خمسة مشاهد على المسرح الفلسطيني..

مقالات 02 يوليو 2007 0

المشهد الأول: الرئيسان المصري والفلسطيني والعاهل الأردني ورئيس الحكومة الاسرائيلية في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر. قاعة فندق فارغة، يظهر الموكيت على أرضها انها ليست من القاعات الرئاسية. اربع كراسٍ موضوعة في منتصف القاعة، وكأنها على قارعة الطريق. على الأرجح تم اختيارها في اللحظة الأخيرة لأسباب أمنية. ما هذا الاجتماع الذي يجمع رئيس الدولة العربية الأكبر، وحامل أختام القضية الفلسطينية والملك الشاب للأردن ورئيس الحكومة الإسرائيلية المستعيد أنفاسه السياسية بعد حربه الفاشلة على لبنان في الصيف الماضي؟
الإجابة بسيطة: يعقد الاجتماع للبحث في الانقلاب الذي قامت به حركة حماس في غزة وآثاره على منطقة الشرق الاوسط.
الكلام الذي صدر بعد القمة تقليدي. الرئيس مبارك يؤكد لرئيس الوزراء الاسرائيلي وللرئيس الفلسطيني أنه لا يوافق على تجويع الشعب الفلسطيني أو تحويل غزة الى سجن كبير. قال الناطق باسم الرئاسة المصرية، وأضاف: أن مصر لا تنحاز لفصيل فلسطيني دون آخر.
تكرّم اولمرت على المجتمعين بالموافقة على الإفراج عن المستحقات الفلسطينية من الضرائب البالغة ستمئة مليون دولار، والإفراج عن 250 اسيراً، ليس بينهم الناشط الفتحاوي مروان البرغوتي.
إن مراجعة لما ورد من تصريحات عربية ووعود اسرائيلية تعيد إلى الذاكرة الاجتماع الذي عقده رؤساء مخابرات الرباعي العربي، مصر والأردن والامارات العربية والسعودية، برئاسة وزيرة الخارجية الاميركية في عمّان بمشاركة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية بعد الحرب الاسرائيلية على لبنان في شهر تموز الماضي. ثم استكمل الرئيس عبّاس اجتماعاته برئيس الوزراء الاسرائيلي في العقبة وقيل إن مسؤولاً سعودياً عقد اجتماعاً مماثلاً على حدة في العقبة أيضاً. لكن الرياض نفت ذلك.
النتيجة التي ظهرت لذلك الاجتماع أو التي تسربّت من بعض حضوره أن اولمرت وعد بالإفراج عن مئات الأسرى ومنهم مروان البرغوثي، الشخصية الشعبية الفتحاوية. فضلاً عن التحويلات المالية لمستحقات كان الرئيس عبّاس بأمسّ الحاجة اليها. وقيل، والعهدة على الراوي إن أولمرت وعد أيضاً بتفهّم مبادرة السلام في حال صدورها وإعلان هذا التفاهم .
لم ينفذ أولمرت أياً من وعوده حين كان في أزمته السياسية الكبرى بعد حرب تمّوز، فلماذا يفعل الآن وقد أعاد تنظيم خريطته السياسية؟ ألا يسري عليه القول بأنه لا يستطيع أن يعطي وهو ضعيف ولا يقبل أن يعطي وهو قادر؟
لو عدنا بالذاكرة إلى العام 1993 حين تم توقيع اتفاق اوسلو، الذي فاوض على أسطر بنوده الرئيس عبّاس، لوجدنا أن الوعود الاسرائيلية أطاحت بالزعيم ياسر عرفات في المستشفى العسكري في باريس دون أن يستطيع الوصول الى مباحثات الحل النهائي للدولة الفلسطينية. فلماذا سيصل عباس إلى ما لم يستطع الوصول إليه عرفات بعد انتفاضتين؟
الرئيس عبّاس الذي رفض الحياة في بيروت مع رفاقه من القيادة الفلسطينية قبل خروج منظمة التحرير من لبنان في العام ,1982 وفضّل الحياة في دمشق حيث الهدوء يناسب رغبته في تأليف الكتب… الرئيس عباس يتصرف على أنها فرصته الأخيرة لإثبات استحقاقه للقيادة الفلسطينية. لذلك أصدر عدداً من القرارات القاسية بحق القيادات الأمنية المقصّرة في مواجهة انقلاب حماس عليهم في مقارهم العسكرية. غير ان هذا لن يغطّي الفراغ الذي أظهرته عملية حماس الأمنية في غزة. وإذا ما تعاملت الحكومة الاسرائيلية مع وعود رئيسها كما فعلت سابقاً، وهي ستفعل، واكتفت الدول العربية بوساطة بين طرفين لا يستطيعان الاتفاق، وهي ستتوسط، بينما تدرس الادارة الاميركية والحكومات الاوروبية ما سبق أن درسته سابقاً من أفكار ومبادرات، وهي ستدرس، فإن كل هذا سيؤدي ليس الى صمود الدولتين بل الى تمدّد ولو تدريجي ل حماستان كما سمّى غزة دنيس روس المسؤول السابق في الخارجية، الى الضفة الغربية وليس العكس.
وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط اكتشف في الأسبوع الماضي أن التحركّات الايرانية شجعّت حماس على ما فعلته في غزة وهذا يمثّل تهديداً للأمن القومي المصري، لأن غزة على مرمى حجر من مصر.
أما الانتشار الايراني في العراق على حد قول ابو الغيط فهو يهدد الأمن القومي العربي مما يلزم القاهرة وضع قيود على العلاقات مع طهران. ابو الغيط ليس وحده من هذا الرأي. فالدكتور مصطفى اللبّاد الخبير في الشؤون الايرانية ومؤلف كتاب حدائق الأحزان عن إيران ولاية الفقيه، يقول إن ايران مددت حضورها الإقليمي من غرب ايران مروراً بالعراق وسوريا ولبنان وحتى غزة وهو أقوى حضور إقليمي لإيران في العصر الحديث. بينما المشروع الأميركي الذي ينظّم صفوفه يعاني من صعوبات متفاقمة داخل كل ساحة .
لم يقل أحد في شرم الشيخ إن أطرافاً في العرب والادارة الاميركية والحكومة الإسرائيلية اعتبرت اتفاق مكة بين الفلسطينيين إبرازاً لصورة حماس ، وان هذه الأطراف استبدلت الحضور السعودي الذي كان سيجعل من اجتماع شرم الشيخ عربي الهوية يبحث في إحياء اتفاق مكة، بحضور إسرائيلي يناقش خلافاً بين الفلسطينيين.
***
المشهد الثاني: خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس على التلفزيون، أول من أمس، للمرة الثانية منذ انقلاب غزة. استغرب مشعل بكل براءة صفة الانقلاب التي أعطيت للحركة العسكرية، وأكّد أن فتح ليست مقصودة ولا رجالاتها، وإن حركته حاضرة للحوار فوراً، باعتبار ان ما جرى هو صدام مع قوة أمنية محددة، لكن الامور أفلتت في كل القطاع، وانهم لا يريدون فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية ولا يريدون انقساماً حكومياً.
أما عباس هنية فقد جرى تصويره، بالأمس، في منزل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات وهو يتحدّث مع زوجته سهى في باريس ليبلغها بأن المنزل سليم من كل أذى وأن غرفة زهوة ، ابنتها من عرفات جاهزة لاستقبالها. كذلك الدكتور أحمد يوسف المستشار السياسي لهنية والذي كتب مقالاً في نيويورك تايمز عن شرعية حماس ، قال بعد قمة شرم الشيخ إن حركته لا تعوّل على مثل هذه الاجتماعات . موضحاً أنهم وافقوا على طلب الوزير المصري عمر سليمان بالعودة إلى طاولة المفاوضات على قاعدة لا غالب ولا مغلوب دون شروط مسبقة.
لم يشرح مشعل مع من كان الاشتباك في غزة إذا لم يكن مع فتح ورجالها، وهل من المنطقي أن يكون كل ما حدث بسبب العميل محمد دحلان، على حد وصف حماس له. وما قصة مئات الفتحاويين الواقفين على معبر بيريتز منذ أسابيع هاربين من معاملة حماس الوطنية لهم.
بالطبع حديث هنية الهاتفي مع سهى عرفات على التلفزيون يلغي ما سبق ورأيناه من جزمات المقنّعين على صورة الزعيم عرفات الذي كتب لمدة 40 سنة التاريخ الفلسطيني وجعل ل حماس مكاناً تنقلب فيه. أما صورة منزل أمير الشهداء أبو جهاد ومكتب الرئيس عبّاس وكرسيه وهاتفه المفتوح على رايس ، كل هذا من الكوابيس التي لا يجوز الإصرار على رؤيتها.
