حفل إطلاق مشروع قانون اللامركزية الإدارية: البنية التحتية للدولة ما زالت موجودة وبقوة

كلمات 02 أبريل 2014 0

فخامة الرئيس، أيها الحضور الكريم،
تقول العرب “الحُسنُ يظهر حسنَه الضدُ” وهذه قاعدة جمالية لا تزال قائمة لايقوى عليها الزمن ولا تغيير الأمزجة والأذواق. لقاؤنا اليوم في قصر بعبدا وفي حضور فخامة رئيس الجمهورية ميشال سليمان بمناسبة إطلاق مشروع قانون اللامركزية الإدارية،هذا صحيح لكنني سمحت لنفسي ان ابدأ من ضدها بجمل قليلة.
نحن نعاني من فوائض في المركزية الخطأ وفوائض موازية من اللامركزية الخطأ، وهو ما كان ولا يزال ساكن هذا القصر يعبر عنه بشجاعة وحكمة وتبصر. فالأمن والامان وصون السلم الاهلي وحماية وحدة المجتمع والكيان لا تستقيم الا بمركزية قرار السلاح، سلماً وحرباً، في الأطر الدستورية الخاضعة للمحاسبة. ومهما كانت عناوين التفلت من قرار مركزية السلاح عديدة ونبيلة.وهي ليست كذلك دائما فلن تقوم الدولة الا على معادلة الدولة اولا والدولة ثانيا والدولة ثالثا. ثمة من يسعى الى اللامركزية في كل ما يتعلق بأدوات العنف التي هي من اختصاص الدولة وحدها وهذا يتجاوز مسالة السلاح الى مسائل كثيرة ليس الآن وقت بحثها ولكن ربما أهمها احتجاز حريات المواطنين وغير ذلك من أوجه العنف التي للدولة وحدها حق احتكار ادواتها. هذا في المركزية التي لا نحيد عنها من اجل بناء دولة مستقرة بمؤسساتها كما بمجتمعها. في اللامركزية، وهي عنوان لقائنا اليوم، فلها وجوه ووعناوين عدة. فهي اولا عنوان وفاقي تعاهدنا عليه في وثيقة الوفاق الوطني. وهي ثانيا في صلب دستورنا الذي نلتقي عليها في مقدمته التي إعتبرت أنّ “الإنماء المتوازن للمناطق ثقافياً وإجتماعياً وإقتصادياً ركن أساسي من أركان وحدة الدولة وإستقرار النظام”. إن اللامركزية الإدارية هي في صلب الإصلاحات السياسية التي أتت على ذكرها وثيقة الوفاق الوطني. ونحن اليوم من خلال إطلاق مشروع القانون نؤكد على تمسكنا بالدستور وبإتفاق الطائف وبمرجعية وثيقة الوفاق الوطني بالرغم من كل الكلام والتهويل حول الحاجة والضرورة لإعادة تأسيس الدولة ولإعادة بناء نظامنا من خلال مؤتمر تأسيسي. كما نؤكد ان وثيقة الوفاق الوطني هي خارطة طريق من أجل تكريس المناصفة والإنصهار الوطني وتطوير عمل المؤسسات الدستورية وزيادة إنتاجيتها وفعاليتها،و نشدد على الالتزام بجميع الإصلاحات التي نصت عليها وثيقة الوفاق الوطني مثل إلغاء الطائفية السياسية وإستحداث مجلس شيوخ ووضع قانون إنتخابات عادل وديمقراطي وعاقل.
فخامة الرئيس، أيها الحضور الكريم،
إنّ النقاش حول اللامركزية الإدارية ليس نقاشاً جديداً وليس نقاشاً لبنانياًفقط. فهنالك إجماع عالمي على أهمية تطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة من اجل تحقيق الإنماء المتوازن في مختلف المجالات والميادين وتعزيز المشاركة السياسة والمساءلة وتأمين التمثيل الصحيح على الصعيد المحلّي. وهي الالية المجربة من اجل تعزيز الشفافية في صنع القرار ايضا وتحسين نوعية الخدمات العامة. لم تعد اللامركزية الإدارية وتعزيز صلاحيات الهيئات والمجالس المحلية هي القاعدة المتبعة في العديد من الدول في العالم وفي محيطنا العربي بشكل خاص بل اصبحت معيارا من معايير تقييم حداثة الدولة والمجتمع. وقد شاركتم يا فخامة الرئيس قبل بضعة أشهر ومثّلتم لبنان في حفل التصويت على الدستور التونسي الجديد الذي أكّد على إلتزام الدولة التونسية إعتماد اللامركزية الإدارية وإعتمادها في إطار وحدة الدولة.وازاء بعض المخاوف التي ترمى اللامركزية بها ينبغي التاكيد على ان لا خوف على الدولة ووحدتها من اللامركزية الإدارية. إنما العكس هو صحيح: تطبيق اللامركزية الإدارية يقوّي الدولة، ويجعلها أكثر قوةً على بناء المؤسسات الدستورية والوطنية، واكثر استجابة لحاجات المواطنين وأكثر عدلاً في توزيعها للموارد على المواطنين وعلى المناطق.
