حنين الى زمن الرفيق …

مقابلات مكتوبة 02 مارس 2009 0

في محلة الحمراء حيث تزدحم المقاهي والمؤسسات الاقتصادية والثقافية والحكومية والمراكز الاجتماعية وكل ما طاب لك من عناوين، هناك في مصعد أحد الابنية، تثقل رأسك رائحة السيغار.
هناك في الطابق الثامن يجلس ليطلق العنان للقلم. فتارة يذهب به الحنين الى الذاكرة، وطوراً ينسج بدقة خيوط السياسة ولو كثر ناسجوها .
هناك، تضيء الشمس شرفات المكتب فتلمع بنورها أوراق النباتات المبعثرة، فيما ضوء النهار الشاق بزحمته، ينعكس داخل جدران المكتب ازدحام الأوراق ورائحة الأثاث وأزهار دائما ربيعية، ورومنسية لوحات عملاقة واضاءة خافتة.
ها هو أخيراً نهاد المشنوق، قامة عريضة وصوت رصين وذاكرة تمخّضت من زمن النضال بالكوفية إلى زمن السياسة المتقلبة لترسي أخيراً على عرش الكتابة في سطور تنشر مع بداية كل اسبوع في صحيفة عمرها من عمر الحرب الأهلية.
بعد أربع سنوات على اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أربع سنوات شهدت ما شهدته من أحداث جعلت لبنان يتصدّر عناوين الصحف.
ماذا تغير من لبنان من عيون نهاد المشنوق ، وهو من عاصر المرحلة الذهبية لرفيق الحريري وخاض معارك السياسة مع النظام السوري مع نهاية أشهرالعسل بين دمشق والحريري، حتى نفي طوعاً إلى عاصمة الحب – باريس – حيث لم يجد الحب بل كانت الوحدة.
في ذكرى الرابع عشر من شباط ، التقت همزة وصل المستشار السياسي السابق للرئيس رفيق الحريري، وحاورته في ملفات السياسة الراهنة. وهنا نص الحوار .

قريبا يحين الموعد المنتظر .. حزيران ألفين وتسعة. شهر” الحقائق الجديدة ” لمجلس نيابي تكثر حوله التوقعات. قانون انتخاب جديد تمخّض بعد اتفاق الدوحة الذي ولد بدوره من رحم قهر العاصمة. كيف يرى نهاد المشنوق المشهد الانتخابي ؟

الثلث المعطل لا علاقة له بالديموقراطية
وقانون القضاء صيغة متخلفة
” لدي كثير من الملاحظات على إتفاق الدوحة، ولي عليه إعتراضات تأسيسية وليست أساسية. وأعتقد أنها واحدة من أعنف الضربات التي أصيب بها النظام اللبناني. وذلك بسبب قانون الإنتخابات واختراع “الثلث المعطّل” في مجلس الوزراء، الذي كما لو أنه وضع الناس في الكرنتينا، ووضع كل شخص عند أهله.
إلا أنني في الواقع اؤيد الأمور الطبيعية وهي “الدوائر المتوسطة”، فأنا لست مع الدوائر الكبيرة وأرى أنها لا تناسب لبنان. بل يجب إقرار قانون إنتخابي يتدرّج من القضاء الى الدائرة الأوسع. ويمكن وضع برنامج لأربع دورات إنتخابية يأخذ بعين الإعتبار طبيعة المجتمع اللبناني واحتياجاته … ولكن للأسف، لا أحد يفكر بهذه الطريقة ولا أحد يستعمل التدرّج. مسألة التدرّج غير متوفرة في أي أمر .. لا في المشاريع ولا في سن القوانين .. أما إقرار قانون القضاء الذي يضع الناس في مساحة ضيقة كثيراً ويعطي للنائب – أي نائب – تمثيلاً إنتخابياً محدوداَ … ولأكن صريحأً، إن الطائف قد ألغى قاعدة العدد بمعنى أنه أعطى المسيحيين نصف وظائف الفئة الأولى ونصف عدد مجلس النواب والوزراء، باعتبار أنّ مسألة التمثيل النيابي فيها مشاركة من أطراف ليسوا من طائفة واحدة في عدة مناطق … هذا الأمر تمّ رفضه لأن هناك من اعتقد أنّ فيه اغتصاب لحقوقه… ولكن انا أعتبر ذلك ضربة كبيرة للنظام اللبناني وللصيغة اللبنانية.

