“خبرة عمر” – النجاح هو الثأر الوحيد

مقابلات تلفزيونية 27 يونيو 2008 0

س- أخبرتني أنك مصاب بمرض بيروت، لماذا عشت هذه الحالة المرضية، ومنذ متى؟
ج- أنا مصاب بجمال المدينة وليس بمرضها كما عبّرت، أنا مصاب بأسلوب بيروت في الحياة ، بيروت مدينة عظيمة فيها كل منابر الحرية والثقافة والعلم والمعرفة ، فيها المسرح والسينما والكتاب والجامعة والمستشفى والتنوع ، وفيها أسلوب الحياة المريح لأي شخص يريد العيش بطريقة معقولة ولطيفة . ولأننا نعيش هذا الشيء كل يوم، لا نعرف قيمته ويجب أن نُحرم منه دائماً لمعرفة قيمته ، يجب على من عاشوا في بيروت وغضبوا منها وإرتاحوا لها أن يجربوا الحياة في عاصمة عربية ثانية، ليروا الفرق . طبعا أنا لا أقارن بيروت بأوروبا وأعتقد أنها ألطف من أوروبا، وأكثر حميمية وأكثر حرارة، وأكثر تعلقا بأهلها، يعني بيروت من المدن القليلة التي تتمتع بمقدرة كبيرة على العطاء، ومقدرة على إستقبال الغريب الوافد إليها، فتحتضنه وتهتم بأولاده وبصحته وبتعلمه وبثقافته .

س- عندها أيضا مقدرة على إستقبال الرصاص والحرب والتظاهرات الخ..؟
ج- دعنا نفرّق، فالتظاهرات هي تعبير عن حالة حرية، هي ليست تعبير عن حالة سلبية، التظاهرة السياسية هي تعبير عن أساس المدينة وهو قدرتك على التعبير بحرية، ولكن الرصاص والأحداث الأخيرة أمر مختلف.

س- أنا أتكلم عن تاريخ بيروت؟
ج- تاريخ بيروت فيه جزء كبير من الصراع السياسي الذي أدى الى نزاعات مسلحة ، ولكن هذه المدينة التي أمضت 30 سنة في نزاعات عسكرية، إستطاعت بأشهر قليلة إستعادة رونقها وأحلى ما فيها كأنه لم يمر عليها أي شيء. هذا الأمر ليس سهلا في المدن. يعني تراكم المدينة في بيروت بمعناها وبمفاهيمها وإنفتاحها وثقافتها وكتابها ومسرحها، وبقدرة أهلها الدائمة على التعبير ظهرت إنها موجودة ولم تغب.

س- ولكن أحيانا المظاهرات لا تكون من أجل حرية اللبناني إبن بيروت، بل تكون أيضا للفلسطيني، وإذا عُدنا بالذاكرة، نهاد المشنوق كنت الى جانب الفلسطينيين في تظاهرات في بيروت أو في إحتجاج معين؟
ج- الحرية كانت في وقت من الأوقات في بيروت ، هي قدرة العرب على التعبير عن رأيهم في بيروت فقط، في الوقت الذي لا يستطيعون ذلك في عواصمهم ، بيروت كانت مسرح الحرية المتاح.

س- أنت شاركت؟
ج- أنا لم أشارك ولكن في أواخر السبعينات كنت كباقي الشباب في عمر 18 أو 19 سنة، تربيتنا في مدرسة سياسية عربية تقول بعروبة لبنان، وبمفهوم الدفاع عن تحرير فلسطين، القتال على الأقل، بالقلم وبالكتابة من أجل فلسطين. وأنا شاركت في هذا المعنى بقيت بهذه السياسة حتى العام 1981-1982.

س- كيف صرت تقرأ الوضع الفلسطيني من بعد 1982 ، هل ما زال يشكل وجعا بالنسبة لك؟
ج- لازلت على قناعة بأن هذا الشعب الفلسطيني، شعب عظيم ويجب دعمه ومساندته والوقوف الى جانبه لإسترداد حقوقه من الإحتلال الإسرائيلي وليس من اللبنانيين.

اليوم تغيّرت النظرة لأنه في تلك الفترة كل الذين كانوا من سني يدمجون بين مفهومهم بالدفاع عن القضية الفلسطينية، وبين إعتقادهم بأن هذا الدفاع يعطيهم قدرة على تحسين وضع محيطهم داخل النظام اللبناني. وأنا أعتقد ان ذلك كان آنذاك خطأ في القراءة، ساعد عليه كل اللبنانيين، ساعد عليه الأصدقاء والخصوم، لأنهم تصرّفوا بمشروعية تقول انا وحدي صاحب الحق ، وأنا وحدي صاحب لبنان.

س- متى تستطيع القول أنك قرأت ابوعمار خطأ؟
ج- كلا، أبوعمار مدرسة تعلمت منها الكثير، ولم أقرأه خطأ أبدا، أنا تصرّفت بطريقة ربما تبدو الآن وكأنها خطأ تجاه لبنانيتي .

أنا تعلمت من أبوعمار معنى الإيمان بالقضية ومعنى أن تقاتل دون توقف 24 ساعة ، سبعة أيام في الأسبوع، 365 يوم في السنة من أجل قضية شعبك ، رغم كل الظروف الإقتصادية السيئة ، ورغم الفقر ورغم الظلم ورغم القهر، لا يزال يقاوم ويقاوم ويقاوم، الشعب الفلسطيني الذي إستطاع إشعال الإنتفاضة الأولى وهو في تونس ، هذه مسألة تدل على عظمة الشعب الفلسطيني وعلى قدرته على الإستمرار.

