“ساعة حرة” – زيارة العاهل السعودي والرئيس السوري الى لبنان

مقابلات تلفزيونية 28 يوليو 2010 0

الوضع في لبنان ليس متفجرا أو يحتمل الانفجار، ما يحصل هو قراءة كلامية بواسطة وسائل الاعلام فيها نسبة مرتفعة من الحدة تعوّدنا عليها في لبنان. ولكن زيارة العاهل السعودي والرئيس السوري الى لبنان هي زيارة تاريخية بمعنى أنها المرة الأولى التي يزور فيها الملك عبدالله لبنان بصفته ملكاً، والرئيس السوري بشار الاسد بصفته صديقا بعد 5 سنوات من الصراع السياسي وغير السياسي بين البلدين. وهذا يضع قواعد جديدة للعلاقات اللبنانية السورية، بدأها الرئيس الحريري في زياراته المتكررة الاخيرة منذ 6 أو 7 أشهر حتى الآن، واستطاعت أن تصل هذه العلاقات الى بداياتها الجدية كما أعتقد.
بعض القوى ستشعر في البداية بالقلق والريبة والارتباك بمعنى أنها ستتساءل حول الاهداف العميقة لزيارة العاهل السعودي والرئيس السوري الى لبنان. ولكن من يعرف طبيعة العلاقات السورية السعودية في هذه المرحلة، والشكل الذي ستأخذه زيارة العاهل السعودي والرئيس السوري سويا إلى لبنان يعرف أن لها عنوان واحد وهو التعامل مع كل الأطراف اللبنانية بما يطمئنها ويؤمن لها حضورها السياسي ولا يلغي اي شيء من هامش تحركها.
الأمر الثاني أن هذه الزيارة بثنائيتها وبتوقيتها ستعطي الضمانات اللازمة لكل الأطراف بما يطمئنها ويجعلها تتفهم أكثر طبيعة الزيارة.
الزيارة الآن أو القمة الثلاثية التي تعقد في بيروت هي اعلان عربي كبير وواسع عن ضمان الاستقرار في لبنان الذي لا يريد أحد من العرب ولا من الأوروبيين (ولا أعتقد حتى من الأميركيين) ان يحدث أي خلل أساسي في هذا الاستقرار الذي تحقق بداية بسبب التفاهم السوري السعودي.
لا أحد يستطيع ان ينكر حزب الله وجمهوره. والضمانات والطمأنة التي ستُعطى لبقية اللبنانيين ستُعطى أيضا لحزب الله على قاعدة الاستقرار.
للمرة الأولى منذ عام 2000، يمكن القول ان تجربة العلاقات اللبنانية السورية حوّلت القيادة السورية إلى وسيط نزيه يتعامل مع كل الاطراف اللبنانية على نفس المستوى وعلى قراءة موحدة لضرورات الاستقرار، وهذا لا يعني على الاطلاق تغيّر الموقف السوري من المقاومة ومن سلاح المقاومة. لكن هذا يعني بالتأكيد أن هذا السلاح وهذه المقاومة ليست في مواجهة أي من اللبنانيين، وليست وسيلة يُسمح باستعمالها للضغط على أي من اللبنانيين الآخرين. هناك مساواة في التعامل التي يقوم بها اي وسيط ويسعى إلى الاستقرار لجميع اللبنانيين. أنا لا أوافق على اختصار الزيارة باعتبارها هزيمة فريق لصالح انتصار فريق آخر.
س: هل يمكن القول ان الملك السعودي سيطمئن حزب الله، والرئيس السوري سيطمئن مسيحيي 14 آذار؟
أنا لا اوافق على التقسيمات بأن لكل منهم أن يتولى ما يُفترض انه خصم للآخر، أعتقد أن التطمينات ستكون مشتركة، ولكل القوى اللبنانية دون استثناء، ليس صحيحا أن حزب الله سيقبل أن الطرف السعودي هو من يناقشه ويطمئنه ويضمن له الاستقرار، ولا الآخرون سيقبلون من الرئيس الاسد هذه الضمانات وهذا الاستقرار. هناك تجربة فعلية حدثت منذ سنة حتى الآن، أن هناك موافقة عربية تمت قبل الانتخابات النيابية الماضية منذ أكثر من سنة على دور سوري ضامن للاستقرار في لبنان. وقد أكدت سوريا أنها فعلا تتعامل مع جميع القوى اللبنانية تحت عنوان واحد هو استقرار لبنان.
هناك تفاهم سوري سعودي تركي وموافقة مصرية، وليس هناك من قوة اقليمية في المنطقة تستطيع تعطيله. يجب الاعتراف بأن شريان الحياة لما سمي بحلفاء ايران في لبنان (وأنا لا أوافق تماما على هذا التوصيف) هو سوريا، وبالتالي القرار في لبنان بهذا المعنى هو قرار سوري والرأي، إذا كان هناك من رأي معاكس هو رأي ايراني. ليس هناك من قرار ايراني في لبنان.
أنا أعتقد أن التفاهم السوري السعودي والتركي ليس قائما على المواجهة مع ايران او على إضعاف ايران، هناك مصالح استراتيجية عربية لا تستطيع ايران تجاهلها. ولا تستطيع أن تقف في وجهها. هذا الامر يكون بالتفاهم أو بالتشاور أو بالايحاء أو بمعرفة القواعد الاساسية للعلاقات بين البلدين، وأعتقد ان كل عاقل في ايران وفي غير ايران يحسب هذه الحسابات ويتصرف على اساسها.
