رسالة إلى وليد بك..

مقالات 10 سبتمبر 2007 0

مساء الخير،
تعوّدنا عليك في السنوات الأخيرة في عرينك في المختارة وفي منزلك الحميم في بيروت. تعوّدنا عليك صريحاً، مواجهاً، منتصراً لفكرتك دون غيرها من الأفكار، قادراً على نشر قوة الاطمئنان وجرأة الاستقرار وسط العواصف السياسية، دافعاً بنفسك وبغيرك بعيداً عن الاشتباكات الأمنية.
تخصصت في الاشتباكات الكلامية السياسية، حتى صرت رمزاً لها: لا ينافسك أحد على منبرها، فقضيت على من قضيت وفعلت العجب فيمن أردت له ان يشكو العجب. ووصلت الى ما تريد: طليعة قوى سياسية مركّبة، لم يخطر ببال أحد امكان لقائها على حالة واحدة. فإذا بالبيان الختامي لكل اجتماع يسجل لك الاستمرار في تجانس بين متناقضين وتعايش بين متنافرين. لا أحد يستطيع ان يُنكر عليك حقك في صورة حامل العلم، تتقدم الجميع في قريطم بعد ظهر الرابع عشر من شباط، التاريخ الذي طبع الحياة اللبنانية من بعده بحيث بدا كأنه ليس هناك من تاريخ قبله، أي يوم اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
اندفعت من دون تردد او هوادة كما هي حالك دائماً لكتابة تاريخك السياسي من جديد. وأيقظت ما في ذاكرتك وفي صدرك من الأحداث ما كنت اعتقدت انه دُفن مع الاسرار التي لا يجوز البوح بها. فأصبح معك شهيدان وعَلَمان: كمال بك الوالد الذي كنت قد سامحت إنما لم تنسَ من اغتاله، والثاني الرئيس رفيق الحريري الذي اخترت صداقته والتحالف معه في السنوات الأخيرة من عمره.
ذهبت الى أبعد ما يمكن لسياسي ان يذهب في حدة الخصومة وفي عناد المواجهة، حتى صرت عنواناً دائماً وراسخاً لجمهور رفيق الحريري المنتشر من أقصى الجنوب الى أقاصي الشمال، على الساحل وفي الداخل. متجاوزاً بذلك كل زعامة سياسية.
قلت لك مرة وأنت تخالف الرأي انك لو تبادلت الظروف بينك وبين كمال بك، لما استطاع ان يقوم بما قمت به صواباً كان أم خطأً.
وجد فيك جمهور رفيق الحريري الثائر لاغتيال زعيمه، موقعاً مقاتلاً فكان له من يقوده إلى الثأر العشوائي لكرامته ورفض الاعتراف بالنتائج المترتبة على اغتيال الرئيس الحريري من فقدان للهوية السياسية، ومن احساس بالاحباط، تلاشى تدريجاً الى حد اعتبار حقوقه السياسية ليست محفوظة فقط، بل ان باستطاعته الغاء صفحات من كتاب تاريخه وتغيير خريطته السياسية لأن دمشق ليست الممر الآمن لعروبته.
لا أعرف ما إذا كان هذا الجمهور استجاب لندائك أم انك استجبت لهتافاته. المهم انه وجد فيك غايته وأنك أجبت بواسطته عن كثير من التساؤلات الدائرة في ذهنك منذ اغتيال والدك في العام .1977 فكان لكلاكما ما أراد.
***
تعبتَ من القراءة. أليس كذلك؟ ما زال هناك الكثير ليقال.
استطاعت العجيبة السياسية المسماة بقوى الرابع عشر من آذار ان تحقق الانجازات التالية:
أولاً: تحققت أكثرية نيابية واضحة في الانتخابات التي جرت في العام .2005 صحيح ان قانون الانتخابات لا يحمي تمثيل كل النواب، وصحيح أيضاً ان التحالف الرباعي الذي يعلن حزب الله يومياً انه نادم على عقده، ساهم في تحقيق جزء ولو يسير من هذه الأكثرية، لكن الأكيد اننا اليوم أمام أكثرية نيابية متماسكة وفاعلة، حتى لو كانت لا تعقد جلساتها داخل مجلس النواب.