أنا لم أفكر في لحظة من اللحظات، ان الشعب الفلسطيني لن يستمر في مقاومته للإحتلال الإسرائيلي.

س- ماذا حصل سنة 1981-1982 حتى بدأت تحضّر نفسك لقراءة جديدة أو التقرب من أشخاص جدد؟
ج- بدأت في مرحلة النضوج وأصبحت أقرأ أكثر وأسمع أكثر ، وأناقش أكثر، وأرى الأمور أكثر فأكثر. أنا تعلمت من الرئيس تقي الدين الصلح رحمه الله، كيف يمكن المزج بين لبنانية صافية ودعم القضايا العربية . أن تكون لبنانيا صرفاً وصادقاً ومخلصاً ومعتدلاً وفاهماً للصيغة اللبنانية بتركيبتها المعقدة، وفي نفس الوقت أن تكون داعما للقضايا العربية، ولكن ليس على حساب بلدك.

س- من هنا جاء “اللقاء الإسلامي” الذي ساهمت في تأسيسه؟
ج- المساهمة بالتأسيس كلمة كبيرة عليّ ، أنا كنت تلميذا في مدرسة الرئيس تقي الدين الصلح الذي يملك كثيرا من الحكمة ، ومن إتساع الأفق والقدرة على النظرة الشمولية لكل القضايا في العالم العربي وقراءتها بشكل سليم.

وكنت أيضا أحد مريدي الشيخ الكبير الذي هو تقي بك رحمه الله، فتعلمت منه أمورا كثيرة ووقفت الى جانبه في مسألة تأسيس “اللقاء الإسلامي” وكانت تجمعني صداقة رغم فارق السن بالكثير من أعضاء “اللقاء” وخاصة سماحة المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد.

س- هل بُني “اللقاء الإسلامي” في الأساس على قاعدة الإختلاف مع سوريا، تحديدا سياسيا ، وهل أصبحت العين السورية عليك بأنك تسير في خط معاكس؟
ج- كان للعين السورية الأمنية منذ البدايات تحفظ، لأنهم كانوا على صراع دائم مع حركة فتح، بإعتبارها تركز كثيرا على إستقلالية القرار الفلسطيني، وهذه مسألة معقدة في النظام السوري، كما هي إستقلالية القرار اللبناني عن سوريا. هذه مسألة لها تعقيدات كثيرة عن النظام السوري، ولم يستطع لا اللبنانيون ولا الفلسطينيون إقناعهم بأن هذا الأمر ممكن حصوله، وفي نفس الوقت أن تبقى المجموعات اللبنانية أو الفلسطينية على علاقة طبيعية مع السياسة السورية.

أما “اللقاء الإسلامي” ففي الفترة التي بدأ فيها العمل كان أهم هيئة مدنية في لبنان معتدلة تفهم الصيغة اللبنانية تماما، تُدافع عن إستقلال لبنان وسيادته وحريته بشكل هادىء وموضوعي وعاقل، ويعتمد سياسة التراكم وليس سياسة الصدمة، بمعنى أنه بات البيان الإسبوعي لـ”القاء لإسلامي”، أسبوعاً وراء أسبوع، أهم بيان سياسي يصدر في لبنان ، ولكن بعد أسابيع كثيرة من الإجتماعات والمناقشات لم يعتمدوا سياسة الصدمة ولا مرة.

كانت النظرية الأساسية لـ”اللقاء الإسلامي” مفادها إننا نستطيع أن نكون مختلفين مع السياسة السورية أو عن السياسة السورية ، ولكن لا نقبل لا بالعداء لسوريا ولا بالتآمر عليها.

كانت مجموعة “اللقاء الإسلامي” تعتبر نفسها صاحبة حق بمناقشة السياسة السورية مع المسؤولين السوريين ، والقول بأن هذا الموقف خطأ وهذا الموقف سليم، ويجب مناقشة الأول ومراجعته، ويجب دعم الموقف السليم.

ولكن هذا الأمر كان صعبا جدا على طبيعة النظام السوري، ومازال صعبا حتى الآن. ولا يزال حتى اللحظة من الصعب أن يتفهم النظام السوري، ان هناك لبناني عروبي مختلف مع السياسة السورية في نقاط، ومُتفق معها بنقاط ، وله حق مناقشتها.

س- منيت بخسارات كبيرة بالأصدقاء ، فالرئيس تقي لدين الصلح توفي خارج لبنان، المفتي حسن خالد إستشهد ، النائب ناظم القادري إغتيل، ماذا شعرت في تلك المرحلة ، وهل خفت كثيرا على نفسك، وهل إعتبرت ان “اللقاء الإسلامي” كان ضحية سياسية عربية؟
ج- في تلك المرحلة كنت صغيرا في السن، ولم أكن أعرف الخوف كثيرا مثل الآن، وكنت أكثر قدرة على تجاهل الخوف منذ عشرين سنة.

“اللقاء الإسلامي” هذه الهيئة المعتدلة الوطنية ، تعلمت منها ماذا تعني الصيغة اللبنانية هي تركيبة كيميائية ، معادلة كيميائية، أي خلل يصيب جزءا منها يصيب الكل، وهذا الأمر الذي لم يقتنع به الكثير من الأطراف السياسية اللبنانية.