القرار في لبنان عربي. ولكن كل القوى اللبنانية تتعامل باعتبار أن لبنان دولة عربية وامتداده عربي وجاره الرئيسي سوريا، والسياسة السعودية السورية قائمة على ضمان الاستقرار الذي ينشده كل اللبنانيين.
من حيث الاستنتاج، أنا أعتقد أن الدور الأميركي سيكون متوجسا ومترقبا لهذه الحركة. ولكنه سيجد في النهاية أن الاستقرار الذي يسعى إليه يتحقق دون جهد أميركي ودون اعتقاد بأن هناك شيئاً يحاك ضد السياسة الأميركية. هناك حوار سوري اميركي ساري المفعول، وهناك انفتاح سوري أوروبي ساري المفعول، وهناك علاقة سعودية أميركية متينة، وهناك علاقة سعودية أوروبية جدية، وفضلاً عن الحديث عن الأتراك وانتشار علاقاتهم بين اوروبا وواشنطن، هذا كله يحقق ضماناً للاستقرار دون أن يعني ذلك أن هذا الاستقرار مواجهاً لايران.
سوريا تغيرت ولبنان تغير والمنطقة تغيرت في السنوات الخمس الاخيرة، تاريخ الدور السوري في لبنان كان إما إدارة للأزمة أو اشتعالا لاشتباك. هذا كان طوال الفترة الممتدة من العام 2000 الى عام 2009، يجب أن نعترف أن هناك رغبة سورية قائمة على التفاهم ووضع أسس جدية للتفاهم بين لبنان وسوريا، أولها وأهمها ان الدور السوري في لبنان هو دور ادارة الاستقرار، وليس افتعال أزمات ولا ادارة ازمات ولا افتعال اشتباكات. لا خوف من عودة الدور السوري الى سابق عهده.
المحكمة الدولية هي مرجعية دولية نشأت بقرار من مجلس الأمن، وكل الكلام والافتراضات والاتهامات التي تحصل حولها هي افتراضات ومبالغات وغبار سياسي لا اساس قانوني له، ولا اساس دستوري له ولا أساس له في القوانين الدولية. وبالتالي لا أحد يستطيع أن يطلب ضمانات تتعلق بجريمة اغتيال الرئيس الحريري. لقد اعتمدت المحكمة كمرجعية دولية من قبل كل الأطراف اللبنانية والعربية والدولية في السنوات الماضية، وقد تأخر الوقت كثيرا للعودة عن هذا الموضوع. المحكمة الدولية هي مثل أب وأم الاغتيالات، لا يستطيع الولد أن يستيقظ صباحا ويسأل كل يوم من هو والده ومن هي والدته، المحكمة الدولية مرجعية وطنية وعربية ودولية للعدالة في لبنان، وللعدالة لكل اللبنانيين.
لا يستطيع السيّد نصرالله أن يخاطب رئيس الحكومة عبر التلفزيون، ولا يستطيع أن يقوم بكل هذه التعبئة مستندا الى رواية لا يستطيع أن يؤكدها إلا هو، ما لم نسمع من الرئيس الحريري تأكيدا أو نفيا مباشرا لهذه الرواية، فأنا أرفض التعليق عليها، وأعتبرها كأنها لم تكن.
أريد ان أوضح نقطة، ليس في لبنان قوى تستطيع أن تدخل في صراع اقليمي دون أن تكون سوريا موافقة عليه وشريكة فيه، كذلك فإن اسرائيل، رغم كل الكلام الذي يقال، ورغم كل الشعارات الكبرى، ورغم الانقسام داخل الحكومة الاسرائيلية ورغم أشكال التعاون العسكري بين اسرائيل وأميركا إلى حد القبة الحديدية التي تمنع الصواريخ القصيرة المدى من الوصول إلى أهدافها، لكن اسرائيل لا تستطيع أن تقوم بحرب في المنطقة في هذه المرحلة دون موافقة إقليمية، وأنا لا أعتقد على الاطلاق أن واشنطن ودمشق في وارد البحث في حرب أو في نتائجها، بل هما في وارد تطوير العلاقات وتهدئتها، والبحث ببعض الملفات بعقل بارد للوصول الى نتيجة.
الخطوة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين بعد قمة الكويت بالتوجه الى الرئيس السوري والمصالحة معه وتجاوز كل الفترة السابقة أدت الى المزيد من العمق في العلاقات بين البلدين، فضلا عن الزيارات التي قام بها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الى دمشق والتي تمت أيضا برعاية ومتابعة سعودية وموافقة جميع الاطراف اللبنانيين، تجعل الامر أبسط من توقع تغيره خلال فترة قصيرة أو لأسباب بسيطة. هناك تفاهم في العمق على ملفات أساسية وكبيرة ستظهر بعد وقت، إنما المرحلة الأولى أو الأولوية الأولى الآن هي للبنان، لذلك أنا أعتبر الآن أن مجيء الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى لبنان هو فأل خير، ووجود الرئيس الاسد في لبنان هو ضمانة لنزاهة الادارة السورية للاستقرار في لبنان.