أما المستشار السياسي لهنيّة فتولّى إعلان رفض حماس لمشروع وساطة داخلي من بنود ثلاثة أهمها إجراء انتخابات تشريعية مبكّرة في الضفة والقطاع تؤلّف حكومة جديدة تشرف على انتخابات رئاسية. باعتبار أن الانتخابات تضرّ بالقضية ، على حد تعبيره.
***
المشهد الثالث: أعلنت وزيرة الخارجية الاميركية انها ستقوم بزيارة الى المنطقة هذا الشهر بعد ان عطّل الخلاف في الاجتهاد بينها وبين نائب الرئيس تشيني حول السياسة الأميركية تجاه ايران، خطاب الرئيس بوش السنوي عن حال الاتحاد الاميركي والذي ألحّت رايس ان يتضمّن تصوّراً للمفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية ملزماً للادارة الاميركية خلال مدة زمنية محددة. فإذا بأولمرت يرفض خلال زيارته واشنطن في الاسبوع الماضي الشروع في مفاوضات الحل الدائم مع عباس بدعوى أن الأخير غير قادر على إقناع شعبه باي اتفاق يتم التوصل إليه.
أما الأهم فهو أن ثلاثة من كبار المفكرّين السياسيين اليهود الاميركيين كتبوا عن انقلاب غزة، وهم روبرت ساتلوف مدير مؤسسة واشنطن لدراسات الشرق الأدنى الاستراتيجية، ومارتن انديك السفير الاميركي السابق في اسرائيل في ادارة كلينتون ومدير مركز سابان للسياسة الشرق اوسطية، ودنيس روس نائب مساعد وزير الخارجية السابق ومؤلف كتاب السلام المفقود عن مفاوضات الشرق الاوسط في عهد الرئيسين السوري حافظ الأسد والفلسطيني ياسر عرفات.
أنديك وصف الرئيس عبّاس بالرئيس الضعيف الذي يسترضي من يتحدّونه بدلاً من مواجهتهم. وقال إن الامور ذاهبة في اتجاه دولتين فلسطينيتين، واحدة في غزة يتولى الجيش الاسرائيلي فرض وقف النار عليها، وثانية في الضفة الغربية تستطيع بعد فرض الرئيس عباس سيطرته عليها، توقيع اتفاق سلام مع اسرائيل ينص على انشاء دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة في الضفة الغربية وتضم الضواحي العربية في القدس الشرقية.
روس دعا إلى تحويل فتح الى نموذج للنجاح في الشرق الاوسط. وذلك بإعادة تنظيم الحركة وتنظيفها بحيث تذهب عنها صورة الفساد لتتحوّل الى جهة متجاوبة مع الحاجات الاجتماعية والاقتصادية لسكان الضفة الغربية. ودعا السعودية والدول الاوروبية الى زيادة نشاطها ومساعداتها لحكومة سلام فيّاض . ثم أكّد أن على الادارة الاميركية أن تمنع في نهاية ولايتها، حماس من التحكّم بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
ساتلوف وهو الأكثر فعالية بينهم، طالب بكونفدرالية فلسطينية أردنية، واصفاً عباس بأنه الرئيس المتخصص بالخسارة أمام حماس في صناديق الاقتراع وفي ساحة القتال، مستغرباً الحكمة من الرهان الوطني الأميركي والمجتمع الدولي على الرئيس عبّاس مرة ثانية.
أجمع الثلاثة على اعتبار الضفة الغربية مكاناً للاستثمار السياسي، وعلى أن الرئيس عباس ليس الرجل المناسب للمواجهة، وعلى أن المستقبل للدولتين، إنما الفلسطينيتان.
ساتلوف انفرد بالدعوة إلى كونفدرالية فلسطينية أردنية.
مصادر في الديوان الملكي الأردني استبعدت بشكل قاطع العودة الى مشروع الكونفدرالية. بل أكّدت على ما دعا الملك عبدالله الثاني إلى الإصرار على عدم جواز انفصال الضفة الغربية عن قطاع غزة.
***
المشهد الرابع: الرئيس الإيراني أحمدي نجاد يصف حكومة الطوارئ الفلسطينية بأنها عميلة ومرتهنة محذراً دول المنطقة الخائنة وبعض التيارات من السعي إلى كسب رضا الاستكبار والمصالحة مع إسرائيل.