كان “اللقاء الإسلامي” يجمع بين حكمة كبيرة بـ”طربوش” تقي الدين الصلح وشجاعة عظيمة بـ”لفة” المفتي الشهيد حسن خالد، تعلمت الكثير منهما، تعلمت ماذا يعني لبنان، وما هي أهمية الدفاع عن لبنان، وأهمية الإستشهاد من أجل لبنان. ورغم كل ما حصل من إغتيال للشيخ حسن رحمه الله، ونفي تقي بك الى باريس من قبل ما يسمى في ذلك الحين وحتى الآن قوى الأمر الواقع ووفاته بعد ثلاثة أشهر هناك، واغتيال ناظم بك رحمه لله، هذا الصديق العزيز العجوز الشجاع الحكيم المتمهل ، كل هذا الذي حصل زادني قدرة وإيمانا وشجاعة أكثر للدفاع عما أعتقد به.

س- لكنك غادرت لبنان ، هل بسبب الخوف أم ماذا؟
ج- تركت لفترة لأسباب سياسية تتعلق ببداية الخوف على عائلتي، فتركت لبنان حوالى أقل من سنتين ، ولكن إستمريت على قناعاتي وعلى عروبتي، وأصبحت أكثر إيمانا بلبنانيتي، وأكثر قدرة على الدفاع عنها وأكثر معرفة بها.

لا أحد يصدّق ان هيئة معتدلة مثل “اللقاء الإسلامي” (يعتقد الناس ان تأثيرها بسيط) انها حفرت عميقا عميقا بوجدان اللبنانيين، وإستطاعت تشكيل خطر الى حد إغتيال رئيسها وبعض أعضائها ، وهذا دليل على مدى صدقية التجربة ومدى تأثيرها وفعاليتها، وكم كان الآخرون ضعفاء أمام الرأي الحر، وتجاه الإعتدال وتجاه لبنانية الناس الذين لا يملكون ما يقاومون به، سوى الموقف والكلمة الحرة.

س- هل هذه المسافة التي أخذتها مع نفسك في الخارج وما إكتسبته مع “اللقاء الإسلامي” ومن الزعامات التي كانت موجودة فيه ، هي التي دفعتك لأن تتقرب من فكر الرئيس الحريري ومن شخصيته ومتى تعرّفت عليه؟
ج- قد تُفاجأ بكلامي الآن أنا أعتقد ان الرئيس الحريري رحمه الله ، بالنسبة لي وبالحوارات التي حصلت بيننا منذ اللحظة الأولى التي تعرّفت عليه ، هو إستكمال لسياسة “اللقاء الإسلامي” هو إستكمال للقول الحر، وللإيمان بلبنان ولكن بطريقة مختلفة وبأسلوب مختلف.

س- متى كان أول لقاء؟
ج- سنة 1988 وكنت في هذا الوقت بدأت أصبح في الخارج وللحقيقة، هو رعاني كما يقولون في ذلك الحين وإهتم بي وبإقامتي في الخارج، وساعدني في الكثير من الأمور ، لكن الأهم ان الحوار السياسي الذي كان يتم دائما بيني وبينه، منذ ذلك الحين وبشكل يومي تقريبا على الهاتف أو عندما نلتقي في باريس، كان واضحا في عقله وبتفكيره، ولكن بأسلوب مختلف. بأسلوبه الشخصي، عنده قدرة أكثر على تنفيذ ما كان يفكر به قيادات “اللقاء الإسلامي” عندما إلتقاه الرئيس تقي الدين الصلح في باريس عدّة مرات كان يذكره دائما بهذه القدرة، وكان يشجعه على دور سياسي كبير يحمي به لبنانية اللبنانيين، وإعتدال المسلمين وقدرتهم على التطوّر وإعادة الضوء والنور للعاصمة، فكانت تجمعهم الكثير من الأمور التي تتعلق ببيروت وبلبنان.

س- هل لمست أنك إنتقلت من مدرسة سياسية، الى مدرسة سياسية أخرى؟
ج- للحقيقة لمست أني إنتقلت من أسلوب الى آخر، وليس من إتجاه سياسي الى آخر.

س- كيف كان أسلوب الرئيس الحريري بالنقاش ، وهل كنت تختلف معه بالنقاش أو كنت تشعر انك على نقيض معه ببعض الآراء؟
ج- الرئيس الحريري رحمه الله، كان يسمح لي، على غير قدرته على السماح لآخرين ربما، مناقشته في كل القرارات، وفي كل الأفكار التي تخطر بباله. لذلك كان هناك أمور نتفق عليها وأخرى كنت أعارضها دائما ، وبالتالي ندخل في نقاشات طويلة على ماذا نتفق ، وعلى ماذا نختلف، وهذه الأمور كانت تمرينا شبه يومي مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

س- هل نستطيع القول انه منذ ذلك الحين بدأ نهاد المشنوق يشكل بالنسبة لسوريا إزعاجا كبيرا ، وطلبت من الرئيس الحريري إقصاءك عن فريق عمله؟
ج- أنا لا أسمح أن أعطي لنفسي هذه الأهمية، فسوريا دولة كبيرة وإقليمية، وكان لها دور كبير في لبنان سياسي وأمني وعسكري، فلا أعتقد اني كنت أشكّل بأي شكل من الأشكال خطرا على سياستهم أو على أمنهم.

