ذكرى تفجير مسجدي “التقوى والسلام”: الديار لا تُحمى إلا بالشرعيّة

كلمات 23 أغسطس 2016 0

أولاً أريد أن أبدأ كلمتي بأن أجيب على ما جاء من أسئلة محقة وطبيعية وعادلة في كلمة صاحب السماحة الصديق العزيز الشيخ مالك الشعار. التحقيقات الأمنية والدولة اللبنانية الممثلة بقوى الأمن الداخلي، التي أجرت التحقيق في جريمة تفجير مسجدي التقوى والسلام عبر شعبة المعلومات، قامت بتحقيقاتها كاملة وسمّت كل الناس المسؤولين عن هذه الجريمة، فرداً فرداً، في لبنان وفي سوريا، أسماء لمخططين ومتدخلين وأسماء المفجّرين وأسماء الذين ساعدوا وسهّلوا. وخريطة المسؤولية الأمنية واضحة 100 %، في وقت قياسي، وأحيل الملف بكامله إلى القضاء، وسمّت الحكومة في حينها محققا عدلياً والملف بين يديه. بعضهم أوقف، وبعضهم هرب، لكن الأسماء كلها معروفة والمسؤوليات محددة وما ننتظره أن يقوم المحقّق العدلي بواجباته لإكمال هذا الملف لإظهار الحقيقة القضائية.

وقد وعدت سماحة المفتي أنه خلال يومين سيكون الملف بين يديه وفيه كلّ أسماء الموجودين والهاربين والمخطين والمنفذين.

HUS_3055
هل هي مفارقة فقط أن سورة آل عمران تبدأ بالاحرف الثلاثة: “أ ل م”… وصورة الطفل عمران تبدأ وتنتهي بالأحرف الثلاثة نفسها: “أ ل م”. الم. ألم الطفولة الجريحة في سوريا. ألم البلاد المدماة التي اختصرتها نظرة ذاك الطفل الذي هز العالم.
هل هي مفارقة أن تقول سورة آل عمران: قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ.
وأن تقول صورة عمران للذين كفروا بالانسانية والوطنية والعروبة ستغلبون وتحشرون الى جهنم وبئس المِهَاد.
هل هي مفارقة أن تقول سورة آل عمران “مَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ” وتقول صورة عمران، صورة شجاعته وصبره وعزة نفسه، “مَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ”. هذه الثورة اليتيمة. الثورة التي منذ اليوم الأول عرفت الحكاية وقالت “مالنا غيرك يا الله.”
هل هي مفارقة أن تقول سورة آل عمران “لاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا” ويقول عمران من دون أن ينطق لا تهنوا ولا تحزنوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ.
سمعناك يا عمران، يا من أبكيتنا من دون أن تبكي وأوجعتنا من دون أن نرى وجعك. سمعناك ولن نَهِن ولن نحزن لأننا مؤمنين أن وجهك الطري أقوى من طائراتهم وثباتك أصلب من براميلهم.
سمعناك يا عمران، ومن غيرنا يسمع. من غير هذه المدينة الصابرة القادرة القوية بإيمانها.
طرابلس لبنان في كل شيء. وطرابلس الشام في الوجع. طرابلس الشام في النزيف الواحد.
طرابلس الشام في وحدة الاستهداف لأهلها وأمنها واستقرارها ومستقبلها.
كم طفلاً كعمران قتلهم القاتل نفسه منذ التآمر على المدينة ولبنان يوم احتُلّت عام ١٩٧٦ وصولاً الى تفجير مسجدي التقوى والسلام قبل ثلاثة أعوام؟ والمدينة هي المدينة قالتها بالأمس مع ضحاياها وتقولها اليوم مع الطفل عمران لن نَهِن ولن نحزن، فنحن تيار الحياة وصناعة الحياة وتيار الأمل وصناعة الأمل، وتيار المستقبل وصناعة المستقبل، الذي نريده مشرقاً آمناً عزيزاً في لبنان كما في سوريا.
بقيت طرابلس وأهلها على موقفهم من العروبة ومن الديمقراطية ومن الحرية ومن السلام.
واستقبلت المدينة الجيش اللبناني وقوى الأمن على راحات الورد الوطني.
ولأنها طرابلس، لأنها المدينة التي لا تعرف إلا كلمة الحق، القاطعة كنصل سيف مملوكي، لأنها طرابلس التي لا تعرف إلا الحقيقة الصافية كلون البحر لن يكون الكلام في طرابلس إلاّ كلمة حق وحقيقة.

