رسالة إلى سيّد المقاومة..

مقالات 23 يناير 2006 0

التقيت السيد حسن نصر الله مرة واحدة. كان ذلك في شهر تشرين الثاني نوفمبر العام . 1992الشيخ رفيق الحريري يعد الأيام الأخيرة في بيروت قبل تكليفه برئاسة الحكومة اللبنانية للمرة الأولى. الصديق مصطفى ناصر يتحرك بين السيد حسن والشيخ رفيق لترتيب موعد سريع لتهنئته بالامانة العامة للحزب. ذهبنا مصطفى وأنا برفقة الشيخ رفيق الى منزل متواضع في حارة حريك بدا وكأنه عنوان معلن إذ لا إجراءات أمنية استثنائية ولا مظاهر تعكس سمعة “حزب الله” العسكرية.
لا أذكر أنني قلت شيئاً في تلك الجلسة. إذ ظهرت بوادر القومية العربية على “الشيخ” بسرعة تتجاوز اللقب السعودي الذي كان يحمله حتى ذلك الحين.
بدا وكأنه استعاد صورة شبابه المبكر المناضل المقاوم تلميذاً جامعياً يريد توحيد العالم العربي. يُقال والعهدة على الراوي إن التلميذ رفيق الحريري قام بعدة عمليات سرية إلى جانب دراسته أثناء انتسابه لحركة القوميين العرب.
لم يأتِ على ذكرها في الجلسة مع السيد حسن، ولا مع أحد في الأربعين سنة الأخيرة من حياته. بدا عليه انه يرى في السيد حسن صورةً حَلِم بأن يكونها في يوم الأيام. لكنه اختار صياغة أخرى لدوره بالقول إنه مستعدّ لدعم مقاومة إسرائيل بكل ما يستطيع شرط أن لا يطلبوا منه القيام بعملية فدائية.
ساد الضحك الهامس الجلسة في طريق العودة إلى قريطم قبل تحوّلها إلى مركز للحكم. انهلت بالأسئلة على الشاهد الوحيد المستمر بدوره منذ 15 سنة بين الحزب والحركة السياسية الحريرية المسمّاة الآن بتيار “المستقبل”. كم عمره؟ أين درس؟ كيف انتقل من عِمّة السيّاد الى زند المقاتل؟ وعشرات الأسئلة الأخرى التي جعلت الشاهد مصطفى ناصر يطلب وقتاً للتدقيق قبل الإجابة. هذه عادته حتى اليوم.
السبب؟ إما أن دوره يفرض عليه الكتمان أولاً. التدقيق ثانياً. التهرب من الجواب ثالثاً. أو ان طبعه يستند الى هذه القواعد.
كان السيد حسن في الثلاثين او أكثر بأشهر من عمره في ذلك الاجتماع. لحيته السوداء تخبئ عمره تحتها. تجعله يظهر أكبر من سنه بسنوات قليلة. لكنك حين تدقق في وجهه وعينيه تكشف العمر الحقيقي للأمين العام لحزب الله، كيف يمكن لشاب في ريعان عمره أن يكون المسؤول السياسي والعسكري الأول عن أكثر التنظيمات جدية في محاربة إسرائيل في تاريخ لبنان والعالم العربي؟
لماذا اختير دون غيره لهذه المهمة التي تحتاج إلى اندفاع الشباب في حركتها والى حكمة الشيوخ في قراراتها السياسية وإلى خبراء تقنيين رفيعي المستوى عميقي الإيمان بدورهم للقيام بالعمليات العسكرية؟
من سمّاه لضبط إيقاع مثلث لبناني سوري إيراني يحتاج الى صانع ساعات سويسري للوصول بعمليات شباب الحزب الى نتائجها المتوخاة عسكرياً أولاً والإمساك بنتائجها السياسية قبل فوات الأوان ثانياً؟
القصة، ببساطة، بدأت في العام 1960 حين ولد السيد حسن في الكرنتينا، الضاحية الشعبية للنازحين الى بيروت آنذاك. تعود أصول عائلته الى البازورية قضاء صور. هو الأكبر بين تسعة أولاد. ظهرت عليه مبكراً اهتمامات وقراءات إسلامية. عاد مع عائلته إلى قريتهم مع بداية الحرب في العام 1975. انتسب الى حركة »أمل« التي ترمز إلى النهضة الشيعية بزعامة الإمام موسى الصدر. أكمل دراسته في مدرسة رسمية في صور. تردّد إلى مسجد المدينة يومياً. لفتت براعته وذكاؤه الشيخ محمد الغراوي أحد رجال الدين البارزين في المدينة. فكتب له رسالة توصية إلى السيد محمد باقر الصدر في النجف لضمّه إلى الحوزة الدينية.
حمل الرسالة إلى النجف بعد إنهاء دراسته الثانوية. جلس ابن السادسة عشرة الى الأرض ليستمع إلى استاذه السيد عباس الموسوي القادم من البقاع إلى النجف ليصبح بعد ذلك رفيقه ولصيقه. كلاهما مقتنعان برفض السيد محمد حسين فضل الله للمؤسسة الرسمية الشيعية.
في العام 1978 أُجبر السيد الموسوي والسيد نصر الله والمئات ممن اعتبروا متشدّدين من تلامذة النجف على مغادرة العراق. احتوت حركة “أمل” المبعَدين من النجف وسط الضجة حول اختفاء الامام موسى الصدر. أكمل السيد حسن دراسته الدينية في مدرسة أنشأها استاذه السيد عباس الموسوي في بعلبك. جامعاً حوله العديد من الشباب المعجبين باندفاعه وشخصيته.
جاء الاجتياح الإسرائيلي للبنان ليوقظ في نفوس هذا الشباب المتدين أن ما شهدوه حتى الآن من أساليب قتال رسمية كانت أم شعبية لم تنفع في وضع حد لإسرائيل. أعلن السيد الموسوي الجهاد. ترك السيد نصر الله مع مجموعته حركة “أمل” وانضمّوا الى الموسوي. أرسلت إيران مئات من الحرس الثوري الإيراني في اول امتداد لها خارج ايران. بدأت الاسماء تظهر في الصحف: منظمة العدالة الثورية. ثم منظمة المستضعفين في العالم. الى ان كان العام 1985 حين أعلن “حزب الله” عن نفسه في رسالة مفتوحة وزّعت على الصحف اللبنانية يعلن فيها الحرب المقدسة ضد إسرائيل والدول الغربية الداعمة لها.
بدأ القائد العسكري لحزب الله السيد حسن نصرالله بإخلاء مواقع “أمل” في الضاحية الجنوبية لبيروت. اندلعت الاشتباكات. تدخّل الطرف السوري المراقب في ذلك الحين. توقف القتال. سافر السيد نصر الله الى ايران لمتابعة دراسته الدينية في مدينة قم.
