حريريون يتحررون من البعد الأمني للمستقبل

قالـوا عنه 25 يوليو 2009 0

يدحض مسؤولو تيار المستقبل ونوابه وجود أي خلاف داخلي على هوية التيار، ويحرص هؤلاء على التأكيد أنّ المستقبل تيار سياسي لا صفة أمنية له، وخصوصاً بعد الاجتماع الثلاثي الذي عقد في مكتب رئيس فرع استخبارات الجيش في بيروت، العقيد جورج خميس.
بعد موضوع شرعية ممثل المستقبل وعدمه، ظهر أمس نقاش مستقبلي آخر في الملف نفسه: اللقاء سياسي أم أمني؟ النائب أحمد فتفت علق على الاجتماع التنسيقي الذي عقد في فرع أمن بيروت في استخبارات الجيش. وفيما أكد فتفت أنّ “تيار المستقبل كان ممثَّلاً رسمياً في الاجتماع، وأن المشاركة كانت سياسية لا أمنية”، رأى زميله في كتلة المستقبل، النائب عمار حوري، أنّ الاجتماع ليس “سياسياً، بل محدد بظروفه وما صدر عنه نتبنّاه في تيار المستقبل”. مع تأكيد فتفت أنّ المشروع القائم هو لجعل بيروت عاصمة منزوعة السلاح، أضاف فتفت: “نحن في تيار المستقبل نتمنى أن تكون بيروت منزوعة من السلاح”، “وقد يكون الأمر مقدمة لنزع السلاح في أنحاء لبنان، من دون أن يكون لذلك أي علاقة بموضوع المقاومة وسلاحها”.
يحاول المستقبل الهروب من تقديم صفة واضحة للقاء الثلاثي فينزع عنه مفهومي السياسة والأمن، يرفض المستقبليّون الصيغة الأمنية للاجتماع، ويرفضون أيضاً الصيغة السياسية له. ما يطرح السؤال عن المفهوم الذي يراه تيار المستقبل لهذا اللقاء الثلاثي. وغياب هذا المفهوم الموحد عند قيادة المستقبل يدفعهم إلى استغراب الضجة الإعلامية التي نالها الاجتماع. ما يشير إلى غياب آلية التنسيق وتوحيد الرؤية لدى التيار، وهو ما ينقله أحد المطّلعين على أجواء قريطم، بإشارته إلى أنّ بعض المستقبليين “يحتجّون على عدم مناقشة ملف الاجتماع داخل كتلة المستقبل”. ويستدرك: “إلا أنهم يقولون في العلن إنّ ما شهده اللقاء من مواقف متباينة من داخل التيار يؤكد حالة الديموقراطية”. والأصح: أنّ ثمة حالة عدم تنسيق وعدم نقاش حتى في التفاصيل الصغيرة، كاجتماع التطمين الأخير الذي يعدّه المستقبليون عادياً “وغير استثنائي”، بحسب أحد نواب التيار.
في ملف اللقاء الثلاثي عند استخبارات الجيش في بيروت، يحاول المستقبل الهروب من تقديم صفة واضحة للمشاركة، فيُسقط مفهومي السياسة والأمن عن الاجتماع. ويجد التيار نفسه محرجاً في الصورة الأمنية للاجتماع، على اعتبار أنّ هذا الأمر يعطي شرعية لوجود سلاح حزب الله ووجوده، ويعني أيضاً أن المستقبل مستعدّ للجلوس والتحاور مع الطرف المسلّح. هذا على الصعيد الأمني، أما سياسياً، فيحرج الاجتماع المستقبليين أمام الحلفاء، وخصوصاً المسيحيين منهم، على اعتبار أنّ النائب وليد جنبلاط دربه سالكة في الأصل إلى الضاحية وعين التينة.
من جهة أخرى، اتّسم تصريح النائب نهاد المشنوق لـ”لمؤسسة اللبنانية للإرسال” بقليل من الحدّة، وبدا كأنه يخرج إلى العلن صمتاً حول السياسة السابقة للتيار. فجاء احتجاج النائب البيروتي على عقد هذا اللقاء، نسبةً إلى مكان الاجتماع والشكل الذي ظهر فيه المستقبل. ويرى عدد من المستقبليين، والمشنوق منهم، أنه لا يجوز تقديم هذه الخدمة إلى استخبارات الجيش وإظهارها في موقع القوّة. ينطلق هؤلاء من أمرين لاتّخاذ هذا الموقف: أولاً، أنّ اجتماع هذه القيادات الوسطية لن يكون له مفعول اجتماع “الكبار”، وهم يدعون في العلن إلى لقاء بين قادة الأحزاب. وثانياً، لكون هذه الفئة من المستقبليين لا تثق بالضباط الذين رعوا الاجتماع. وتعتقد هذه الفئة أنه لا يجوز تقديم هذه الهدية إليهم.
ثمة نقطة ثالثة، هي أنّ هؤلاء “الإصلاحيين” يحاولون تثبيت أنفسهم في قيادة التيار، وهدم الصورة التي حاول بعض المستقبليين تقديمها عن تيارهم خلال الفترة السابقة، وخصوصاً في موضوع ميليشياوية تيار المستقبل، التي ظهرت قبل 7 أيار وبعده. يلفت نواب المستقبل في أي موقف لهم، إلى أنّ التيار سياسي ولا علاقة له بالتسلّح واللعبة الأمنية، وهو موقف بدأ يشدّد عليه المستقبليون، وخصوصاً بعد الانتخابات.
والعالمون بشؤون التيار يقولون إنّ المشنوق يحاول القيام بمهمّة تعديل مواقف قريطم، في ظل وجود مجموعة من الأصوات اللامعة في التيار، التي لا تزال غير مؤمنة بأجواء المصالحات والهدنة التي تهيمن على الساحة السياسية.
ويبدو المشنوق منذ وصوله إلى مجلس النواب متحمّساً لفكرة المصالحات، وإبعاد تيار المستقبل عن الخطاب الحاد. وقد كان في اللقاء التأسيسي لتكتّل “لبنان أولاً”، أوّل المؤيّدين لانتخاب الرئيس نبيه بري رئيساً للمجلس، وكان أوّل الواقفين إلى جانب النائب سعد الحريري في تحييد سلاح المقاومة عن السجال السياسي. وتذكيراً، هو كان واضحاً في دفاعه عن المقاومة خلال عدوان تموز 2006. بغض النظر عن أسباب هذه المواقف ودوافعها، يمثّل النائب المشنوق اليوم حالة إيجابية انفتاحية داخل المستقبل، وتتّفق معه مجموعة من المسؤولين والمقرّبين من قريطم.
لم تنجح هذه المجموعة بعد بإتمام كامل مهماتها، وخصوصاً أنّ الاستحقاقات المقبلة كثيرة، وأكثر مفصلية من التي مرّت. هذه حال تيار المستقبل، التي يمكن وصفها بأنها تختزن تبايناً لكن من دون نقاش في عناوين هذا التباين. وفيما تبدو الحياة الداخلية في تيار المستقبل قد تماهت بسرعة مع التقاليد العريقة للأحزاب اللبنانية، لا بد من التوقف عند ظاهرة غريبة في المستقبل اليوم، ألا وهي خروج الاختلافات سريعاً إلى العلن. ما يعدّه البعض مشكلة، فيما يراه آخرون شفافية ودليلاً على الديموقراطية… أو توزيع الأدوار.