بعشرين سنة.
هذه هي المرة الاولى والاخيرة التي التقيته فيها.
لا شك في ان السنوات غيرت من اولوياته واطباعه، لكنني اقدر انه لا يزال يحافظ على محبته لأهله، وحرصه على ضيوفه ووحدويته الخليجية والعربية.
هذا من التاريخ. الحاضر اهم. وهو ان ولي العهد السعودي الامير سلطان بن عبد العزيز اعتبر جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية في بيروت من اهله، فمنحها بالامس تبرعا بقيمة مليون دولار استجابة لنداء نشر في “النهار” بعنوان “ما بال المسلمين؟”، كتبته حماسة لمدرستي في الطفولة، وناشدت فيه امراء ليس ولي العهد من بينهم وهذا ما يزيد من اجره وفضله، ولبنانيين مقتدرين لم يتجاوب منهم احد حتى الآن الا الريس عدنان القصار الذي تبرع بدرس الموضوع جديا.
اصابت الحـــماسة السفير الســـــــــعودي في بــيروت الدكـــــتور عبد العزيز خوجة. لم استغرب. هذا عـــــهد الأشــــــراف، فكيف اذا كانوا من مكة المكرمة؟
سبّاق ولي العهد الى الخير اسلاما واعتدالا. هذا عهد كل العرب به. استجاب لمناداة اثني عشر الف تلميذ مسلم يتربون على الاعتدال في مدارس المقاصد. لا يهم الحجم المالي للتبرع. هو منه بركة وتذكير لآخرين بواجباتهم. وعودة الدور السعودي الى دعم تعليم الاعتدال الاسلامي وطبابته.
ولو كان للكرم مخترع لنُسِب هذا الاختراع في المئة السنة الاخيرة الى الامير سلطان ولي العهد السعودي.
التعبير ليس لي بل للمرحوم الصديق نبيل خوري الصحافي الذي عاشر لسنوات طويلة امراء السعودية وملوكها.
من جديد لن تستغني المقاصد عن شهامة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله.
فقد بدا في كلمته امام شعبه يوم تسلمه المُلك، في منتهى التواضع والحكمة والحداثة ايضا. طلب من شعبه الدعم والنصرة. ونحن بدورنا نرجوه جزءا يسيرا من شهامته للمقاصد.
ولن تتخلى المقاصد عن تذكير الامير سلمان بعينه المحبة للبنان، والراعية تاريخيا لحاجات المقاصد.
الآخرون يعرفون انفسهم. لن اكرر اسماءهم.
من قال ان الكتابة عن الخير لا تثمر فعلا؟
لا يحتاج ولي العهد السعودي الى الشكر. فهو يقوم بقناعته الداعمة للاعتدال. أليس هو سلطان الاعتدال؟