عاد بعد سنتين ليحقق انتصاراً لحزبه على “أمل” في منطقة اقليم التفاح في جنوب لبنان حيث أُصيب بجرح بسيط. في العام 1990 أصبح القائد العام المركزي لقوات حزب الله وعضواً في “شورى القرار”.
كان واضحاً أن ما من شيء يمكن ان يقف في وجه طموح هذا الشاب وإيمانه بما يفعل. عمل في الجهاز العسكري فأصبح رمزاً للمقاتلين. ساهم في عمل الاجهزة الامنية فبدا وكأنه عميق الخبرة. استلم التعبئة الجماهيرية فكان اسلوبه الخطابي هو الحد الفاصل في اتجاه الجماهير. انتقل الى السياسة اللبنانية فتبين انها يمكن أن تأخذ كل ما سبق الى هاويتها. صبور إلى حد القهر. يقول عارفوه إنه أمضى شهوراً طويلة في وديان الجنوب مع مئات من مقاتليه في العام 1987 منقطعاً عن العالم يأكل ومَن معه حشيش الأرض. لذلك كله حاول رفاقه في قيادة الحزب دفعه مرتين لتسلّم الأمانة العامة للحزب، لكنه رفض إلى ان اغتالت إسرائيل السيد عباس الموسوي أستاذه ورفيقه فانتخب أميناً عاماً للحزب منذ العام 1992 حتى الآن.
هذا هو الجانب الأبسط من حياة السيد حسن نصر الله الذي تعتبره الولايات المتحدة الاميركية الركيزة الأخطر للارهاب في منطقة الشرق الأوسط. الجانب الأهم هو ان حركة المقاومة اللبنانية هي الحركة العسكرية الأولى في العالم العربي التي استطاعت تحرير الاراضي اللبنانية المحتلة في الجنوب والبقاع الغربي من الاحتلال الاسرائيلي دون توقيع معاهدة سلام كما حدث مع مصر والاردن. كيف يمكن لحركة تاريخية قامت بهذا الإنجاز ان تتحوّل بقيادتها وعدتها وعديدها ونوابها ووزرائها الى فصيل سياسي لبناني له ما لهم وعليه ما عليهم. لا يشفع لها التحرير. ولا تنقذها من قسوة النقد دماء الشهداء. ولا تبرر لها طلاقة لسان السيد حسن في الحديث وفي الخطابة؟
كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري يقول إنه أمضى من سنوات عمره في السعودية أكثر مما فعل في لبنان، لذلك فهو لا يفهم نكران ذاكرة اللبنانيين للبنيان السياسي أياً يكن حجمه ولا للإعمار التشريعي أياً يكن نصّه، ولا للمال أياً يكن رقمه. كنت أجيبه بعد جهد ان لبنان هو طاحونة سياسية تفتش صباح كل يوم عن عنوان كبير تطحنه. فإذا لم تجد تعود الى الذكريات لتطحنها. وأذكره بالرئيس سليمان فرنجية الماروني من قرية صغيرة في أقاصي شمال لبنان الذي شتم بابا روما وهو رئيس الجمهورية. هذه الطاحونة التي تطحن الأولياء وكلام الأنبياء لن تجد من الصعب عليها اسقاط وجهة نظره في مسألة عامة خطيرة او بنيان سياسي سهر الليالي وطار من دولة الى أخرى لتحقيقه.
هل من المفيد تكرار هذا الكلام على النائب محمد رعد الذي يقطع التذاكر المجانية إلى كامب ديفيد، ثم انتقل الى “تلبيس الطرابيش”. او الى الشيخ نعيم قاسم الذي يستعمل السيوف في كلامه أكثر من النصوص، أو النائب علي عمار الذي يصعب عليه في الكلام الانتقال من المدينة الى الريف، او النائب حسن فضل الله الطليق اللسان والبهي الطلعة والحيي الابتسامة ممسكاً برشاش الكلام لا يتركه.
لنترك “المؤامرة” الى وقت لاحق ونبقى في الداخل. لماذا تُحمّل كل طائفة نفسها وأهلها ما لا طاقة لبلد بكامله عليه؟ هل هو الاندفاع فقط؟ هل هو الالتزام القصير النظر؟ أم هو من مساوئ الطوائف اللبنانية ولا حول ولا..
سماحة السيد
لقد أدليت بستة أحاديث مفصلية منذ الثامن من آذار الماضي وحتى اليوم، فضلاً عن عشرات الاحاديث في مناسبات مختلفة.
لكنني، سأسمح لنفسي بمناقشتك في المفصلي منها منعاً للتشويش، وما أكثره في امكانية تفسير أحاديثك.
في الثامن من آذار كنت في ساحة رياض الصلح تودّع الجيش السوري الخارج من لبنان بقرار دولي. أعطيت جمهور 14 آذار الدعوة إلى البحث عن الحقيقة في قتلة الرئيس الحريري، كان هذا التاريخ هو الانفصال الحقيقي لا الواقعي او اليومي لحركة حزب الله عن جمهور الغالبية العظمى من اللبنانيين. مرّت الامور بسلام لسببين الاول ان تظاهرة “حزب الله” اعتبرت رداً لجميل سوريا في دعم الحزب كطريق إمداد ودعم سياسي أثناء قدرة السوريين على الدعم السياسي اللبناني. السبب الثاني أن الانتخابات مقبلة والكل يحتاج الكل. فلتذهب لعبة الانتخابات حتى نهايتها وليأتِ الحكم بعدها، لكن الجمهور الآخر لم ينسَ هذا التاريخ. مرّت الانتخابات على تحالفاتها الهجينة، وجاء المجلس المعطل بحكومة معطلة:
وزراء “حزب الله” و”حركة أمل” يريدون حق “الفيتو” ما دام العدد ليس معهم. خرج الوزراء الشيعة من مجلس الوزراء في المرة الأولى لطلبهم تأجيل الردّ على خطاب الرئيس الأسد، الذي وصف الرئيس السنيورة بأنه عبد مأمور لعبد مأمور.
منعوا في المرة الثانية ذكر ان رئيس الحكومة استشارهم في المحكمة الدولية قبل جولة على الأقطاب. استجاب السنيورة.
انسحبوا في المرة الثالثة قبل التصويت على المحكمة الدولية وتوسيع التحقيق الدولي في عمليات الاغتيال في اليوم الذي اغتيل فيه جبران تويني.
اعرف ما ستقول لي او لغيري ممن يراجعونك في هذه المواضيع.
ستقول أولاً لقد رشحنا العميد حسين اللقيس مديراً للأمن العام وقلنا إننا سنكون شركاء في الأمن في حال تعيينه. وإذ بالتسمية تبقى لمدة ستة أسابيع في ادراج المعنيين. الى ان جاء من يقول لكم نقلاً عن سعد الحريري أن الاميركيين والفرنسيين لا يوافقون على تسميتكم لمسؤول أمني، وإن النائب سعد الحريري طلب منك تسهيل هذا الأمر، فتجاوبت.
