رسالة إلى قريبي في دمشق

الأخبار 11 أغسطس 2005 0

تأخّرنا على بعضنا هذه المرّة. أنت لا تأتي إلى بيروت ومنزلك فيها وأنا لا أذهب إلى دمشق وكلّ المنازل منازلي.
لو كان هناك ضرورة غير الشوق، لما وقفت في وجهي هذه الأوهام على الحدود.
وكذلك أنت. كل من يقف على الحدود هذه الأيام لا يعرف على أي حدود يقف. السورية أم اللبنانية. الصحف تقول إنها الحدود السورية وهو نسيَ أن يُفَرِّق. مضت عليه عشرات السنوات وهو لا يُفَرِّق. فلماذا يفعل الآن؟
هل حماس مئات الشباب في لبنان يُردّ عليه بهذه الطريقة؟
ماذا نفعل بالملايين الآخرين؟ نسمّي الحماس خطأً. نسمّيه خطيئة.
هذا ليس ردّ دمشق الأمويّة. هي أكبر من ذلك بكثير. فيها الوعد. منها العروبة. أنفاس أهلها تحمي وفاءها.
قالوا لبنان يريد إلغاء الاتفاقات بين البلدين. أتذكّر جيداً الرئيس ميقاتي قال لنُعِد قراءتها ونُحدد الأولويات من جديد.
هل تحديد الأولويات هو تغيير للنص؟

عزيزي زاركم منذ ايام رئيس مجلس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة. طبعاً أنت لا تعرفه لأنك لا تهتم بالسياسة بل بالفن فقط. ولكنه أهم حاسب بشري في لبنان. عدّ الشاحنات على الحدود بلمحة بصر وحسب ما فيها ونسبة الخسارة. ازدادت غصّته.
يبدأ بحصة التاريخ. فالسنيورة قومي عربي منذ نشأته.
لم يترك السنيورة طاولة مصرفية إلا وجلس عليها. منها الخاص ومنها العام.
وأهمها منذ 20 سنة رئاسة لجنة الرقابة على المصارف في المصرف المركزي اللبناني.
هو ابن عبد الباسط سنيورة الذي بدأ حياته تاجراً للحلويات في صيدا وسُمي هذا النوع من الحلوى باسمه ثم اُلّف كتاباً عن قيمه وعن تجاراته المتعددة.
قطعة السنيورة شكلها جميل هندسيا. ولونها أنيق مثل ألوان الصيف وتتفتت بسرعة حين تأكلها. لكن الرئيس السنيورة وإن أحبّ الشكل واللون لا يتفتت.
لن يمارس الرئيس السنيورة هواياته المالية في سوريا. سيؤكد أن دمشق هي بوّابة العروبة للبنان. وإن التنسيق في السياسة الخارجية واجب وواقع وليس مطلباً سورياً. فلا يقلقن أحد في دمشق ولا يُفكّر آخر بغير ذلك في بيروت.
طالب السنيورة بتجاوز الماضي القريب واعتبار انسحاب الجيش السوري تحقيقاً لرغبة دولية لا ردّ لها موعدا وشكلا ومضموناً.
الاتفاقات الاقتصادية؟
نقرأها سوياً. بدلاً من الغطس في غبار التعليقات عن أرجحيتها لبيروت أو لدمشق. والأرجح أنها لصالح بيروت إذا نُفِّذت!!
إذاً التنفيذ هو المطلوب دون أوهام حول الأرجحية.
الاتهامات الموجّهة إلى سوريا؟
لا يُمكن لأي سلطة في العالم أن تمنع الناس من الاتهامات خاصة إذا كان مضمونها السياسي جاهزاً.
لا يفيد النفي الآن ولنترك لجنة التحقيق الدولية تقرر ولم يعد من تاريخ انتهاء عملها سوى أسابيع.
المهم عدم النزول بهذا المنطق إلى الشارع في العاصمتين. قيادات 14 آذار فعلت جهدها وعلى المسؤولين السوريين أن يختاروا التاريخ المناسب لوقف التعبئة المضادة.
