خمس سنوات “بلا مبالغة”

مقالات 03 مارس 2008 0

تعرّفت الى مجموعة قنوات MBC في شهر رمضان الماضي. قررت ان أسترخي على عادة العرب في الشهر الفضيل وأمارس متعة متابعة المسلسلات على اختلاف لهجاتها. وجدت انني أمام شاشات عربية جديدة تستطيع ان تسلبك كل وقتك دون ان تنظر الى الساعة التي تركت لعقاربها أن تحدّد لك مسار أيامك وليس العكس.
أعترف بأنني وجدت في الاستسلام لمواعيد المسلسلات متعة. ليس لأنها جديدة ولكل جديد لذّته، بل لأنني وجدت امامي عوالم، لكل عالم منها شخصياته وقدراته وخصوصياته وخفة دم أبطاله أحيانا.
للمسلسل الدمشقي نكهة العائلة والدكان والحي والقبضاي، يذكّرك بما غاب عن عينيك من تقاليد حفظت الوطنية في بيوت عاصمة الأمويين، البسيطة منها قبل المليئة بالثروة. بحرة جميلة حولها الياسمينة وشجيرات طبيعية مزروعة هناك منذ عشرات السنوات دون تجميل ولا أشكال حديثة. تجعلك مياه البحرة تشعر ببرودة الارض التي حولها، والياسمينة تدخل برائحتها الى أنفك.
المسلسل المصري الذي يأخذك الى القاهرة أم الدنيا بما فيها من روايات، بعضها قديم منذ ان كانت المدينة، وبعضها الآخر مستورد من الريف، ليقيم في العاصمة حاملاً معه عاداته التي تربّى عليها ليرويها كل يوم. لكل شخصية من الرواية القدرة على ان تكون أول الأحداث وأهمها مهما كان دورها قصيراً. توقظ فيك الروايات وأبطالها ما اختزنته من ثقافة سمعية وبصرية وكتبٍ عشت على صفحاتها سنوات طوال.
المسلسل الكويتي ينقلك الى عالم الثروة التي سمعت عنها. ترى الصراع على المال في أشرس صوره. تدور أمام عينيك السيدات الكويتيات يتبارزن في إظهار ما لهن من غوى. يقع الرجل في حبائل كلماتهن اللطيفة وهو حر، فيعاقبنه بعد ذلك بما لديهن من قدرة على قسوة الكلمات حين يصبح الرجل نفسه زوجاً.
للخليج وصحرائه مسلسل ايضاً، فتعود الحياة عشرات السنوات الى الوراء، لتفتح أمامك سطور من الحياة في الصحراء قبل النفط. بساطة في المشاعر، صدق في التعامل، يسند من عاش هناك ظهره الى القبيلة فتأخذ منه شجاعته وتعطيه اطمئنانها.
كل هذا وأكثر على قناة واحدة. يمر بين المسلسل والآخر برنامج اقل ما يقال في حداثته وحرارة مواضيعه انه لا يتركك تذهب لمشاهدة قناة أخرى. وإذا فعلت تجد نفسك محاطاً بقنوات شقيقة.
واحدة للأفلام العنيفة والثانية لعيون الإنتاج السينمائي والثالثة للسيدات وحاجاتهن، وما أكثرها. وللأولاد ايضاً قناة تهتم بإغناء معرفتهم وتضيف الى فرحهم صوراً جديدة.
تريد في ليلة رمضانية ان تعرف ما استجدّ من انباء وأنت تعيش في لبنان بلد المفاجآت. فتذهب الى العربية التي تخبرك بما يحدث بموضوعية ليست من التراث العربي. فمديرها عبد الرحمن الراشد يستعمل سكّينه في الكتابة اليومية في الشرق الاوسط ويترك لهدوئه وللمنخفض من صوته ان يدير القناة الإخبارية. فيجد ان للشباب حكمة في طرحهم للمواضيع على الشاشة ويحاول الحد من اندفاعة الصبايا.
ليست هذه التجربة السعودية الأولى في الإعلام، لكنها فعلت ما لم يفعله من سبقها من انفتاح وتعرّض للداخل السعودي المصاب بما أصاب غيره من المجتمعات العربية، رغم ثراء الدولة فيه، أو بسبب الثراء نفسه.
فعل عبد الرحمن ذلك بالتدرّج، أراد ان يعوّد القيادة السعودية على ما لم تتعوّد عليه. وأن يعطي المشاهد العربي ما يحق له ان يراه على شاشة سعودية إخبارية.
لا زلت على عاداتي الرمضانية في متابعة هذه الشاشات المغلّفة في كل وقفاتها بحداثة في الشكل والنص. لكن هذا ليس سبب الكتابة.
قرأت الأسبوع الماضي ان رئيس مجلس إدارة MBC وليد الابراهيم نال جائزة رجل الإعلام لعام 2007 في حفل دولي أقيم في منتجع فقرا اللبناني. تذّكرت انني التقيته مرات قليلة منذ سنوات. شاب سعودي منفتح على الحياة. حديث الشكل والتصرّف. لا يعمل على تقدّم الصفوف رغم تقدّم قنواته. لا يبالغ فيما يقول ولا يظهر عليه انه يهتم بأن يطغى حضوره على عمله. شكله يصغر عمره بعشر سنوات على الأقل ودائماً. اذ ان صورته وهو يتسلّم الجائزة لا تختلف كثيراً عن محياه قبل اكثر من عشر سنوات عندما قابلته في منزل الرئيس الشهيد رفيق الحريري حاملاً إليه ساعة يد في قلبها العلم اللبناني الى الرئيس الشهيد. كان وليد الإبراهيم يريد نقل المقر الرئيسي للمحطة آنذاك من لندن الى بيروت بدلاً من دبي. لكن الأفضال الأمنية السورية اللبنانية حالت دون ذلك. فصارت دبي هي المقر وزادت القنوات من واحدة الى ستة.
الأحدث فيما علمته عن شخصية رئيس مجلس ادارة MBC ليس انه ما زال شاباً، بل ما قاله لي عليجابر مؤسّس تلفزيون المستقبل. يقول جابر إنه استطاع ان يمضي ساعات وساعات من النقاش مع وليد الابراهيم حول آخر ما وصلت اليه هذه الصناعة من تطوّر وعصرنة الى حد اندماج إلزامي ولو بعد وقت مع شاشة الانترنت المتنقلة معك اينما حللت وشاشة الهاتف الخلوي رفيقك في كل مكان.
استطاع الشاب السعودي ان يضع نفسه على طريق ثقافة علمية في صناعة حديثة قلّ الخبراء العرب فيها. مع العلم ان لديه كل ما يلهيه عن ذلك من قدرة و رغبة حسب قول النجم المختفي عن أصدقائه إيلي ناكوزي.
لم أتعوّد ان أقدّر جوائز التكريم غير العلميّة للعرب أياً يكن موقعهم. لكنني لو اضفت ما سمعته الى ما أراه كل يوم على شاشات المجموعة، لوجدت ان وليد الابراهيم استمرّ في تبنّي شعار بلا مبالغة ، وجعله عنواناً للسنة الخامسة من عمر محطة العربية الإخبارية فاستحقّ التكريم والجائزة أيضاً.
نهاد..