ستقول أيضاً ان خروج الوزراء من جلسة الردّ على الرئيس الأسد لم يكن موافقة على كلامه، لأنه تناول “حزب الله” ايضاً. ولكن النظام الحزبي لا يسمح للوزراء باتخاذ موقف من هذا النوع دون العودة الى القنوات الحزبية المعنية.
ستضيف أنه كان من الممكن تأجيل التصويت على المحكمة الدولية، لاستكمال الحوار حول شكلها ومضمونها مع النائب الدكتور بهيج طبارة المنتدب من كتلة المستقبل.
ستقول أيضاً إن ما جرى لا يعبر عن شراكة سياسية بدأت في الانتخابات واستكملت في الحكومة، وإنه لولا دعم “حزب الله” لما اكتسبت الاكثرية صفتها في مناطق عاليه بعبدا والبقاع الغربي.
ستوضح أكثر ان تحالفات الانتخابات هي القاعدة التي تستند اليها في شراكتك السياسية مع القوى الاخرى.
ستقول إن سعد الحريري لم يضمن توقيعه على الورقة التي حملها موفدا “حزب الله” وحركة “امل” الى الرياض والتي كانت ستنهي الأزمة الوزارية. ولو ان اوساط “تيار المستقبل” تقول ان النائب الحريري التزم الى حد تسهيل زيارة الرئيس السنيورة الى دمشق فماذا كانت النتيجة؟
ومتى كانت التحالفات الانتخابية هي قاعدة القرار السياسي؟
إن مراجعة بسيطة لتاريخ لبنان الانتخابي تكشف بوضوح ان التحالفات هي مرحلة عابرة وليست مرحلة مقرّرة. فكيف اذا كان الكلام صادراً عن حركة سياسية مسلّحة وتاريخية مثل “حزب الله”.
ما لن تقوله لي أو لغيري إنك لا تثق برئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة وإنك تتهمه بتفاهم مع تيري رود لارسن مبعوث الامين العام للامم المتحدة المسؤول عن متابعة تنفيذ القرار 1559 القاضي في واحد من بنوده بنزع سلاح الميليشيات وبسط سيادة الدولة على كل الأراضي اللبنانية؛ لذلك فإنك تريد أخذ اقصى الاحتياطات اللازمة لنزع سلطة التصويت من على طاولة مجلس الوزراء.
ما لن تقوله ايضاً انك عدلت عن سعيك لنزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات؛ الظاهر من اسباب عدولك انك فوجئت بمحاصرة الجيش اللبناني لهذه المواقع في البقاع والناعمة. أما الحقيقة فإنك قررت بالتفاهم مع دمشق اضافة هذا السلاح الى أوراقك التي تريد استعمالها في الوقت المناسب.
من السهل القول ان مظاهرة الثامن من آذار لم تأخذ بعين الاعتبار الجرح العميق الذي أُصيب به حليفاك سعد رفيق الحريري ووليد كمال جنبلاط وجمهورهما. هذا دون الحديث عن الجانب المسيحي الذي تذكر المظاهرة التي دعا إليها الحزب في الرابع من نيسان 2001 رداً على الاستقبال الشعبي الذي حظي به البطريرك صفير بعد عودته من رحلة اوروبية واميركية دعا فيها الى خروج الجيش السوري من لبنان.
التعيينات مسألة إدارية بينكم وبين سعد الحريري. إذا لم يكن هناك من حسن ادارة لهذا الموضوع لدى فريق الحريري بغير إيقاف التعيينات فهذا دليل عجز سياسي لا يتحمل مسؤوليته جمهور الطرفين.
عدم السماح لرئيس مجلس الوزراء بمناقشة المحكمة الدولية هو سابقة لم تحصل لا في العرف ولا في النص ولا في اللياقة السياسية. الشراكة السياسية القائمة على الانتخابات هذا حالها. الشراكة القائمة على القناعات هي التي تعيش وتدوم. ولكن اي قناعات وسط طوفان النصوص السياسية في البحر اللبناني.
خرج وزراء “حزب الله” وحركة “امل” من جلسات مجلس الوزراء لاعتراضهم على التصويت المبكر على المحكمة الدولية. واشتراطهم للعودة بياناً عن مجلس الوزراء يعتبر البند المتعلق بالمقاومة في القرار 1559 فارغاً من المضمون، لان المقاومة ليست بميليشيا. تبادل النصوص لم ينته حتى الآن. والمفاوضات ستلحق بالسيد سعد الحريري الى واشنطن حيث سيقابل الرئيس الاميركي يوم الجمعة المقبل.
السلاح الفلسطيني خارج المخيمات دين عليكم وليس ورقة بيدكم من وجهة نظر اللبنانيين بما فيه الجمهور المدني لحزب الله. تكفي وقاحة المسؤولين في الجبهة الشعبية القيادة العامة في مخاطبة اللبنانيين، وكأنهم اصحاب حق نسي اللبنانيون ان يدفعوه لهم.
الاخطر في الكلام هنا هو “الاعتقاد” في الرئيس السنيورة. هذه مسألة تأسيسية. تفترض بكم يا سماحة السيد التدقيق فيها وحسمها سلباً فيكون البيان مع سعد الحريري او ايجابا فيستمر الحوار مع السنيورة على قاعدة الثقة لا قاعدة التخوين. ولا حاجة لي بالتذكير بالآية القرآنية الكريمة “وإذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة وتصبحوا على ما فعلتم نادمين”. سأتجاوز مرغماً ثقتي الخاصة بالرئيس السنيورة حتى تعلن الحقيقة. المؤامرة ان يبقى هذا الامر مختبئا لا ان يعلن بهدوء وبتقصٍّ يستطيع الطرفان القيام به.
سماحة السيد
ذهبت الى وليد بك في المختارة منذ زمن أسأله عن حكاية الفتنة التي تحدّث عنها في مؤتمر الحزب التقدمي الاشتراكي. فروى لي أن مسؤولاً في السفارة الاميركية أتى إليه يسأله في معرض الحديث: ماذا لو كانت السيارة التي اغتالت الرئيس الحريري قد جرى تلغيمها في الضاحية الجنوبية؟ عدت لأكتب مقالتين عنوانهما ماذا لو؟ الفتنة أشدّ من القتل. فإذا بالسفير الأميركي يذهب الى وليد بك برد مبطَّن يقول بتخفيض مستوى زيارته الى واشنطن بسبب علاقته بحزب الله. أجّل جنبلاط زيارته الى شباط فبراير المقبل عاضاً على جرح تخفيض مستوى الزيارة.
لا أحد يستطيع الدفاع عن توتر وليد بك. حتى هو نفسه لا يحاول ذلك. ولكن إذا كان حزب الله بإمكاناته العسكرية والسياسية والأمنية قلقا من الجو الدولي المحيط بلبنان، فليس كثيراً على جنبلاط أن يقلق الى درجة المطالبة بإسقاط النظام السوري وهو يعلم تمام العلم أن لا دور له ولا قدرة على المساهمة، ولو المجانية، في هذا المجال.