س- إذاً لماذا طلبوا إستبعادك؟
ج- هذا الكلام حصل بعد عشر سنوات ، ولكن طيلة العشر سنوات التي كنت أعمل معه فيها، وأناقشه وأعارضه في بعض الأحيان، لا أعتقد ان السوريين كانوا يهتمون كثيرا لرأيي ، فهذه مبالغة منهم ومبالغة من كل من يعتقد ان دولة مثل سوريا تهتم كثيرا برأي شخص. ممكن كان هناك شيء من هذا القبيل من مسؤول أمني أو شخص ما، ولكن بالتأكيد لم تكن الشكوى من النظام السوري عليّ، لأن هذا الأمر كبير عليّ لدرجة انه من غير المنطقي، ان دولة كبيرة تعالج الأمور في هذا الإطار.

س- إذاً لماذا فُبركت قصة إتصالك بالإسرائيليين؟
ج- هذا حصل بعد عشر سنوات من العمل مع الرئيس الحريري في العام 1998. أنا في الفترة التي إشتغلت فيها مع الرئيس الحريري كان حريصا على الا تكون الدائرة الصغرى من حوله على إتصال بالملف السوري، لأنه كان يعتبره ملفا إستراتيجيا، وهو الوحيد الذي يجب أن يتعاطى به مباشرة، لذلك أنا لم أكن أتابع عن قرب مسألة تصوّراتهم أو قراءتهم للتطورات ما عدا مرات قليلة كان الحوار يتم معه مباشرة، والنقاش حول ما يريدون، أو ما لا يريدون كان يتم بين الرئيس الشهيد رحمه الله وبيني، وليس بيني وبين السوريين. أنا أعتقد انهم فبركوا أوهام كبيرة لها عدة أسباب سنة 1998:
السبب الأول: هو انهم أرادوا القول لجو سياسي معيّن منتشر حول الرئيس الحريري بشكل أو بآخر انهم قادرون على ضرب واحد، تعتبره الناس أحد الأساسيين من رموز سياسة الرئيس الحريري.
السبب الثاني: انه كنا على قاب قوسين أو أيام من إنتخاب الرئيس اميل لحود في ذلك الحين، وكان واضحا انني لم أكن من المشجعين على إنتخابه. ولكن لم أكن صاحب قرار، بل صاحب رأي في هذا الموضوع، ولا زلت صاحب رأي ، فكانوا يعتقدون ان وجودي يؤثر على العلاقة بين الرئيسين في حال وصلا الى تعاون، ولكني كنت على قناعة أنهما لن يتعاونا، وأنه يستحيل لطبيعتين مختلفتين، وسياستين مختلفتين، وتفكيرين مختلفين أن يتعاونا، وأيضا كان هناك أحقاد كبيرة لدى مجموعة الرئيس لحود على الرئيس الحريري، المجموعة الأمنية السورية في ذلك الحين.

وفي ذلك الوقت أيضا بدأت عملية الإنتقال الهادىء للسلطة في سوريا، وكانت بداية الإنسحاب التدريجي للرئيس حافظ الأسد من أمام الأضواء لصالح الدكتور بشار، فكل هذه الظروف والعوامل أوصلتهم الى قناعة بأنه يجب اللجوء الى تصرّف يعلنون فيه قدرتهم على القوة، ونفّذوا ما أرادوا، ولم يكن هناك مجال لأي قوة سياسية في لبنان في ذلك الحين لكي تمنعهم من تنفيذ رغباتهم.

وفي ذلك الحين إعتمد الرئيس الحريري سياسة أخرى ناجحة بأن الثأر يكون بالنجاح ، لذلك وضع كل إمكانياته ويومياته وحياته ومتابعاته وقتاله في إنتخابات عام 2000 ، وإستطاع تحقيق نجاح سياسي كبير، وكان الرد الأفضل على ما يمكن أن يثار حوله، أو حول سياسته، أو حول شخصيته في ذلك الحين.

س- كيف ركبت الطائرة عام 1998 مُكرهاً الى باريس ، وكيف إستطعت ترك كل هذا المسار الذي عشته وراءك ، وهل حقيقة انه لولا لقائك بجميل السيد وبغازي كنعان لم تكن لتقبل أن تغادر كدليل انك فعلا لست عميلا للإسرائيليين؟
ج- أنا لم ألتق اللواء السيد، أنا بقيت بعد توجيه الإتهامات لحوالي الشهرين أو أكثر معتصما في مكتبي، ومصرا على انهم يريدون أن أترك العمل لأنه بالنسبة لهم هذا موقع موجود في المدينة، وأنا كنت مُصرا على الا إغادر إلا إذا تراجعوا عن الإتهامات الموجّهة اليّ، لأن الإنسان لا يملك سوى كرامته وسمعته، فإذا كان سيفكر أنه يقبل بهذا الإتهام فقط للنجاة ، فلن يبقى منه شيئا.

س- لكن لم يعلنوا عن ذلك في بيان؟
ج- طبعا، لم يُعلن في بيان ولكن يكفي انهم مرّروا الكلام بين كل الجو السياسي ، ونشروه في صحيفة سخيفة وتافهة تصدر في بيروت، ومرّروها في خبر في لندن، وهناك الكثير من الأصدقاء في الصحف اللبنانية لم يوافقوا على نشر الخبر، رغم كل النفوذ السوري في ذلك الحين.

فبعد مناقشات طويلة برعاية الرئيس الحريري، تم الإتفاق على انه لا توجد طريقة لكي يتراجعوا سوى أن يستقبلوني علنا، والتراجع بالإستقبال العلني كان كافيا لأنهم عمليا لا يستقبلون “جواسيس”.

