حوار مفتوح – كيف مواجهة المشروع الصهيوني؟

مقابلات تلفزيونية 27 يناير 2007 0

مع نهاد المشنوق، عزمي بشارة، وأسامة غزالي حرب

س-أستاذ نهاد، نحن نتحدث الآن عن قادة الأحزاب السياسية ولكن إذا ذهبت وسألت المواطنين فعندما تتحدث الى الكردي على سبيل المثال سيغلّب إنتماءه الكردي على أي إعتبارات أخرى، الآن تذهب الى السُني فيقول أنا سني وصراعي مع الشيعي سواء في لبنان أو العراق أو مناطق أخرى، لماذا تجد لدى المواطن العادي هذا الإنتماء الطائفي أقوى بكثير من السياسة، هل لأنه غُرّر به، أم هو في الحقيقة هذه هي بنيته الذاتية التي تتحكم في كل شيء؟
ج- أولا أنا سني أيضا ، ولكن أنا لست على خلاف مع الشيعي. وسأكون أوضح في هذا الموضوع، أنا أعتقد أن ما يجري الآن هو إستعمال الطائفية أو المذهبية أو الأثنية من أجل أهداف سياسية هي موجودة عند الشخص ، ولكن من غير الممكن إستعمالها فورا، لا بد من تعبئة، لا بد من خلق أوهام برأس هذا الشخص، بأن هذه الكنية أو هذه الهوية هي التي تؤمن له الحماية ، وليس كونه مواطنا ينتمي الى هذا المذهب أو ذاك. هذا المذهب هو حمايته، هذا المذهب هو كرامته ، وان هذا المذهب ليس فقط دينه ، هذا المذهب هو طريقة حياته اليومية.

س- أن يكون الشخص سنيا أو شيعيا أو كرديا هذا لا خلاف فيه، ولكن عندما تصطك أسنان الخلاف بين السياسيين لماذا نجد هذه النزعة المذهبية؟
ج- هذه نتيجة تعبئة السياسيين وليس إصطكاك أسنانهم، ما يحدث في لبنان اليوم هو جريمة السياسيين وليس خطأ ، لأن كلمة خطأ بسيطة جدا، هم للحقيقة مجرمون يرتكبون جرائم يومية ومنذ أشهر طويلة، وليس البارحة واليوم وغدا، منذ أشهر طويلة لا يقومون بشيء سوى التعبئة لمجموعاتهم، ولن أدخل في الأسماء، ولكن معروف انه عندما تتناول يوميا الرئيس السنيورة إفتراضا ، فبطبيعة الحال ستتشكل حوله عصبية سُنية لها أول وليس لها آخر، ويصبح عندهم إحساس بأن هذا فخرهم وهذا مفتاحهم للحياة وهذا قدرهم الخ..

العكس ايضا صحيح عندما تردد إيران ، او السيد حسن نصرالله ، بطبيعة الحال سيتعصب الشيعة ويعتبروا أن تناوله أو المجيء على سيرته أو النظرة إليه نظرة غير سليمة، وخطر كبير على مستقبلهم وعلى مستقبل أولادهم، هذه كلها أوهام وكذب. هناك مشكلة سياسية في المنطقة ، لا يريد أحد أن يعترف بها، وهناك مشكلة سياسية في لبنان لا أحد يريد الإعتراف بها، ودائما ينقلون الكلام من المشكل السياسي الى المشكل الشخصي والمذهبي.

س- هل يمكن أن نحدّد معك جوهر هذه المشكلة السياسية في المنطقة؟
ج- أنا من الناس الذين يدّعون أن المشكلة موجودة في المنطقة منذ العام 1977، منذ توقيع كامب دايفيد، وهذه المشكلة لم تحل في المنطقة ، وفي كل فترة تظهر في مكان ما وبشكل ما، فالحرب في لبنان إستمرت من 1977 الى 1990 ، وفي سنة 1990 ونتيجة ظروف دولية وحكمة الرئيس حافظ الأسد في ذلك الحين، جعلت المركب اللبناني يرسو في المرفأ السوري في ذلك الحين من سنة 1990 الى 2005 ، وحصل شيء من تحييد لبنان بمسألة الصراع الدائر في المنطقة، ما عدا منطقة الجنوب التي كان “حزب الله” يقوم فيها بالعمليات قبل تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة.

هناك مشكلة في المنطقة إسمها النزاع العربي- الإسرائيلي، وعندما نتفق على وسائل صياغته ووسائل مواجهته ووسائل الحياة معه، تصل الى نتيجة معقولة، ولكن طالما إنك تتجنبه وتتكلم عن كل الأمور الأخرى، لا بد أن تصل الى الطائفي والمذهبي والعراقي والفلسطيني والكردي.

س- مثلا ، الآن في لبنان إذا إنطلقنا مما تفضّلت به ، هل الجوهر هو هذه الرؤية المتناقضة حول كيفية مواجهة المشروع الصهيوني؟
ج- طبعا، برأيي أي كلام آخر هو كلام خارج الموضوع.