اسمح لنفسي يا سماحة السيد بالقول إن وليد بك لم يغيّر موقفه بل ان سلوكه السياسي تغيّر الى درجة بات معها من الصعب ايجاد مضمون الموقف.
هو ليس حليفكم الانتخابي. هو حليف تأسيسي وما بينكم وبينه لا يعرفه إلا القلة. ألست سماحتك القائل إذا كان القلق رجلاً لتجسد بوليد جنبلاط؟
لذلك دعا وليد بك الى ايجاد صيغة تدعم انضمام “حزب الله” الى الجيش اللبناني او غيره من الاجهزة الامنية بعد ترسيم الحدود اللبنانية السورية وتحرير مزارع شبعا اللبنانية.
حدد جنبلاط مع سماحتكم عنوان الخلاف بالموقف من النظام السوري، بصرف النظر عن واقعية هذا العنوان او عدم واقعيته، فإن جمهوراً كبيراً جداً من اللبنانيين يوافقه عليه. فماذا ستفعل بالجمهور وليس بوليد بك، يا سماحة السيد؟
صحيح أن وليد بك رفض لقاء العميد رستم غزالة قبل اجتماع رتبته سماحتكم مع الرئيس بشار الأسد. ولكن هل سألتم عن نص الحوار حول التمديد للرئيس لحود بين غزالة وجنبلاط في منزل الاخير في بيروت؟ لو علمتم لما افترضتم أبداً إمكانية اللقاء بين الاثنين.
أعرف ان ما أقوله صعب التبرير. هل حان وقت فصل الحقيقة في اغتيال الرئيس الحريري عن العلاقات اللبنانية السورية؟
لقد احتمى بك وليد جنبلاط من المختارة رغم نفيه. ولم تكن الاستجابة على قدر الاستجارة. كذلك أنا أفتي من عندياتي بأن الرئيس الشهيد رفيق الحريري اراد الحماية السياسية من العلاقة الحميمة التي انشأها معكم في السنة الاخيرة من حياته. لكنها لم تشفع له في دمشق.
لم يتّهم اللبنانيون سوريا باغتيال الرئيس الحريري بسبب العلاقات المتوترة بينهما فقط، بل لان لجنة التحقيق الدولية قالت في تقريريها الاول والثاني إن النظام السوري هو المسؤول. يستطيع الرئيس الأسد ان يقول إن اللجنة حدّدت المتهم وبدأت البحث عن الأدلة امام اتحاد المحامين العرب. لكن هذا لن يغيّر من قناعة الغالبية العظمى من اللبنانيين بدور النظام السوري في عمليات الاغتيال.
سماحة السيد
كيف يحمي “حزب الله” منطقه، لبنانيته، سيادة وطنه، سلاحه في وجه اسرائيل؟ كيف يعود الى جمهوره الاوسع في كل الطوائف؟
لن أعود الى ما جاء في اتفاق الطائف من نشر للجيش في الجنوب وفرض سلطته كاملة على الأراضي اللبنانية، ولا الى البيان الوزاري الذي يدعم المقاومة وتحرير الأرض، ولا الى تقرير لارسن الذي يستعجل تنفيذ كل مضمون القرار 1559 .
من السهل ايجاد تناقضات بين خمسة نصوص لسماحتكم، اربعة منها عفوية يدلي بها الشخص نفسه خلال ثلاثة اسابيع. ومن الاسهل اجراء مقارنة تعرّض المضمون الى ضعف بدلاً من قوة نص خطابي اشتهرتَ بها يا سماحة السيد، غير انه من الواضح ان الاجابة على الاسئلة السابقة لا تكون بشكر لسوريا، قيادة وشعباً، في يوم القدس، ولا بشكر ايران على دعمها للحزب في الوقت الذي ترى فيه السعودية المشروع الايراني على ابوابها، ولا بحديث الرئيس الأسد، اول أمس، عن إسرائيلية الداعين الى ترسيم الحدود في مزارع شبعا، ورفض طلب لجنة التحقيق الدولية بالاستماع إليه، باعتبار ان السيادة فوق قرارات مجلس الأمن.
سماحة السيد
لا تستغرب إذا قلت لك ان كل ما سبق هو مقدمة للوصول الى الوعد الذي تستند إليه في حركتك السياسية منذ الانتخابات النيابية حتى الآن.
التقيت السيد حسن نصر الله مرة واحدة. كان ذلك في شهر تشرين الثاني نوفمبر العام 1992. الشيخ رفيق الحريري يعد الأيام الأخيرة في بيروت قبل تكليفه برئاسة الحكومة اللبنانية للمرة الأولى. الصديق مصطفى ناصر يتحرك بين السيد حسن والشيخ رفيق لترتيب موعد سريع لتهنئته بالامانة العامة للحزب. ذهبنا مصطفى وأنا برفقة الشيخ رفيق الى منزل متواضع في حارة حريك بدا وكأنه عنوان معلن إذ لا إجراءات أمنية استثنائية ولا مظاهر تعكس سمعة “حزب الله” العسكرية. لا أذكر أنني قلت شيئاً في تلك الجلسة. إذ ظهرت بوادر القومية العربية على “الشيخ” بسرعة تتجاوز اللقب السعودي الذي كان يحمله حتى ذلك الحين. بدا وكأنه استعاد صورة شبابه المبكر المناضل المقاوم تلميذاً جامعياً يريد توحيد العالم العربي. يُقال والعهدة على الراوي إن التلميذ رفيق الحريري قام بعدة عمليات سرية إلى جانب دراسته أثناء انتسابه لحركة القوميين العرب. لم يأتِ على ذكرها في الجلسة مع السيد حسن، ولا مع أحد في الأربعين سنة الأخيرة من حياته. بدا عليه انه يرى في السيد حسن صورةً حَلِم بأن يكونها في يوم الأيام. لكنه اختار صياغة أخرى لدوره بالقول إنه مستعدّ لدعم مقاومة إسرائيل بكل ما يستطيع شرط أن لا يطلبوا منه القيام بعملية فدائية. ساد الضحك الهامس الجلسة في طريق العودة إلى قريطم قبل تحوّلها إلى مركز للحكم. انهلت بالأسئلة على الشاهد الوحيد المستمر بدوره منذ 15 سنة بين الحزب والحركة السياسية الحريرية المسمّاة الآن بتيار “المستقبل”. كم عمره؟ أين درس؟ كيف انتقل من عِمّة السيّاد الى زند المقاتل؟ وعشرات الأسئلة الأخرى التي جعلت الشاهد مصطفى ناصر يطلب وقتاً للتدقيق قبل الإجابة. هذه عادته حتى اليوم. السبب؟ إما أن دوره يفرض عليه الكتمان أولاً. التدقيق ثانياً. التهرب من الجواب ثالثاً. أو ان طبعه يستند الى هذه القواعد. كان السيد حسن في الثلاثين او أكثر بأشهر من عمره في ذلك الاجتماع. لحيته السوداء تخبئ عمره تحتها. تجعله يظهر أكبر من سنه بسنوات قليلة. لكنك حين تدقق في وجهه وعينيه تكشف العمر الحقيقي للأمين العام لحزب الله، كيف يمكن لشاب في ريعان عمره أن يكون المسؤول السياسي والعسكري الأول عن أكثر التنظيمات جدية في محاربة إسرائيل في تاريخ لبنان والعالم العربي؟ لماذا اختير دون غيره لهذه المهمة التي تحتاج إلى اندفاع الشباب في حركتها والى حكمة الشيوخ في قراراتها السياسية وإلى خبراء تقنيين رفيعي المستوى عميقي الإيمان بدورهم للقيام بالعمليات العسكرية؟ من سمّاه لضبط إيقاع مثلث لبناني سوري إيراني يحتاج الى صانع ساعات سويسري للوصول بعمليات شباب الحزب الى نتائجها المتوخاة عسكرياً أولاً والإمساك بنتائجها السياسية قبل فوات الأوان ثانياً؟ القصة، ببساطة، بدأت في العام 1960 حين ولد السيد حسن في الكرنتينا، الضاحية الشعبية للنازحين الى بيروت آنذاك. تعود أصول عائلته الى البازورية قضاء صور. هو الأكبر بين تسعة أولاد. ظهرت عليه مبكراً اهتمامات وقراءات إسلامية. عاد مع عائلته إلى قريتهم مع بداية الحرب في العام 1975. انتسب الى حركة “أمل” التي ترمز إلى النهضة الشيعية بزعامة الإمام موسى الصدر. أكمل دراسته في مدرسة رسمية في صور. تردّد إلى مسجد المدينة يومياً. لفتت براعته وذكاؤه الشيخ محمد الغراوي أحد رجال الدين البارزين في المدينة. فكتب له رسالة توصية إلى السيد محمد باقر الصدر في النجف لضمّه إلى الحوزة الدينية. حمل الرسالة إلى النجف بعد إنهاء دراسته الثانوية. جلس ابن السادسة عشرة الى الأرض ليستمع إلى استاذه السيد عباس الموسوي القادم من البقاع إلى النجف ليصبح بعد ذلك رفيقه ولصيقه. كلاهما مقتنعان برفض السيد محمد حسين فضل الله للمؤسسة الرسمية الشيعية. في العام 1978 أُجبر السيد الموسوي والسيد نصر الله والمئات ممن اعتبروا متشدّدين من تلامذة النجف على مغادرة العراق. احتوت حركة “أمل” المبعَدين من النجف وسط الضجة حول اختفاء الامام موسى الصدر. أكمل السيد حسن دراسته الدينية في مدرسة أنشأها استاذه السيد عباس الموسوي في بعلبك. جامعاً حوله العديد من الشباب المعجبين باندفاعه وشخصيته. جاء الاجتياح الإسرائيلي للبنان ليوقظ في نفوس هذا الشباب المتدين أن ما شهدوه حتى الآن من أساليب قتال رسمية كانت أم شعبية لم تنفع في وضع حد لإسرائيل. أعلن السيد الموسوي الجهاد. ترك السيد نصر الله مع مجموعته حركة “أمل” وانضمّوا الى الموسوي. أرسلت إيران مئات من الحرس الثوري الإيراني في اول امتداد لها خارج ايران. بدأت الاسماء تظهر في الصحف: منظمة العدالة الثورية. ثم منظمة المستضعفين في العالم. الى ان كان العام 1985 حين أعلن “حزب الله” عن نفسه في رسالة مفتوحة وزّعت على الصحف اللبنانية يعلن فيها الحرب المقدسة ضد إسرائيل والدول الغربية الداعمة لها. بدأ القائد العسكري لحزب الله السيد حسن نصرالله بإخلاء مواقع “أمل” في الضاحية الجنوبية لبيروت. اندلعت الاشتباكات. تدخّل الطرف السوري المراقب في ذلك الحين. توقف القتال. سافر السيد نصر الله الى ايران لمتابعة دراسته الدينية في مدينة قم. عاد بعد سنتين ليحقق انتصاراً لحزبه على “أمل” في منطقة اقليم التفاح في جنوب لبنان حيث أُصيب بجرح بسيط. في العام 1990 أصبح القائد العام المركزي لقوات حزب الله وعضواً في “شورى القرار”. كان واضحاً أن ما من شيء يمكن ان يقف في وجه طموح هذا الشاب وإيمانه بما يفعل. عمل في الجهاز العسكري فأصبح رمزاً للمقاتلين. ساهم في عمل الاجهزة الامنية فبدا وكأنه عميق الخبرة. استلم التعبئة الجماهيرية فكان اسلوبه الخطابي هو الحد الفاصل في اتجاه الجماهير. انتقل الى السياسة اللبنانية فتبين انها يمكن أن تأخذ كل ما سبق الى هاويتها. صبور إلى حد القهر. يقول عارفوه إنه أمضى شهوراً طويلة في وديان الجنوب مع مئات من مقاتليه في العام 1987 منقطعاً عن العالم يأكل ومَن معه حشيش الأرض. لذلك كله حاول رفاقه في قيادة الحزب دفعه مرتين لتسلّم الأمانة العامة للحزب، لكنه رفض إلى ان اغتالت إسرائيل السيد عباس الموسوي أستاذه ورفيقه فانتخب أميناً عاماً للحزب منذ العام 1992 حتى الآن. هذا هو الجانب الأبسط من حياة السيد حسن نصر الله الذي تعتبره الولايات المتحدة الاميركية الركيزة الأخطر للارهاب في منطقة الشرق الأوسط. الجانب الأهم هو ان حركة المقاومة اللبنانية هي الحركة العسكرية الأولى في العالم العربي التي استطاعت تحرير الاراضي اللبنانية المحتلة في الجنوب والبقاع الغربي من الاحتلال الاسرائيلي دون توقيع معاهدة سلام كما حدث مع مصر والاردن. كيف يمكن لحركة تاريخية قامت بهذا الإنجاز ان تتحوّل بقيادتها وعدتها وعديدها ونوابها ووزرائها الى فصيل سياسي لبناني له ما لهم وعليه ما عليهم. لا يشفع لها التحرير. ولا تنقذها من قسوة النقد دماء الشهداء. ولا تبرر لها طلاقة لسان السيد حسن في الحديث وفي الخطابة؟ كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري يقول إنه أمضى من سنوات عمره في السعودية أكثر مما فعل في لبنان، لذلك فهو لا يفهم نكران ذاكرة اللبنانيين للبنيان السياسي أياً يكن حجمه ولا للإعمار التشريعي أياً يكن نصّه، ولا للمال أياً يكن رقمه. كنت أجيبه بعد جهد ان لبنان هو طاحونة سياسية تفتش صباح كل يوم عن عنوان كبير تطحنه. فإذا لم تجد تعود الى الذكريات لتطحنها. وأذكره بالرئيس سليمان فرنجية الماروني من قرية صغيرة في أقاصي شمال لبنان الذي شتم بابا روما وهو رئيس الجمهورية. هذه الطاحونة التي تطحن الأولياء وكلام الأنبياء لن تجد من الصعب عليها اسقاط وجهة نظره في مسألة عامة خطيرة او بنيان سياسي سهر الليالي وطار من دولة الى أخرى لتحقيقه. هل من المفيد تكرار هذا الكلام على النائب محمد رعد الذي يقطع التذاكر المجانية إلى كامب ديفيد، ثم انتقل الى “تلبيس الطرابيش”. او الى الشيخ نعيم قاسم الذي يستعمل السيوف في كلامه أكثر من النصوص، أو النائب علي عمار الذي يصعب عليه في الكلام الانتقال من المدينة الى الريف، او النائب حسن فضل الله الطليق اللسان والبهي الطلعة والحيي الابتسامة ممسكاً برشاش الكلام لا يتركه. لنترك “المؤامرة” الى وقت لاحق ونبقى في الداخل. لماذا تُحمّل كل طائفة نفسها وأهلها ما لا طاقة لبلد بكامله عليه؟ هل هو الاندفاع فقط؟ هل هو الالتزام القصير النظر؟ أم هو من مساوئ الطوائف اللبنانية ولا حول ولا.. سماحة السيد لقد أدليت بستة أحاديث مفصلية منذ الثامن من آذار الماضي وحتى اليوم، فضلاً عن عشرات الاحاديث في مناسبات مختلفة. لكنني، سأسمح لنفسي بمناقشتك في المفصلي منها منعاً للتشويش، وما أكثره في امكانية تفسير أحاديثك. في الثامن من آذار كنت في ساحة رياض الصلح تودّع الجيش السوري الخارج من لبنان بقرار دولي. أعطيت جمهور 14 آذار الدعوة إلى البحث عن الحقيقة في قتلة الرئيس الحريري، كان هذا التاريخ هو الانفصال الحقيقي لا الواقعي او اليومي لحركة حزب الله عن جمهور الغالبية العظمى من اللبنانيين. مرّت الامور بسلام لسببين الاول ان تظاهرة “حزب الله” اعتبرت رداً لجميل سوريا في دعم الحزب كطريق إمداد ودعم سياسي أثناء قدرة السوريين على الدعم السياسي اللبناني. السبب الثاني أن الانتخابات مقبلة والكل يحتاج الكل. فلتذهب لعبة الانتخابات حتى نهايتها وليأتِ الحكم بعدها، لكن الجمهور الآخر لم ينسَ هذا التاريخ. مرّت الانتخابات على تحالفاتها الهجينة، وجاء المجلس المعطل بحكومة معطلة وزراء “حزب الله” و”حركة أمل” يريدون حق “الفيتو” ما دام العدد ليس معهم. خرج الوزراء الشيعة من مجلس الوزراء في المرة الأولى لطلبهم تأجيل الردّ على خطاب الرئيس الأسد، الذي وصف الرئيس السنيورة بأنه عبد مأمور لعبد مأمور. منعوا في المرة الثانية ذكر ان رئيس الحكومة استشارهم في المحكمة الدولية قبل جولة على الأقطاب. استجاب السنيورة. انسحبوا في المرة الثالثة قبل التصويت على المحكمة الدولية وتوسيع التحقيق الدولي في عمليات الاغتيال في اليوم الذي اغتيل فيه جبران تويني. اعرف ما ستقول لي او لغيري ممن يراجعونك في هذه المواضيع. ستقول أولاً لقد رشحنا العميد حسين اللقيس مديراً للأمن العام وقلنا إننا سنكون شركاء في الأمن في حال تعيينه. وإذ بالتسمية تبقى لمدة ستة أسابيع في ادراج المعنيين. الى ان جاء من يقول لكم نقلاً عن سعد الحريري أن الاميركيين والفرنسيين لا يوافقون على تسميتكم لمسؤول أمني، وإن النائب سعد الحريري طلب منك تسهيل هذا الأمر، فتجاوبت. ستقول أيضاً ان خروج الوزراء من جلسة الردّ على الرئيس الأسد لم يكن موافقة على كلامه، لأنه تناول “حزب الله” ايضاً. ولكن النظام الحزبي لا يسمح للوزراء باتخاذ موقف من هذا النوع دون العودة الى القنوات الحزبية المعنية. ستضيف أنه كان من الممكن تأجيل التصويت على المحكمة الدولية، لاستكمال الحوار حول شكلها ومضمونها مع النائب الدكتور بهيج طبارة المنتدب من كتلة المستقبل. ستقول أيضاً إن ما جرى لا يعبر عن شراكة سياسية بدأت في الانتخابات واستكملت في الحكومة، وإنه لولا دعم “حزب الله” لما اكتسبت الاكثرية صفتها في مناطق عاليه بعبدا والبقاع الغربي. ستوضح أكثر ان تحالفات الانتخابات هي القاعدة التي تستند اليها في شراكتك السياسية مع القوى الاخرى. ستقول إن سعد الحريري لم يضمن توقيعه على الورقة التي حملها موفدا “حزب الله” وحركة “امل” الى الرياض والتي كانت ستنهي الأزمة الوزارية. ولو ان اوساط »تيار المستقبل« تقول ان النائب الحريري التزم الى حد تسهيل زيارة الرئيس السنيورة الى دمشق فماذا كانت النتيجة؟ ومتى كانت التحالفات الانتخابية هي قاعدة القرار السياسي؟ إن مراجعة بسيطة لتاريخ لبنان الانتخابي تكشف بوضوح ان التحالفات هي مرحلة عابرة وليست مرحلة مقرّرة. فكيف اذا كان الكلام صادراً عن حركة سياسية مسلّحة وتاريخية مثل “حزب الله”. ما لن تقوله لي أو لغيري إنك لا تثق برئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة وإنك تتهمه بتفاهم مع تيري رود لارسن مبعوث الامين العام للامم المتحدة المسؤول عن متابعة تنفيذ القرار 1559 القاضي في واحد من بنوده بنزع سلاح الميليشيات وبسط سيادة الدولة على كل الأراضي اللبنانية؛ لذلك فإنك تريد أخذ اقصى الاحتياطات اللازمة لنزع سلطة التصويت من على طاولة مجلس الوزراء. ما لن تقوله ايضاً انك عدلت عن سعيك لنزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات؛ الظاهر من اسباب