لم يكن هذا الأمر مطروحاً قبل اتفاق الدوحة. ولكنني كنت أقول رأيي بصراحة عبر مختلف وسائل الإعلام في مسألتين أساسيتين هما الانتخابات والثلث المعطل. ولم أنتظر اتفاق الدوحة لأنتقده. أنا أعتبر أن الثلث المعطل لا علاقة له بأدنى درجات الديموقراطية. فيما قانون الإنتخابات على أساس القضاء صيغة متخلّفة ليس لها علاقة بلبنان الواحد وبأي تطور ضروري لصياغة أفضل للطائف.
وعلى الرغم من إقراره، إلا أنّ معظم السياسيين يرفض قانون الانتخاب …ما عدا المسيحيين … لقد صاروا يتنافسون، الجنرال عون والدكتور جعجع والبطريرك بموافقتهم على القضاء .. مع أنني أعتقد أنّ اعتماد القضاء هو ضدّهم وليس في مصلحتهم. ضدّهم بالمعنى التمثيلي لأنه لا يعطي المسيحي حرية اختيار من يمثله، بل يلزمه فقط اختيار من لا يمثله بالضرورة. فالنسبية ليست متوفّرة لتعطي هامشاً واسعاً، ولا دائرة متوسطة تعطي ناخبين مختلطين. وهذا يعني أنّ الناخب ملزم –ضمن كرنتينا ضيقة- بهذه المجموعة من الناس للاختيار فيما بينهم. ” هناك من يعتبر أن اتفاق الدوحة أمّن انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساَ للجمهورية. بصراحة انا أعتبر أن اتفاق الدوحة ثمن غال جداَ حتى لانتخاب رئيس الجمهورية.

السنيورة “خربط ” الاتفاق
والاتصال معه مقطوع
وبالعودة إلى إتفاق الدوحة، غموض كبير رافق طرح إسم المشنوق وزيراً للإعلام في الحكومة الجديدة ” حكومة الوفاق الوطني”.
تساؤلات كثيرة أجاب عليها المشنوق بإيجاز لتجنّب العودة إلى الوراء كما تمنّى المشنوق .
* هل اتصلوا بك من قريطم قبل طرح إسمك وزيراً للإعلام؟
” – كلا لم يحصل ذلك..أنا لا أريد العودة إلى هذه المرحلة .. ولكن رئيس الحكومة إتّصل بي إلى اسطنبول وقال إنه يريد أن يراني..”
* من الذي “خربط” الاتّفاق في آخر لحظة؟
” -الرئيس السنيورة .. وأنا اعتبرت أنّ هناك خطأ ما في العلاقة معه كي يأخذ هذا القرار. حالياً لا إتصالات بيننا ولكن على أي حال عندما يرغب بمعالجة هذا الخطأ أهلاً وسهلاً به… وإذا كان لا يريد معالجته فهذا شأنه..”

* كيف هي علاقتك بقريطم حالياً؟
” -جيدة جداً.. أنا أعتبرها طبيعية.”
*هل لك نفوذ في قريطم كما في الأيام السّابقة؟
” -كلا..ولم يكن لي نفوذ.. نفوذي الآن في الكلمة التي أقولها، والموقف الذي أتخذه. فأنا ليس لي نفوذ في قريطم، ولا أسعى للنفوذ من قريطم.”