ثانياً: أسست في المصالحة التاريخية في الجبل مع البطريرك صفير في العام .2002 للتحالف بين البطريركية المارونية وقوى الرابع عشر من آذار، فأصبح البطريرك الماروني مجاهراً بمواقفه الأقرب بطبيعة التحالف الى موقفكم السياسي وحلفائكم، فتحقق بذلك الحد من الضرر الواقع نتيجة الانتخابات التي صوتت بغالبية أصواتها المسيحية لكتلة العماد عون.
ثالثاً: صمدت الحكومة نتيجة تماسك الأكثرية النيابية معها في وجه كل المحاولات الأمنية والسياسية لتعطيلها عن العمل. لعب الرئيس فؤاد السنيورة دوراً مؤثراً وفاعلاً في هذا المجال متحملاً أعباء المخاطر وكاشفاً عن شخصية لم تكن واردة في تاريخه العام.
رابعاً: انتصبت القامة السياسية لسعد الحريري وريث والده في زعامة كتلة المستقبل النيابية، فوقف الى جانبك، لا أمامك لأنه لا يفعل اعترافاً بجميل ما فعلت، ولا خلفك لأنه ليس مكانه. فصار للرابع عشر من آذار زعامة قادرة سياسياً تتنقل بين العواصم العربية والدولية شارحة للموقف، سائلة للدعم السياسي والمادي، وكان لها الكثير مما أرادت.
هنا لم تعد وحدك تشكو فوضى سياسية لا يحتملها غيرك.
خامساً: أُقرت المحكمة الدولية بعد صراع طويل ومرير. ومهما كانت الأثمان التي دُفعت من أجل اقرار هذه المحكمة في مجلس الأمن الدولي بموجب الفصل السابع الملزم للدول الاعضاء في الأمم المتحدة بالتعاون، فإنها ليست بالكثير، إذ إنها المرة الأولى في التاريخ التي تشكّل فيها محكمة من أجل جريمة سياسية فردية، بينما الحالات الثلاث السابقة التي تشكلت فيها محكمة من هذا النوع كانت بسبب جرائم قتل جماعية. وما هي إلا أشهر قليلة حتى تكون المحكمة جالسة للعمل على تقرير ظني يصدره رئيس لجنة التحقيق الدولية في رأس السنة، بحسب قول الأمين العام للأمم المتحدة.
سادساً: استطاع الجيش اللبناني بتغطية شاملة من قوى الرابع عشر من آذار وبعض قوى المعارضة، وبرغم تحفظ قيادة حزب الله، استطاع ان يقضي على مجموعة أصولية مسلحة بعد قتال استمر أكثر من ثلاثة أشهر تسبب باستشهاد أكثر من 160 ضابطا وجنديا واصابة المئات من الجنود بإصابات دائمة.
لم تكن القدرة القتالية للجيش هي المفاجأة الوحيدة للبنانيين.
بل ان الغطاء السياسي شبه الشامل الذي تأمن لقتال مجموعة موزعة الجنسيات العربية مدربة تدريباً عالياً، وتتمتع بعقيدة جدية، هو الأول من نوعه للجيش في تاريخ لبنان.
وهذا القتال هو أيضاً الأول من نوعه ايضاً في دول العالم العربي ما عدا سوريا. مع الاشارة إلى أن مزيداً من التدويل للوضع اللبناني هو بمثابة الاكثار من العناصر الجاذبة للمنظمات الاصولية الداعية الى الجهاد في وجه القوات الاجنبية.
وإلا فما الذي أتى بالشيشان واليمينين والسعوديين وغيرهم من الجنسيات الى شمال لبنان؟. بصرف النظر عن الاتهامات الموجهة الى سوريا في مجال التسهيلات لمثل هذه التنطيمات.
هذا الامر يحتاج الى معالجة دقيقة جدا توازن بين الحاجة الى المجتمع الدولي وبين الضرر الذي يوقعه تصريح للسفير الاميركي في بيروت عن الشراكة الاستراتيجية الاميركية اللبنانية.