عدولك انك فوجئت بمحاصرة الجيش اللبناني لهذه المواقع في البقاع والناعمة. أما الحقيقة فإنك قررت بالتفاهم مع دمشق اضافة هذا السلاح الى أوراقك التي تريد استعمالها في الوقت المناسب. من السهل القول ان مظاهرة الثامن من آذار لم تأخذ بعين الاعتبار الجرح العميق الذي أُصيب به حليفاك سعد رفيق الحريري ووليد كمال جنبلاط وجمهورهما. هذا دون الحديث عن الجانب المسيحي الذي تذكر المظاهرة التي دعا إليها الحزب في الرابع من نيسان 2001 رداً على الاستقبال الشعبي الذي حظي به البطريرك صفير بعد عودته من رحلة اوروبية واميركية دعا فيها الى خروج الجيش السوري من لبنان. ÷ التعيينات مسألة إدارية بينكم وبين سعد الحريري. إذا لم يكن هناك من حسن ادارة لهذا الموضوع لدى فريق الحريري بغير إيقاف التعيينات فهذا دليل عجز سياسي لا يتحمل مسؤوليته جمهور الطرفين. عدم السماح لرئيس مجلس الوزراء بمناقشة المحكمة الدولية هو سابقة لم تحصل لا في العرف ولا في النص ولا في اللياقة السياسية. الشراكة السياسية القائمة على الانتخابات هذا حالها. الشراكة القائمة على القناعات هي التي تعيش وتدوم. ولكن اي قناعات وسط طوفان النصوص السياسية في البحر اللبناني. خرج وزراء “حزب الله” وحركة “امل” من جلسات مجلس الوزراء لاعتراضهم على التصويت المبكر على المحكمة الدولية. واشتراطهم للعودة بياناً عن مجلس الوزراء يعتبر البند المتعلق بالمقاومة في القرار 1559 فارغاً من المضمون، لان المقاومة ليست بميليشيا. تبادل النصوص لم ينته حتى الآن. والمفاوضات ستلحق بالسيد سعد الحريري الى واشنطن حيث سيقابل الرئيس الاميركي يوم الجمعة المقبل. السلاح الفلسطيني خارج المخيمات دين عليكم وليس ورقة بيدكم من وجهة نظر اللبنانيين بما فيه الجمهور المدني لحزب الله. تكفي وقاحة المسؤولين في الجبهة الشعبية القيادة العامة في مخاطبة اللبنانيين، وكأنهم اصحاب حق نسي اللبنانيون ان يدفعوه لهم. الاخطر في الكلام هنا هو “الاعتقاد” في الرئيس السنيورة. هذه مسألة تأسيسية. تفترض بكم يا سماحة السيد التدقيق فيها وحسمها سلباً فيكون البيان مع سعد الحريري او ايجابا فيستمر الحوار مع السنيورة على قاعدة الثقة لا قاعدة التخوين. ولا حاجة لي بالتذكير بالآية القرآنية الكريمة “وإذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة وتصبحوا على ما فعلتم نادمين”. سأتجاوز مرغماً ثقتي الخاصة بالرئيس السنيورة حتى تعلن الحقيقة. المؤامرة ان يبقى هذا الامر مختبئا لا ان يعلن بهدوء وبتقصٍّ يستطيع الطرفان القيام به. سماحة السيد ذهبت الى وليد بك في المختارة منذ زمن أسأله عن حكاية الفتنة التي تحدّث عنها في مؤتمر الحزب التقدمي الاشتراكي. فروى لي أن مسؤولاً في السفارة الاميركية أتى إليه يسأله في معرض الحديث: ماذا لو كانت السيارة التي اغتالت الرئيس الحريري قد جرى تلغيمها في الضاحية الجنوبية؟ عدت لأكتب مقالتين عنوانهما ماذا لو؟ الفتنة أشدّ من القتل. فإذا بالسفير الأميركي يذهب الى وليد بك برد مبطَّن يقول بتخفيض مستوى زيارته الى واشنطن بسبب علاقته بحزب الله. أجّل جنبلاط زيارته الى شباط فبراير المقبل عاضاً على جرح تخفيض مستوى الزيارة. لا أحد يستطيع الدفاع عن توتر وليد بك. حتى هو نفسه لا يحاول ذلك. ولكن إذا كان حزب الله بإمكاناته العسكرية والسياسية والأمنية قلقا من الجو الدولي المحيط بلبنان، فليس كثيراً على جنبلاط أن يقلق الى درجة المطالبة بإسقاط النظام السوري وهو يعلم تمام العلم أن لا دور له ولا قدرة على المساهمة، ولو المجانية، في هذا المجال. اسمح لنفسي يا سماحة السيد بالقول إن وليد بك لم يغيّر موقفه بل ان سلوكه السياسي تغيّر الى درجة بات معها من الصعب ايجاد مضمون الموقف. هو ليس حليفكم الانتخابي. هو حليف تأسيسي وما بينكم وبينه لا يعرفه إلا القلة. ألست سماحتك القائل إذا كان القلق رجلاً لتجسد بوليد جنبلاط؟ لذلك دعا وليد بك الى ايجاد صيغة تدعم انضمام “حزب الله” الى الجيش اللبناني او غيره من الاجهزة الامنية بعد ترسيم الحدود اللبنانية السورية وتحرير مزارع شبعا اللبنانية. حدد جنبلاط مع سماحتكم عنوان الخلاف بالموقف من النظام السوري، بصرف النظر عن واقعية هذا العنوان او عدم واقعيته، فإن جمهوراً كبيراً جداً من اللبنانيين يوافقه عليه. فماذا ستفعل بالجمهور وليس بوليد بك، يا سماحة السيد؟ صحيح أن وليد بك رفض لقاء العميد رستم غزالة قبل اجتماع رتبته سماحتكم مع الرئيس بشار الأسد. ولكن هل سألتم عن نص الحوار حول التمديد للرئيس لحود بين غزالة وجنبلاط في منزل الاخير في بيروت؟ لو علمتم لما افترضتم أبداً إمكانية اللقاء بين الاثنين. أعرف ان ما أقوله صعب التبرير. هل حان وقت فصل الحقيقة في اغتيال الرئيس الحريري عن العلاقات اللبنانية السورية؟ لقد احتمى بك وليد جنبلاط من المختارة رغم نفيه. ولم تكن الاستجابة على قدر الاستجارة. كذلك أنا أفتي من عندياتي بأن الرئيس الشهيد رفيق الحريري اراد الحماية السياسية من العلاقة الحميمة التي انشأها معكم في السنة الاخيرة من حياته. لكنها لم تشفع له في دمشق. لم يتّهم اللبنانيون سوريا باغتيال الرئيس الحريري بسبب العلاقات المتوترة بينهما فقط، بل لان لجنة التحقيق الدولية قالت في تقريريها الاول والثاني إن النظام السوري هو المسؤول. يستطيع الرئيس الأسد ان يقول إن اللجنة حدّدت المتهم وبدأت البحث عن الأدلة امام اتحاد المحامين العرب. لكن هذا لن يغيّر من قناعة الغالبية العظمى من اللبنانيين بدور النظام السوري في عمليات الاغتيال. سماحة السيد كيف يحمي “حزب الله” منطقه، لبنانيته، سيادة وطنه، سلاحه في وجه اسرائيل؟ كيف يعود الى جمهوره الاوسع في كل الطوائف؟ لن أعود الى ما جاء في اتفاق الطائف من نشر للجيش في الجنوب وفرض سلطته كاملة على الأراضي اللبنانية، ولا الى البيان الوزاري الذي يدعم المقاومة وتحرير الأرض، ولا الى تقرير لارسن الذي يستعجل تنفيذ كل مضمون القرار 1559. من السهل ايجاد تناقضات بين خمسة نصوص لسماحتكم، اربعة منها عفوية يدلي بها الشخص نفسه خلال ثلاثة اسابيع. ومن الاسهل اجراء مقارنة تعرّض المضمون الى ضعف بدلاً من قوة نص خطابي اشتهرتَ بها يا سماحة السيد، غير انه من الواضح ان الاجابة على الاسئلة السابقة لا تكون بشكر لسوريا، قيادة وشعباً، في يوم القدس، ولا بشكر ايران على دعمها للحزب في الوقت الذي ترى فيه السعودية المشروع الايراني على ابوابها، ولا بحديث الرئيس الأسد، اول أمس، عن إسرائيلية الداعين الى ترسيم الحدود في مزارع شبعا، ورفض طلب لجنة التحقيق الدولية بالاستماع إليه، باعتبار ان السيادة فوق قرارات مجلس الأمن. سماحة السيد لا تستغرب إذا قلت لك ان كل ما سبق هو مقدمة للوصول الى الوعد الذي تستند إليه في حركتك السياسية منذ الانتخابات النيابية حتى الآن. نُقل عن سماحتك وعن الصديق مصطفى ناصر ان الرئيس الشهيد رفيق الحريري تعهد لك بأن سلاح حزب الله باقٍ حتى توقيع معاهدة سلام مع اسرائيل. وباعتبار أن لبنان هو الدولة العربية الأخيرة التي ستوقع هذا الاتفاق، فتكون سوريا قد حررت جولانها ووقعت معاهدة سلام بطبيعة الحال. “ولو أُجبرت على غير ذلك، فسأغادر البلاد ولا اكون مسؤولاً عن جزائر ثانية”
أنا اشهد بأن هذا صحيح بسبب رواية اخرى، اذ ان الرئيس الحريري ذهب الى الرئيس حافظ الأسد في العام 98 وابلغه بموقفه هذا. وقد فوجئ الرئيس الأسد بحسم الرئيس الحريري ان لبنان هو آخر الموقعين على اتفاق سلام مع اسرائيل. وفوجئ اكثر حين قال له تبسيطاً للأمر إن لبنان وسوريا واحد ولا فرق بينهما. فكان جواب الحريري هما واحد إلا في اتفاق السلام هما اثنان سوريا أولاً ثم لبنان.
التعهد اللاحق جاء من وريثه السياسي سعد الحريري الذي التزم بما جاء في الاتفاق مع والده حول هذه المسألة المعقدة.
هذه هي الحقيقة التي تبحث عنها مناورة ومداورة ومواجهة.
لن تجدها، لن يوقع لبناني في موقع مسؤول على تعهد من هذا النوع بعد الرئيس الشهيد. لا عن قناعة ولا عن جدارة.
التضامن مع سوريا لن يحلّ المشكلة بل سيزيدها تفاقماً. الاستنجاد بإيران لن يحقق نتيجة لبنانية.
إذاً ما العمل؟
السفير السعودي في بيروت أصابه سحر سماحتكم، رغم كل محاولاتي للتخفيف من أثركم عليه. هو يقول إنك رجل صادق تحفظ كلمتك مثل الكبار من القيادات. تتذكّر دائماً ما قلته وما لم تقله، فتكون الدقة سيدة المجلس.
أنا اخالفه الرأي؛ لانني أرى فيك صورة زعيم إسلامي تحفظ صورته ذاكرة العديد من المسلمين في العالم، وتحفظ عمامته السوداء تتقدم المقاتلين نحو إسرائيل؛ لذلك أنأى بسماحتك من الاختلاط بالصورة اللبنانية وتفاصيلها المذهبية. اذ انك ستبدو، لا سمح الله، وكأنك انتقلت من مقاومة اسرائيل الى مقاومة الدولة. ومن صفحات التاريخ الى زواريب الجغرافيا.
هذا الحديث لا علاقة له بالطوائف او المذاهب. قرأت للزميل الصديق داود الشريان مقالاً في “الحياة” بعنوان “للمرة الاولى سنّة وشيعة في لبنان”، فاتصلت به راوياً حكاية السنيّ والشيعي اللذين اختلفا في بيروت. جيء بهما الى القاضي وكان واضحاً اعتداء الشيعي على السني، فلم يجد الشيعي طريقة لتخليص نفسه إلا القول إن خصمه من الذين شاركوا في قتل سيدنا الحسين. وعاشوراء على الابواب.
أجابه القاضي هذا حدث منذ ألف واربعمئة سنة. سكت المعتدي، وقال لم يخبروني بذلك إلا، بالأمس. ضحك نايف كريم لكن داوود لم يطمئن.
سماحتك رددت عليه باستبعاد الحرب الأهلية، مستعيذاً بالله منها. غير أن اللبنانيين لن يروا في سلاح “حزب الله” الهدف الذي عرفوه لسنوات طوال، إذا كان جزءاً من الصورة السورية الايرانية الفلسطينية التي حققتها زيارة الرئيس احمدي نجاد الى دمشق. الرئيس الايراني يريد مصارعة المجتمع الدولي دفاعاً عن حقوقه النووية. الرئيس السوري يستخف بلبنان، قيادة وشعباً وتحقيقاً واغتيالات. “حزب الله” يريد لسلاحه أن يبقى معه. اللبنانيون يريدون الهدوء والسلام، من أين يأتون به؟
سماحة السيد
للوهلة الاولى سيبدو الاقتراح غريباً عن السائد، لكنها محاولة سلمية وسط العواصف: لماذا لا يطرح موضوع سلاح حزب الله على الاستفتاء بين اللبنانيين؟ يستطيعون القول إنهم ساهموا في فهمه، بقائه، ضرورته.
عندها تصبح إمكانية المواجهة اللبنانية في هذا الموضوع اكثر فعالية وجدية. شرط ان تعود سماحتك الى موقعك الاسلامي حتى لا يصحّ فيك قول المتنبي:
يا أعدل الناس إلا في معاملتي
فيك الخصام وأنت الخصم والحَكَمُ.