سعد الحريري زعيم واقعي للاكثرية
والمقارنة بينه وبين والده “غير منصفة”
المشنوق الذي ترك العمل مع آل الحريري منذ تسع سنوات أي منذ العام الفين… يصف علاقته الراهنة مع قريطم الإبن بالوديّة جداً والصريحة جداً والمباشرة جداً. اليوم وبعد أربع سنوات على استلام الابن مكان والده، كيف يرى المشنوق العهد الحكومي الجديد، وهو الذي شارك رفيقه العهد الذهبي.
* ماذا ورث سعد الحريري عن والده؟
” -أنا أعتقد أن هناك ظلماً له ولأبيه في مسألة المقارنة.. وهذا ما يقع فيه دائماً الأبناء الذين يعملون في المجال السياسي بعد أبائهم. أنا أعتقد أنّ لسعد الحريري حيثية سياسية لا أريد أن أقول مستقلة، ولكن مختلفة عن والده. والمقارنة بين الاثنين غير منصفة لسعد. الرئيس الحريري جاء على تقاطع تفاهم سوري-سعودي- وغربي وكان وراءه قوى دولية وعربية كبرى، والوضع العربي كان مستقراً ومرتاحاً.. ظروف سعد الحريري أصعب بكثير. لذلك أعتبر أنّ تجربته لا علاقة لها بتجربة والده، وحرام مقارنة تجربته بتجربة والده .. لقد ورث سعد الكثير من أبيه ولكن ذلك لا يلزمه بالتصرّف السياسي المطابق لتصرف والده، هذه مسألة تتعلق بالظرف السياسي المحيط به، وهو مختلف تماما عن الظرف السياسي الذي كان في أيام الرئيس الحريري.”

* ولكن سعد الحريري هو زعيم الأكثرية النيابية في لبنان.
” -هو الزعيم الواقعي للأكثرية بتعبير أدق.”
* يقولون إن الرئيس رفيق الحريري لم يستطع ان يحكم بسبب الأوضاع والتوازنات التي كانت سائدة.
” -وهل سعد الحريري يستطيع الآن أن يحكم؟ من هنا قلت إن ظروف سعد أصعب بكثير، الظروف الإقليمية أصعب. مشاريع المنطقة المتضاربة أصعب، الوضع اللبناني وترجمته للوضع الإقليمي أصعب. لماذا نضعه في مقارنة بمرحلة سياسية مختلفة، حتى ولو كانت مرحلة والده، الأمر مختلف تماماً. هو الزعيم الواقعي للأكثرية لكنه منذ أن نشأت هذه الأكثرية منذ أقل من أربع سنوات، وهو حريص على هذا الهيكل الذي إسمه الرابع عشر من آذار، ما يجعله يلجأ الى تسويات يومية للإبقاء عليه. فليس سهلاً البقاء على تحالف ليست له الطبيعة السياسية نفسها، ولا الطبيعة المناطقية، ولا الطبيعة العقائدية.. أناس مختلفون عن بعضهم ولكنّهم يضعون إطاراً للعلاقة فيما بينهم، ومن الواضح أنّ سعد الحريري يخصّص جزءاً كبيراً من اهتمامه ونشاطه وحركته للحفاظ على هذا الإطار. هذه مسألة تمنعك من استعمال تعابير مثل يحكم أو لايحكم.. فالحكم بشكل جدّي موجود في الحكومة وليس في الأكثرية.. ومصاعب الحكومة السابقة والحالية غير قليلة.
أنا رأيي أن سعد الحريري حيثية سياسية مستقلة متّصلة وغير منفصلة عن والده. ولكن تجربته السياسية مختلفة تماماً.”

* لو كان الرئيس الحريري حياً في هذا الوقت، ماذا كان ليفعل؟
” -أنا لا أحب هذا السؤال، في العمل السياسي هذا لا يجوز، أعتقد أنّ تعبير “لو” لا يجوز لأنه يفترض ظروفاً كثيرة متوفرة الآن ولم تكون موجودة أيام الرئيس الحريري.. فكيف يمكن أن أقارن مرحلة بمرحلة؟
أعتقد أن الرئيس الحريري صبور جداً، لديه قدرة كبيرة على الصبر، سياسته على المدى الطويل كانت الصبر. كان يعتبر أنّ الصبر والتعقل والمرونة بمعالجة كل الأمور هي الحل الصحيح.. لأن تركيبة لبنان السياسية تركيبة كيميائية، موازينها مثل الموازين المستعملة في المختبرات.
الرئيس الحريري لم يكن سياسياً في البداية، فقبل سنة 1992 كان وضع الرئيس الحريري مختلفاً عن وضعه بعدها.. الوجود خارج الحكم يعطيك الحرية لتتصرف كما تشاء، ولكن داخل الحكم هناك موازين تتحكم بتصرفك وبقدرتك. أنا أعتقد أنّ الرئيس الحريري مرّ بثلاث تجارب من 1992 الى 1996، حين جاء من واقع سياسي دولي وعربي إلى رئاسة الوزارة مباشرة ثم اكتسب شرعية المنتخب. المرحلة الثانية من سنة 1996 الى سنة 2000 حين حصل الاشتباك الكبير الذي أدى الى خروجه من الحكم في العام ثمانية وتسعين، وهذه كانت تجربة مختلفة … والمرحلة الثالثة كانت بعد انتخابات عام 2000 التي حقق فيها لأول مرة كتلة نيابية كبيرة.. لقد مرّ بثلاث تجارب كبرى، وخلال هذه الفترة تغير النظام في سوريا بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد ومجيء الرئيس بشار الأسد، وتغيّرت طبيعة العلاقة.. اذاً يجب أن ننظر الى الرئيس الحريري في تجاربه الثلاث لنفهم التقييم السياسي للمرحلة، لأنه من الظلم أن نراه في تجربة واحدة فقط .”