وفي الأول من تشرين الأول 1998 بعد شهرين ونصف أو ثلاثة من النقاش ، وكان يوم عيد ميلاد الرئيس الحريري، ركبت معه السيارة، وكان يوجد إبنه فهد وإبنته هند، وقابلت اللواء غازي كنعان لمدة عشر دقائق. وكان النقاش حادا معه لأنه إعتبر ان ما حدث شيء بسيط، ويجب أن يمر ، وأنا إعتبرت ان ذلك مسا بسمعتي وبكرامتي، وأنا لا أستطيع أن أورّث أولادي أكثر من سمعتي وكرامتي. وبعدها إستقبلني نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام الذي بدأ تدريجيا ينسحب من الملف اللبناني، وأعلن الخبر في الإذاعات وفي وسائل الإعلام وفي التلفزيونات ، وإعتبر هذا الأمر نوعا من التراجع عن الموقف الشكلي، وبعدها بأربعة أيام إرتأى الرئيس الحريري رحمه الله، انه من الأسلم لي، وكان معه حق مع أني عاندته في ذلك الحين، انه من الأسلم أن أغادر وهكذا كان وذهبت وعشت في باريس ، وقد نقلني بطائرته معه في 5 تشرين الثاني. وأتذكر قصة تدل على الحقد الذي يمكن للأجهزة الأمنية أن تتصرّف به، هو انه في 5 نوفمبر صباحا، إكتشف اللواء غازي كنعان في وقتها، انه أخطأ ربما وأن احدا وجّه له ملاحظة على إستقبالي والإعلان عن طريقة الإستقبال، فكان المطلوب مني أن أصدر بيانا فولكلوريا يتعلق بأني أنا المستشار السابق للرئيس الحريري وانه إستقبلني بعد إنتظار ومهانة. ولكن لم أوافق على إصدار هذا البيان ، وقد لحقوا بنا يومها الى الطائرة، وإستمروا في متابعة هذا الأمر على الهاتف طوال الرحلة الى باريس، لكن الرئيس الحريري لم يوافق وأنا لم أوافق ، لأن صفة المستشار السابق يعطيها من تعمل معه، وليس أنت تعطيها لنفسك.

س- في تلك المرحلة حزنت وأنت في الغربة، وبدأت علاقتك بالرئيس الحريري تخف تدريجا ، لماذا إختلفت معه؟
ج- صحيح، لم يعد هناك إتصال بيننا لأنه إنصرف لمسألة الإنتخابات كليا، وأنا كنت موجوداً في الخارج ، وكنت ألتقيه أحيانا عندما يأتي الى باريس وأصبحت زياراته الى باريس قليلة.

س- هل كنت تحمل في داخلك عتبا معينا على الرئيس الحريري؟
ج- في تلك الفترة أبدا، لم يكن هذا الأمر موجودا، ومرت فترة طويلة ولم يكن هذا الأمر موجودا، ولكن بعد إنتهاء الإنتخابات، بعد سنة 2000 حصل نوع من الجفاء. لأني في ذلك الوقت إعتقدت انه بعد الإنتخابات حان الوقت لكي يتدخل أكثر مع السوريين لإنهاء ملفي، ولكن كنت مخطئا ، إذ أنه كان قد حاول عدّة مرات ولم ينجح في ذلك، وبالتالي بما أني كنت أناقش نفسي، كنت أفبرك أوهاما غير موجودة، وما ساعدني في ذلك الحين، الشخص الذي إسميه النبيل طه ميقاتي، على حلحلة كل المشاكل مع السوريين بعيدا عن الرئيس الحريري ، لأنهم كانوا يتحسسون كثيرا من مسألة تدخل الرئيس الحريري في هذا الملف. فإنتهى الموضوع الأمني في وقتها ورجعت الى بيروت . وزارني الكثير من الأصدقاء والمحبين، وإتصل بي الكثيرون وعادت صورتي تظهر من جديد، وهذا الأمر أزعج السوريين ، فاتصل بي يومها طه ميقاتي وقال لي “الجماعة يقولون وكأنك راجع من الحج وهم لا يعجبهم هذا الأمر” فسألته “إذا ما العمل؟، قال “أنهم يقترحون أن تسافر ذهابا وإيابا، وألا تبقى في بيروت كل الوقت”.

س- ماذا خسرت وماذا ربحت في منفاك في باريس؟
ج- في باريس شعرت ان كثيرا من الناس، أضافوا شيئا الى حياتي منهم أسعد حيدر، سامي كليب والزميل عماد الدين اديب، فكل هؤلاء حاولوا أن يساعدوا، ولكن أنا كنت موجوعا لدرجة أني لم أستطع أن أستفيد أو أتعلم ، من إقامتي في باريس، فذهني ومتابعاتي ووجعي كله كان في بيروت، خاصة وان عائلتي بقيت في بيروت، لأني أصريت على ذلك لان ذهابها قد يؤكد التهمة بشكل أو بآخر، بينما بقاءها يجعل هذه التهمة مؤقتة ، تذهب بعد فترة. أنا لا أستطيع أن أعيش خارج بيروت، ولم أستطع أن أعيش في أي مدينة ، فأنا ذهبت الى أكثر من مدينة ولكن لم أستطع العيش إلا في بيروت.

س- ألم تستطع خلق عالم جديد لك في باريس؟
ج- لم أنجح في هذا الأمر.