هل سيفعلون؟
الجواب هو لا. لم يحن الوقت بعد لتهدئة الخواطر السورية في كل المواضيع.
صحيح ان حدوداً فتحت امام الشاحنات وأغلقت اخرى لكن النفوس لا تزال مفتوحة للشحن على انواعه .
الجواب عن أسئلة خروج الجيش السوري من لبنان تستوجب هذا النوع من التعبئة.
لم يكتفِ السوريون بقول رئيسهم أمام مجلس الشعب أن هناك أخطاء حدثت. يريدون إجابات أكثر وإدانات أوضح.
نحن مُعرّضون ومّطوّقون. نحاول الرد والإفلات من الطوق. و”لحِّق” على تعبئة عن ظلم اللبنانيين. يدخل الرئيس السنيورة إلى قصر الشعب لمقابلة الرئيس الأسد. يجلس إلى يمينه ويستمع أكثر مما يتكلم.
يقول دنيس روس في كتابه الطريق الى السلام انه اجتمع مرات عدة بالرئيس حافظ الاسد. الى ان اجلسه مرة الى يمينه فسأل روس هل هذا التكريم رسالة سياسية لتقدم المفاوضات. اجاب الرئيس الاسد: لا ولكن رقبتي متيبسة.
الحمد لله ان رقبة الرئيس بشار الاسد بخير ويمينه في الجلوس هذه المرة هو لتكريم الرئيس السنيورة.
بعد عرض قصير عن العلاقات بين البلدين وما شابها من عثرات، يبدأ الرئيس السنيورة الكلام بنقل تحيات رئيس الجمهورية العماد إميل لحّود. يُقاطعه الرئيس الأسد: الرئيس لحود وطني ظُلِمَ في الفترة الأخيرة.
يؤكد الرئيس السنيورة عن تعهده وحكومته بما سبق أن قاله لرئيس مجلس الوزراء السوري عن عروبة لبنان والاتفاقات بين البلدين والتخفيف من آثار العثرات التي شابت العلاقات.
يُعطي الرئيس الأسد موافقته على تأليف لجان مشتركة لبحث الاتفاقات بين البلدين،
يفتح الحدود ثقة بالسنيورة وبيانه الوزاري.
كل هذه تفاصيل، ماذا عن سلاح المقاومة؟
الموقف السوري واضح ومُحْرِج لبنانيا ودوليا. “سحب سلاح حزب الله خطر على الأمن القومي السوري”.
يُوافق الرئيس السنيورة على التنسيق وينقل إليه ما دار بينه وبين وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس. ويتحدثان عن مواقف الرئيس الحريري من القرار 1559.
ينتظر الرئيس السنيورة فرصة سانحة ليقول إن التنسيق بين حزب الله ورئيس الجمهورية والأجهزة العسكرية بشأن السلاح وسياسة مواجهة المجتمع الدولي، لم يعُد كافيا ولا مُطَمئناً لبقية اللبنانيين ولا بد من استبدال المثلث بمربع يدخل إليه رئيس الوزراء.
يًعِد الرئيس الأسد خيراً بالحديث مع رئيس الجمهورية. ينتهي اللقاء بعد نصف ساعة. المواضيع كلها بحثت مع الرئيس العطري. والرئيس الاسد لا يريد الدخول في التفاصيل.
المهم اننا سنفتح الحدود ثقة بعروبتك وببيانك الوزاري. مع تحفظاتنا على الاغلبية الداعمة لك. نريد منكم مسألتين الأولى هي وقف الحملات الاعلامية. وعد السنيورة خيراً. الثانية هي الأمن في بلد فالت امنياً مثل لبنان. كيف يدخل أمين عام الاخوان المسلمين في سوريا إلى لبنان عبر مطار رفيق الحريري.