س- البحث عن الحل هو الذي يعنينا أكثر منه رصد المشكلة ، لكن أنت أستاذ نهاد قلت أن جوهر المشكل الآن هو هذا التناقض في النظرة الى الصراع العربي- الإسرائيلي، ولكن أنا أعتقد أن هذه المقاربة صريحة وجريئة منك كثيرا، وأظن بأن الكثيرين لن تعجبهم هذه المسألة، لكن هناك من يقول عندما نتحدث الأن 2006-2007 جوهر المشكلة الآن في المنطقة هو هذا الصراع الإيراني – الأميركي، ومن ثم هو الذي ينعكس على كل ما يحصل ، إذا أردنا أن نتجاوز هذا الإحتقان كي لا يصبح إحترابا لا سمح الله، هل يحتاج ذلك توافقا إيرانيا- أميركيا؟ أو توافقيا سعوديا – إيرانيا؟ أم يحتاج ضربة قاضية لهذا المشروع الإيراني الذي يوصف بأنه خطير؟

ج- أنا عندي إقتراح أفضل من هذا، أولا أعتقد ان هناك صراع إيراني- أميركي فعليا ولكن هذا الصراع هو إمتداد للصراع الأساسي المتعلق بالنزاع العربي- الإسرائيلي، والمشروع الإيراني في المنطقة، لا يهدف فقط الى مساعدة هذا الطرف أو ذاك، أو الى دعم هذا الشيعي أو ذاك، لأنني أفترض ان جوهرة التاج في المشروع الإيراني هي حركة “حماس” وليس “حزب الله”، ولا ينقص إيران شيعة لكي يكثروا من إنضمام مجموعات شيعية الى سياستهم ، هم ينقصهم العكس من ذلك، ينقصهم الطرف الثاني المعني بالصراع مباشرة، وهو حركة “حماس” الموجودة في أرض الصراع الأساسي وهي الأرض الفلسطينية.

المشروع الإيراني له نظرة مختلفة للسلام في المنطقة ، وليس له نظرة مختلفة للطوائف في المنطقة، يريد أن يستند الى هذه الطائفة أو يختلف مع هذه الطائفة ، هو له نظرة بالنظرة العربية للصراع في المنطقة بحيث يقول، ان العرب جميعا من دعاة إقامة دولتين متجاورتين يعيشان في سلم والإنسحاب الى حدود 4 حزيران 1967.

المشروع الإيراني يقول علنا انه يدعو عبر حلفائه والقوى المتحالفة معه ، الى دولة واحدة يعيش فيها اليهود والعرب والأكثرية تكون للعرب، بطبيعة الحال اليهود موجودين بصفة أقلية. هذا نزاع كبير جدا جدا ، لأن الإيرايين لا يعلنون كل يوم موقفهم.

س- لكن اليوم إيران متهمة بأنها تُشيّع السُنة وتُدّمر الوضع في العراق؟
ج- إذا كان هناك شيء من هذا النوع ، فهو محدود وفي مكان لا أعرفه كواقع. ولكن إذا تكلمنا على لبنان فنجد انه لا الشيعة اللبنانيين دعاة ومبشرين يريدون ضم الناس إليهم ، ولا السُنة في لبنان منشغلين بإضافة عدد 50 ألف أو مئة ألف. الطبيعة في لبنان مختلفة في هذا الموضوع، رغم كل ما تفضّلت به سواء تشييع الناس مثلما قال الدكتور قرضاوي والرئيس مبارك في وقت من الأوقات، والملك عبدالله بن عبدالعزيز تكلم عن المشروع الإيراني. والعاهل السعودي بطبيعته هو وسطي ومعتدل، ولكي يقول هذا الكلام فمعنى ذلك أن الأمور وصلت الى مكان صعب جدا، نحن لم نطّلع عليه ، على الأقل من المتابعة العلنية.

الصراع الإيراني- الأميركي هو جزء من النزاع الشرق أوسطي المتعلق بالنظرة الى السلام في المنطقى، وإيران دولة تريد أن يكون لها إمتداد وتأثير في سياسة المنطقة العربية، بعد الحرب مع العراق لمدة سنوات، ولكن إيران أيضا تملك نظرة محدّدة للسلام في الشرق الأوسط.

س- هناك من يقول ان جوهر المشكلة الآن هو بين المعتدلين وبين المتطرفين ، وبالتالي نحن سنجد الآن معسكر المعتدلين بطوائف مختلفة، ومعسكر المتطرفين بطوائف مختلفة، وإسمح لي أن أقرأ عليك ما جاء في خطاب الإتحاد للرئيس الأميركي بوش هذه السنة، حيث لخص كل تجربته ويقول”ان الولايات المتحدة تخوض صراع أجيال ضد الإرهاب”، وهناك آخرون في العالم يراقبون هذه الرؤية ما إذا كان الصراع سيساعد المعتدلين على بناء المجتمعات الحرة، ان الأحرار لا يحبذون العنف، إذاً المشكلة اليوم بين المعتدلين وبين أصحاب العقائد والعنف الخبيث، ماذا تقول في ذلك استاذ نهاد؟
ج- هذه وجهة نظر الرئيس بوش، ووجهة النظر الأميركية، أنا كنت في واشنطن منذ شهرين ، وسمعت هذا الكلام من عدد كبير من المسؤولين الأميركين.