سابعاً: تطورت الخريطة السياسية الداعمة لقوى الرابع عشر من آذار بشكل سريع وفعال، بفضل صمود الداخل وحركة الخارج التي قام بها سعد الحريري.
اصبح لقادة هذه القوى رعاية سياسية دائمة من دول الرباعي العربي أي السعودية ومصر والاردن والامارات العربية، ومن الاتحاد الاوروبي.
وكلاهما اصبح اكثر تفهماً ودعماً لضرورة وجود هذه القوى السياسية. وهما قوتان عملتا دائماً على تفاهم لبناني لبناني من جهة ولبناني سوري من جهة اخرى، بينما تقوم السياسة الاميركية بأخذ من تيسّر من نتائج الحركة العربية الأوروبية ثم تعرقل تحركهما الوفاقي في كل فرصة سانحة.
وقع العدوان الاسرائيلي على لبنان الذي مهما قيل عن تذرع اسرائيل بخطف الجنديين الاسرائيليين للقيام بهذا الهجوم، فليس له غير عنوان العدوان.
حققت المقاومة صموداً مشهوداً له في العالم لمدة 33 يوما. واستطاعت الحكومة بالتنسيق مع الرئيس نبيه بري أن تحقق صموداً سياسياً، أتى بقرارات دولية داعمة لوجهة النظر السياسية لقوى الاكثرية برغم الخسائر الاقتصادية الفادحة والخسائر الإنسانية الكبيرة التي أصابت اللبنانيين من جراء العدوان الاسرائيلي فدخل الجيش اللبناني إلى الجنوب بعد غياب عشرات السنوات وانتشرت قوات الطوارئ الدولية معه.
ليس هنا من ضرورة مجدداً لذكر الانسحاب العسكري السوري، ولا لإسقاط حكومة الرئيس عمر كرامي، ولا للعناوين الجدية المتفق عليها في طاولة الحوار حول العلاقات الدبلوماسية وترسيم الحدود مع سوريا رغم عدم الشروع في تنفيذها حتى الآن.
***
هل هذا بقليل؟
لا بد من التأكيد على ان زهرات من الشباب السياسي مثل جبران تويني وسمير قصير وبيار الجميل وقبلهم جورج حاوي… وآخرهم وليد عيدو، فضلا عن الشهداء الاحياء مروان حمادة، الياس المر، مي شدياق، هؤلاء ذهبوا ضحية هذه الانجازات. ومنهم من استمر رغم إصابته في الدفاع عن سياستكم. لكن هذه الانجازات تحققت.
هناك قاعدة شرعية تقول ان ما لا يدرك كله، لا يترك جلّه. أي انه ما لم ينزع سلاح حزب الله فلا بد من المغامرة بما تحقق من إنجازات سياسية.
هذا كلام غير واقعي. مثل تعمد قطع صلة الوصل الوحيدة داخلياً بين القوى السياسية اللبنانية أي الرئيس نبيه بري. والسرد المتكرر لمواقع عسكرية موالية لسوريا باعتبارها أهدافاً لا بد للجيش اللبناني ان يتوجه إليها من مخيم نهر البارد، باعتبار ان القوة العسكرية هي الحل الوحيد المتاح هل هو متاح دائماً؟ لإنهاء أزماتنا الأمنية. او انه ما لم يحدث ذلك فليذهب من يريد ان يذهب الى التسوية وتبقى أنت واعضاء كتلتك الحزبيين خارجها. باعتبار ان عددهم وهو ستة لا يؤثر على اتفاق بهذا الحجم.
***
وليد بك
يعرف مناصروك من جمهور رفيق الحريري وزعيمهم سعد خريطة خصوماتهم السياسية الموجودة في لبنان، ويعرفون ايضا الخريطة الأمنية الموضوعة في دمشق. لا يحتاج هذا الجمهور الى من يكرر عليه يومياً هذه الوقائع دون ان يتذكر ما تحقق بفضل صمودهم والاثمان الغالية التي دفعوها من حياتهم ورزقهم.
ويعلمون ايضاً مصاعب القيادة الجماعية السارية المفعول حتى الآن في قوى الرابع عشر من آذار لكنهم لن يرتدون عن مناصرتك سياسياً طالما انهم يرون أملاً في ما تقول أو تفعل.
