حفل تكريم الوزير المشنوق في جمعية خريجي المقاصد: الاعتدال صعب ولكنه قوة

كلمات 28 سبتمبر 2014 0

عندما دخلت الى هنا ورأيت وجوها تعودت عليها سنوات طويلة في قريطم، مقر الرئيس الشهيد رفيق الحريري رحمه الله، أحسست بأن طواف روحه هي بيننا، وهي في كل شخص منكم، ان في موقع المسؤولية او في موقع العمل او في الموقع البيروتي ايضا.

حمّلني عريف الحفل صفات اكثر بكثير مما احمل، فعندما كلفت في الاشهر الماضية بمهام وزارة الداخلية، جل ما حاولت فعله كأسلوب عمل، تعلمته من الرئيس الشهيد رفيق الحريري. لفتني كلام رئيس الجمعية عن مسألة العلاقة بين قيادتي قوى الامن الداخلي والجيش اللبناني، هذه نقطة اساسية كانت في عقل الرئيس رفيق الحريري وحاول ان يرتبها دوما، لكن الوصاية السورية كانت تمانع من نشوء هذه العلاقة على اسس طيبة وعاقلة ومتينة، كان همّ الرئيس الشهيد في وزارة الداخلية كيف تنشيء قوى الامن مؤسسة امنية جدية شريكة في القرار الامني اللبناني وليست شاهدة على عمل الاخرين. ما كان لهذا الامر ان يتم الا من خلال علاقة صحية وسليمة مع الجيش. وهنا اقول انه في الاشهر الستة الاخيرة استطعنا ان نحقق جزءا جديا من العلاقة مع قيادتي قوى الامن والجيش، اذ تبين من التجربة الحكومية انه لا يمكن للامن ان يكون جديا الا من خلال التعاطي مع الجيش.

لقد حضرت ثلاثة اجتماعات في وزارة الدفاع وقلت لهم الآتي: “انا امثل جهة سياسية معنية بالامن في البلد قبل اي شيء آخر، وبيروت عاصمة، الكل يعلم مدى اهمية الامن فيها، فأنا ومن امثل لا يمكن ان اكون شاهدا بل شريكا في القرار والتنفيذ والنتائج. الكل يؤكد نظرية ان الارهاب سم، لكن هذا السم يستعمل في الدواء بنسبة قليلة جدا ينفع ويصحّح الجسم، وهناك سم اذا حصل خطأ في آلية تركيبته يقتل، فاذا احببتم اخذ هذا السم لوحدكم فأنتم أحرار، واذا رغبتم في اشراكنا في تحمل هذا السم الذي ينقذ البلد فنحن شركاء في كل شيء ونحن معكم”.

لقد حققنا ما نسبته 40 % من النجاح في نتائج التنسيق، وقوى الامن الداخلي بتعدد فروعها وخصوصا شعبة المعلومات احدى اهم مراكز الاستشعار في المسائل الامنية في البلد اعطت نتائج ممتازة حتى الآن، وما تسمعونه من مشاكل منذ سبعة اشهر حتى اليوم هي اقل بكثير مما كان يمكن ان يحصل.

نحن على خط الحرائق الذي بدأ بالحريق السوري منذ 3 سنوات وبعده الحريق العراقي، وبفضل وعي اللبنانيين وهذه الشراكة حصل ما هو محدود جدا جدا على عكس الشائع. خصوصا وان الحريق الذي يحصل بقربنا من هذا النظام الظالم والمجرم احصى اكثر من ربع مليون قتيل هذا عدا ملايين المهجرين ومليارات الدمار.

لقد تحققت الهدنة عندنا في لبنان، بفضل حكومة الائتلاف التي كانت خيارنا الوحيد على الرغم من الاعتراضات، وذلك لابعاد الحريق السوري ومن بعده الحريق العراقي عن لبنان. والفراغ في رئاسة الجمهورية لا يملأ بأن نعطل مجلس النواب او الحكومة، لانه بذلك يكون الفراغ ينسحب على الجمهورية وليس على مجلس النواب اوالحكومة. وقناعتنا ان مجلس النواب والحكومة يجب ان يتضاعف عمله بكل طاقته للتحقيق للمواطنين بعض ما يريدونه.