يذهب إلى طرابلس ويجتمع إلى الشيخ فيصل المولوي أمين عام الجماعة الاسلامية. يتعشى في منزل صديق له.
ينام عند زهير الشاويش. يسافر في اليوم التالي من المطار نفسه. وأمنكم أخر من يعلم. لو أردنا ان نأتي به إلى سوريا لفعلنا. كنتم افتعلتم حملة عن دورنا الأمني في لبنان. أحرج الرئيس السنيورة بالمسألة الأمنية. كان ينقص أن يحددوا له لائحة الطعام. هل هذه هي نتيجة التشكيلات الأمنية التي تتحدثون عنها كل يوم؟ هل تشكلون أمنياً على حساب الامن السوري ام لصالح التنسيق؟
الرئيس السنيورة يعلم أن الاعتدال هو نهج تفكير المسلمين اللبنانيين. أعطاه الرئيس الاسد فرصة التصرف في هذه المواضيع. ولكل حادثٍ حديث.
دخل إلى مجلس الوزراء بعد عودته. دققوا في لوائح الدخول إلى لبنان. تبين أن شقيق المرشد العام دخل من سوريا عبر الحدود الشمالية. وألقى محاضرة في بيروت. إذاً جاء يرى شقيقه والآخر دخل بجواز سفر لا يحمل إسمه. هذا اجتهاد وليس حقيقة.
لا أعرف ما الذي استوجب رد الرئيس السنيورة على تلفزيون العربية حول هذه المعلومات. والتأكيد انها حصلت قبل نيل حكومته الثقة من المجلس النيابي. الطبيعي في الدول التي تحترم امنها ان يصدر وزير الداخلية بياناً محدداً حول هذا الموضوع. ثم يتحول البيان الى وثيقة رسمية يحملها الامين العام للمجلس الاعلى اللبناني السوري الى وزير الداخلية السوري اللواء غازي كنعان.
هناك كتاب جديد في العلاقات بين البلدين لم تقرأه القيادة السياسية للبنان ولا زميلتها في سوريا.
هل يعلم الرئيس السنيورة أن الحديث عن الامين العام للاخوان المسلمين، أخطر بكثير من التدقيق في لوائح الأمن العام. من دخل ومن خرج؟ هناك ثمن سياسي لثغرة أمنية لا بد أن يدفع. عليك انت ان تعرف الثمن. هم لن يحددوه لك. ستتكرر الأزمات حتى تسديد كلفة الثغرة الأمنية. كيف؟ ما هو دور الاغلبية الداعمة للحكومة في القرار 1614؟ إخراج الحدود اللبنانية من النزاع العربي الاسرائيلي ليس من القضايا المتفق عليها بين لبنان وسوريا.
الجواب عند الرئيس السنيورة.
انتعشت الصحافة السورية في الموضوع اللبناني في الأشهر الأخيرة.
جاء دور سعد الحريري بوصفه “مُبتدئ ومُسيّر”. والتساؤل عمّا فعل بحرياً. وجوّياً لنقل البضائع اللبنانية الموقوفة على الحدود اللبنانية السورية.
أولاً السيد سعد الحريري لم ينكر مرةً أنه مُسيّر. ولكنّه مُسيّر من الناخبين من مختلف أنحاء لبنان الذين أعطوه ثقتهم وشكّلوا له كتلة هي الأكبر في تاريخ لبنان.
وهذا أمر لم يعتد عليه الكاتب. لا الناخبين ولا احترام آرائهم.
أما وسائل الشحن البديلة المقترحة من سعد الحريري اجتهاد لا بُدّ منه أمام منظر الشاحنات على الحدود. بعد ان أنتقلت إلى الحدود الشمالية.
لا مصلحة للكاتب في الحديث عن المبتدأ والخبر في قواعد التمثيل السياسي.. فالسيّد سعد “مُنتخَب”.