ما هو مطروح على طاولة البحث اليوم ليس تسوية تتنازل فيه جهة لتحقق جهة اخرى أرباحاً.
ما هو معروض ومتاح هو صيانة للهدنة المرتبكة التي نعيشها عبر رئيس للجمهورية يتفق على انتخابه بين الاكثرية والمعارضة. وهذا أمر طبيعي لاستمرار الهدنة وإلا فسنعرض ما بين أيدينا من إنجازات الى خطر أكيد.
تعلم أكثر مما يمكن لأحد أن يعلم، أن الرباعية العربية تدعم استمرار الهدنة دون ان تجازف بالدخول مجدداً الى مواقع النار اللبنانية.
…وأن الاتحاد الاوروبي يعمل جاهداً في واشنطن ودمشق وطهران وبيروت على تسويق استمرار هذه الهدنة. حتى ان العاهل الاسباني خوان كارلوس تجاوز أعراف بلاده وكتب رسالة شخصية الى الرئيس السوري يحثه فيها على التجاوب مع المسعى الاوروبي.
وتعلم ايضاً ان السفير الاميركي في بيروت يحدّد المهلة الدستورية امام زواره لإجراء انتخابات رئاسية، أو انها ستجري رغماً عن المعارضة وخارج المؤسسة الدستورية. يسانده دون تنسيق بالطبع عن بعد من في دمشق يريد الفوضى ليصمد معها وليفاوض عليها.
***
الاخطر هو الانسحاب العسكري البريطاني من منطقة البصرة العراقية الحدودية مع ايران وتدريب الطيران الاسرائيلي على طلعات عبر الاجواء العربية بعد رفض الاتراك استعمال اجوائهم للوصول الى السماء الايرانية. مما يوحي بأن التطورات تميل باتجاه الحل العسكري بين اميركا وايران، تحضيراً للمؤتمر الدولي في الخريف المقبل بشأن الوضع الفلسطيني، الذي لن نحضره، حتى لو دعينا، إلا بعد دعوة سوريا وموافقتها على الحضور.
فهل نقف نتفرج؟. أم نراهن على النتائج؟
لا هذا ولا ذاك. لسنا متفرجين ولا قادرين على تحمل النتائج التي ستصيبنا بالكثير من الضرر في المدى الآني والمتوسط بالتأكيد.
لو حصلت تطورات عسكرية في المنطقة. فهل نواجهها منفردين؟
كل ما نستطيع فعله هو صون هدنتنا الداخلية والحد من الخسائر فقط لا غير، فنتأكد بأننا في موقع الصمود لا في ساحة الاشتباك او الانهيار لا سمح الله.
بهذا نحفظ ما لدينا، ونفاوض على ما لدى غيرنا، ولو تحت نار المنطقة.
هذا ما رآه الرئيس بري في حركته السياسية، وهو العارف بالموقف الاميركي فقام بمخاطرة الخبير في ميزان القوى، ولم يجازف مغامراً على حد وصف صديقكم السيد محسن ابراهيم له. فما هي مصلحتنا في إضعاف هذه الخطوة وضرب صورة المقدِم عليها؟
***
النجاح هو الثأر الحقيقي يا وليد بك. وقد حققت وسعد الحريري والبطريرك صفير وحلفاؤكم الكثير في هذا المجال. لذلك ونحن جمهور رفيق الحريري المساهم في ما وصلنا إليه وما تحقق، كل بقدر استطاعته كتابة أو قولاً أو هتافاً في تظاهرة. نرى ان لنا عليك مرة اخرى صيانة هدنتنا. نحن كلّنا أفراد مهما علا صوتنا والصراع هو بين الدول مهما كبرت إحداها أو صغرت اخرى.
لا سياسة ولا مبادرة دون مساهمتك. ولا حفظ للصيغة اللبنانية التي تحب ونحب إلا بما ترى من حسن ادارة لهدنة لا يجوز أن نستعجل نهايتها. فلا مرشح من غير الملتزمين بالطائف ولا رئيس من خارج الوفاق…
وسلمتم…