ليس سهلا البقاء على تحالف كالرابع عشر من آذار، ليست له الطبيعة السياسية نفسها، ولا الطبيعة المناطقية، ولا الطبيعة العقائدية.. بل هم أناس مختلفون عن بعضهم ولكنهم يضعون إطاراً للعلاقة فيما بينهم . وسعد يعمل ما بوسعه ليحافظ على هذا التحالف.

عودة الى الذاكرة، مع نفحة حنين، ونظرة تأمّل، ودمعة وفي الافق ….

*هل كان الرئيس الحريري يستدعيك ليشكي لك همه؟
” -أثناء عملي معه حصل هذا الأمر.. كنت واحداً من دائرة ضّيقة جداً يعبّر فيها عن مشاعره السياسية والشخصية.”

* من كان كاتم أسرار الرئيس الحريري الحقيقي؟
” -تاريخياً، في فترة وجوده في السعودية وبداية عمله في لبنان كان عبد اللّطيف الشمّاع وهو صديقه من أيام الدراسة وبعدها. خلال ممارسته للعمل السياسي كانت هناك دائرة ضيقة فيها عبد اللّطيف الشمّاع وباسم السبع وفريد مكاري إذا كان “متوافراً” وأنا.. وبعدما تركت العمل معه صار وسام الحسن عضواً في هذه الدائرة.
كانت هناك كيمياء بيني وبين الرئيس الحريري، كنت أعرف أطباعه بشكل وثيق وأستطيع أن أستنتج رد فعله على أي موضوع يطرح عليه. وهو كان يعرف طباعي، كنا نفهم على بعضنا بقليل من الكلام.”

* ألم يكن هذا صعباً مع رجل كالرئيس الحريري؟ رجل سلطة، رجل أعمال، رجل قرار؟
” -لقد كان رجلاً يتعاطى بالمسائل العامة .. أنا لا أقول أننا كنا نتواطأ أو نتآمر على أحد، أنا أتحدّث عن المسائل العامة لا الشخصية.. السنين تعلّمك.. مهما بلغت سلطة الرئيس الحريري ومهما بلغ ماله فلا بد أن يأتمن مجموعة صغيرة على تفاصيل سياسته، ولا بدّ لهذه المجموعة من أن يكون لها الحق في مناقشته.
فأنا، وحتى الفترة التي تركت فيها العمل معه، كان باب النقاش معه مفتوحاً دائماً.. ولكن بعد أن تركت لا أدري إلى أين تطورت الأوضاع. أستطيع أن أقول أنه من 1988 وحتى 1998 عشت معه في جميع التفاصيل، وكان باب النقاش مفتوحاً حول كل المواضيع.”

لو كانت الفلوس تحل المشاكل، لكان استغلها في معاركه.
الحريري نجح بالسياسة وتواجد بالسياسة وقتل من أجل السياسة.

* هل كان البعض يحسدك على هذه العلاقة؟
” -هذا أمر طبيعي، أنا لم أهتم ولا مرة بهذه المسائل ولم أشتك مرة من أحد، لأنني أعتقد أنّ كل شخص يمارس مهامه ولا يجب أن يهتم بالأقاويل إذا كان مقتنعاً بما يفعله.. كل شخص يوجد في موقع كهذا من الطبيعي أن يتعرّض لانتقادات ومديح وتملّق وحسد في بعض الأحيان.”