س- والناس الذين أضافوا لك حياة أو طبيعة جديدة؟
ج- هؤلاء فاجأوني بمحبتهم وصداقتهم، وهناك ناس كثير أوجعوني بتخليهم وبغيابهم، لذلك قمت بمعادلة بسيطة في عقلي تقول بتكريم الناس الذين وقفوا الى جانبي، وبالتجاهل التام للناس الذين تخلوا ، وقلت ان الوسيلة الوحيدة للرد على كل ما حصل في الوقت المناسب، هو أن تنجح، الثأر الحقيقي هو النجاح وليس الوجع والإساءة. وهذا ما حاولت ان أفعله ولا أعرف مدى نجاحي ولكن بالتأكيد هذا هو التصوّر الذي إعتمدته.

س- من هم أكثر الأشخاص الذين وقفوا الى جانبك في الخارج؟
ج- ذكرتهم وكتبت عنهم، وهم فريد ومهى مكاري، محمود كوكش، اسعد حيدر، سامي كليب، عماد الدين أديب، عوني الكعكي وأصدقاء من مصر ومن بيروت، كانوا يترددون دائما الى باريس وكنت ألتقيهم. كانوا مخلصين ليس لهم غرض عندي غير الود والمحبة، وكنت أيضا أزور القاهرة كثيرا حيث أنعشت شبكة صداقات كانت موجودة في القاهرة، منهم العزيز جدا عليّ فيصل فتفت المقيم الدائم في القاهرة، وهناك أصدقاء كثر أمثال منصور طرزي وشفيق جبر، ولكن عماد أديب، عوني الكعكي، اسعد حيدر، سامي كليب ، محمود كوكش، فريد مكاري ومهى كانوا الحضور الدائم في حياتي شبه اليومية.

س- إذاً الخسارة التي ألمّت بك بالنسبة لأصدقائك إمتلأت بوجوه أخرى؟
ج- لقد عوضت هذه الخسارة بشكل أسلم، لأن هؤلاء كسبتهم بصدق، والذين خسرتهم كانوا أوهاما، بمعنى أني خسرت أوهاما وربحت حقائق. فلو وضعناها في الميزان تجد أن ما خسرته لا شيء ، ولكن الذي ربحته حقيقي وصامد وفعّال ومتابع.

س- تقول في بيروت في الأول وفي الآخر يصبح الهاتف مقر إقامتك ، أفراحك، أحزانك، عنوانك، تريد أن تقنع نفسك وهما إنك لم تغادر مدينتك؟
ج- لأنه هاتف لبنان، بمعنى ان 99 بالمئة من الإتصالات هي لبنانية ، وبالتالي كل أخبار لبنان تأتيني عن طريقه، وكل قلقك يأتي عن طريقه، فهذا كله يجعل التليفون عنوانك ولا يوجد عنوان آخر، لأن العنوان الباريسي ليس عنواني، وأنا عشت فترة طويلة في الفندق.

س- هل كنت تشعر أنك ستعود الى بيروت وتمارس حياتك؟
ج- كنت متأكدا ان هذا الظلم لا بد أن يصل الى مكان ما وينتهي، ولكن ما مدى هذا الوقت؟ وما مدى فترة إحتمالي؟. وأعز شخصين على قلبي قدّما لي المساعدة هما سيدتان الصديقة التاريخية القديمة لينا سوبرة، وهي سيدة مقيمة في باريس والصديقة التي لا يمر يوم دون أن أتذكرها هي ريما تقي الدين رحمها الله، فقد كانت عضدا حقيقيا لي، وأنا كتبت عنها رفقة عمر لم تكتمل. لن أنساها أبدا ولا أستطيع أن أنسى صلابتها وصمودها وقدرتها على المواجهة وشجاعتها.

س- الرجل يأخذ الشجاعة من المرأة أحيانا؟
ج- أنا أعتبر انه على عكس الشائع أن قدرة المرأة على الشجاعة والوجع، أكثر بكثير من الرجل، رغم كل الإشاعات أو المسلّمات المتداولة ، لأن المرأة التي تحمل وتلد رغم كل الأوجاع، تعود وتحمل مرة ثانية وتلد، لتأكيد أمومتها أو لرغبتها في الأمومة، هذا تحمّل وشجاعة أكثر بكثير مما يتحمله الرجل.

س- الكاتب السياسي نهاد المشنوق ، هذه الصفة التي تحبها أليس كذلك؟
ج- أحسن صفة أخذتها بحياتي صفة الكاتب السياسي، وهناك صفة أخرى أنا أفتخر بها هي انني واحد من جمهور رفيق الحريري ، واحد من ملايين الناس إضافة الى صفتي اني كاتب سياسي.

س- هل رجعت العام 2004 لغرض الكتابة ، ولكي تتحول نهائيا الى الكتابة ولكي لا تكون خلف رجل سياسي ، عذرا بالتعبير”؟
ج- في البداية كنت قارئا، وكنت أعتبر كتابتي في ذلك الحين مهما كانت تسبب إحراجا للرئيس الحريري من جهة، وبيني وبين الرئيس الحريري من جهة، فحتى الناس تتعوّد أنك تكتب لصالح أفكارك دون تنسيق، وبدون إتصال مباشر ودائم بالرئيس الحريري، كان أمرا صعبا. لذلك ترددت في بادىء الأمر في الكتابة، وكنت أساهم مساهمات بسيطة، ولكن لم أكن أعتمد الكتابة كأساس. وأنا لم أكتب ولم أتجه للكتابة للمواجهة، إلا بعد إغتيال الرئيس الحريري، لأنه من واجبي التعبيرعن رأيي في هذه المواضيع ، وأولها عملية الإغتيال، ولم يكن بالإمكان أن أبقى متفرجا على ما حصل، ولم يكن عندي وسيلة تعبير سوى الكتابة، وحتى الآن أعتبرها أحسن وسيلة تعبير وأقدر وسيلة مواجهة ، أي القول والكتابة”.

