زلزال المشنوق عجّل مائدة الملك

قالـوا عنه 04 يوليو 2016 0

hariri-ksa-salman-620x330

تحركت المياه الراكدة. كل الاشارات تسير بنا نحو هذه الخلاصة، البعض بدأ يتحدث عن حلحلة شاملة في غضون أسابيع أو أشهر، فيما يذهب الآخرون عميقًا نحو تشريح الاهتمام السعودي المرتقب، معتبرين بأن الكلام الشهير لوزير الداخلية نهاد المشنوق شكّل حجر الزاوية في ضربة مزدوجة أعادت المتحرك اللبناني إلى سلم أولويات المملكة، وساهمت بشكل مركزي في تحريك سنوات من الجمود واللامبالاة.

أصحاب هذه النظرية يذهبون نحو تفصيل العقل السعودي في التعاطي مع مستجدات الإقليم والعالم، يجزمون بأن الوضع اليمني والسوري وحتى العراقي بات يتقدم بأشواط كثيرة عن الهدوء النسبي القائم في لبنان، فيما تبدو هذه المناطق أقرب إلى مواجهة محتدمة ومباشرة مع إيران، ناهيك عن متحرك داخلي شديدة الدقة والأهمية، وهو ما وصفته كُبريات مراكز الأبحاث الغربية بالعقد الاجتماعي الجديد، والذي يقوم على حراك سياسي واقتصادي قد يمهّد لنقل المملكة برمتها من ضفة إلى أخرى.

لكنهم في المقابل، يجنحون نحو التأكيد بأن المشكلة لم تكن يومًا في انشغال الرياض بجملة وازنة من الملفات المشتعلة التي تخطت الحدود والجغرافيا وحطت رحالها في الحدائق الخلفية. ولم تكن أيضًا في الكباش المؤلم مع إيران على مختلف المستويات، ولا حتى بأزمة سيولة ترافقت مع الهبوط التاريخي لأسعار الخام، المشكلة في مكان آخر، وتحديدًا في مخاض الانتقال إلى الجيل الثالث، توازيًا مع قفزة سياسية واقتصادية هائلة، ومع تفاعل غير مسبوق مع متحركات المنطقة.

في ظل هذا الواقع، بدا لبنان وكأنه خسر، أو يكاد، آخر العلاقات الطيبة التي جمعته بالمملكة العربية السعودية، وهي علاقة قامت طويلًا على حرص استثنائي أبدته الأخيرة تجاه لبنان وشعبه، بحيث تعاطت مع حالته بدقة متناهية تخطت كل الأطر الناظمة لعلاقات المصالح المتبادلة أو النفوذ الناعم، ولامست بشكل مباشر ذاك الحنين الدائم للبنان الجميل والفريد. لبنان شرفة العرب، وآخر معاقل الحرية والانفتاح والحياة.

علاقة الجيل الثاني مع لبنان كانت أشبه بعلاقة عاطفية، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بحيث اقتصر دورهم التاريخي على تدوير الزوايا وكسر حدة التوتر وإعلاء كلمة الحوار وربط النزاعات، ولو على حساب مصالحهم السياسية والاستراتيجية، ودون ذلك شواهد كثيرة، ليس أقلها مسارعة الملك عبد الله إلى فتح صفحة جديدة مع بشّار الأسد عقب إغتيال رفيق الحريري، الأمر الذي شكّل مغامرة متقدمة تجاه نظامٍ يتقن لعبة الوقت وفنون المرواغة والطعن.

مع وصول الجيل الثالث، أخذت العلاقة تتحول إلى علاقة عملية وجافة، حيث باتوا ينظرون إلى لبنان انطلاقًا من كونه ورقة سياسية في لعبة المنطقة والاقليم، وهو بالتالي ورقة خاسرة وساقطة ولن تؤتي أُكلها في أي احتدام مباشر أو غير مباشر، بدليل خروجه الفظّ والنافر عن إجماع عربي وإسلاميّ، بل وكونيّ، يُدين ما تعرضت له سفارة المملكة في طهران، ثم ما تلاه من اجتماع للحكومة دام سبع ساعات، توصلت خلاله لإصدار بيانٍ يضجّ بحمالات الأوجه ويفسر الماء بالماء، وهو بيانٌ ترافق مع تحفظٌ علنيّ أبداه وزير الخارجية، ومع تراشق سياسي وإعلامي كاد أن يُسقط الحكومة على رأس قاطنيها.

المملكة لن تجني أي ملموس في لبنان انطلاقًا من حسابات الربح والخسارة. قد تحصد في سوريا وفي اليمن، وقد تقارع في العراق، لكن الخسارة ستكون حليفها الأكيد بمجرد تعاملها مع لبنان انطلاقًا من كونه ورقة سياسية أو ساحة للصراع. أهمية المملكة، كانت ولا تزال، تكمن في فهمها العميق وتعاطيها الرشيق مع الحالة اللبنانية وتشعباتها، وفي صبرها الاستراتيجي على تضميد جراحه وحماية رسالته والحؤول دون سقوطه المريع.

ليس من باب المصادفة أن يقول نهاد المشنوق ما قاله، هو يدرك تمامًا بأن كلامه سيُحدث زلزالًا مُدويًّا في مطابخ القرار السعودي، لكن الانتظار لم يعد خيارًا. فالنار تشق طريقها نحو ما تبقى من أخضر ويابس، والمرحلة اقتضت كلامًا بهذا المستوى وبهذه الحدة، والترجمة آتية لا محالة. قد يدفع الرجل غاليًا من رصيده السياسي والشخصي، لكنه سيفرح وهو يشاهد سعد الحريري على مائدة الملك. ربما لا يُشكل الحدث حلًا للأزمات المركبة، بيّد أنه حتمًا صافرة الخلاص.