* كيف تصف علاقتك بالرئيس الحريري بعدما تركت العمل معه؟
” -لأكن صريحاً.. كانت العلاقة تمر بفترات فيها صلة مباشرة ودائمة، كما كانت تمر بفترات إنقطاع.”

* هل شعرت في لحظة من اللّحظات بعتب على الرئيس الحريري؟
” -في البدايات .. في بدايات المنفى.. أمر طبيعي وإنساني أن أعتب على الناس الذين كنت أعتبرهم من الأهل والمقرّبين وكنت أحبّهم، وكانت لدي قدرة على التواصل معهم. أنا عشت معه وعملت معه ولكنني لم أسمح لنفسي بأن أقول إنني كنت على صداقة معه. كانت العلاقة وديّة جداً.”

* ما هي الصفة التي ظلم فيها رفيق الحريري؟ لقد جرى الحديث عنه على أنه شخص أسطوري، رجل إعمار، رجل قرار ورجل مال؟
” -هذه الصفات لم يظلم بها الرئيس الحريري.. يجب أن نفهم أنه جاء بعد اعتكاف 14 سنة للسنّة في لبنان، بعد نفي صائب سلام الى جنيف، لم تبق شخصيات سنيّة قياديّة استقلاليّة في بيروت، وبعد ذلك بسنوات نشأ “اللقاء الإسلامي” برئاسة الشيخ حسن خالد والذي هو من تنظيم وتنظير الرئيس تقي الدين الصلح. من هنا جاءت قدرة اللقاء الاسلامي على مراكمة موقفه السياسي. وتبيّن بالنتيجة صحة هذا الموقف.”

* كيف كان الرئيس الحريري يتصرّف إزاء الصعوبات؟ هل كان يغضب؟
“-إما بالصمت أو بالنرفزة، ونادراً ما كان صوته يرتفع.”

* كم كان من الصعب عليك أن تكون مستشاراً لرجل مال؟
” -أنا لا أوافق على أنّ المال هو عنوان الرئيس الحريري، أعتقد أنّ الرئيس الحريري كان يعمل في كثير من الملفات السياسية الجدية غير الإعمارية، ليست بحاجة الى مال ولا أساسها المال.. الأموال لا تفتح أمامك أميركا ولا أوروبا.. جاء الى لبنان بتوافق عربي ودولي قائم على الموافقة السورية – السعودية والدولية. لم يأت بسبب ماله. لم يأت بغير السياسة. جاء بالسياسة وتواجد بالسياسة وقتل من أجل السياسة. لا ماله أتى به ولا ماله قتله. فالمال لا يؤمن له هذا الحضور الدولي والعربي.. بل حضوره السياسي وطريقة عمله وتفكيره وتواصله معهم.. أهم ما في شخصيته أنّ المال بالنسبة إليه لم يكن له قيمة..
كان يعتبر أن الله أكرمه ويتصرف على هذا الأساس، لقد كان يعيش في فترة الغنى كما كان يعيش في فترة الفقر، وعلاقاته الأسريّة كانت على حالها، علاقته بالمرحومة والدته،علاقته بوالده، علاقته بشقيقته.. لقد حافظ على جميع علاقاته في مرحلة ما قبل الغنى..
إنها جزء من المبالغة أن نقول أن العنصر الرئيسي في عمله كان المال، هذا غير صحيح. لو كانت الفلوس تحل له مشاكله لاستغلّها في حل مشاكل كثيرة. لقد عانى مشاكل وحروباً سياسية منذ عام اثنين وتسعين.”

* اليوم مع من تتحدث عن ذكرياتك مع الرئيس الحريري؟
” -أنا لا أفعل ذلك إلا نادراً.. إذا تحدثت فأتحدث مع فريد مكاري أو وسام الحسن أو محمود كوكش وبالطبع السيدة بهية الذي أراه دائماَ في عينيها، ولكنني لا أعتبرها سيرة دائمة.”

* هل تفتقد أحيانا الرئيس الحريري؟ وخصوصاً المرحلة التي عملت فيها معه؟
” -لقد تمكّنت من تجاوز هذه المرحلة.. ما لعب دوراً أساسياً في ذلك القدرة على التعبير عن رأيي والكتابة. أحسست عندها أنني أقوم بواجبي وأقوم بمسؤولياتي تجاه المرحلة التي عملت فيها مع الرئيس الحريري. لم يعد لدي إحساس بأنني مقصّر في إنصاف هذه المرحلة أو في الدفاع عنها، أنا كتبت لمدة أربعين شهراً أموراً شخصية وسياسية لها في معظمها علاقة بهذه المرحلة.”