س- ماذا أيقظ فيك إغتيال الرئيس الحريري؟
ج- أيقظ كل لحظات النقاش السياسي بيني وبينه، وأيقظ كل اللحظات التي كانت متوقعة، وإغتياله لم يفاجئني ، ولا أعتقد انه فاجأه أيضا، لأن الرئيس الحريري رحمه الله، كان يتوقع وكل من يتابع معه كانوا يتوقعون وكان كل همّهم كيفية حمايته من الخطر، ولكن سبحان الله القدر لا ردّ له كما يقولون.

على كلٍ الرئيس الحريري خدم لبنان بإغتياله ، بقدر ما خدمه أثناء حياته، فهو قدّم الكثير للبنان بمفهومه اللبناني وقراءته العربية للبنان، ولازدهار لبنان وحريته وسيادته ، وقدّم باستشهاده ربما أكثر مما قدّم له في حياته.

س- بعد إغتياله هل إستنتجت ما تعلمته منه؟
ج- تعلمت منه مسألتين رئيسيتين:
المسألة الأولى: المثابرة والمتابعة والتدقيق، والقدرة على التنفيذ الدائم ، بمعنى لا يمل أنه لا يكل ولا يترك فكرة مقتنع بها، ويستمر يناقشها ويجادل بها بقناعاته الأساسية.

المسألة الثانية: الجانب الإنساني في الرئيس الحريري الذي لا يقل أهمية عن الجانب السياسي، وهو أعطى المال العربي معنى مختلفا، مثلما أعطى بيروت وأعاد اليها رونقها وحياتها وازدهاره وضوءها في كل المعاني ، مثلما أعطى لبنان في سياسته الخارجية وعاد وكأنه بلد منتعش وموجود ومتصل بكل العالم، ومتأثر ويؤثر بكل العالم، رغم انه بلد صغير، أيضا أعطى المال العربي معنى مختلفا تماما، وأنا دائما أكرر هذه الكلمة، بأن شخصا في قدراته المالية والشخصية أخذ على عاتقه تعليم وتخريج 34 الف طالب جامعي خلال 20 سنة ، هذه مقدرة غير طبيعية ، ونحن تعودنا على المال العربي بمظاهر الإسراف والتبذير والمبالغات والفخامة، ولم نتعوّد ان المال العربي أو القادم من دولة عربية، هو الذي يساهم بالتعليم وبالطبابة وبلسمة الجراح ومتابعة أهمية التعليم . أنا من الناس الذين أعتبروا ان العلم يساوي الصلاة ، مع الإعتذار من رجال الدين، لأن العلم هو الذي يصنع المجتمعات. والصلاة لوحدها غير كافية ، والعلم لوحده ربما غير كاف. ولكن العلم هو الذي يقدّم صورة أفضل للمجتمعات ، وأنا أعتقد ان هذا الأمر أهم ما قام به الرئيس الحريري في حياته ، وأهم رصيد في حساب الرئيس الحريري رحمه الله.

س- ما هو أهم ما فعلته ازاء الرئيس الحريري، هل أعطيته ؟ هل بادلته ، ماذا تقول؟
ج- أنا واحد من مساعديه الذين كان يكلفهم. عمليا، أنا بدأت معه متطوعا، في مسألة إعادة إعمار بيروت “سوليدير” أنا الذي طلبت منه العمل في هذا الموضوع وكنت طبعا على صلة ومتابعة يومية في السياسة ، ولكن أنا طلبت “سوليدير”.

وضعتُ كل ما تعلمته، وكل خبرتي وكل معرفتي اللبنانية والقليل مما عندي من إتصالات عربية ، بخدمة فكرة موجودة عند الرئيس الحريري، وإقتنعت بها وقلت أني أحد الجنود الذين يعملون في هذا المشروع ، ولكنها بدأت في “السوليدير”. وأذكر انه عندما أعلن تراجعه عن “سوليدير” سنة 1988 بسبب الحملة التي شُنت عليه إتصلت به وقصدته في مونت كارلو، وبرفقته الصديقين المشتركين بيني وبينه طلال المرعبي وخليل زنتوت، وطلبت منه التراجع عن قرار التراجع، لأني كنت على قناعة بأن هذه المدينة لا يمكن ان تستيقظ، إلا بمشروع فيه قليل من الجنون والمغامرة، ولم يكن هناك واحد قد يغامر، بقدر ما تسمح له طبيعة الرئيس الحريري بالمغامرة.

س- نقرأك في السفير اليوم، كل أسبوع مرة يوم الاثنين، لماذا ذهبت الى السفير؟
ج- أنا بدأت كتلميذ أصحح بروفات في صحيفة “بيروت المساء” التي كان يملكها عمي عبدالله المشنوق رحمه الله. وبعدها إنتقلت وتعلمت الصحافة في بداياتي الجدية، وكنت أيضا مازلت تلميذا مع الأستاذين الكبيرين سليم اللوزي وجلال كجك في الحوادث.