هذه هي المرة الاولى التي يصدر فيها كلام من هذا النوع المخالف لكل الأعراف عن مسؤول إيراني على هذا المستوى. مع العلم أن المرجع آية الله خامنئي سبق أن دعا الى محاربة أميركا في لبنان.
أما في دمشق، حيث لبنان هو الأول في جدول الأعمال الأمني والسياسي، فإن الموقف العلني لا يتجاوز دعم خيار حماس دون التعرّض لأنظمة عربية.
الرئيس حسني مبارك قال رداً على سؤال حول ما إذا كان دخول دمشق مرة أخرى في عملية السلام يمكن أن يجعل الدور السوري إيجابياً أكثر على المسارات المختلفة: أتمنى هذا، الاسرائيليون قالوا لي إن سوريا تريد الدخول في عملية السلام، لكنهم متشككون في هذا الموضوع، فقلت لهم ما داموا يعرضون التفاوض فلتكملوا معهم وتروا النهاية ستصل إلى ماذا .
***
المشهد الخامس: العاهل السعودي عبدالله بن عبد العزيز يجول في اسبانيا وفرنسا وبولونيا ومصر والاردن، فإذا بالبيان الاردني السعودي يؤكد على الثوابت التي يفترض أن الأحداث تجاوزتها. البند الأول تناول التزام المبادرة العربية للسلام. البند الثاني رفض الانشقاق الفلسطيني. البند الثالث تفعيل التنسيق العربي مع الرباعية الدولية وصولاً إلى مفاوضات سلمية جادة ذات هدف نهائي واضح بين الفلسطينيين والإسرائيليين ضمن جدول زمني محدّد. البند الرابع رفض التدخل الأجنبي في الشأنين العراقي واللبناني.
حفظ العاهل السعودي لنفسه دور الوساطة الذي لا يريده أن يسقط مع اتفاق مكة. فتأجّل لقاءه مع الرئيس الفلسطيني بحيث بدا وكأنه على الحياد بين الطرفين المتخاصمين، وإن كانت له قراءة مختلفة لأسباب الخصام. إذ أنه في حديث إلى الرأي الأردنية حمّل المسؤولية للتعنّت الإسرائيلي وإصرار بعض القوى الدولية على عدم مساعدة الفلسطينيين وتعزيز التوافق بينهم.
الجديد في بيان عمّان شكلي، إذ أنه يجمع في أسطره بين العراق ولبنان في الموقع نفسه، مما يعطي للأزمة في البلدين الطبيعة السياسية ذاتها: المشروع الإيراني من جهة والتطرّف الإرهابي من جهة أخرى.
انتهت المشاهد على المسرح الفلسطيني.

في الاستنتاج من كل ما ورد في المشاهد السابقة، يتبيّن التالي:
أولاً: أن الجهات الاسلامية المسمّاة بقوى الممانعة الحليفة للمشروع الايراني تتقدّم دون أن تبحث عن تسوية، ربما هدنة في بعض الأحيان. فريق المعارضة في وجه الأكثرية في لبنان. حماس في وجه فتح في غزة. الفصائل السياسية الشيعية في العراق في مواجهة المقاومة ذات الغالبية السنية. كل هذه الحركات في حالة هجوم بسبب إخفاقات السياسة الأميركية التي ترفع من معنوياتها وتجعلها تعتقد أن باستطاعتها فرض إرادتها.
ثانياً في مسألة المفاوضات الاسرائيلية السورية: لا يمكن لواشنطن أن ترفض مفاوضات سورية إسرائيلية تهدف الى فصل سوريا عن ايران، وهذا ما ذكره اولمرت في رسالته التي نقلها الأتراك الى القيادة السورية. لكن الاعتقاد بأن دمشق سوف تتخلى عن إيران مقابل وعد بإعادة الجولان يدل على أن واشنطن وتل ابيب لا تدركان تماماً مغزى التحالف السوري الإيراني وقيمته بالنسبة للنظامين. فهو الورقة الرابحة الاساسية في استراتيجيتهما وجميع المصالح المختلف عليها تبقى ثانوية بالنسبة لما يقدمه التحالف من مميزات لطهران ودمشق في مواجهة خصومهما في الداخل والخارج معاً.
ثالثاً لقد أصبح للمنطقة مشروع واحد لا فكاك من ارتباط اطرافه ببعضها بعضاً. لكن الحجم الذي يشكله هذا المشروع كبير وطبيعته حادة إلى درجة أنه من السهل الالتقاء على مواجهته. وهذا ما يحصل الآن….