3

قبل أيام في مناسبة تكريم سماحة مفتي الإعتدال الوطني، مفتي الجمهورية اللبنانية الدكتور عبد اللطيف دريان قلت إننا كفريق سياسي، وكبلد بتنا على مفترق طرق دقيق وحساس، وأننا نبحث بقيادة الرئيس سعد الحريري في تحديد الخيارات الاستراتيجية للمرحلة المقبلة. قرأتم وسمعتم الكثير من الكلام. ونسب لنا في كتلة المستقبل مواقف وقراءات بني عليها كلام سياسي وإعلامي لا حصر له.
ليكن معلوماً للقريب قبل البعيد، نحن في المستقبل لسنا فريقاً يتلهى بلعبة المرشحين. فنحن لا نبحث عن مرشح بل نبحث عن رئيس للجمهورية نعيد عبره ومعه النصاب الى نظامنا السياسي.
نحن لا نبحث عن مرشح بل نبحث عن رئيس للجمهورية نصون به ومعه سلامة الدولة وهيكلها.
نحن فريق سياسي مسؤول يعتبر أن الاستمرار في لعبة الفراغ الرئاسي جريمة بحق لبنان ونظامه وسلامة حياته الوطنية والسياسية، ولن نترك جهداً الا وسنستثمره لإنهاء شذوذ الفراغ.
من يريد أن يبحث في الرئاسة يعرف العنوان الجاد للبحث في هذا الملف، وفق قواعد الدستور والشراكة.
نحن في ما يعنينا لن نكف عن البحث عن شركاء لنا في ورشة إنقاذ النظام السياسي، ومن بوابة إنتخاب رئيس للجمهورية، لكن كيف يكون حريصاً على البلد، من يتبجح بالاعلام بتقارير عن وجود خمسين ألف عنصر ضمن سرايا الفتنة وسرايا الاحتلال.
كيف يكون هناك بلد أصلاً في ظل هذا الانتشار المنظم لسلاح الفتنة والحرب الاهلية؟
ليس خافياً على أحد أننا في جلسات الحوار الطويلة والكثيرة مع حزب الله لم نتقدّم خطوة واحدة على طريق معالجة هذا الملف. لا بل إن ما نقرأه ونتابعه يشير الى أن الاستثمار في هذا الملف يكبر ولا يصغر.
لذلك أقول من طرابلس: أنا جزء من حوار أرى فيه فضيلة هي أننا من خلال الكلام وصورة اللقاء قد، وضعوا عدة خطوط تحت كلمة قد، قد ننجح في منع تمدد الفتنة السنية الشيعية الى لبنان.


في المرة الماضية التي تطرقنا فيها للحوار غضب قائد كبير وضرب بيده على الطاولة. ولهذا أقول، إن الحوار الذي لا ينتج يتحول مادة تعبئة مضادة وأداة استنزاف ومصدر احباط أكيد يجعل من الاعتدال أقل قدرة ويزيد من قوّة التطرّف.
نعم نحن مع الحوار ونعم نحن مع التسوية شرط ألا يكون الحوار مجرّد وقت مستقطع بين اشتباكين او أن تكون التسوية اسماً آخر للاستسلام وهذا لا يحقق للبلد إلا المزيد من القدرة للتطرّف والمزيد من التراجع للاعتدال.
الحوار الحقيقي هو الحوار الذي ننتقل به من مرحلة الى أخرى للتفاهم على ما كنّا مختلفين عليه أو لتنظيم الخلاف على ما لا يُتَّفَق عليه… أما أن يصير مناسبة للتأكيد على ما نختلف عليه فهذا ما لم يمكن لأحد أن يعتبره مفيداً.
نحن لسنا قوة إقليمية ولا طامحين لأن نكون قوة عالمية. وليسمع من في أذنه صمم.
نحن لا ننتظر الخارج ولا الخارج يفتقدنا. وهناك مئات الأدلة الصارخة على ذلك.
خيارنا، كما طرابلس، هو الدولة ولا خيار لنا غيرها.
نتمسّك بها مهما افتقدناها. نتعلّم منها مهما خفّت أثقال علمها.
نزهو بها ولو بهتت ألوانها.
هي الدولة التي كشفت كل ما حدث في طرابلس ومناطق أخرى من لبنان خلال وقت قياسي…
صحيحٌ أنّ غالبية المجرمين والمخطّطين هربوا إلى سوريا ليحتموا بالقاتل، لكن مهما غابوا فإنّ القضاء، ولو تأخر، سيكون لهم بالمرصاد. والقدر أيضاً. كغيرهم من الذين اغتالوا الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ثم سقطوا واحداً تلوَ الآخر، ظنّا من القاتل أنّه يخفي جريمته، فإذا بالتهمة عليه تثبت أكثر وأكثر.
سمعت كلاماً كثيرا في طرابلس وغيرها عن تنظيم جديد ظهر إلى النور وتنشر صور تدريباته، اسمه “حماة الديار”. أنا أقول لا تُحمى الديار بمزيد من الميليشيات، ولا بمزيد من القوى المسلّحة غير الشرعية، بل بالتفاهم والحوار والتنازلات المتبادلة، بل بالمزيد من السعي لتثبيت أركان نظامنا السياسي بملء فراغاته. ونحن في صدد تحضير ملف أمني وقانوني لنتقدم في مجلس الوزراء بطلب لإلغاء الترخيص المعطى لها.
هكذا تحمى الديار، وهكذا يحمى البلد. ومن لا يعرف ذلك فليأت إلى طرابلس ويتعلم الصبر والاعتدال ومنطق الدولة والقدرة والقوة والصلابة في الوقت نفسه.
شكرا صاحب السماحة وشكرا للسادة النواب ولكم جميعا.