س- ماذ تعلمت من الشهيد سليم اللوزي؟
ج- المهنة وحرفة الكتابة وحرفة المتابعة السياسية والمعرفة، ثم تنقلت في كثير من الصحف والمجلات، ثم كان في “النهار العربي والدولي”، حيث عملت حوالى خمس سنوات وقبل ذلك في “الدستور” وفي “الأنوار” و”دار الصياد”.

س- هل إكتسبت مهنة الصحافة أم أنك سياسي صحافي، أم تقدّم السياسة على الصحافة؟
ج- أنا كاتب سياسي ومن غير الممكن فصل السياسة عن الكتابة السياسية، ولكن أعتقد ان الكاتب السياسي قد يتغير ويبقى الكاتب ، وهذا ما أحاوله اليوم في السفير في مقالي الأسبوعي منذ ثلاثة سنوات، ووجدت ان السفير منبر جدي، والناشر طلال سلمان لفترة طويلة قدّم لي كل التسهيلات وحرية الرأي.

س- ألم تجد هذه التسهيلات في مكان آخر؟
ج- أنا كتبت في البداية في “النهار” على أيام الصديق الشهيد جبران تويني ، ولكن هناك ظروفا دعتني لكي أنتقل الى السفير.

س- هل تغيّرت “النهار” عنك ام العكس؟
ج- أفضل عدم الخوض في هذا الموضوع، لأنه ليس مهما، فالمهم هو أن الأستاذ طلال قدّم لي كل شيء يساعد على أن أنجح في كتاباتي، وأهم شيء حرية التعبير، بصرف النظر عما إذا كان الأمر يؤيد سياسة الجريدة أو يعارضها، وهذه مسألة ليست سهلة في لبنان.

س- مع كل ما تكتبه في السياسة، تملك قلما يجرح ويداوي في الوجدانيات والأدب ، أخبرنا عن هذه الزاوية؟
ج- أول كتابة أدبية كتبتها هي عن علاقتي بسعد الحريري، حيث أرى فيه الكثير من والده، وأرى فيه أكثر منه شخصيا ، أرى فيه أمورا تريحني وتساعدني على التفاهم معه أكثر مختلفة عن والده، وليست متطابقة وهذه تساعده أكثر لأن ظروفه مختلفة. وبدأت كتابتي الإنسانية ايضا عن السيدة بهية الحريري التي أرى في عيونها دائما رفيق الحريري، أينما إلتقيتها حتى عندما أرى صورتها في الجريدة.

أن المرأة في حياتي لها حصة كبيرة جدا، وأنا أقول دائما ان غرامي الدائم هو لوالدتي الله يشفيها ، وكتبت عنها في فترة المنفى، وفي فترة مرضها، حبيبتي هي رغم أنني قليلا ما أراها، أو أتكلم معها ، ولكن أشعر دائما بأنها غيمة البركة الدائمة فوق رأسي، وأشعر بخطر شديد إذا كانت غير موجودة.

س- وماذا عن النساء؟
ج- في ما خص النساء بالتدرج، أنا دائما مغرم ببناتي بعد والدتي، وثم تأتي النساء الأخريات الحبيبات اللواتي يغيّرن حياتك ويضفن راحة وسعادة وتفهما ، وأعتقد ان الرجل يعبّر بشكل أو بآخر دائما عن نفسه أحسن بكثير أمام حبيبته مما يعبر أمام أي سيدة أخرى ممكن هي ملعب غروره أو هي غروره.

س- هل ممكن أن نرى نهاد المشنوق في كتابة، في منشورات خاصة شخصية أدبية ، سيرة حياتية، هل يمكن أن يأتي يوم تبتعد فيه عن الكتابة السياسية الى الكتابة الوجدانية؟
ج- لا أعتقد فالسياسة هي حياتي وأنا نشأت على هذا الأمر وأحبه وأتابعه وأنا أسأل أيهما أفضل أن يحب الشخص حبيبته أو يكتب عنها.

أنا مقتنع انه يجب أن أخصص وقتا أكبر للكتابة الإنسانية كما أسميها، أما أن أستقيل وأتفرغ لها فهذا غير ممكن، ولكن العدل في الحصص بين الكتابة السياسية والكتابة الإنسانية.

س- بجملة واحدة خلاصة خبرة عمرك ماذا تقول؟
ج- أنا أقول اهم شيء أن يتصالح الإنسان مع ذاته ودائما يتصالح مع ذاته، وأن يذهب نحو الفكرة التي يقتنع بها في أكثر قدر ممكن من الصدق والإندفاع ومن الإخلاص سواء في الكتابة أو الحياة الشخصية او بأولاده، وبناته وبإبنه وبوالدته ، وهكذا يبقى في حالة راحة داخلية، وأهم شيء هو تحقيق الراحة الداخلية التي هي أهم عنصر في إستقرار الإنسان مهما كانت الظروف التي يعيشها تساعدك على راحة خارجية. لا شيء يعادل الراحة الداخلية، والمصالحة مع الذات هي التي تساعدك وتعطيك القدرة على التقدّم والتعبير عن نفسك أكثر وتشرح فكرتك أكثر وتقنع الناس أكثر فيها.

أعود وأقول ان النجاح هو الثأر الوحيد الذي يجب أن يسعى اليه كل إنسان موجوع وأنا لا أزال أحاول أن أنجح.

=====