حملة «عين القدس» تواجه مخرز ترامب

اخترت لكم 08 يناير 2018 0

كتب عزت صافي في الحياة: صور في الذاكرة العربية، والمقدسية، لفلسطين عموماً، وللقدس خصوصاً، بشوارعها وحاراتها القديمة المرصوفة بالحجارة الدهرية، وبها شُيّدت القناطر، والقباب، والصوامع، والأبراج، والمنارات، ومنها كنيسة القيامة، والمسجد الأقصى.

هي مدينة السلام، والإيمان، والرحمة، والرجاء، والعزاء، وقد صارت مدينة النزاع والصراع، والخوف، وحسابات الغدر بأهلها العرب، المسلمين والمسيحيين، الذين هم، في الأصل، صورتها، وروحها، ومذاقها، ورونقها، ونسمة ريحها المعطّرة بعبق التاريخ الضارب في أعماق الوجود.

في قديم الصور، في الأسواق القديمة المتحجرة، المقدسي شامخ الطلّة، بكوفيته البيضاء، وعقاله الأسود المجدول، وجبته المطرّزة، والقنباز الفضفاض، ووجهه المشرق بالعينين المفتوحتين على فضاء المدينة، حيث وحين كان اليهودي يعبر الطريق بخفة وحذر، وكأنه يتلطى بظلّه، قاصداً حارته، أو حانوته.

القدس حالياً في نكبتها الخامسة بعد وعد بلفور (1917) وقرار التقسيم (1947) وحرب الاحتلال والتوطين (1948) وحرب الهزيمة (1967)، وها هي أخيراً مهدّدة بالتحول لتكون «عاصمة دولة إسرائيل» بقرار اتخذه رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب، المطعون بشرعية رئاسته، وبأهليته، وبأخلاقياته.

من سوء حظ فلسطين والشعب الموزّع على جميع أقطار الأرض، الواعد، والموعود، الناذر، والمنذور، ليوم العودة إلى بلاده، وبيته، وأهله، أن يأتي قرار ترامب في زمن الكوارث الوطنية والقومية التي تعم بلاد العرب، من مشرقها إلى مغربها. وقد يتبين في تاريخ غير بعيد أن فوز ترامب (الجمهوري) برئاسة الولايات المتحدة الأميركية شبيه بفوز هاري ترومان (الديموقراطي) بالرئاسة عام 1948، فكلاهما صنيعة اللوبي الصهيوني في الكونغرس. الأول ضَمن الاعتراف بقيام دولة إسرائيل في فلسطين، والثاني «يتبرع» بالقدس عاصمة لها. أما المسافة الزمنية بين ترومان وترامب فهي سبعون سنة.

وإذ تأتي ردّات الفعل العربية على قرار الحزب الإسرائيلي الحاكم باردة إلى درجة أنها تبدو روتينية، أو من حواضر التصريحات الجاهزة في الذاكرة وعلى الورق، تندفع المؤسسة الصهيونية بكل قواها وأدوات نفوذها الدولية، وفي طليعتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لوضع العالم العربي أمام أمر واقع يتكوّن بسرعة بدءاً من القدس، حيث أقرّت «الكنيست» تعديلاً يقضي بـ«عدم جواز تسليم أراض من المدينة الموحدة إلى أي كيان سياسي آخر، أو سيادة أجنبية في إطار تسوية للصراع في المستقبل إلا بتأييد ثلثي عدد الأعضاء»، وهذا شرط تتحكم به إدارة الحكومة.

هذا القرار له عنوان واحد: «القدس الموحدة عاصمة إسرائيل»، أي أنها سوف تضم إلى حرمها كل الأحياء والضواحي التي تشكل خريطة المدينة التاريخية. وأهم تلك الضواحي: البلدة القديمة» و«جبل الزيتون». ويبقى على الفلسطينيين، والعرب أجمعين، أن يبحثوا عن مدينة أخرى يسمونها «عاصمة فلسطين»، هذا إذا كان لهم أن يعلنوا دولة مستقلة على بقايا من فلسطين.

يحدث ذلك فيما مصر ترعى من جديد، وساطة لإعادة التواصل بين غزة والضفة الغربية لحل الأمور المعقّدة بين «الحكومتين» و«الشعبين». ففي قطاع غزة جوع، وبؤس، وبطالة، وشلل، وفي رام الله عجز مالي، وضعف إداري، وهموم وطنية وقومية في وضع عربي بائس.

لم يبق لفلسطين خارج الأراضي المحتلة سوى السياسة والإعلام، خصوصاً في الأوساط الجامعية. وقد ذهبت إلى موعد مع رئيس الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور فضلو خوري الذي كان له موقف وطني قومي من قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل. والدكتور خوري هو الرئيس السادس عشر وأول رئيس عربي لبناني لهذه الجامعة منذ تأسيسها العام 1866، وقبله تناوب على رئاستها خمسة عشر رئيساً أميركياً، أحدهم من أصل سوري مولود بهوية أميركية في عائلة نشأت في الولايات المتحدة، وهو الدكتور روبرت حداد.

عند مدخل «كولدج هول» في حرم الجامعة حيث مكتب الرئيس، توقفتُ أمام تمثال حُفرت عليه الكلمات التالية: «دانيال بلس.. دكتور في اللاهوت.. الرئيس الأول للمدرسة – الكلية السورية الإنجيلية (1866 – 1902).. أقام هذا التمثال تلامذته المقيمون في مصر والسودان سنة (1904).وبحساب سريع يتبيّن أن الجامعة الأميركية في بيروت بلغت عامها الـ152. وخلال هذا الزمن تخرّج منها 71500 جامعي وجامعية من أجيال الشبان والشابات من جميع الأقطار العربية ( لبنان– سورية- فلسطين– الأردن– العراق– المملكة العربية السعودية– البحرين– الكويت– الإمارات العربية المتحدة– قطر– سلطنة عمان– مصر– السودان– وليبيا، فضلاً عن دفعات خريجين وخريجات من مختلف الجاليات الأجنبية الموجودة في لبنان.

أما العدد الإجمالي للخريجين والخريجات الموجودين حتى أواخر السنة المنتهية (2017) فهو ستة وستون ألفاً، منتشرين في مئة وإحدى وأربعين دولة عربية وأجنبية.

لا يخفي رئيس الجامعة الدكتور فضلو خوري الأسف للقرار الأميركي، ويقول: لقد جعل مهمتنا أصعب، فنحن في صلب مهمتنا ورسالتنا الجامعية أن ننشر قيم الحرية والعدالة والكرامة للإنسان أينما كان، والى أي هوية أو ديانة، أو قومية انتسب. بل إن من واجبنا أن نعمل بكل جهد لإنشاء قادة فكر معتدلين.

وبوضوح تام يؤكد الدكتور خوري الالتزام الدائم بقضية فلسطين على أنها إحدى السمات المميزة للجامعة الأميـــركية، ويقول: إن تاريخ منطقتنا يدحض نظرية اليهود بأن أورشليم (القدس) وُجدت لتكون عاصمة إسرائيل، ويستشهد الدكتور خوري بإثبات يعود للدكتور إدوارد سعيـــد في نص تاريخي يفيد بأن الكنعانيين والفلسطينيين كانـــوا في فلسطين قبل المسيح بثلاثة آلاف سنة. وحسب الدكتور سعيد فإنه يجوز لليهود أن يعلنوا أنهم سكنوا القدس ثلاثمئة سنة بعد قيام موسى بنقل قبيلته إلى إسرائيل، وفقاً للعهد القديم. لكن الكنعانيين والفلسطينيين كانوا قبل اليهود في القدس وفي سائر أنحاء فلسطين.

