ديموقراطية”طواحين الهواء”

مقالات 06 أغسطس 2008 0

 
جرت بالأمس انتخابات لبنانية نيابية فرعية في كل من بيروت والمتن الشمالي، لملء مقعدين شاغرين باغتيال كلّ من وليد عيدو من بيروت وبيار أمين الجميّل من المتن الشمالي.
بدا المنظر فولكلوريا بالأمس في الدائرتين الانتخابيتين، إلى حد الانفصام السياسي.
أول المؤشرات الضائعة في انتخابات الأمس، هي شهادة الاغتيال السياسي لصاحبي المقعدين الشاغرين. ليس عند المتنافسين فقط بل عند مؤيدي الخط السياسي لكل من الشهيدين الجميّل وعيدو.
في العاصمة تصرّف الناخبون على قاعدة أنهم يذهبون إلى صناديق الاقتراع من أجل الإدلاء بصوتهم لصالح الراحل رفيق الحريري وفي أحسن الأقوال لصالح نجله ووريثه سعد الحريري. فلا أحد من الناخبين يذكر المرشح محمد الأمين عيتاني ولا الراحل حديثا وليد عيدو، الانطباع هنا له معنى مجازي طبعا. وحين يذكر أحدهم لمن انتخب يقول إنه صوّت لصالح بيروت ولمن يحبّها باعتبار أن آل الحريري أصحاب حق حصري بمحبة العاصمة اللبنانية وليس لغيرهم هذا الفضل أو هذه العاطفة.

تصرّف تيار المستقبل الذي يتزعمّه سعد الحريري حتى بعد ظهر أمس على قاعدة أن هناك مؤامرة يخبّئها “حزب الله” وأن ناخبي الحزب المسجلّين على لوائح شطب الدائرة الثانية من بيروت سوف ينزلون بالآلاف إلى صناديق الاقتراع على الرغم من إعلان الحزب مباشرة ومداورة أنه غير معني بالانتخابات لأن مشاركته الفعّالة فيها ستسبّب بفتنة شيعية – سنية لا يريدها الحزب من أجل الحصول على مقعد إضافي في المجلس النيابي، هذا إذا كان في استطاعتهم إيصال مرشّح مفترض لهم.
بالطبع لم يشارك ناخبو الحزب و حركة أمل الشيعية في انتخابات العاصمة، لكن إغلاق الصناديق وحده لم يكف لإقناع قيادة تيار المستقبل بأنه ليس هناك من مؤامرة ولا ما يحزنون. بل لا بد من ظهور النتائج لفتح أبواب الاطمئنان في عقول تيار المستقبل خاصة وأن كل استطلاعات الرأي تقول إن مرشح التيار سينال 90% من الأصوات المقترعة في العاصمة وهي قليلة في كل الأحوال.

أما في الجبل حيث المتن الشمالي الأعلى تعليما والأغنى اقتصاديا بين المناطق اللبنانية كافة، فللديموقراطية قراءات مشتبكة وليست مشتركة بين المرشحين والناخبين على حد سواء.
يفاخر العماد ميشال عون بأنه يخوض الانتخابات بمرشح ينسى ذكر اسمه في معظم كلماته الانتخابية. يفاخر بأنه يخوض الانتخابات على قاعدة الدفاع عن صلاحيات رئيس الجمهورية الذي لم يوقّع مرسوم الدعوة للانتخابات باعتبار أن الحكومة اللبنانية غير شرعية من وجهة نظره. ويخوضها أيضا منعا لتهميش المسيحيين باعتبار أن انتخاب أمين الجميّل نجل الصليب الأكبر في التاريخ المسيحي الشيخ بيار الجميّل وشقيق الصخرة المسيحية الرئيس الراحل بشير الجميّل. ووالد الشاب الواعد بصلابته واعتداله والراحل بسببهما أيضا بيار الجميل الحفيد.

كل هذه “السلالة الصليبية” تريد تهميش المسيحيين! والعماد عون يرفض ذلك. كيف يخوض انتخابات لم يوقّع مرسوم الدعوة إليها رئيس الجمهورية ويعلن أنه يريد الحفاظ على صلاحيات الرئيس المعتدى عليها من قبل الحكومة؟ 
الجواب هو في نشر الصراع من جبل لبنان على الخريطة الدولية. العماد عون يعتبر أن انتخابات المتن ستقرّر زعامة المسيحيين وبالتالي فإن انتخابات رئاسة الجمهورية لن تستقر إلا حيث يريد. وهو يريدها لنفسه لا غير فلم الاستغراب؟
لا يترك عون مناسبة سياسية إلا ويؤكّد فيها تحالفه مع حزب”الله” وكأنه الناخب الأول في جبل لبنان المسيحي ويصنّف الناخبون له باعتباره على حق في كل ما يقول، حتى لو كان ما قاله مخالفا لكل منطق انتخابي. 

ثم يأتي دور سوريا التي ينتمي المرشح أمين الجميل إلى جيل المسؤولين عن دخول جيشها إلى لبنان بحسب الاتهامات الموجّهة له، فيردّ باتهام العماد عون بعقد صفقة سياسية مع القيادة السورية تأمينا لعودته إلى لبنان بعد 16 عاما في المنفى الباريسي. فيصبح انتصار المرشح الجميل انتصارا للتحالف العربي – الدولي على الممانعة السورية-الإيرانية وحلفائها.
بالطبع كل هذه المفاهيم أوهام يجري تسويقها تشجيعا للناخبين باعتبار أن دورهم يتجاوز صندوق الاقتراع ليصل إلى مجلس الأمن الدولي. فلا وصول مرشح العماد عون إلى الندوة النيابية، سيحجز له مقعد رئاسة الجمهورية ولا انتصار الجميّل سيعطي الأكثرية أكثر مما لديها من أوهام الحكم. هذا إذا راجع كل منهما حسابات الأرباح والخسائر عند منتصف ليل أمس ولم يستمر في نشر خصوماته وصداقاته على خريطة العالم.
هناك أمران أكيدان تحققا بالأمس في لبنان، الأول أن المنتخبين كانوا فوق خصومات زعاماتهم السياسية. ذهبوا إلى صناديق الاقتراع بهدوء وخرجوا منها بأمان الأكيد من انتصار مرشّحه.
الأمر الثاني أن زعامات الانتخابات اختارت الطواحين وسيلة لحديثها السياسي فكان لها ما أرادت. استمرت الطواحين في الدوران، إنما في الهواء.