س- بماذا خلصت؟
ج- الأميركيون ينظرون الى المنطقة على أنها تحتاج الى معالجات أمنية لمشاكل أمنية ، لا يوجد مفهوم سياسي للمشكل القائم، لكي يجدوا له حلا سياسيا من فلسطين الى العراق، فترى مثلا نائب وزير الدفاع ونائب وزيرة الخارجية والمسؤول في مجلس الأمن القومي وآخر من فريق البيت الأبيض، هؤلاء الأربعة ما عدا المفكّرين والدكاترة والأساتذة ، ومنهم دنيس روس وغيره.
أجمعوا على ان المشكلة في المنطقة أمنية وتحتاج الى حل أمني. لذلك أنا لا أستغرب المشروع الذي طرحوه في العراق بزيادة عشرين ألف عسكري وغير ذلك، وباعتقادي هذا كلام فارغ لا يوصل الى مكان، هذه المنطقة تحتاج الى حلول سياسية وليس لحلول أمنية.

اليوم يدور نقاش في لبنان حول كيفية معالجة إستمرار الصراع العربي- الإسرائيلي، ومن المؤكد ان المشروع الإيراني هو مشروع إنقسامي في البلد ولا يجمع.

س- إنقسامي على ماذا؟
ج- إنقسامي بين اللبنانيين على نظرته للأمور، وهذه مسألة إنقسامية لا تستطيع جمع الناس حولها، بغض النظر إذا كنت أنت معها أو ضدها، فالمشكلة في المنطقة مشكلة سياسية، ولا يوجد حل للمشكلة سوى إيجاد قوة إقليمية من أهل المنطقة، موازية للقوة الإيرانية ، ليست اميركا بالتأكيد، ولا السعودية بمفردها مع إحترامي لدورها ، تكفي، لا بد من إيجاد تكتل من القوى غير معادي موضوعي ، قادر على التفاوض مع إيران ومع سوريا، بالتالي بشكل منطقي وموضوعي وعقلاني ، لكن يجب أن يكون لهذه القوة قدرة على إثبات كلمتها، وأن يكون لهذه الكلمة معنى. فإذا نظرنا الى المنطقة بكل بساطة لا نجد سوى قوة واحدة قادرة على ذلك هي الدولة التركية.

س- أنت أخرجت العرب؟
ج- لا أبدا، أنا أقول تركيا مع العرب، لأن تركيا عنصر إعتدال ايضا داخل العرب ، وهي دولة على علاقة جيدة مع إسرائيل.

س- كيف تقول ينبغي أن نغلّب السياسة الإستراتيجية على الغريزة الطائفية في العراق، في الخليج، في لبنان وغيرها؟
ج- كل منطقة لها طبيعة تختلف معالجتها، أو وسيلة معالجتها عن غيرها. عندما تتكلم عن العراق، فإذا كان هناك فعلا من قرار حل في العراق، فهذا يحتاج الى شيء شبيه بالطائف اللبناني، ليس بالميزان الجاري حاليا ، حيث غالبية ظالمة وأقلية مظلومة، هذه لا تنتج نظاما سياسيا .

س- لكن الطائف سيكون خيارا اميركيا هناك؟
ج- في كل الأحوال أنا إقترحت تركيا، لأن أميركا لا تستطيع القيام بهذا الدور لأن طبيعتها وطريقة تفكيرها في المنطقة لا تسمح ، ورغباتها لا تسمح، وجنون الأمن عندها لا يسمح . لذلك أنت محتاج الى من لهم مصالح فعلية في المنطقة يريدون أن يعيشوا الحد الأدنى من الأمان ، ولن أسميه السلام.

كذلك إذا تحدثنا عن لبنان، نحن نعيش في لبنان مشكلة إذا لم يتم حلها فمن غير الممكن تسريع إمكانية الحياة البسيطة ، وهي المحكمة ذات الطابع الدولي، ماذا تعني هذه المحكمة؟ هي تعني ان دم رفيق الحريري مازال على الأرض ولا يمكن إزالته إلا بهذه المحكمة، ويجب على الجميع أن يتفهموا هذا الأمر دون الدخول في تفاصيله وتعرّض طوائفها للإساءة والحياة غير الكريمة وللإذلال.

س- هل تخشى على لبنان من إحتراب مذهبي سُني – شيعي رغم كل هذا الإحتقان؟
ج- أبدا، رغم إجرام النص السياسي اللبناني الذي يقوله السياسيون اللبنانيون، وعدم إهتمامهم بحياة الناس الذين لا أعرف كيف يسيرون وراء هؤلاء.