وكانت على مكتب الدكتور خوري نسخة من بيان أصدره يوم 8 كانون الأول (ديسمبر) الماضي يتضمن نبذات من مواقف وكلمات لرؤساء الجامعة الأميركية منذ عهد «بايار دودج» الذي كان رئيساً للجامعة من سنة 1923 إلى سنة 1948، وهو أول رئيس أعلن معارضته تقسيم القدس، ولم يكتف بذلك، بل أشرف على تنظيم أنشطة جماعية وفردية لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين الذين نجوا من المذابح التي ارتكبتها العصابات الصهيونية. وبعد الرئيس الدكتور دودج جاء على رأس الجامعة الدكتور «ستيفن بنروز»، وهو كان الداعية الأميركي الأكثر شهرة لقيام دولة فلسطينية، وفي أيامه نشطت «جمعية العروة الوثقى» في حرم الجامعة الأميركية دعماً لقضية فلسطين بين العام 1918 والعام 1955، وفي تلك المرحلة برزت أنشطة مجلس طلبة الجامعة الأميركية الذي كان ينظم الاحتجاجات الطلابية دعماً لقضية فلسطين، فضلاً عن حملات للتبرع بالدم، وتنظيم دورات للإسعافات الأولية.

وفي الإحصاء الأخير الذي أجراه مركز الإحصاء الفلسطيني (نهاية السنة 2016) لمجموع الشعب الفلسطيني في الوطن وأقطار الشتات جاءت الأرقام التالية:

المجموع العام 12 مليوناً و700 ألف، موزعين على النحو التالي:

في الضفة الغربية: ثلاثة ملايين.

في قطاع غزة: مليونان

في الأراضي المحتلة: مليون ونصف المليون.

في الأقطار العربية: خمسة ملايين ونصف المليون.

في الدول الأجنبية: سبعمئة ألف.

تكشف هذه الأرقام أن نصف الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، والنصف الآخر في أقطار الشتات.

وكما حال الشعب الفلسطيني في داخل بلاده كذلك حاله في الخارج: منظمات، وجمعيات، وجبهات، ومؤسسات و«قيادات» و«حكومات»، وإستراتيجيات، وموازنات، وسياسات، وتحالفات، مع دول إقليمية وأجنبية، ويكفي التذكير بما بين منظمة «فتح» و«حركة حماس» منذ سبع سنوات على الأقل، والتواصل بالواسطة، وكأن ما حدث خلال السنوات السبع الماضية وما قبلها، كان مجرد «سوء تفاهم»، بقطع النظر عن أرقام الشهداء والضحايا، وحالات العوز الذي يأتي بالذل لمئات الألوف من العائلات الفلسطينية التي تمثل، بفقرها وعذابها، روح فلسطين التي تقاوم الموت بالإيمان، وبالعزم على الصمود، كما لو أنه القدر الذي تهون أمامه كل الصعاب.

سبع سنوات فلسطينية، هي سبع سنوات عربية، سورية، وعراقية، ومصرية، وأردنية، ويمنية، وليبية، ولبنانية، وتونسية، وجزائرية، ومغاربية، وخليجية.

فإلى من يوجّه نداء النخوة، والجيوش العربية تنفذ أوامر قياداتها بقتل أهلها في سورية، والعراق، واليمن، وليبيا؟!

هناك جهة واحدة تتمثل بتنظيمات الجامعيين والجامعيات العرب المتخرجين والمتخرجات من جامعات العالم، شرقاً وغرباً، ومن كل الجنسيات والمذاهب والانتماءات. ستة وستون ألفاً عدد خريجي الجامعة الأميركية في بيروت، هم منتشرون على مدار العالم، ومثلهم عشرات الآلاف من الخريجين العرب الطالعين من جامعات مختلفة، عربية، وأميركية، وأوروبية، وروسية.

ولتكن القدس «العين» التي ستواجه مخرز الرئيس الأميركي دونالد ترامب على مدار العالم. وقد تصح «عين القدس» عنواناً وشعاراً لحملة يطلقها الجامعيون العرب.