* ما الذي دفعك الى ذلك؟
” -إغتياله.. الرئيس الحريري لم يقتل في حادث سيارة، اغتيل بأبشع الطرق، صورته على شاشة التلفزيون وصورة السيارة وصورة منطقة السان جورج تجعل الإنسان ينفجر وليس فقط يشتغل ويكتب ويحكي ويقاتل.. وكل واحد يعبّر عما يعتمل في نفسه، وأنا اخترت أن أعبّر بالكتابة والتواصل مع جمهور رفيق الحريري بكل الوسائل الاعلاميّة المتاحة.”

* كيف واجهت الصّدمة وخبر اغتيال الرئيس الحريري؟
” -في اللّحظة الأولى لم اشعر أنني يجب أن أفعل شيئا غير البكاء والتفتيش عن الأشخاص الذين اعتقدت أنّهم كانوا معه في السيارة.. وصرت كلما اكتشفت أنّ أحداً لم يكن معه ننهار سوياً ونأخذ بالبكاء. ولكن بعد فترة توازنت وأصبحت أفكّر بشكل سوي. بعد فترة بسيطة أدليت بحديث لصحيفة (الحياة) على حلقتين مع الصديق حازم الأمين وقررت من وقتها أن أعود للكتابة بعد توقف خمسة عشر سنة.”

* كتبت عن بيت قريطم القديم..
” -أنا لا أعرف قريطم الجديد، لقد نفيت قبل أن ينتقل إلى البيت الجديد وبالتالي كل ذكرياتي هي عن البيت القديم، الذي أعتقد أنّه – حتى هندسياً – أجمل من البيت الجديد. كتبت عن جماله لسببين: أولاً، جماله الإيطالي الطراز. وثانياً، لأنه لدي ذكريات فيه، في كل تفاصيله وزواياه، ليست قليلة أن أعيش في مكان ما لمدة عشر سنوات وعلى مدى أربع وعشرين ساعة في اليوم دون أن أتأثر..”

* لأي لحظات يأخذك الحنين ؟
” -قلت أنني قسوت على نفسي لأتجاوز هذه المشاعر وأتصدّى للدفاع عن كل تلك المرحلة بالكتابة، وبالتالي استبدلت الحنين بالدفاع. ولكنني في الحقيقة أفتقد للكيمياء التي كانت بيننا.. أتذكّر كثير من الروايات التي فيها ضحك وخفة دم وود.. لا أشعر بالحنين للجانب السياسي من العلاقة، بل للجانب الإنساني.”

منذ ان كان فتيا ، دخل معترك الحياة السياسية . اولا كانت القضية الفلسطينية … وتدحرجت الكرة حتى اصبح … نهاد المشنوق ..

نهاد المشنوق . المناضل ، الصحافي ، السياسي والكاتب…

* لقد شغلت مناصب عدة ، فأنت مستشار رئيس حكومة ولديك تاريخ نضالي، سياسي، إعلامي..
” -بدأت بالعمل باكراً.. عملت في الحياة العامة وكان عمري حوالي 18 سنة، وهناك ثلاث تجارب سياسية كبرى في حياتي.. الأولى هي تجربة الشباب المندفع المؤيّد للمقاومة الفلسطينية ولو على حساب لبنان، وانا أعترف بذلك…. في تلك المرحلة، كنا نخلط بين النزاع الداخلي ودعم القضية الفلسطينية.. خضت تجربة اللقاء الإسلامي مع الحكيم الراحل تقي الدين الصلح، وبعدها خضت تجربة العمل مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري”.