لا نبالغ إذا إعتبرنا أن النقاش حول اللامركزية بدأ منذ الإستقلال عام 1943. ولكن لم يكن هناك أيّ إتفاق أو حتى محاولات جدية للتوصُّل إلى رؤى وتصوّرات مُشتركة لمعنى اللامركزية الإدارية الموسّعة وأُطرها وطُرُق عملِها. وبالرغم من مشاريعِ قوانينٍ وإقتراحاتِ قوانينٍ وبالرغم من دراسات عديدةٍ لم يتطوّر النقاش حول اللامركزية ولم يأخذ حيزاً واسعاً.
من هنا تكتسب خطوة فخامة الرئيس سليمان أهميتها العملية اليوم. فقد أخذ فخامة رئيس الجمهورية على عاتِقه تأسيس لجنةٍ متخصصةٍ من أصحابِ خبراتٍ حقوقية وإدارية ومالية برعاية الصديق الدكتور زياد بارود، وقد عملت هذه اللجنة في إطارٍ منهجيّ علميٍ واضح بعيداً عن السياسة وحساباتها الضيّقة والكثيرة والمُتشعّبة. وقدمت لنا مشروع قانون مُتكامل ومُتجانس للامركزية الإدارية، يوحد الرؤى حول الكثير من القضايا المتعلّقة باللامركزية وبالإنماء المتوازن والمشاركة والمساءلة السياسية.
لقد مضى على وجودي في الوزارة اقل من خمسين يوما استطيع القول وانا مرتاح الضمير أن البنية التحتية للدولة ما زالت موجودة بقوة على عكس كل ما يقال. هناك في الادارة العامة موظفون يملكون من الكفاءة ما اعتقدنا جميعا أنها غادرت الدولة. في الادارة ولو كانت مركزية حتى الآن موظفون شرفاء يقومون بعملهم بكل اندفاع ومسؤولية والأهم أنهم يقومون به عن معرفة وعلم وجدارة. وكانت هذه هي الصورة بعد عشرات السنوات من انتشار عقل السلاح ومدرسة الفوضى وأكرر الإدارة لا زالت على هذا المستوى من المسؤولية الوطنية فكيف لو حدث ما تريده الغالبية العظمى من اللبنانيين واختفى الاحتكار السياسي المسلح بادارة الدولة الجواب هو عودة صباها الجميل للدولة القادرة العادلة المسؤولة التي يريدها الجميع.
في قوى الامن الداخلي ثم في الأمن العام ثم في الدفاع المدني وفي كل الادارات التي عاصرتها في الاسابيع القليلة الماضية وجدت اساسا متينا شريفا نزيها مسؤولا لكل ما يمكن ان يطمح اليه مواطن شريف ونزيه يريد تطبيق القانون ايضا. لا اقول هذا من الخارج اقوله الآن من الداخل بعد ان اعتقدت طويلا مثلي مثل الكثير من اللبنانيين أن هناك خرابا في هذه الإدارات ، هذا غير صحيح. هناك قاعدة جدية، هناك ضباط شرفاء، هناك عسكريين يقومون بعملهم في اصعب الظروف و لا يترددون لحظة حين يجدون كل التغطية القانونية والإدارية. يتصرفون بكل مسؤولية عن اي ملف يقع بين ايديهم هناك حداثة في الأمن العام في الإدارة وفي المكننة ، هناك مسؤولية وطنية طبعا عند الجميع ولكن اولا عند قوى الامن الداخلي التي قدمت في الاسابيع الماضية ثلاثة شهداء لم يتحدث عنهم احد لا من الخاص ولا من العام ولا اعرف ما هي النظرية التي تقول ان هناك شهداء من القديسين وهناك آخرين من الشياطين. هذا كلام واضح
لقد وعدت يا فخامة الرئيس في خطاب القسم وها انت تفي اليوم كما ينبغي لأي رجل دولة ان يفعل. ونحن في وزارة الداخلية والبلديات سنعمل على إعطاء موضوع اللامركزية الإدارية كل أهمية يستحقها، نعمل مع جميع الشركاء والمعنيين لكي يأخذ هذا المشروع القانون مساره المؤسساتي الدستوري بشكل سليم وسريع.
لا شك في أن التحديات والصعوبات كثيرة وعديدة، لكن توفر الادارة السياسية والارادة الشعبية من اجل النهوض بلبنان، تشكلان رافعة لهذه الخطوة ولغيرها من الخطوات في مسار طويل لتعزيز مؤسساتنا الدستورية وأجهزتنا الحكومية والإدارية بما يليق بالمواطن اللبناني.
عشتم وعاش لبنان
الكلمة الآن لمن كان دائما في موقع الحق الوطني، ومسؤولية رجل الدولة، خارج الإدارة وداخل المسؤولية،
تفضل فخامة الرئيس