أعود إلى التذكير: م. ن. ت. خ. ب. من هذه الأحرف الخمسة تتألف كلمة مُنتخب وهي تُستعمل في الدول الديمقراطية للتفريق بين المُنتخب والمعين. هذا أمر يسري على رئيس البلدية كما على رئيس الجمهورية. ويُقصد بها انتخاب الناس له وتأييد سياسته وأفعاله.

هناك حيوية سياسية لبنانية دائمة لم تتأثر رغم كل الهزات الامنية. ومن لا يفهمها او يعتاد عليها يعتبرها وسيلة للتعبير عن العداء لسوريا.
هي ليست كذلك ولكنها جزء من النسيج الانساني اللبناني وفهمها يسّهل الكثير من الامور بين البلدين.
هذه الحيوية لا تؤدي بالضرورة الى قرار رسمي ملزم للشعب اللبناني. بل هي حالة موازية للقرار الذي يكون في غالب الاحيان في اتجاه آخر.
لا تُفتشوا عن سبب للخلاف. لن نقبل به. أنتم الجار الأكبر ولنا عليكم حقّ النقاش والتدقيق.

الرئيس حافظ الأسد أخذ مشروعيته العربية والدولية في العام 1973 إثر حرب تشرين. وهجم بهذه المشروعية على كل المحافل العربية والدولية. فمن يُعطي الدم لرفع راية العرب لا ينتظر مِنَّةً من أحد. يأخذها بمشروعية الحرب وبالحكمة وبُعد النظر والقدرة على القراءة لسنوات إلى الأمام.
حيَّر غُلاة السياسة الخارجية في العالم. كلهم سواء اتفقوا معه أو اختلفوا يُسلّمون بأنه خليفة معاوية بالدهاء السياسي.
تألفت كتب عن قدراته المذهلة في التفاوض السياسي. وهناك حكايات لا تنتهي عن لقاءاته بوزير الخارجية الأميركية الأشهر هنري كيسنجر.
جعل من دمشق قِبلة المنطقة. من يصل إليها يدخل إلى منطقة الشرق الأوسط سياسة وأمناً.
يصعب على محاوره السياسي أن يأخذ منه وعدا ولكن إن حصل، فهذا أمر لا تراجع عنه.
هذه سمعته. تعامل مع معارضته بقسوة ولين. بحسم وانفتاح. كانت كفاءاته تتغلب على كل ما عداها.
هذا ما ورثه الرئيس الشاب الدكتور بشار الأسد، وسيحافظ عليه اولاً فيما بين لبنان وسوريا. ولن يضعه على الحدود.
الكلام لي وليس للرئيس السنيورة.

قريبي العزيز
أعلم انك ستتأفف من هذا الكلام. وتقول لماذا تتحدّث دائما في السياسة. دعك منها. لنذهب إلى سارة شمّا الرسّامة الجريئة أو إلى النحّات مصطفى علي، أو إلى سليم دبدوب قرب خان العظم نتفرّج على تحفه الإسلامية، يُحدّثك عن أسعارها وكأنه يعطيك مالاً بدلاً من أن يُخبرك عن ثمنها. أو إلى سبهان آدم في الحسكة الذي كرّم الرئيس الحريري بأربع من أحسن لوحاته.
عزيزي
هل ما زلت تُخربط البيوت؟ عفواً، تزينها.
عليك أن تعترف بعالمية اللبنانيين في هذا المجال. لن تُحرَج وأنت لك قريب لبناني.
دخل حكمت شطّا المسؤول عن ديكور معرض الرسام السوري مروان قصّاب باشي في سوليدير. دخل إلى كاليري “أجيال” التي يملكها الموسوعة الفنية العربية الشابة صالح بركات. قال له ما هذا؟ نصف لوحاتك لرسّامين سوريين. أجابه صالح أنا لا أعترف بالحدود. فوجئ حكمت ولم يعُد إلى السؤال.
آغا
إذا كنت ستتبرّأُ مني علناً بسبب السياسة. إفعل. لن أغضب. سبق لغيرك أن تبرّأوا من أنفسهم للأسباب نفسها.