* مقالاتك تتضمن وقائع سياسية مرفقة بشهادة شخصيّة.. لتصل بهما إلى القاريء…. كيف تصّنف كتاباتك ؟
” -عندما بدأت بالعمل الصحافي تعلمت على يد اثنين من الأساتذة الكبار هما: الأستاذ سليم اللوزي ومحمد جلال كشك (رحمهما الله).. وهما معروفان بأسلوبهما وتميزهما. لا شك أنني ما زلت متأثراً بتلك المرحلة، وصفة الكاتب هي أكثر الصفات التي تريحني..
انما، ما فجّر في كل هذا الإندفاع وهذه الأحاسيس هو اغتيال الرئيس الحريري. عملية الاغتيال خلقت حالة من الغضب الشديد والإحساس بضرورة الإندفاع أكثر لإنصاف هذا الرجل.. المنفى لم يفعل ذلك، المنفى له طبيعة حزينة. أنا تجاهلت كل من أساء إلي ومدحت كل من سأل عني في تلك الفترة، لم أسء لأي شخص لا بالكتابة ولا بغيرها. نعم لقد أحسست بنوع من الظلم.. ولكن هذا لا يقارن أبداَ بما حصل للرئيس الحريري.”

* تحدّثت عن عتب على الرئيس الحريري، كيف تطوّر هذا العتب لاحقاً؟
” -لم يكن بالضرورة عندي حق بالعتب وقتها، هذا عتب على نفسي من باب الدلال عليه أو من باب الدالة عليه.”

* هل كنت تنتظر منه مبادرة ما؟
” -كلا.. كنت ربما شعرت بالحاجة الى أكثر من مبادرة، كنت أنتظر منه اهتماماً خاصاً.. هو كانت لديه معركته السياسية الحادة في لبنان.. قد لا يكون معي حق في العتب ولكنني في لحظتها أحسست أنني بحاجة الى اهتمام معنوي .. ولكنني أعترف بأنه لم يقصّر معي في المجالات الاخرى.”

* ما هو الذنب العظيم الذي ارتكبته حتى يتم نفيك؟
” -أولاً.. هم أرادوا أن يبعثوا رسالتين، الأولى لكل الجو الإعلامي والسياسي بأنهم يستطيعون نفي شخص له هذه الصفة وهذا التاريخ، والثانية.. للرئيس الحريري مباشرة أنهم يستطيعون منعه من إبقاء مستشاره الرئيسي بقربه.
في البداية حققوا الأمرين (الأمن السوري واللبناني)، وبعد ذلك في انتخابات سنة 2000 لم يقصّر الرئيس الحريري في رد الصفعة.”

* ولكنك لم تعد الى لبنان سنة 2000؟
” -أنا كنت آتي وأذهب، فلم يكن مسموحاً لي أن أبقى كل الوقت في لبنان.. كنت آتي وأذهب مع قليل من المتابعة السياسية، وفي فترة زرت الرئيس الحريري وقلت له إنني سأنفتح على كل الناس بمن فيها معارضوه، فأنا لا أستطيع أن أبقى في البلد وأغلق الباب على نفسي، فقال لي: لا أستطيع أن أمنعك عن أمر أفعله أنا.”

* هناك من ينتقد كتاباتك.. وخصوصا تجاه الدول العربية.. حيث تحاول أن تساير كل الأطراف ولكن بشكل لبق وجذاب..
” -أنا أعتقد أن هذا التقييم غير موضوعي.. لقد كتبت أقسى الكلام عن السعودية في فترة حرب تموز وتحت عنوان (ماذا حدث للسمع السياسي السعودي؟) وعلى حلقات متتالية، ولكن بطريقة لائقة فليس المطلوب أن تكون قليل التهذيب ليكون لك موقف سياسي.. لا أستطيع أن أكون غير موضوعي في الكتابة عن أي جانب سياسي، تجاه السعودية أو غيرها.. أعترف بالجيد الذي أراه وأنتقد ما لا أوافق عليه. أما مسألة أنني أساير كل الناس فهذا وصف غير دقيق لأن لدي خلافات سياسية كبرى مع أطراف محلية وإقليمية..
أنا أكتب بشكل موضوعي، وعند الضرورة أكون قاسيا بلياقة، وأساند عندما أرى أن تصرفاً ما يساهم في تعزيز الموقف الداخلي أو العربي. لقد كتبت أقسى الكلام عن الرئيس السنيورة حتى جاء الاعتصام ورأيت فيه اعتداء على الرجل وموقعه فوقفت الى جانبه حتى لآخر لحظة وحتى نهاية الإعتصام. قسوت على سعد الحريري، وانتقدت وليد جنبلاط، قسوت على السعودية وانتقدت السياسة السورية وانتقدت حزب الله والمشروع الإيراني..”