البعض يحمل علماً اسوداً في طرابلس وغيرها عليه كلمات مقدسة وهي الاولى والاصدق بديننا كمسلمين، ويعتبر هذا البعض ان هذا العلم يعبر عن وجهة نظرهم، وهو علم دولة الاسلام. انا اقول ان هذا العلم وهذا الكلام المكتوب عليه لا قيمة له عندما يستعمل لذبح عسكري لبناني تحت رايته. انا لست بمتخصص بالدين ولكن لا اقبل للحظة ان ارى مواطنا او عسكريا لبنانيا يذبح تحت راية هذا العلم ويأتي من يقول ان هذا علم دولة الاسلام. أسأل حاملي هذا العلم ما الذي فعله للعراق وسوريا والسعودية ؟ ان هذا ليس بالإسلام، ولبنان ليس ليس بلداً اسلاميا، بل بلد التنوع والاتفاق، وبلد كل الطوائف، ومن يرضى يرضى ومن لا يرضى لا يرضى.

إن أهم ما فعلته المملكة العربية السعودية قبل المساعدات هو يقظتها لوقف التطرف، ونحن اللبنانيون لنا مصلحة قبل السوريون والعراقيون، لاننا لا نقبل ولا للحظة بأن يكون وضع المسيحيين في لبنان كما حصل في سوريا والعراق من باب حفظ توازن البلد وحكمة وعقل البلد، ومن دون ذلك تنتقل الحرائق لعندنا كما في سوريا والعراق.

الاعتدال أصعب من التطرف وهو ما تمثله بيروت وهذه الوجوه الكريمة، والغلو والمبالغات واستعمال الدين كواجهة سياسية هو الاسهل ويؤسس للعصبية، لكن هذا ضد الدين بمضمونه لان الدين هو تسهيل لحياة الناس، وانا اعرف، ان العشرات ممن ساروا في طرابلس لا يمثلون المدينة واهلها، لان ما قاموا به هو اعتداء على المدينة والدين والاسلام وهو تشويه للدين.

لقد اعجبني النص الذي ذكر على لسان مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في حفل التنصيب ومفاده: ليس صحيحا ان الاعتدال ضعيف او خفيض الجانب، صحيح انه اختيار صعب وسط صيحات التعصب ونزعات التطرف، لكنه قوي وقوي جدا بموازين الحياة الكريمة وصلابة الحق وقيم الخير والعدل وانسانية والانسان، وقوي بالارادة العازمة التي لا تلين من اجل الاصلاح والنهوض في محيطنا الاقرب وفي المدى الابعد. كيف نكون بشرا ثم نسمح بل ويشارك بعضنا في هذه الجرائم التي وتنوء تحتها الاديان والاوطان وانسانية الانسان، كلنا لدينا مسؤوليات كبرى فيما يخص حياتنا العامة.

كلنا مسؤول وكلنا معني وكل جمعة من هذا النوع بالاشخاص الكريمة تؤكد اكثر واكثر ان المدينة بعدها بخير، وان الاعتدال قادر وهو الذي سينتصر.

لقد ذكر الاستاذ شربجي ان الجمعية عمرها 85 سنة، هذه المدينة فيها جمعية اسمها المقاصد اسّسها رجل فاضل، علّمت وربّت وخرّجت، وتبوأ خريجوها المناصب، وأسّست في الوقت عينه جمعية للخريجين لا تزال قائمة حتى اليوم، وهي استطاعت ان تجمع هذه الوجوه الطيبة. هذا الرقم ليس بسيطاً، ما يعني ان المدينة لا تزال بخير وعافية، وان كل ما مر عليها لا يستطيع أن يغيّرها. البعض اعتقد ان الايذاء والتطرف يمكن ان يغير من طباع بيروت لكنه يكتشف بعد فترة انه مهما حصل من تغييرات تبقى الأحداث عابرة سواء كان اعتداء او تغيير او انقلاب سياسي، بيروت تبقى بيروت، هي وأهلها.

لقد عاشت الحكومة السابقة ثلاث سنوات،واعتقد مريدوها انه باستطاعتهم ان يغيروا الدنيا والآخرة في البر البحر والجو، وانهم قادرون على الغاء الآخرين، لكن تبين انه بعد ثلاث سنوات لم يستطيعوا فعل شيء، فأعادوا الطلب للجلوس مع الذين يمثلون حقيقة، والحكومة التي مرت كأنها لم تكن، هذا دليل ان العقل والحكمة والاعتدال والنجاح الاقتصادي العظيم، هو الذي يمثل بيروت.

نحن صامدون بالاعتدال وقادرون بالحكمة ونواجه بالعقل في بيروت وصيدا وطرابلس وكل ملحقات المدن الرئيسية، فشكرا لجمعية خريجي المقاصد على هذا الحفل اللطيف في صبيحة الاحد. وان شاء الله تبقى المقاصد بخريجييها ومديريها ومسؤوليها وعلى رأسهم الاستاد امين الداعوق والرئيس تمام سلام.