برلمان جديد بكتلة متوازنة نواتها ميشال المر وناظم الخوري.
وقد يكون ميشال المرمن أكثر المتوازنين شجاعة.

* كيف هي علاقتك الآن مع الرئيس السنيورة؟ هل هي مقطوعة؟
“-الإتصال مقطوع وليس العلاقات، لسنا على خصومة، مرّت مرحلة وانتهت مفاعيلها الآن. علاقتي الرّاهنة مع الرئيس السنيورة عادية.”

* وكيف هي العلاقة مع الشيخ سعد الحريري؟
“-العلاقة ودية وكويسة جداً.. أناقشه في كثير من المواضيع ولكن دون إلزام بالإستماع إلي أو استشارتي. أناقشه كصديق وككاتب سياسي، وهو زعيم أكبر كتلة برلمانية ويهمني ككاتب أن أعرف رأيه وتصوره وقراءته للأحداث، كما أنني أتردّد على النائب وليد جنبلاط والرئيس نبيه بري.. لدي جولة شهرية على مجموعة من الناس الذين أحرص دائماً على زيارتهم ومناقشتهم ومنهم الرئيس ميقاتي وفخامته كما أسمّي جان عبيد.. وحتى منذ أشهر كنت أزور الجنرال (عون) وكنت أناقشه وأختلف معه، ونادراً ما اتفقنا ولكنني كنت حريصاً على النقاش معه، أنا أعرفه منذ زمن طويل ومن الطبيعي أن نلتقي..
ولكن في الفترة الأخيرة رأيت أن الحدّة وصلت إلى مكان لم يعد النقاش مفيداً معه. فقررت أن أتوقف عن زيارته لانني أرفض أن أسمع هذا الكلام الحاد الذي ليس له علاقة بالسياسة مثل قطع الرؤوس وقطع الألسنة والأيادي..”

* والعلاقة مع حزب الله؟
” -أنا أحرص دائماً على أن ألتقي أشخاصاً من حزب الله، بالقدر الذي تسمح لهم ظروفهم، ونتناقش سوياً حول مختلف القضايا.”

* تحدثت عن مشروعين سياسيين.. أين أصبح هذان المشروعان؟
“-كتبت عنهما كثيرا.. ومن الواضح أن هناك رغبة عند الجميع بالتهدئة مع مجيء إدارة أميركية جديدة ومع كسر الجليد بين سوريا والسعودية.. ليست هناك اشتباكات سياسية عالية بين الدول العربية، الأمور هدأت وصارت شبه طبيعية.. رغم ذلك، أرى أن الخصومات السياسية في لبنان ستزيد لأن لغة الإنتخابات هي لغة استنفار والتصعيد في الخطاب الانتخابي أمر طبيعي جداً جداً.. أنا أستغرب أن يتأثر به اللبنانيون إنه أمر طبيعي.. الجنرال عين كل الناس خصوماً له.. السني والبطريرك ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وسعد الحريري.. لأن الانتخابات على الأبواب، هل يعقل أن كل هؤلاء في تكتل واحد لمواجهة الجنرال عون؟ هذا كلام انتخابي وليس كلاما واقعياً.”

* كيف ترى المجلس النيابي المقبل؟
” -الأكثرية ستحافظ على جزء كبير من جسمها، والمعارضة ستتقدم ولكن قليلاً.. وهناك مشروع لكتلة متوازنة بين القوتين الرئيسيتين عند رئيس الجمهورية. هذه هي الصورة، ومن الطبيعي أن تكون هناك كتلة متوازنة أرى أن نواتها الأساسية الرئيس ميشال المر والنائب ناظم الخوري ومن يساندهما.”

* هل تعتقد أن المرشحين على الكتلة المتوازنة هم متوازنون؟
” -أنا أرى أن الرئيس المر متوازن طبعاً، وهذا موقفه من زمان وليس جديداً، قد يكون هو أكثر المتوازنين شجاعة، لأنه في إعلانه وتبنّيه وتصدّيه يجب أن نعترف له بالشجاعة.. لا يقال عن الرئيس المر أنه فقد صوابه، لان من يستعمل تعابير أقرب الى فقدان الصواب هو شخص آخر……”